فضيلة الشَّيخ عثمان بن محمَّد الخميس حفظه الله
إنَّ
الحمدَ لله ، نحمدُه و نستعينُه و نستغفرُه ، و نعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا و مِنْ
سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدِه الله فهو المهتدي ، و مَنْ يُضْلِلْه فلنْ تجدَ له
وليّاً مرشداً ، و أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، و أشهدُ أنَّ
محمَّداً عبدُه و رسولُه ، أمَّا بعدُ :
فإنَّ
خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، و خيرَ الهدي هَدْيُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه و سلَّم ،
و إنَّ شَرَّ الأمورِ مُحْدَثاتها ، و كلّ محدثةٍ بدعة ، و كلّ بدعةٍ ضلالة ، و كلّ
ضلالةٍ في النَّارِ .
كلماتٌ
نردِّدها دائماً ، نقولُ دائماً في مستهلِّ حديثِنا : ( و خير الهدي هدي محمَّدٍ
صلَّى الله عليه و سلَّم ) ، فإذا كانَ هذا الهدى هو خير الهدي إذاً يجبُ علينا أنْ
نتعلَّمَه ، ثمَّ يجيبُ علينا أنْ نتأسَّى به ، و ذلك أنَّ الله تباركَ و تعالى إنما
بعثَه ليكونَ لنا قدوةً ، و ما أحسنَ أنْ يكونَ للإنسانِ قدوة ، و لذلك قيلَ :
فتشبَّهوا
إنْ لم تكونوا مِثْلَهم *** إنَّ التَّشبُّه بالكرامِ فلاحُ
الله
جلَّ و علا يقولُ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى الله عليه و سلَّم و هو سيِّدُ الخَلْقِ ، سيِّد وَلَدِ آدم ، يقولُ له : " أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ... ( 90)
" سورة
الأنعام ، فإذا
كانَ أمرَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم أنْ يقتديَ فنحن مِنْ باب أولى أنْ
نؤمَرَ بهذا الأمرِ ألا و هو أنْ نقتديَ ، ثمَّ نقتديَ بمنْ ؟؟
الرَّسولُ
صلَّى الله عليه و سلَّم أمِرَ أنْ يقتديَ بمنْ سبقَ ليكونَ له أسوة ، و نحن نقتدي كذلك بمنْ سبقَ ، و لكنْ كلَّما
كانَ القدوةُ خيراً و أفضلَ و أعظمَ كلَّما كانَ هذا أولى ، و لم نجدْ على وجهِ
الأرضِ منذ خلقَ آدمَ إلى يومِنا هذا .. إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ ، و لنْ يجدَ أحدٌ
أحسنَ قدوةً مِنَ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى الله عليه و سلَّم .
فإذا
كانَ الأمرُ كذلك و أنه يجبُ علينا أنْ نتَّخذَ هذا النَّبيَّ قدوةً - صلَّى الله
عليه و سلَّم - إذاً ينبغي علينا أنْ نعرفَ أوَّلاً كيفَ كانَ يعيشُ صلَّى الله
عليه و سلَّم حتَّى نقتديَ به ؟؟ و الكلامُ عنْ سيرتهِ يطولُ صلواتُ ربِّي و سلامُه
عليه ، و ليسَ هذا المجالُ مجالَ الخوضِ
في كلِّ سيرتهِ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، و قد أحسنَ الإخوةُ القائمونَ على
هذا الملتقى أنْ ينتقوا مَثَلاً مِنْ حياةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم ألا
و هو سيرته مع أهلهِ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، و انتقَوا عنواناً جميلاً كذلك و هو
و أنا
خيرُكم لأهلي
مُقْتَبَسٌ
و مُتْقَطَعٌ مِنْ حديثِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم : " خيرُكم
خيرُكم لأهلهِ و أنا خيرُكم لأهلي " .
هذا
النَّبيُّ الكريمُ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه الذي أمرَنا الله أنْ نقتديَ به له
مِنَ الأشغالِ ما الله به عليمٌ ، فهو قائدُ الأمَّةِ و مُرْشِدُها ، و هو كذلك المربِّي
و القدوة ، و هو صاحبُ الأمرِ ، و هو صاحبُ النَّهي - صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه -
يحملُ هَمَّ الأمَّةِ كلّها ، و له إحدى عشرةَ زوجةً صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ،
و عنده جهادٌ في سبيلِ الله تعالى ، و دعوةٌ إلى الله جلَّ وعلا ، و كانَ يصومُ حتَّى
يقال لا يفطرُ ، و كانَ يقومُ حتَّى يقال لا ينامُ ، يقومُ حتَّى تتفطَّر قدماه صلَّى
الله عليه و سلَّم ، و يجلسُ مع أصحابهِ و يسافرُ معهم .. و مع هذا كلِّه لم يقصِّر
في حقِّ أهلهِ أبداً صلواتُ الله و سلامُه عليه !! فإيتوني بهؤلاء النَّاسِ الذين
يقولونَ أوقاتنا لا تَسَعُ !! حتَّى تفرّغ بعض وقتِنا لأهلِنا !! .
فكيف
استطاعَ هذا النَّبيُّ الكريمُ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه أنْ يفرغَ مِنْ وقتهِ لأهلهِ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه
؟؟
يقولُ
ابنُ القيِّم عنْ هذا النَّبيِّ الكريمِ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه : و كانتْ
سيرتُه مع أزواجهِ حُسْنَ العِشْرَة و حُسْنَ الخُلُقِ ، و كانَ يسرِّب إلى عائشةَ بنات الأنصارِ يلعبنَ معها ، و كانتْ
إذا هَوِيَتْ شيئاً - أي أحبَّتْ شيئاً - لا محذورَ فيه تابعَها عليه صلواتُ ربِّي
و سلامُه عليه .
قالَ
: و كانتْ
إذا شربتْ مِنَ الإناءِ مِنْ موضعٍ وَضَعَ فمَه مكانَ الموضعِ الذي وضعتْ فيه فمَها
فيشربُ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، و إذا
تعرَّقتْ عَظْماً - أي نهشتْ مِنْ عَظْمٍ - أتى المكانَ الذي نهشتْ فنهشَ منه
تطييباً لقلبِها صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه .
يقولُ
: و كانَ
يقرأ القرآنَ في حِجْرِها ، يضعُ رأسَه في حِجْرِ زوجتهِ عائشةَ و يقرأ القرآنَ
صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، و ربما سابقَها
فسبقتْه و سابقتْه فسبقَها صلواتُ ربِّي و سلامُه ، و كانَ يقولُ : "
خيرُكم خيرُكم لأهلهِ و أنا خيرُكم لأهلي " صلواتُ ربِّي و سلامُه
عليه .
لما
مَرِضَ مَرَضَ الموتِ في هذا الوقتِ الحرجِ يُراعي مشاعرَ أزواجهِ ، و كانَ يُنْقَلُ
صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه في هذا المرضِ مِنْ بيتٍ إلى بيتٍ حتَّى تأخذ كلُّ
واحدةٍ منهنَّ حقَّها في رعايتهِ و العنايةِ به صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه حتَّى شعرْنَ
مِنْ كَثْرَةِ أسئلتهِ : " أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا
؟ "
، فَشَعَرْنَ أنه يتمنَّى أنْ يبقى طوالَ هذه الفترةِ عند عائشةَ فأذِنَّ له صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، يطلبُ
الإذِنَ حتَّى في هذه صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه !!
له
في حياتهِ مواقفُ كثيرةٌ مع أزواجهِ ننبِّه
على بعضِها ، لأنَّ القَصْدَ هو التَّأسِّي ، أنْ نعرفَ كيف كانَ يعيشُ ؟؟ كيف كانَ
يُعَامِلُ ؟؟ كيف كانَ يتصرَّف إزاءَ
مشكلاتهِ ؟؟ لأنه بشرٌ مِثْلنا ، و يتعاملُ مع بشرٍ ، و يحدثُ له مِنَ المشكلاتِ كما
يحدثُ لنا ، كيف عالجها ؟؟ و كيف ينبغي لنا أنْ نفعلَ إذا وقعنا بمثلِ أو قريبٍ ما
وقعَ فيه صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ؟؟
* - خرجَ
يوماً إلى البقيع في اللَّيلِ - و كانَ في يومِ عائشةَ - يدعو لأهلِ البقيعِ ، فظنَّت عائشة أنه قد يكونُ
خرجَ إلى بعضِ نسائهِ ، و كانَ له تسع نسوةٍ
في ذلك الوقتِ ، فخافتْ أنْ يكونَ خرجَ إلى بعضِ نسائهِ فتبعتْه رضيَ الله عنها ، فإذا
هو عند البقيعِ ، لم يذهبْ إلى امرأةٍ مِنْ نسائهِ ، فظلَّتْ تنتظرُ ، فلمَّا أرادَ
الرُّجوعَ أسرعتْ حتَّى لا يراها ، و كانَ النَّبيُّ قد رأى ظِلاً - زول شخص - فلم
يهتمّ ، فلمَّا وصلَ إلى البيتِ فإذا عائشةُ نائمةٌ ، و لكنَّها تنهدُ مِنَ التَّعبِ
، مِنَ الرَّكضِ الذي ركضتْه ، فقالَ لها النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم : ما
لكِ يا عائشةُ ؟ حشيا رابية ؟ قالتْ : لا . قالَ : لتخبرني أو ليخبرني اللَّطيفُ الخبيرُ . قالتْ
: يا رسولَ الله ! بأبي أنتَ و أمِّي ، فأخبرته الخبرَ . قالَ : أظننتِ أنْ يحيفَ
الله عليكِ و رسولُه ؟
( يعني خِفْتِ أنْ أظلمَكِ
في ليلتكِ و أذهب إلى امرأةٍ غيرِك ، هذا لا يقعُ منِّي أبداً )
قالتْ : مهما يكتم النَّاسُ فقد
علمَه الله ، قالَ : فإنَّ جبريلَ أتاني حين رأيتُ ، و لم
يدخلْ عليّ ، و قد وضعتِ ثيابَكِ ، فناداني فأخفى منك ، فأجبته فأخفيته منك ،
فظننتُ أنْ قد رقدتِ ، و كرهتُ أنْ أوقظَكِ ، و خشيتُ أنْ تستوحشي ، فأمرَني أنْ
آتي البقيعَ فأستغفرَ لهم .
فقالتْ
: يا رسولَ الله ، أنتَ شغلتك آخرتك ، و أنا شغلتني دنياي ، أنت تفكِّر في الآخرةِ
، وأنا أفكِّر في الدُّنيا ، أنتَ تفكِّر
في الآخرةِ و في الاستغفارِ لأهلِ البقيعِ ، و أنا أفكِّر أنك قد تذهبُ لبعضِ نسائك .
و في
بعضِ الرِّواياتِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم قالَ لها : أجاءَكِ
شيطانك ؟
-
الذي حرَّككِ هذا مِنْ
مكانكِ -
- فقالتْ : يا رسولَ الله ، أوَ لي شيطانٌ ؟ فقالَ
: نعم ، لكلِّ إنسانٍ شيطانٌ " قرين " ، قالتْ : حتَّى أنتَ يا رسولَ
الله !! قالَ : نعم ، إلا أنَّ الله أعانني عليه فأسلمَ " ، هنا " فأسلمَ
" اختلفَ فيها أهلُ العِلْمِ بعضُهم قالَ : " إلا أنَّ الله أعانني عليه
فأسلمَ " ، أي دخلَ في الإسلامِ ، و المعنى الآخر " إلا أنَّ الله
أعانني عليه فأسلمُ " أي أسلمُ منه ، لا يأتيني منه شَرٌّ ، و لكنَّه شيطانٌ ،
ما زالَ شيطاناً على ما هو عليه ، و الشَّيطانُ هو كافرُ الجِنِّ ، و مسلمُ الجِنِّ
مؤمنٌ ، فكلُّ شيطانٍ هو مِنْ كفَّارِ الجِنِّ
.
بعد
هذا قالتْ له عائشةُ : كيف أقولُ يا رسولَ الله إذا زرتُ القبورَ ؟ فقالَ لها :
قولي السَّلامُ على أهلِ الدِّيارِ ، مِنَ المؤمنينَ و المسلمينَ ، يرحمُ الله
المستقدمينَ مِنَّا و المستأخرينَ ، و إنا إنْ شاءَ الله بكم لاحقونَ .
انتهتِ
القِصَّةُ ، لو كانَ غير عائشة و غير محمَّد صلَّى الله عليه و سلَّم في أيَّامنا
هذه ، واحد تلحقه زوجته و هو ذاهبٌ و ينتبه لها ماذا يفعلُ معها ؟ إذا ما ضربها .. إذا ما وقعَ الطَّلاقُ ..
إذا ما وقعتْ مصيبةٌ و العياذُ بالله لمثلِ هذه الأمورِ ؛ انظروا كيف عالجَ النَّبيُّ
صلَّى الله عليه و سلَّم الأمرَ ، و كيف صارتْ بعد أنْ لحقته و شكَّت و كذا صارتْ تسأله
ماذا أصنعُ ؟ لأنها تطلبُ العِلْمَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم ، فكانَ يعالجُ أمثالَ هذه الأمورِ بحِلْمٍ .
و وقعتْ
قِصَّةٌ أخرى قريب مِنْ هذه أيضاً لعائشةَ أمِّ المؤمنينَ رضيَ الله عنها لأنها
الوحيدةُ التي كانتْ تظهرُ دلالها على النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم ؛ لأنها
تعلمُ حبَّه لها صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، كما قيلَ : عرفَ الحبيبُ مكانه فتدلَّلا
، يعني عرفتْ مكانها عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم فصارتْ تتدلَّل عليه ،
و النَّبيُّ يقبلُ منها صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، و لذلك أكثرُ حوادثِ النَّبيِّ
صلَّى الله عليه و سلَّم مع هذه المرأةِ رضيَ الله تباركَ عنها و أرضاها
* - في
يومٍ مِنَ الأيامِ كانَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم جالساً مع أصحابهِ في
بيته فأهْدِيَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم طعامٌ ، قيلَ مِنْ زينب ، و قيلَ
مِنْ صفيَّة ، أمَّهات المؤمنينَ رضيَ
الله عنهنَّ ، أهدتْ له طعاماً و لكنْ في يومِ عائشةَ ، فلمَّا سمعتْ عائشةُ بهذا
خرجتْ أمام النَّبيِّ و أمامَ الصَّحابةِ رضيَ الله عنهم ، فأخذتِ الإناءَ الذي
فيه الطَّعامُ و رمته في الأرضِ حتَّى
كسرته ، - غَيْرَةً .. يعني لماذا تهدينَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم في
يومي ؟؟ - فرمتِ الإناءَ في الأرضِ حتَّى
انكسرَ و فسدَ الطَّعامُ الذي فيه ، فالتفتَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم إلى
أصحابه و قالَ : " غارتْ أمُّكم "
فقط .. انتهى الأمرُ !
و
الذي لا إلهَ إلا هو إنه يغلبُ على ظنِّي أنه لو فعلتِ امرأةُ أحدِنا مِثْلَ هذا الأمرِ أمامَ ضيوفهِ إنْ ما أمسكَه
ضيوفه و إلا مدفونة أو يضربُها ، أو يطلِّقها ، أو لا يكلِّمُها شهراً أو سنةً .. حسب
ما يرى مِنَ العقوباتِ ، و النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم راعى قضيَّةَ
الغيرةِ عندها ، و إنَّ هذا شيءٌ فِطْرِيٌّ
في المرأةِ ، مفطورةٌ على هذا الأمرِ ، الغيرةُ تقتلُ المرأةَ قتلاً ، و لكنَّ النَّبيَّ
صلَّى الله عليه و سلَّم اكتفى بقولهِ : " غارتْ أمُّكم
" و تركها حتَّى هدأتْ ، فلمَّا هدأتْ جاءَها النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم
و قالَ لها : " إناءٌ بإناءٍ ، و طعامٌ بطعامٍ "
فقط ، سكتَ عنها و لم يعاقبْها ، و أكيد أنها ندمتْ ، تعجَّلتْ .. النَّبيُّ صلَّى
الله عليه و سلَّم أنهى الموضوعَ و قالَ : المهم الإناء الذي كسرتهِ تردِّينَ بدلَه إناءً ، و الطَّعام الذي أفسدتهِ تأتينَ بدلَه بطعامٍ
، و انتهى كلُّ هذا الأمرِ ، هكذا كانَ
يعالجُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم قضاياهُ و هو القدوةُ صلواتُ ربِّي و سلامُه
عليه ، و لا يقولَنَّ قائلٌ إنه لا يغارُ صلَّى الله عليه و سلَّم ، بالعكس ، لما
غارَ سعدُ بنُ عبادة رضيَ الله عنه و قالَ : و الله لو وجدتُ رجلاً مع امرأتي لقتلتُه و قتلتُها ، يقولُ النَّبيُّ صلَّى
الله عليه و سلَّم : " أتعجبونَ مِنْ غيرةِ سعد ؟! و الله إني لأغيرُ
مِنْ سعدٍ " صلَّى الله عليه و سلَّم ، هذا لا
يعني أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم لا يغارُ و لكنَّ النَّبيَّ صلَّى الله
عليه و سلَّم يعالجُ الأمورَ بحِكْمَةٍ و تَؤُدَةٍ و بنظرٍ صحيحٍ صلواتُ ربِّي و سلامُه
عليه .
* - جاءتْ
تشتكي إليه يوماً صفيَّةُ أمُّ المؤمنينَ و تقولُ إنَّ بعضَ نسائِكَ ، و هي عائشة
و حفصة ، و قلنَ لي : إنكِ مِنْ
بني إسرائيل و نحن قرشيَّتانِ .
يعني
تفتخرانِ عليها بأنهما قرشيَّتانِ ، فجاءتْ تشتكي للنَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم
، فقالَ : " هلَّا قلتِ لهنَّ : زوجي محمَّد ، و أبي
هارون ، و عمِّي موسى "
فقط ، و أنهى الموضوعَ .
ما
عاقبَ عائشةَ و حفصةَ لأنه يعلمُ صلَّى الله عليه و سلَّم أنَّ هذه غيرةٌ تقعُ بين
النِّساء ، أنهى الموضوعَ بأنْ طيَّب خاطرَها و علَّمها كيف تجيبُ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه .
* - غضبتْ
عليه يوماً نساؤه و ذلك أنهنَّ كنَّ يشعرنَ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم
يحبُّ عائشةَ أكثر ، بل هذا كانَ يصرِّحُ به صلَّى الله عليه و سلَّم لما سأله عمرو
بنُ العاص قالَ : مَنْ أحبُّ النَّاسِ إليكَ ؟ قالَ : " عائشة
" قالَ : و مِنَ الرِّجالِ ؟ قالَ : " أبوها "
، فهو يصرِّح بهذا صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه لكنْ في المعاملةِ يعدلُ ، الحبُّ
القلبيُّ الإنسانُ لا يملكُه ، و لذلك جاءَ
في الحديثِ - و إنْ كانَ فيه كلامٌ - " اللَّهمَّ هذا قسمي
فيما أملكُ فلا تحاسبني فيما لا أملكُ " و هو القلبُ ، فَمَيَلانُ القلبِ لا يملكُه الإنسانُ ، فكانَ
النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم يميلُ
إلى عائشةَ كثيراً و لكنْ يعدلُ مع نسائهِ كلِّهنَّ رضيَ الله عنهنَّ و صلواتُ ربِّي
و سلامُه عليه .
فاجتمعتْ
نساءُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم و قلنَ إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و
سلَّم يحبُّ عائشةَ أكثرَ مِنَّا ، و نحن نريدُ أنْ يعدلَ حتَّى في المحبَّةِ ، و كانَ
النَّاسُ يعلمون ذلك كما قلنا عمرو بن العاص سأله قالَ : مَنْ أحبُّ النَّاسِ إليك
؟ قالَ : " عائشة " ، و لما مَرِضَ مَرَضَ
الموتِ كانَ يقولُ : " أين أكونُ غداً ؟
" يريدُ عائشةَ ، و تمرض عندها ، فالقصدُ أنَّ النَّاسَ كانوا يعلمون ذلك عِلْمَ
اليقينِ ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم كانَ يحبُّ عائشةَ أكثرَ مِنْ
غيرِها ، و هي المرأةُ الوحيدةُ التي لم يدخلْ عليها رجلٌ سوى رسولِ الله صلَّى
الله عليه و سلَّم ، أمَّا باقي نسائه كلّهنَّ تزوَّجنَ قبلَ رسولِ الله صلَّى
الله عليه و سلَّم بأزواج آخرينَ ، فالشَّاهدُ أنَّ النِّساءَ شَعَرْنَ بهذا فأرسلنَ
إلى فاطمةَ بنتِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم و قلنَ لها : قولي لرسولِ الله
صلَّى الله عليه و سلَّم أنْ يعدلَ بيننا و بين بنتِ أبي بكرٍ ، نريدُ العدلَ ، فذهبتْ
فاطمةُ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم
و إذا هو في بيتِ عائشةَ و معها في الفراشِ نائمٌ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه ، فقالتْ
: يا رسولَ الله ، إنَّ نساءَك أرسلْنني
إليكَ يسألْنَك العدلَ في ابنةِ أبي قُحافةَ ، و أنا ساكِتةٌ ، فقالَ لها رسولُ
الله صلَّى الله عليه و سلَّم : " أي بُنيَّة ، ألستِ
تُحبِّين ما أُحِبُّ ؟ " ، فقالتْ : بلَى ، قالَ : " فَأحبِّي
هذه
" ، فقامتْ فاطمةُ حين سمعتْ ذلك مِنْ رسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم فرجعتْ
إلى أزواجِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم فأخبرتْهنَّ بالذي قالتْ و بالذي
قالَ لها رسولُ الله صلَّى الله عليه و سلَّم فقُلْنَ لها : ما نراكِ أغنيتِ عنَّا
مِنْ شيءٍ ، فارجعي إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم فقولي له : إنَّ أزواجَك
ينشدْنكَ العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ ، فقالتْ فاطمةُ : و الله لا أُكلِّمُه فيها
أبداً ، فاجتمعتِ النِّساء .. كيف العملُ ؟ قلنَ : أمّ سلمةَ اذهبي أنتِ و كلِّميه ، فدخلتْ أمُّ سلمةَ على
النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم فقالتْ : يا رسولَ الله ، إنَّ نساءَك ينشدْنكَ
العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ ، فلم يتكلَّم معها النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم
، فقلنَ لها : كلِّميه مرَّةً أخرى ، قالتْ
: إذا جاءَ في ليلتي ، فجاءَ في ليلتِها صلَّى الله عليه و سلَّم فكلَّمتْه ، قالتْ
: إنَّ نساءَك ينشدْنكَ العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ ، فلم يردّ عليها النَّبيُّ صلَّى
الله عليه و سلَّم ، فلمَّا ما رد عليها اجتمعتِ النِّساءُ مرَّة أخرى و قلنَ يا
زينبُ اذهبي أنتِ و كلِّميهِ ، فدخلتْ
زينبُ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم و معه عائشةُ - طبعاً بعد أيام -
فقالتْ : إنَّ نساءَك ينشدْنك العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ ، ثمَّ تكلَّمتْ في
عائشةَ ، و النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم ساكتٌ و عائشةُ ساكتةٌ ، تقولُ عائشةُ : فالتفتُّ إلى النَّبيِّ صلَّى
الله عليه و سلَّم : هل يأذنُ لي فيها ؟ أردُّ عليها أمْ أسكتُ ؟ ففهمتُ منه أنه
لا يكرهُ أنْ أنتصرَ ، تقولُ : فتكلَّمتُ بها حتَّى أسكتُّها ، تقولُ : فقالَ
رسولُ الله صلَّى الله عليه و سلَّم و تبسَّم : " إنَّها ابنةُ أبي بكر " و انتهى الأمرُ .
نحن
نريدُ مِنْ هذا كلِّه ليسَ الصِّراعَ بين النِّساءِ و لكنْ كيف عاملَ النَّبيُّ صلَّى
الله عليه و سلَّم هذا الصِّراعَ ؟ كيف تعاملَ
معه صلَّى الله عليه و سلَّم ؟
أنا
أعرفُ الآن لا أقولُ كثيرينَ لكنْ أكثر مِنْ شخصٍ قطعاً عندهم أكثر مِنْ زوجةٍ و الله
مشاكل و مآسٍ و الله المستعان ، يعني لا يتحمَّل منها كلمة ، فلانة قالتْ كذا و
ضرب ، لمَ تتكلَّمينَ عليها ؟ فلانة قالتْ كذا ، ما أكلمك أسبوعاً ، و كذا .. عقوبات صارمة جدّاً و لا يُرَاعى فيها قضيَّة
الغيرة التي عند النِّساءِ ، و النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم انظروا كيف كانَ يراعي هذا الأمرَ و لا يهتمُّ
له كثيراً ، بل يرى أنه مِنْ طبيعةِ المرأةِ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه .
* - كانَ
صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه إذا دخلَ بيتَه وقتُه لبيتهِ ، أنا يعجبُني بعضُهم
يقولُ : أنا لا يمكنُ أنْ آخذَ معي عملاً إلى البيتِ ، يعني عملي في العملِ .. في
الوزارةِ ، لا آخذُ معي ورقةً إلى البيتِ ، لماذا ؟ يقولُ : هذا وقتُ العملِ ، و
أنا أهمّ شيء وقت العملِ للعملِ ، لا أضيِّعه و إنما أجعلُه للعملِ ، لا أنام و لا
أقصِّر في عملي و إنما أؤدِّي العملَ الذي يُطْلَبُ مني ، انتهى العملُ لا يمكنُ أنْ
أحملَ معي عملاً إلى البيتِ ، بيتي لي ، عندي أشياء أخرى أزاولُها .
و نحن
نقولُ كذلك ، لا ينبغي للإنسانِ أنْ يشغلَ أهلَه بأعمالهِ في الخارجِ فيأتي بأعمالِ
المكتبِ إلى البيتِ أو يشغل أهلَه له بما حصلَ له مع أصدقائهِ !! فليكنْ وقتُك لأهلِكَ
، و لذلك تقولُ عائشةُ رضيَ الله عنها لما سُئِلَتْ عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه
و سلَّم : ماذا كانَ يصنعُ في بيتهِ ؟ قالتْ : " كانَ يكونُ في مهنةِ أهلهِ "
يعني هذا الوقتُ لأهلهِ ، إذاً فليكنْ كذلك لأهلهِ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه .
* - تقولُ
عائشةُ : كانَ يُسابقُني ، خرجتُ معه مرَّةً في سفرٍ فأمرَ الجيشَ أنْ يتقدَّم و
تأخَّر هو معي ، فلمَّا تأخَّرنا لا يرانا أحدٌ التفتَ إليَّ فقالَ : تسابقينني؟ قلتُ له : نعم ، فتسابقَ
معها ، تقولُ : فسبقتُه صلَّى الله عليه و سلَّم .
تقولُ
: فلمَّا مَرَّتِ الأيامُ و زادَ اللَّحْمُ و ثقلتُ جاءني يوماً في سفرٍ آخرَ فقالَ
: تسابقينني ؟ قلتُ : نعم ، فأمرَ الجيشَ أنْ يتقدَّم ، فسابقني فسبقني ، فقالَ :
هذه بتلك . يذكِّرها أني سابقتكِ قبلَ سنواتٍ ، فالقصدُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله
عليه و سلَّم كانَ يُراعي مشاعرَ أهلهِ صلواتُ الله و سلامُه عليه .
*-
قالَ لعائشةَ مرَّةً : " إني لأعلمُ إذا كنتِ عنِّي راضيةً ، و إذا
كنتِ عليَّ غضبى " . قالتْ : مِنْ
أين تعرفُ ذلك ؟ قالَ : " أمَّا
إذا كنتِ عنِّي راضيةً فإنكِ تقولينَ : لا و رَبِّ محمَّد - يعني
تقسمين بربِّ محمَّد - و إذا كنتِ غضبى قلتِ : لا و رَبِّ
إبراهيم " ، هو واحدٌ ، ربُّ محمَّدٍ هو رَبُّ إبراهيم
، لكنْ إذا كنتِ راضيةً تقولينَ لا و رَبِّ محمَّد ، و إذا كنتِ غضبى تقولينَ لا و
رَبِّ إبراهيم ، أشعرَها أنه يتنبَّه لمثلِ هذه الأشياء ، فقالتْ : أجل
والله يا رسولَ الله ، ما أهجرُ إلا اسمَك .
* - عمرُ
بنُ الخطَّابِ رضيَ الله عنه يقولُ : كنَّا - يعني قريش - نغلبُ نساءَنا . يعني المرأة في قريش مكسورة الجناح ..مهضومة
الحقّ .. فيقولُ : كنَّا نغلبُ نساءَنا ، و كانتِ الأنصارُ تغلبُهمُ النِّساءُ .
(العكس) ، يقولُ : فلمَّا جِئْنَا المدينةَ ( يعني لما هاجرْنا مع النَّبيِّ صلَّى
الله عليه و سلَّم ) حصلَ خصامٌ بيني و
بين زوجتي ، فتكلَّمتُ عليها فراجعتني
(يعني ردَّت عليّ ) يقولُ : أوَّل مرَّة امرأة تردُّ عليّ !! لأنَّ قريشاً يغلبونَ
نساءَهم .. لا تتكلَّم المرأة .. ساكتة .. مستسلمة ، قالَ : فراجعتني !! فأنكرتُ
ذلك ، قالتْ : و ما لي لا أردُّ عليك و نساءُ النَّبيِّ يُرَاجِعْنه ؟؟!! إذا كانَ
النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم تراجعه نساؤه فأنتَ يا عمرُ مِنْ بابٍ أولى ،
قالَ : أوَ تصدقينَ ؟ يعني هذا الكلام صحيح ، قالتْ : اسألْ حفصةَ زوجةَ النَّبيِّ
صلَّى الله عليه و سلَّم . يقولُ : فجمعتُ عليَّ ثيابي و ذهبتُ إلى حفصةَ فقلتُ :
أتراجعْنَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم ؟ قالتْ : نعم ، و تهجرُه إحدانا أحياناً
مِنَ النَّهارِ إلى اللَّيلِ . ( يعني ليس
فقط نراجعُه بل و نزعل و نتدلَّل و ما نتكلَّم معه حتَّى اللَّيل .. ) ، قالَ : ويحكِ
يا حفصةُ ، أوَ ما تخافينَ أنْ يغضبَ الله لغضبِ رسولهِ فتهلكي ؟؟!! يعني كيف تراجعينَ النَّبيَّ صلَّى
الله عليه و سلَّم ؟! استنكرَ عمرُ هذا
الأمرَ رضيَ الله عنه ، و الحقيقةُ النَّبيّ صلَّى الله عليه و سلَّم يسمحُ بهذا
صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه .
أنا
أقولُ إذا كانَ هذا حالُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم فماذا يجبُ علينا نحن أنْ نصنعَ ؟؟
كيف
نعاملُ أهلينا في بيوتِنا ؟؟
الله
تعالى يقولُ : " ... وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... (228)"
سورة
البقرة ، أي بما تعارفَ عليه النَّاسُ ، أي كما أنك
تريدُ ما لكَ عليها مِنْ حقٍّ فأدِّ ما عليكَ لها مِنْ واجبٍ .. لا بدَّ ، مستحيل أنْ يأخذَ الإنسانُ و لا يعطي ، لذلك قالوا :
الغُنْمُ مع الغُرْمِ .. الذي يدفعُ يأخذُ الذي لا يدفعُ لا يستحقُّ أنْ يأخذَ أبداً
.
ترى
ماذا تحتاجُ زوجاتُنا مِنَّا ؟؟
*
- تحتاجُ
أحياناً كلمةً طيِّبةً ، كلمةً لا أكثر مِنْ ذلك ، إني أعرفُ بعضَ النَّاسِ يدخلُ
بيتَه لا يسلِّم بحجَّةِ أنَّ هذا بيتي !! و بعضهم يكونُ مِنْ ألطفِ النَّاسِ مع النَّاسِ ، فإذا
دخلَ بيتَه فإذا هو غضوبٌ عبوسٌ لا يكادُ يبتسمُ ، و مع النَّاسِ في الخارجِ إنسانٌ
آخر !! و كم كلَّمتني مِنَ النِّساءِ تشتكي أزواجهنَّ و تذكرُ مِثْلَ هذه الحالةِ
، تقولُ : هو مع النَّاسِ مِنْ ألطفِ النَّاسِ و أطيبِهم و أحبِّهم إليهم ، و هو
في البيتِ عبوسٌ ، غضوبٌ ، لا يفوِّتُ
شيئاً ، و لا يبتسمُ ، و لا يحسنُ إلى المرأةِ ..
و إلى غير ذلك و العياذُ بالله !!
فالمرأةُ
إذاً تحتاجُ مِنَّا إلى كلمةٍ طيِّبةٍ .. إلى ابتسامةٍ لطيفةٍ ، ما الذي يمنعُ ؟! يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه و سلَّم عندما
يقولُ : " و تبسُّمك في وجهِ أخيكَ صدقةٌ "
فكيف التَّبسُّم في وجهِ أمِّي .. في وجهِ بنتي .. في وجهِ زوجتي .. بوجه أقرب النَّاسِ
إليّ .. هذا مِنْ باب أولى ، على الإنسانِ أنْ يجعلَ البِشْرَ على وجههِ حتَّى و إنْ
لم يكنْ كذلك .. حتَّى لو كانَ غاضباً في الخارج لا يدخلُ مشاكلَ الخارجِ إلى البيتِ .. يبتسم في بيتهِ و
لو كانَ غاضباً في الخارج .
فتحتاجُ
إذاً إلى كلمةٍ طيِّبةٍ .. إلى ابتسامةٍ لطيفةٍ .. إلى لمسةٍ حانيةٍ .. إلى قبلةٍ
عطوفةٍ ، كلُّ هذه الأشياء تحتاجُها المرأةُ مِنْ زوجِها .. تحتاجُ إلى معاملةٍ بالحسنى ، النَّبيُّ صلَّى الله
عليه و سلَّم لما ذَكَرَ بعضَ أحوالِ الرِّجالِ مع النِّساءِ قالَ : " لا يُقَبِّحُ " نهى عنِ التَّقبيحِ
.. لا يقبِّح وجهاً .. لا يقبِّح تصرُّفاً
.. و لكنْ ينصح و يعظُ ، و لذلك انظروا إلى قولِ الله تعالى : " فَعِظُوهُنَّ
" ، فبدأ بالموعظةِ سبحانه و تعالى .
فالقصدُ
أنَّ الإنسانَ يحتاجُ إلى أنْ يغيِّر معاملتَه مع زوجتهِ ، ما المانعُ مِنْ أنْ يأتيَها
بهديَّةٍ ؟ كثيرٌ مِنَّا قد يكونُ تزوَّج مِنْ سنواتٍ و لم يفكِّر يوماً أنْ يأتي بهديَّةٍ
لزوجتهِ !! قد يكونُ يحرصُ على أصدقائهِ مثلاً ، لأي مناسبةٍ أتاه بهديَّةٍ ،
بينما زوجتُه قد تمرُّ السَّنواتُ و لا يأتيها بهديَّةِ !!
و لو
كانتْ هديَّةً رمزيَّةً ، ليسَ بالضَّرورةِ أنْ تكونَ غاليةً ، كلٌّ على ما أعطاه
الله تباركَ و تعالى ، و لكنِ القصد أنْ يعطيَ هديةً و لو رمزيَّةً ، المهم يعبِّر
لها عنْ محبَّتهِ أو عنِ امتنانه أو إخلاصهِ و صِدْقِه و ما شابَه ذلك مِنَ الأمورِ ، أو نزهة .. يأخذها في نزهةٍ
، بين فترةٍ و أخرى يخرجُ معها يتنزَّهان ، أنا أعرفُ البعض أنه يقولُ : صارَ لي
ثلاث سنوات ما خرجتُ مع أهلي !! يعني في نزهةٍ .. يخرجونَ زيارات و كذا لكنْ خروج لها هي .. تخرج معها في بَرّ .. في
بحر ..في حديقة أو غير ذلك مِنَ الأمورِ .
*- كذلك تحتاجُ المرأةُ أنْ تحترمَ شخصيَّتها ، كما
أنَّ لكَ شخصيَّة فهي لها شخصيَّة ، أعطِها حقَّها في التَّعبيرِ .. أنْ تعبِّر عنْ
رأيِها ، و إنْ خالفتْكَ ما المشكلة ؟
ليسَ
بالضَّرورةِ أنْ يُوافقَك النَّاسُ جميعاً ، كما أنك تتقبَّل أنْ يخالفَك غيرُك مِنَ
النَّاسِ مِنْ أصدقائِكَ أو جيرانِكَ أو معارفِكَ أو زملاءِ العملِ فتقبَّل أنْ
تخالفَك زوجتُك في مسألةٍ ما ، ما المانعُ مِنْ هذا إذا كانَ هناك احترامٌ متبادلٌ
بين الزَّوجينِ ؟؟ فلتكنْ هناك المخالفة ، لا يضرُّ ذلك شيئاً
*- مِنْ
حقِّ المرأةِ عليك أنْ تخرجَها مِنَ النَّارِ إلى الجنَّةِ ، و إنْ كانَ هذا الأمرُ
ليسَ بيدِكَ مِنْ حيثُ حقيقته ، و لكنَّه بيدِكَ مِنْ حيثُ الدَّعوة إليه يقولُ الله
تباركَ و تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ ... (6) " سورة التحريم ، فأنتَ
تكونُ سبباً لإنقاذِها مِنَ النَّارِ بإحسانِكَ إليها.. بتعليمِكَ .. في دعوتِها ..
في نُصْحِها ، و غير ذلك مِنَ الأمورِ
*
-
الله تباركَ و تعالى يقولُ : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاء.. " أعطاكَ الله القوامةَ قالَ : " ... بِمَا
فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... " ثمَّ قالَ : "
... وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... (34) " سورة
النساء ، فالله تباركَ و تعالى إذاً أوجبَ عليك النَّفقةَ
، أنْ تنفقَ فإنَّ التَّفضيلَ الذي أعطاكَ
الله إياه سبحانه و تعالى أعطاكه جلَّ و علا
لأجلِ ما لكَ مِنَ الصِّفاتِ و أيضاً ما أنفقتَه مِنَ المالِ : " وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ " .
و لذا
سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم عنْ حقِّ المرأةِ فقالَ : "
يطعمُها إذا طَعِمَ ، و يكسوها إذا كَسِي "
كما أنه يطعمُها كذلك يكسوها قالَ : "
و
لا يضربُ الوَجْهَ " لا يضرب الوجهَ ، مهما غضبتَ مِنْ
زوجتِكَ تجنَّبِ الوجهَ ، حتَّى أولادك ، الضَّربُ على الوجهِ محرَّمٌ لا يجوزُ ، واحد يقولُ : انفعلتُ !! إذا
واحد يقولُ : انفعلتُ و زنيتُ .. انفعلتُ
و سرقتُ .. انفعلتُ و قتلتُ ..الخ ، لا يصلحُ ذلك .
و
لذلكَ يقولُ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه : " ليسَ الشَّديدُ بالصّرعة
-
الذي يصرع النَّاسَ - وإنما
الشَّديدُ الذي يملكُ نفسَه عند الغضبِ " هذا هو الشَّديدُ ،
فلا يجوزُ للرَّجلِ أبداً أنْ يضربَ وَجْهَ زوجتهِ ، و لو فعلتْ ما فعلتْ ، و لذلك
قالَ : " يضربها ضَرْباً غيرَ مُبَرِّحٍ
" أي غير مؤلمٍ و إنما المقصودُ مِنَ
الضَّربِ إظهارُ الغضبِ .. إظهارُ عَدَمِ الرِّضا .. إظهارُ الانزعاجِ ، و ليسَ
المقصودُ مِنَ الضَّربِ الإيذاء البدني وإنما الإيذاء النَّفسيّ .. التَّأديب .
و لذا
جاءَ عنْ بعضِ السَّلَفِ قالَ : ( يضربُها بالسِّوَاكِ ) ، بالسِّوَاك !! المقصودُ أنْ يظهرَ لها أنه متضايقٌ فيضربُها بالسِّوَاكِ
كنايةً عنْ غضبهِ و انزعاجهِ و عَدَمِ رضاه ،
قالَ
: " و لا يضرب الوجهَ ، و لا يقبِّح
" لا يقبِّح ، أنتِ فيكِ و فيكِ .. الخ ، و أنا أذكرُ مِنَ الطَّرائفِ أحدُهم
اتَّصلَ عليَّ قالَ : أريدُ أنْ أطلِّقَ زوجتي . قلتُ : عسى ما شر ؟؟! قالَ : ليستْ
جميلةً . قلتُ : زوَّجوكَ إياها بظلمةٍ ؟ يعني رأيتَها مِنْ قبلُ أم لم ترها ؟ قالَ
: و الله شايفها . قلتُ : لمَ رضيتَ ؟ قالَ
: استحييتُ . قلتُ : و الآن ؟ قالَ : أريدُ
أنْ أطلِّقها . قلتُ : فقط هذا السَّبب ؟؟ قالَ : فقط هذا السَّبب . قلتُ :
أنا أريدُ شيئاً . قالَ : ماذا ؟ قلتُ : أريدُ أنْ أراكَ ، ما أظنُّكَ جميلاً . قالَ : لا ، لستُ جميلاً ، قلتُ : شايف
منظركَ و قاعد تقبِّح وجوه النَّاس ، انظرْ إلى نفسِك .
القصدُ
الإنسانُ أحياناً يتصرَّف تصرُّفات سيِّئة جِدّاً في التَّقبيح و الإهانةِ و التَّحقيرِ .. هذا لا ينبغي أبداً ، لذلك على
الإنسانِ حقيقةً أنْ لا يقبِّح خاصَّة
المرأة التي معه .
قالَ
: " و لا يقبِّح ، و لا يهجر إلَّا في البيتِ "
يعني حتَّى الهجر ، بعض النَّاسِ يفهمُ
الهجرَ فَهْماً خاطئاً !! الله تباركَ و تعالى يقولُ : " ... فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ... (34) "
سورة النساء ، و ليسَ
المقصودُ بالهجرِ أنْ ينامَ في بيتِ أخيهِ أو بيتِ أمِّه أو أبيه أو يسافر و يتركها ، لا ..
الهجرُ في الفراشِ فقط ، لا يهجر إلا في الفراشِ ، يهجرُ و هو في بيتهِ ، لأنَّ
الهجرَ كذلك نوعٌ مِنَ العقابِ النَّفسيِّ الذي يُعَاقِبُ به الرَّجلُ امرأته إذا
نَشَزَتْ ، فعلينا إذاً أنْ نتَّقيَ الله تباركَ و تعالى في أزواجِنا .
*
- و كذلك
مِنْ حقِّها كما قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم لما جاءَ رجلٌ إلى عبد
الله بنِ عمرو بنِ العاص قالَ : أريدُ أنْ أجلسَ عندك شهراً ؟ في الشَّام ، في بيتِ
المقدس ، قالَ : ماذا تركتَ لأهلِكَ ؟؟ هل تركتَ لهم ما يكفيهم هذا الشَّهر ؟؟ يعني
خلال هذ الشَّهر تجلسُ عندي ، عندهم طعام
أو مال يكفيهم هذا الشَّهر ؟؟ قالَ : لا . قالَ : فاني سمعتُ رسولَ الله صلَّى
الله عليه و سلَّم يقولُ : " كفي بالمرءِ إثماً أنْ
يُضَيِّعَ مَنْ يقوتُ " ، يعني أنتَ مسؤولٌ عنهم تضيِّعهم بحجَّةِ
أريدُ أنْ أسافرَ .. أريدُ أنْ أفرحَ .. أريدُ أنْ أدرسَ .. غير صحيح هذا أبداً ، فعليه أنْ يُراعيَ هذا
الأمرَ في أهلهِ .
و لما
سُئِلَ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه عنْ أناسٍ يضربونَ زوجاتهم فقالَ : " ليسوا
أولئك بخيارِكم " ، النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم تسع زوجات ماتَ عنهنَّ و تزوَّج قبلهنَّ اثنتين
، يعني إحدى عشرةَ امرأةً ما ضربَ واحدةً قط ، و لا ضربَ أنسَ بنَ مالك و هو خادمُه
و له عشرُ سنواتٍ ، و لا ضربَ أحداً مِنْ أولادهِ و لا مِنْ أحفادهِ صلوتُ الله و سلامُه
عليه ، و لما سُئِلَ عنْ أناسٍ يضربونَ زوجاتهم قال : " ليسوا
أولئك بخياركم " ، الرَّجلُ الذي يضربُ المرأةَ ، يعني
صحيح الله أذِنَ بهذا و لكنْ أذِنَ به كعلاجٍ ، ثمَّ أذِنَ به بعد علاجاتٍ أخرى ،
قالَ : " ... فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ... "
، و كذلك نبَّه إلى أنَّ هذا الضَّربِ غير مبرح .. غير مؤلم .. غير مؤذي ، يعني
ليسَ الضَّرب الذي يكسرُ عَظْماً أو يخدشُ وجهاً أو غير ذلك مِنَ الأمورِ ، بل لا
يجوزُ ضربُ الوجهِ ابتداءً ، و يقولُ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه - و هذه قاعدةٌ
مهمَّةٌ و فائدةٌ - يقولُ : " استوصوا بالنِّساءِ
خيراً
" ، ثمَّ بيَّن ، قالَ : " فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ
مِنْ ضلعٍ ، و إنَّ أعوجَ شيءٍ في الضّلعِ أعلاهُ ، فإنْ ذهبتَ تقيمه كسرْته "
يعني لا يتعدل ، ليس مرناً .. فيه شيءٌ مَرِنٌ يمكنُ تعديلُه ، قالَ الله : "
... وَأَلَنَّا
لَهُ الْحَدِيدَ (10) " سورة سبأ ، فيه
شيء لا يتعدَّل ، إمَّا يظلُّ أعوج أو يكسر ، قالَ : "
فإنْ ذهبتَ تقيمه كسرْته ، و إنْ تركتَه لم يزلْ أعوج ، فاستوصوا بالنِّساءِ خيراً
" ، و في روايةٍ أخرى عند مسلم قالَ : " فإنِ استمتعتَ بها استمتعتَ
بها و بها عِوَج ، و إنْ ذهبتَ تقيمها كسرْتها ، و كَسْرُها طلاقُها
" ، هذا هو الكسر أنْ تطلِّقها ، أنْ لا تبقى معك .
فالنَّبيُّ
صلَّى الله عليه و سلَّم إذاً يُعطينا هذه القاعدةَ و يقولُ عنِ المرأةِ : " ناقصات
عقلٍ و دينٍ " فهي في طبيعتِها ، هذا طبعٌ في
المرأةِ ، و لذلك يقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم : " أرِيْتُ
النَّارَ فإذا أكثرُ أهلِها النِّساء ، يكفرن " قيلَ : أ يكفرنَ
بالله ؟ قالَ :" يَكْفُرْنَ العشيرَ ، و يكفرن الإحسانَ ، لو
أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدَّهرَ ثمَّ رأتْ منكَ شيئاً قالتْ : ما رأيتُ منكَ خيراً
قطّ "
لأنَّ عاطفتَها تغلبُها ، يعني انظروا إلى امرأةِ العزيزِ عندما راودتْ يوسفَ عنْ
نفسهِ ، ما راودته إلا و قد بلغَ حبُّه في قلبِها الشَّيءَ العظيمَ ، و لذلك قالتِ
النِّساءُ : " قَدْ
شَغَفَهَا حُبّاً " أي بلغَ سُوَيْدَاءَ القلبِ ، هذه المرأةُ كانتْ
تحبُّ يوسفَ كلَّ هذا الحبِّ لما امتنعَ
منها ثمَّ قرَّر الفِرَارَ " وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ
مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ... " ماذا قالتِ امرأةُ العزيزِ في هذا الرَّجلِ الذي تحبُّه و لا ترى دربَها مِنْ حبِّها له ؟
"
قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
" سورة يوسف ، خلالَ لحظةٍ ربما لم تمرّ دقيقة بين شِدَّةِ
المحبَّةِ و بين شِدَّةِ البُغْضِ ، انقلابٌ غيرُ طبيعيٍّ !! هنا تقولُ " هَيْتَ
لَكَ "
و هنا تقولُ " أَوْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ " شيءٌ غيرُ طبيعيٍّ أبداً !! هذا يدلُّ
على ماذا ؟ يدلُّ على أنَّ العاطفةَ تتحكَّم فيها ، و لذلك الشَّرْعُ حرَّم على
الرَّجلِ أنْ يطلِّقَ امرأته و هي حائض ، و حرَّم عليه أنْ يطلِّقها و هي نفساء ، لماذا
؟ لأنَّ نفسيَّتها في هذا الوقتِ تكونُ
تعبانة و قد تسيءُ لزوجِها لضيقِها ، أنتَ الآن أصابتكَ نجاسةٌ في ثوبِكَ تكونُ
متضايقاً حتَّى تزيل النَّجاسةَ إمَّا بِغسْلٍ
و إمَّا بِنَزْعٍ .. لا تتحمَّلُ النَّجاسة ، فكيف و هي النَّجاسةُ تنزلُ
عليها بدونِ إرادةٍ ؟؟ فتكونُ متضايقةً نفسيّاً ، غير الآلام التي تأتيها مع النِّفاسِ
أو مع الحيضِ ، فعادةً تكونُ متعبةً مرهقةً
، و هذا يأتيها على المزاجِ يتأمَّر .. ودي وجيب وكذا ..!! فقد تبدرُ منها كلمةٌ أو
يبدرُ منها تصرُّفٌ سيِّئ ، فالله تباركَ و تعالى حرَّم عليك أنْ تطلِّقها و هي
حائضٌ ، و حرَّم عليك أنْ تطلِّقها و هي نفساء ، لمَ ؟ راعى هذه القضيَّة .
فالنَّبيُّ
صلَّى الله عليه و سلَّم لما يقولُ : " فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ
مِنْ ضِلْعٍ و إنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلْعِ
أعلاهُ ،
فإنْ ذهبتَ تقيمَه كسرْته ، و كَسْرُها طلاقُها " يبيِّن لكَ النَّبيُّ
صلَّى الله عليه و سلَّم أنها هي هكذا ، كما قالَ : " كلُّ
ابنِ آدمَ خطَّاء " مستحيل أنْ تجدَ إنساناً معصوماً إلا مَنْ
عَصَمَ الله مِنَ الأنبياءِ ، كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاء ، فأنتَ تريدُ إنساناً لا
يخطيءُ ؟!! و إذا أخطأ أقمتَ الدُّنيا و لم تقعدْها !! لماذا هذا ؟ هكذا خلقَه
الله سبحانه و تعالى ، و هكذا خَلَقَ الله المرأةَ فيها عِوَجٌ ، يقولُ : " فاستمتعوا بهنَّ على عِوَجٍ "
انظروا كيف عاملَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم العِوَجَ الذي وقعَ مِنْ
نسائهِ ؟؟ عاملَه بحكْمَةٍ ، و لذلك قالَ : " كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كثيرٌ و لم يكملْ مِنَ
النِّساءِ إلا أربع : مريم بنت عمران ، و آسية امرأة فرعون ، و خديجة بنت خويلد ، و
فاطمة بنت محمَّد ، و فَضْلُ عائشةَ على النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّريدِ على سائرِ
الطَّعامِ " و إلا في الجملةِ تأتي منهنَّ هذه التَّصرُّفات ،
و لكنْ لا بدَّ أنتَ أنْ تكونَ حكيماً ، و لذلك الله تباركَ و تعالى مِنْ رحمتهِ و
حِكْمَتِه أنْ جعلَ الطَّلاقَ بِيَدِ الرَّجلِ لا بِيَدِ المرأةِ ، لأنَّ الرَّجلَ
يحرِّكه عقلُه بينما المرأةُ تحرِّكها عاطفتُها ، هذا في الغالبِ ، و إلا قد تكونُ
بعضُ النِّساءِ أعقلَ مِنْ كثيرٍ مِنَ الرِّجالِ
، و قد يكونُ بعضُ الرِّجالِ فيه عاطفةٌ أكثر مِنْ كثيرٍ مِنَ النِّساءِ ، و لكنْ
في الجملةِ الرِّجالُ عقولُهم تغلبُ عواطفَهم
و النِّساءُ عواطفهنَّ تغلبُ عقولهنَّ .
و لذلك
جاءَ في الحديثِ عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم يحدِّد المسارَ في هذه القضيَّةِ فقالَ : "
لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً ... "
أي لا يظلمُ مؤمنٌ مؤمنةً ، قالَ : " لا يَفْرَكُ مؤمنٌ
مؤمنةً ، إنْ كَرِهَ منها خُلُقاً
رضيَ منها آخر " ، مستحيل تكون هي شيطان يمشي على الأرضِ ، لا بدَّ أنَّ فيها مِنَ
الحسناتِ و فيها مِنَ السَّيِّئاتِ ، و أنتَ كذلك فيكَ مِنَ الحسناتِ و فيكَ مِنَ السَّيِّئاتِ و فيكَ مِنَ
العيوبِ و فيكَ مِنَ المحاسنِ ، هذا أمرٌ طبيعيٌّ جِدّاً في الإنسانِ ، فأنتَ إذا
كرهتَ منها خُلُقاً ترضى منها آخر ، و لا
بدَّ أن " سدِّدوا و قاربوا
" ، فهكذا حقيقة يجبُ علينا أنْ
ننظرَ إلى هذه القضيَّةِ ، و أنْ ننظرَ كيف كانَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم
يتعاملُ مع هذه القضايا و هو بشرٌ كمثلنا " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ ... (110) " سورة الكهف ، يغضبُ كما نغضبُ ، و يرضى
كما نرضى ، و يحبُّ و يبغضُ صلواتُ الله و سلامُه عليه ، و له زوجاتٌ ، و يتصرَّفنَ
تصرُّفاتٍ معيَّنةٍ .. و لذلك مِنْ حِكْمَةِ الله أنْ جعلَ النَّبيَّ صلَّى الله
عليه و سلَّم أكثرَ مِنْ زوجةٍ حتَّى ينقل لنا كيف كانَ يتعاملُ ؟؟ كيف كانَ يديرُ هذه المنظومة و هي إحدى عشرةَ امرأةً
صلواتُ الله و سلامُه عليه ؟؟
و
نحن امرأة واحدة و أحياناً الإنسانُ يعجزُ عنْ أنْ يُحْسِنَ التَّصَرُّفَ معها ،
فأسألُ الله تباركَ و تعالى أنْ يجعلنا مقتدينَ بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم
، و أنْ نستفيدَ مِمَّا قلنا ، و الله أعلى و أعلمُ ، و صلَّى الله و سلَّم و باركَ
على نبيِّنا محمَّدٍ .
تم تفريغ الدرس بواسطة الأخوات
فاعلة خير و نازك و
عبق
شبكة المنهج تحت إشراف الشيخ //:
عثمان بن محمَّد الخميس حفظه الله
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire