mardi 5 mars 2013

أختاه... إني أحبك في الله... ·



* قال رسول الله :
«إذا أحب الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه»( ).
* وقال :
«لا يؤمن أحدكم حتى يحب aلأخيه ما يحب لنفسه»( ).
* وقال :
«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه»( ).
فلا تَنسيني يا أختي من دعائك وتقبلي حبي ودعائي من قلبي المحب لك في الله ولله.


بسم الله الرحمن الرحيم
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾.
﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾.
﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أختي في الله...
سلام الله عليك ورحمته وبركاته...
فما أجمل الجلوس مع نفس مؤمنة تسبح في ملكوت الله! مستشعرة معنًى عظيمًا يفتح لها أوسع أبواب الجنان ويذهب عنها الألم والحسرة في يوم هي أحوج ما تكون فيه إلى من يقيها حر شمس محرقة، وعَرَق متفاوت، ورجفة مؤلمة..
ذلك الباب أختي الحبيبة هو "باب الحب في الله ولله" والذي هو أوثق الروابط وأدومها..
* قال النبي :
«أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله»( ) والحب في الله له فضل عظيم وثمرات جليلة.
* روى ابن حبان في صحيحه:
«إن الله يقول: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين فيَّ، وللمتباذلين فيَّ».
* وقال النبي :
«إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلى ظلي»( ).
كما رتَّب النبي دخول الجنة على أساس أن يحب المؤمن لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه.
* روى الإمام أحمد عن زيد بن أسد القشيري قال: قال لي رسول الله :
«أَتُحِبُّ الجنة؟». قلت: نعم. قال: «فأحب لأخيك ما تحب لنفسك».
* عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
"من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعمَ الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا"( ).
وقوله: من أحب في الله- أي أحب المسلمين والمؤمنين جميعًا؛ لأن الله يحبهم فأحبهم من أجل ذلك.
وأبغض في الله- أي الكفار والفاسقين والمنافقين، أبغضهم لأن الله يبغضهم وإن كانوا من أقرب الناس إليه.
* قال -تعالى-: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ  أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ  حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾( ).
من هنا – أختي الحبيبة – في أي مكان كنتِ كان الدافع لكتابة هذه الكلمات هو الحب في الله ولله والتي أبدأها بقولي:
إني أحبك في الله
نعم أحبك في الله ولله، سائلة المولى - عز وجل- أن يكون حديثي معك عبر هذه الصفحات في الله ولله فنكون بإذنه -تعالى- ممن اجتمع على حبه والتقى عليه عاملين بما جاء في كتابه الكريم.. مهتدين بهدي نبيه -عليه الصلاة والسلام- فنحشر بإذنه -تعالى- في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا..
* فقد أخبرنا النبي : «أن المرء مع من أحب»( ).
* وقال :
«ليبعثن الله أقوامًا يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء...» فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله، خِلّهم (صِفْهُم) فَعَرَفَهُم قال:
«هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله ويذكرونه»( ).
* حقيقة الحب في الله:
أختي الحبيبة... وحتى نكون على بينة من الأمر بالحب الذي ينجي من عذاب الله والحب الذي يوجب غضب الله أذكر لك ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في ذلك حيث يقول:
"وهاهنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينهما، وإنما ضل من ضل لعدم التمييز بينها..
أحدها: محبة الله ولا تكفي وحدها للنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله وهي المحبة الشركية وكل من أحب شيئًا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندًا من دون الله وهذه محبة المشركين.
وبقي قسم خاص ليس لنا نحن فيه وهي المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم أو الزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إن ألهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته".
* فالمحب لله:
هو الذي يحب ما يحب لله ويبغض ما يبغض لله، والحب في الله ولله هو الميزان الذي عليه تقوم العلاقات، خاصة أننا مأمورون من الله -تعالى- بأن نكون مخلصين له الدين حنفاء.
وهذا لن يتأتى إلا بأن نجعل حبنا لأي شيء في الحياة نابعًا من حبنا لله تابعًا له لا لأي هوى في النفس.
كما أننا مأمورون بتمام وكمال التسليم له -سبحانه وتعالى- وهذا هو معنى أن نكون مسلمين.. مسلمين في كل شؤون حياتنا لله وحده الذي ليس كمثله شيء.
فيكون حبنا لكمال ذاته العليا هو أسمى مراتب الحب.. لذا وجب علينا تحقيقه في قلوبنا..
فإن تحقَّق:
* نلنا الأمن والطمأنينة؛ إذ الأمن والطمأنينة هما محور الكد والتعب الذي يدور حوله الجهد الإنساني في الحياة.
* حققنا معنى العبودية لله والإيمان الصادق.
- لا إيْمان بلا أخوة، ولا أخوة بلا إيْمان.
* قال النبي : «وكونوا عباد الله إخوانًا»( ).
وكيف لنا أن نحقق الأخوة بدون حب في الله ولله؟؟!
* كذلك إذا تحقق الإيمان والحب أصبحنا من المؤمنين الذين لا يرغبون لحظة عن ذكر الله ولا ينفكون عن السعي لتحقيق مرضاته بالحب لكل شيء فيه وله.
بذلك تستسلم النفس المؤمنة لخالقها.. بارئها في كل لفظة وفي كل فكرة بل وفي كل هاجس وخاطر.. في كل شؤون حياتها فيتوحد مصدر الأخذ والعطاء والخوف والرجاء فتعيش آمنة مطمئنة لا تخشى ضياع أمل أو حرمان خير..
وهي تؤمن كذلك بأن المؤمن أمره كله له خير وقد وضَّح لنا النبي ذلك فقال: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون ذلك إلا للمؤمن؛ إذا أصابته سراء شكر وإذا أصابته ضراء صبر وإن روحه لتنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله»( ).
أختي الحبيبة...
إن اجتماعنا على حب الله وحده هو الذي سيؤلف بيننا ويحقق الحب الأخوي في الله ولله وبذلك يتوحد مصدر رجائنا وخوفنا فلا نرجو إلا الله ولا نخاف إلا إياه..
فيسقط كل اعتبار للبشر مِن حسابنا إلا مَن جرى خوفنا منه مِن منبع خوفنا مِن الله ومَن جرى رجاؤنا فيه مِن فيض رجائنا في الله.
* لفتات لا غنى عنها:
أختي في الله...
إن رسالتي إليك تحمل طابع الحب في الله ولله.. ومن الحب لله أن ننصح من نحب وأن نبين له أي ثغرة قد يزل منها فيهلك دون أن يشعر.
ولقد أحببت أن أذكر لك الأمور التي كثيرًا ما نكون في غفلة عنها ظانين أننا نحسن صنعًا..
ومن ذلك – الخوف والرجاء – الذي يجب ألا يكونا نابعًا إلا من خوفنا من الله ومن فيض رجائنا فيه..
ولتوضيح ذلك أذكر لك بعض الأمثلة:
* فإن كنت ابنة وجب عليك محبة والديك؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قد فرض علينا ذلك، ولا يكمل حبنا لله إلا إذا أحببنا له وفيه، وبالتالي عليك بالحرص على طاعتهما في كل أمر إلا ما كان في معصية – فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق – وببذل كل جهد ورجاء لتحقيق رضاهما، وتخافين من ضياع ذلك وعدم تحقيقه..
لأن الله -سبحانه وتعالى- ربط رضاه برضاهما فيكون خوفك منهما نابعًا من خوفك من سخط الله عليك.
ويكون حبك لهما وحرصك على بلوغ رضاهما ورجاؤك لذلك نابعًا من فيض رجائك في الله لبلوغ مرضاته باتباع أمره في ذلك، لا لأنهم قد يؤذونك أو لا يحققوا لك ما تريدين لا.. بل طاعة لله.
* قال النبي :
«رضا الرب - تبارك وتعالى- في رضا الوالدين، وسخط الله - تبارك وتعالى- في سخط الوالدين»( ).
* وقال : «لا يدخل الجنة منَّان ولا عاق ولا مدمن خمر»( ).
* وإن كنت زوجة فعليك بطاعة زوجك في كل ما يأمرك، إلا فيما كان فيه معصية فلا طاعة..
وأن تجتهدي في طاعته وتبذلي له كل ما في وسعك راجية حصول مرضاته؛ لأن رضا الله عليك مرتبط برضاه عليك.
فيكون حبك له في الله ولله؛ لأنك مأمورة بهذا الحب من الله وليس مقابل أي هدف دنيوي.. فيكون رجاؤك في تحصيل ذلك من فيض رجائك في الله.
* قال النبي : «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة»( ).
وأن تخافي منه، لا لأنه قد يؤذيك أو يطلقك فتطيعينه فيما يغضب الله تعالى.. لا، إن هذا كله بيد الله تعالى.
أختي المؤمنة...
أحبي زوجك في الله ولله، وتفاني في ذلك وابذلي وسعك، وعليك أن تخافي إن لم تطيعيه الطاعة المفروضة عليك.. وتؤدي الحقوق المطلوبة منك والواجبات التي عليك..
وكل ذلك فيما يرضي الله -تعالى- لا فيما يغضبه.. انتبهي أختاه.
* قال رسول الله :
«ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا يرفع لهم إلى السماء حسنة؛ العبد الآبق حتى يعود، والمغضبة لزوجها، والسكران حتى يصحو»( ).
* وقال :
«لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا»( ).
ومن تحتمل منا دعوة كهذه "قاتلك الله"؟؟؟
تأملي أختاه هذه المعاني.. وتدبريها جيدًا وأوفى بحق زوجك واعلمي أن المرأة لو أُمرت أن تسجد لغير الله لسجدت لزوجها كما بلغنا ذلك رسول الله .
من أجل ذلك ليكن حبك له خالصًا لله وخوفك منه نابعًا من الخوف من عدم الفوز برضا الله عنك إن لم يرض زوجك عنك...
وإليك بعض الأمثلة:
مثلاً: أنت تعرفين أنه غير راض عنك إذا خرجت إلى الأسواق بدون إذنه، أو إذا عملت عملاً معينًا هو لا يسمح به بل ويغضبه فعله، فإنك إن فعلت ذلك دون علمه ودون إذنه متخذة كل الاحتياطات التي تجعله لا يعلم بذلك ولا يشعر به فأنت آثمة في حقه بل إن الملائكة تلعنك في كل خطوة من خطواتك تلك...
لأن خوفك في هذه الحالة نابع من خوفك من شخصه.. نابع من خوفك أن يؤذيك فيعرضك لأي سوء إذا علم بذلك، وهذا خطأ كبير غفلت عنه وارتكبت معصية في حق الله وفي حق زوجك؛ لأن الله -تعالى- أمرك بطاعته في حضوره وغيابه، فإن عصيته في غيابه لعنتك الملائكة وحل عليك غضب الله وسخطه، فكيف يكون خوفك منه نابعًا من خوفك من الله؟؟؟
وها أنت قد أرضيته في الظاهر وأغضبت الله؟؟؟
ومن الأخطاء التي كثيرًا ما نقع فيها هي طبيعة العلاقة مع والدة الزوج وأهله وهذه العلاقة تعتبر بابًا من أوسع أبواب الجنان، إن استطعت أن تملكي مفتاحه فقد فزت بالأجر الجزيل..
فعليك أن تُيسري لزوجك برَّ والديه وصلة رحمه خاصة والدته؛ لأن رضا الله - عز وجل- عنك في رضا زوجك عنك.
ورضا الله - عز وجل- عن زوجك في رضا والدته عنه، فهل ترضين هلاكه وسخط الله عليك بإبعاده عن والدته وعدم حثه على برها وصلة رحمها... فاحذري أختاه ذلك.
* فإن «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله»( ) صدق رسول الله .
واحرصي على نيل رضا والدته ليتحقق رضا الله عنكما جميعًا.
رضا الله عن الزوج = رضا والدته.
رضا الله عن الزوجة = رضا الزوج
يا لها من معادلة سهلة.
* رضا الوالدة = رضا الزوج = رضا الله.
* عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
"سألتُ رسول الله :
أي الناس أعظم حقًا على المرأة؟ قال: «زوجها» قلت: فأي الناس أعظم حقًا على الرجل؟ قال: «أمه»"( ).
فاستحضري – أختي الحبيبة – أي عقوبة ستسببينها لنفسك وأي سخط ستجلبينه لها إن لم تحققي ذلك.
فليكن جهدك في تحقيق ذلك خالصًا لله وبذلك تنالين رضاه -سبحانه وتعالى- بهذه الطاعة وهذا الإخلاص، ويقال لك في ذلك اليوم المشهود: "ادخلي من أي أبواب الجنة شئت.."
ويكون خوفك من زوجك نابعًا من خوفك من الله فتطيعيه في السر والعلانية في وجوده وغيابه كما أمرك الله -تعالى-.
قال -تعالى-: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾( ).
فالعلاقات كلها يجب أن تبنى على أساس واحد – لله – وما سوى ذلك فهو للشيطان، فليس هناك سوى سبيلين:
1- سبيل الله، وهذا يتطلب الحب في الله ولله، وهنا عليك أن تتحلي بأسمى صفة يجب أن تكون بين المؤمنين ألا وهي الذلة. قال -تعالى-: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾( ).
فتأملي المعنى يا – أختي – فالذلة هي التواضع وخفض الجناح للمؤمنين ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾( ).
وقد جاءت هذه الصفة في القرآن مدحًا للمؤمنين ولم تمدح في غير هذا الموضع أو هذه الحال وهذا السبيل الأوحد الذي وصانا به رب العالمين.
2- سبيل الشيطان الذي يتأتى منه الكبر والحق والحسد والعزة في غير موضعها..
نعم كل هذه المشاعر لا تتأتى إلا من النفس والشيطان وليس لله في ذلك نصيب.. فيأتي الكيد من الشيطان ومن الإنسان ذاته!!
وللتوضيح أقول: إنه قد أصبح كثير من الناس وكأنه إله نفسه مُشرِّع لها مطيع أمين لهواه يحب ويكره كما يحلو له.. ناسٍ أن هناك من أوجده ومن هو أحق بأن يأمره وينهاه ويُعرِّفه كيف يحب؟ وكيف يكره؟ يُعرفه من هم الذين يقترب منهم أو يبتعد عنهم؟ ومتى وكيف يتم ذلك؟ وكيف يزول الحب أو الكره وإلى أي شيء يتبدل؟
ورحم الله البوصيري حين يقول:
وخالف النفس والشيطان واعصهما

وإن هما محَّضاك النصح فاتهم

فسبيلا النفس والشيطان هما اللذان يبذران في القلب بذور الكره والكبر والحسد والحقد.
أختي... احذري أن يستدرجك الشيطان إلى ذلك.. وجاهديه وابتغي سبيل الرشد.. وابذلي الحب في الله ولله وتواضعي للمؤمنين.. ولا تكوني ممن يتبع سبيل الغي فتكوني ممن قال الله -تعالى- فيهم: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ  آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾( ).
فمصير المتكبرين هو أسوأ مصير..
قال : «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر( ) في صور الرجال يغشاهم الذل في كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال( )»( ).
ولعلك تتساءلين ما مناسبة ذكر الكبر هنا؟
أقول: لأن الكبر سبب تمزيق كل العلاقات الأخوية.. بل وسبب كل كره يأتي للنفس.. حيث إنها غالبًا ما تكره من يأتيها ناصحًا وموجهًا فتكره النزول عند الأمر وتجادل جدلاً عقيمًا. وكأن الذي جاءها ناصحًا إنما ينصح من فكره ويفرض عليها وجهة نظره.. أليس هو متبعًا لمنهج أنزله الله -تعالى- وأمرنا باتباعه؟... ألا تدري أنها ترد المنهج الحق لا ترد الإنسان الذي ينصحها.. ويوصيها ويدلها على طريق الخير؟.
قال رسول الله : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»( ).
وبطر الحق: أي إنكار الحق ورده على قائله ترفعًا وتكبرًا وعدم الإذعان له.
غمط الناس: احتقارهم. وفي رواية: «غمط الناس وتعييبهم». فلا يجوز لمسلم أن يستكبر وأن يرد الحق على من جاءه به كارهًا إياه.. وإلا فهو يكره الحق..
ويرى نفسه خيرا من غيره طاعة وعبادة ولا يريد من يصحح له مسيرته.. قال -تعالى-: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾( ).
وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾( ).
* روي أن رجلاً ذُكر بخير للنبي فأقبل ذات يوم فقالوا: يا رسول الله، هذا الذي ذكرنا لك، فقال: «إني أرى في وجهه سفعة من الشيطان» فسلَّم ووقف على النبي فقال له النبي : «أسألك بالله حدثتك نفسك أن ليس في القوم أفضل منك؟» قال: اللهم نعم ( )... فلنتقي الله أختاه.. ولنبحث في خبايا نفوسنا.
عاقبة الكبر:
ولا تنسي – أختي الحبيبة – أن أول معصية في السماء كان سببها الكبر وعدم الإذعان للأمر..
لم يكفر إبليس بالله.. ولم ينكر وجوده ولم ينكر ألوهيته، لكنه امتنع عن تنفيذ أمر وجه إليه وكان وراء ذلك كبر في النفس فطرد بذلك من رحمة الله -تعالى-.
قال -تعالى-: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾( ).
وعلى هذا فكل من يتصرف بتصرف إبليس ويقف موقفه أمام أي أمر رباني يكون مصيره ذلك تمامًا، إن لم يتب ويقلع إقلاعًا تامًا وكاملاً عن هذا المرض الفتاك.
تخيلي أن رب العالمين يسألك لماذا لم تستجيبي لندائي ولأمري ولقولي عندما سمعتيه على لسان فلانة..؟ هل ستقولين أنا خير منها وإنها ليست من مستواي المادي أو العلمي؟.. ومن هي لتصحح لي؟ أين هي مني؟ وأين علمها من علمي؟ لو فعلنا ذلك فهل اختلف موقفنا عن موقف إبليس في شيء؟!.. فلنتحاشَ ذلك ولنرجع عن هذه العادات وهذه العزة التي تغضب الله ولا ترضيه.. وكثيرًا ما يحدث هذا بين الأزواج.
أختي... فلنتق الله ولننظر إلى القول دائمًا لا إلى قائله فلا نرد النصح مهما كان قائله كما لا نرد ما جاء به الكتاب والهدي النبوي. إذ (لا اجتهاد مع النص) بذلك نبتعد عن الخلافات التي من شأنها إيجاد الكُره والحقد في القلوب وتؤدي إلى الفرقة وتمزق العلاقات.
* وأما بالنسبة لعلاقتك بأخواتك المسلمات، في أي مكان كُنَّ فيجب أن تكون نابعة من حبك لله، تحبينهن حسب طاعتهنّ لله لأن الله يحبهن.. وأن تبغضي فقط الفعل السيء الذي يغضب الله تعالى.. فلا تبغضي أختك لشخصها بل عليك أن تبذلي جهدك لإصلاحها بالنصح والحكمة والموعظة الحسنة.. متصورة كما لو كنت أنت مكانها.. ألا تتمنين أن تجدي من يسامحك ويقف إلى جانبك يأخذ بيدك نحو طريق النور.. والرشاد؟..
أما إن بَقِيَتْ عاصية ومصرة على المعصية رغم النصح المباشر وغير المباشر وبقيت على إصرارها بارتكاب ما حرم الله فيجب عليك المفارقة، لأنها أصبحت أختًا للشيطان.. راضية بمعصية الله.
ميزان الحب في الله:
أختي الحبيبة.. ميزان الحب في الله ولله معناه أن تحبي الآخرين بمقدار حبهم لله وطاعتهم لله ونزولهم عند أمره وتبغضينهم بمقدار بعدهم عن الله واستعلائهم على أمره.
وبذلك تحققين معنى حبك وإخلاصك لله.
* قال رسول الله : «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان».
وهكذا أختي الحبيبة إذا توحد حبنا وبغضنا.. توحد مصدر خوفنا ورجائنا.. توحد مصدر أخذنا وعطائنا.. تخرجنا من مدرسة واحدة، وتلقينا منهجًا واحدًا، وأطعنا آمرًا واحدًا، ونزلنا عند أَمْرِ نَاهِ واحد فتنمو بذور الحب في قلوبنا وتذوب بذور الحق والكره.. وتنتهي حظوظ النفس والشيطان من بيننا التي تتأتى من كل سبيل غير سبيل الله.. متمسكين بمفتاح الحب في الله ولله..
فنغلق بذلك بابًا من أوسع الأبواب التي يتأتّى منها إبليس فينزغ بيننا... ونُضيِّع فرضًا لا تغني عنه صلاة ولا صيام ألا وهو الإخاء في الله..
* قال -تعالى-:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾( ).
وقد جاء ذلك التوجيه الرباني منهجًا في جميع الأديان من قبلنا كذلك، قال -تعالى-:
﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾( ).
أختي الحبيبة..
فلنعمر قلوبنا بالحب الأخوي لكل من نعرف ومن لا نعرف من المسلمين والمسلمات.. نعمره بالحب في الله ولله.
حقيقة الإخاء:
وهل الإخاء في الله والحب في الله أن تحبي فقط من توافق هواك بهواها وتكرهي غيرها بسبب حظوظ النفس كما تحبين أنت وبميزانك وليس بميزان الحق؟!
توبة وعودة:
أختي الحبيبة... فلنبدأ مراجعتنا من جديد كما يأمرنا الله -تعالى- ضارعين له -سبحانه وتعالى- سَائلِيه المغفرة لنا ولكل من سبقنا على هذا الطريق.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾( ).
وراجييه ألا يجعل في قلوبنا غلا للمؤمنين والمؤمنات.
﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾( ).
فإن تحقق ذلك، نلنا ثمرات عظيمة وجليلة أذكر منها:
1- بدأنا نُحلي أنفسنا بصفة من أسمى صفات أهل الجنة. قال -تعالى-: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا﴾( ).
لذا وجب علينا البعد عن كل ما من شأنه أن يسبب بعدًا وجفوة فيما بيننا...
قال الإمام البنا -رحمه الله-: "ونتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
2- استبشرنا بأن نكون من أهل منابر النور الذين يغبطهم النبيون والشهداء...
قال رسول الله : «إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى» قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟ قال: «هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»( ).
3- أظلنا -سبحانه وتعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
قال : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...».
وذكر: «اثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه»( ).
لذا أختي الحبيبة... فلنحذر الشيطان ولا نتركه يستدرجنا أمام مقاييس وموازين دنيوية وحظوظ وأهواء شخصية..
ولنقاومه ولا نستسلم له فيلهو بنا كالكرة.. ويُسول لنا كما يريد..
فالاتباع الاتباع أختي الحبيبة، واسمعي لقول الله -تعالى-:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾( ).
فلنتبع الله بكل حب وخضوع ورضا وطواعية..
قال ابن القيم: "فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له حتى تكون محبًا خاضعًا"( ).
فالعبادة الحقة تتم بالاتباع الحق..
وهذا يتطلب غاية الحب والذل والخضوع لله تعالى، لذا لا يكفي أن نعلم ما كان يعمل الرسول ، بل أن نعمل بما كان يعمل..
إن العبادة تتطلب إيمانًا، والإيمان حركة وطاقة داخل النفس، وخارجها عمل وسلوك وأفكار ومشاعر، فيصبح الإنسان عالمًا عاملاً من أولي الألباب! حيث يتحول العلم بما أنزل الله إلى رسوله - عليه الصلاة والسلام- إلى عمل وسلوك ومشاعر.. فتترجم المعلومات إلى إيمان..
فالقلب المؤمن يكون في كل لحظة من لحظات حياته مرتبطًا بالله.. لأن الحياة كلها بل الوجود كله مرتبط في كل لحظة.. وفي كل حالة بالله.. فيكون الارتباط خوفًا وطمعًا.. رجاءً وخشية..
فالحياة.. والموت.. والرزق.. والأحداث سواء كانت سراء أو ضراء والغيب من صنع الله.. هذا في الدين.
كذلك فإن البعث والحساب والثواب والعقاب بيد الله، فأي شيء ممكن أن يتعلق به الإنسان بعيدًا عن الله وعن علمه وقدرته؟؟
ومن ثَمَّ يعيش القلب المؤمن في ظلال القرآن حياته كلها مع الله في كل حالاته.. مستسلمًا طائعًا مفوضًا أمره إلى الله..
وهنا تنمو بذرة الإيمان في القلب فتؤتي ثمارها على طريق الإيمان.
قال -تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾( ).
ولا تتم العبادة إلا بتمام الطاعة ولا تتم الطاعة إلا بتمام وكمال التسليم لله -تعالى- فتتمثل في العمل والسلوك لا في المشاعر فقط.. وبذلك تتحقق ثمارها وتأتي بالنتيجة المرجوة.
سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خُلُق رسول الله فقالت: «كان خلقه القرآن»( ).
وعن أنس قال: «كان رسول الله أحسن الناس خلقًا»( ).
وقال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾( ).
وقال -تعالى-: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾( ).
فلنجتهد يا أختي الحبيبة، لنتحلى بأخلاق رسولنا الكريم ونتأسى بآدابه ومعاملاته.. وعفوه.. وتواضعه.. وسماحته ورحمته.. وغضبه.. وصفحه..
ومتى يتحقق ذلك إن لم يكن في وقت الغضب والإساءة ووقت الزلة.. متى نتأسى به؟!
متى يكون أسوتنا وقدوتنا ونرجع إلى سيرته في كل حادثة ونسأل عما يقوله ويفعله - عليه الصلاة والسلام- في مثل هذه الحالة؟
أليس هو معلمنا بل ومعلم البشرية جمعاء؟!
كيف نجعل من أنفسنا مشرعين ومقننين.. ونحن نهتف ونقول: لا حاكمية إلا لله، ونلوم على الدول والحكومات أنها لم تحكم بالشريعة الإسلامية!
لم تحكم بما أنزل الله.. تريدين دولة تحكم بالشريعة أي دولة هذه؟ وأي حكومة تستطيع أن تقيم الإسلام في قلبك؟.. في ضميرك؟ وكيف تلومين على من لم يُقم الشرع.. وعلى من لم يحكم بما أنزل الله؟ كيف وأنت بذاتك ترفضين النزول عند الشرع والاحتكام إليه في شؤون حياتك.. وتستصعبين ما يطلبه منك. ورحم الله من قال: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم".
كأني بك تقولين كيف؟ وهل أنا كذلك؟ أقول لك: نعم.. لأنك تستكبرين حتى على من يسدي لك النصح سواء كان من مستواك العلمي أو دون ذلك.. أما عرفت أن «المؤمنين يسعى بذمتهم أدناهم».
إننا لو رجعنا إلى معنى الإخاء الحق من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لرأينا اختلافًا واضحًا بين ما نعيشه وبين ما تتطلبه الأُخُوة.. وَلَوَجَدْنا أن أدنى حقوق الأخوة سلامة الصدر الذي به تقوم كل العلاقات والمعاملات عاجزين عن تحقيقه.. فما الذي حققناه من هذه المعاني؟
أختي الحبيبة...
لنقف وقفة رحيمة بأنفسنا أمام الله وأمام أنفسنا نجاهدها ونلزمها بكتاب الله -تعالى- وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام- تاركين ما سوى ذلك من اجتهادات.... تاركين هذه الأقوال التي كثير ما تتردد على ألسنتنا:
هذا يناسبني وهذا لا.. إني أرى أن ذلك أفضل من غيره... أنا أدْرَى بالذي ينفعني والذي يصلح لي....
وكل ذلك بمقياس البشر لا مقياس الله، لنترك هذه المقولات جانبًا فليس لها محل من الشرع فالتكاليف واحدة والفروض واحدة وكلها واضحة وضوح الشمس ونحذر أن نكون ممن يقدم رأيه وقوله على قول الله ورسوله، قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾( ) ولا نتمسك برأينا وقولنا أمام قول الرسول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾( ).
ولنتفكر في قول الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾( ).
الإسلام = الاستسلام الكلي لله:
إن الله -جل شأنه- لم يخلقنا عبثًا، ولم يتركنا لاجتهاداتنا وطلب منا الدخول في السلم كافة..
1- فقبل أن نُخلق ونؤمر بتحقيق ذلك في قلوبنا وجوارحنا وفيمن حولنا.. وضع لنا -سبحانه وتعالى- منهجًا تامًا كاملاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لئلا يكون لنا حجة في تقصير أو عدم اتباع لأي أمر. قال -تعالى-: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾( ).
2- وقبل أن نؤمر بتحسين علاقاتنا وتحديد موقفنا تجاه غيرنا ومحاسبتنا لهم بل وفي درجة الحب والكره تجاههم، وضع لنا ميزانًا وجب علينا التحاكم إليه في كل ما نختلف فيه لئلا يؤدي إلى فرقة.. وقد نفي الإيمان عمن يرفض ذلك..
قال -تعالى-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( ).
وقال -تعالى-: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾( ).
3- وقبل أن نؤمر بأسمى عمل ألا وهو رسالة الخلق، دعوة غيرنا إلى عبادة الله وتحقيق معنى ومنهج لا إله إلا الله على الأرض ومع أن هذا الأمر هو أسمى ما كلف الله به عباده إلا أنه -سبحانه وتعالى- قد وضع لنا منهجًا وأمرنا أن ندعو من خلاله وعلى ضوئه وعلى بصيرة منه كما يريد هو -سبحانه وتعالى- لا كما نريد نحن، وكما يرى هو لا كما نرى نحن، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد أمره -سبحانه وتعالى- ووجهه إلى ذلك قائلاً: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾( ).
فهذا القول للرسول ولكل من اتبعه وسار على هديه، ومن هذه الآية ندرك حقيقة أنفسنا وأن ليس لنا من الأمر شيء إلا الاتباع والتنفيذ.. والاستقامة على ما أمرنا.. كما أمرنا، قال -تعالى-:
﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾( ).
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾( ).
فالاستقامة تكون في كل ما جاء به الإسلام، من السواك حتى الجهاد..
الاستقامة في تعاملنا وفي سلوكنا وفي دعوتنا لتحقيق لا إله إلا الله، فإننا إن بدأنا بلا إله إلا الله، انتهينا إليها بلا شك.
فلنبتعد عن كل ما قد يسبب الفرقة والمشاحنات التي أساسها الخلافات.. فإن الله -تعالى- عندما أمرنا بالتزام المنهج ودعانا إلى تحقيقه في أنفسنا وفيمن حولنا لم يفعل ذلك إلا وهو يعلم ما يصلحنا جميعًا.. فجاء الأمر واحدًا للجميع فكان رحيمًا بنا فلنتأسى بذلك ونكون رحماء بعباده، نتعامل كما يعاملنا الله -تعالى- بأخلاقه لا بأخلاقنا.
جاء في الحديث: «الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله» صدق رسول الله .
نعم، فالخلق عيال الله وهو أعلم بهم فالأمر يرجع إليه وما علينا إلا تنفيذ كل ما من شأنه إصلاح العباد.. كما أوصانا بذلك -سبحانه وتعالى- فمَن الأعلم، نحن أم الله؟؟
﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾( ).
حاشا لله فهو الأعلم بضرورة الرفق والرحمة والعفو للعباد؛ لأنه أعلم بضعفهم وعجزهم.. أعلم بكل ما يسلط عليهم من عوامل تفسدهم أو تعوقهم سواء داخل كيانهم أو من خارجه ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾( ).
أعلم كيف يقعد الشيطان لهم كل مرصد.. وكل طريق وقد أخبرنا -سبحانه وتعالى- عن ذلك. قال -تعالى-: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾( ).
أعلم كيف أن إبليس جاد في إغواء آدم وذريته بدافع الحقد والحسد..
أعلم كيف أن ابن آدم بناء واهٍٍ سرعان ما يسقط إذا أفلت منه زمام الحبل الذي يصله بالله -تعالى-؛ لأنه ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم إلا بِمَعِيَّة الله -تعالى- الدائمة له( ).
فإن الشيطان لن ينفك عن ذلك حتى يوم البعث..
عن أنس قال: أن رسول الله قال: «لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أن الله خلق خلقًا لا يتمالك»( ).
انظري – أختي الحبيبة – حال إبليس مع آدم. نعم، لما رآه أجوف وخالي الباطن عرف أنه خلق لا يتمالك ولا يملك نفسه عن الشهوات لحاجته إلى سد جوفه فيكون ضعيفًا بطبعه. ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾( ). ولكن الله بحكمته ورحمته وضع فيه عقلاً وأنزل عليه شرعًا ليحتفظ بهما.. ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾( ).
فلنعود – أختي الحبيبة – إلى معلمنا وقدوتنا فهو الذي أمرنا بالاقتداء به أولاً وقبل كل شيء.. ثم بكل من تأسى به من غير تفريط ولا إفراط، فهو المعلم الذي ليس بعده معلم، ولنترك أهواءنا.
قال : «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»( ).
وقال : «لا يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعًا لما جئتكم به»( ).
لذا علينا أن ندع كل قول وكل اجتهاد يخالف قول أو فعل الرسول - عليه الصلاة والسلام-، مهما كان حسنًا من وجهة نظرنا.. لأن هذا هو الذي يؤدي إلى الخلافات والفرقة.. فلم يأت الدين الإسلامي إلا لتوحيد القلوب والصفوف.
قال -تعالى-: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ﴾ ( ).
وقد أحسن من قال: "كل من أخذ باجتهاد إمام أو عالم يقتدي به وهو يعلم مخالفة هذا الاجتهاد لنص صريح أو حديث صحيح، وأصر على ذلك فقد اتخذ قدوته هذا ربًا مشرعًا له من دون الله".
ولنرى كيف نزل الأئمة الأربعة عند هذا الأدب رغم علمهم واجتهادهم فكل واحد منهم قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا خالف قولي نصًا صحيحًا فاضربوا به عرض الحائط"!
ولنرى كيف أن بني إسرائيل استحقوا اللعنة والسخط عندما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله يشرعون لهم فيحلون ويحرمون تبعًا لأهوائهم..
أختي الحبيبة.. لنلتفت إلى أنفسنا لفتة صادقة ونرى أين نحن من الله؟ ومن التحلّي بالأخلاق التي شرعها الله؟
أين نحن من المسارعة لتلبية كل ما يحب ويرضى ولو خالف هوانا لئلا نكون من الخاسرين.. ولنتأمل معًا هذا القول.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
"أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه، بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس".
فلنودِّع ساعات بل وسنين الغفلة لنجتهد للساعات التي تتلو.. ولنسارع بالمبادرة.. المبادرة إلى كل ما فيه خير وصلاح ديننا ودنيانا..
قال -تعالى-: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾( ).
وقال -تعالى-: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾( ).
وقد حثنا على ذلك النبي قائلاً:
«بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنىً مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر»( ).
فلننظر إلى أعمالنا السابقة إن وجدنا فيها خيرًا فلنحمد الله على ذلك ونسأله الزيادة والثبات، وإن كان غير ذلك فلنستغفر ونُكفِّر عن أخطائنا ونبادر بصالح الأعمال..
قال الأستاذ مصطفى الرافعي -رحمه الله-:
"أيها المؤمن، إن كنت أصبت في الساعات التي مضت فاجتهد للساعات التي تتلو.. وإن كنت أخطأت فكفِّر وامح ساعة بساعة".
وليكن أساس كل عمل في حياتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإننا إن بدأنا بها انتهينا إلى ذلك بلا أدنى شك.
فحسن الانتهاء من حسن الابتداء وفساد الانتهاء من فساد الابتداء.
وهكذا نجاهد أنفسنا لنحقق معنى العبودية الحقة والذي يتمثل في الإذلال والإخبات إلى الله.
فآدم أول من حقق معنى العبودية عندما ندم على معصيته وتلقي كلمات التوبة من الله -تعالى- تلقي التائب المعترف بذنبه.
فتاب معترفًا بذنبه متنصلاً ( ) إلى ربه، فتقبل الله توبته.
فلنتبرأ من حظوظ النفس ولنتنصل مما هو مخالف لمحبة الله طمعًا في الحصول على محبته تعالى وبلوغ مرضاته.. غير آسفين على ضياع حظ نفس أو شهوة وندعو الله مخلصين:
"اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويته عني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب".
أختي الحبيبة..
وبذلك تحققين المحبة الخالصة لله.. وتصبحين من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولا تستكثري ذلك يا أختاه..
فالولي: هو كل من وافق الله -تعالى- وأحبه واتبع أمره ونهيه في كل ما يحب ويكره، فيكون بذلك قد والى الله -تعالى- فيحبه الله فلا يمنع عنه عونًا ولا خيرًا ولا فضلاً بل يحفظه من كل سوء ومن كل مخلوق ويحقق له الفلاح في حياته الدنيا والآخرة. قال رب العزة في حديث قدسي:
«من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته»( ).
كما علينا أن نقيس أخلاقنا وسلوكنا على ما جاء به القرآن.
فالأخلاق كلها عبادة لله تُقدَّم له وحده خشية وطاعة وتطلعًا إلى رضاه.
كما أن الأخلاق تشمل كل تصرفات الإنسان حتى الهاجس داخل الضمير، ولا يوجد عمل بدون أخلاق.. حتى الصلاة أخلاقها الخشوع والنهي عن الفحشاء والمنكر.
والإيمان هو الأخلاق.
إذ إن الدين هو المعاملة والمعاملة هي الأخلاق وبالتالي الدين (الإيمان) هو الأخلاق..
نعم إن الإيمان الذي يريده المولى - عز وجل- منَّا ليس إيمان عقيدة فحسب.. إنما هو سلوك واقعي.. وإن لم تترجم الأخلاق إلى سلوك عملي فليس للإيمان قيمة..
ومن هنا يحق لنا القول لمن لا يتمثل ذلك: أين الإيمان إذن؟
فأي انحراف عن الأخلاق التي أمرنا بها من رحمة.. وعفو.. وصفح.. وصدق.. ووفاء.. وأدب حديث.. ولين جانب.. وحب في كل شيء.. لكل المسلمين، وتفقد لأحوالهم والتماس الأعذار لهم وعدم التكلف وغض الطرف عن زلاتهم وعدم تتبع عوراتهم وسترهم وعدم إيذائهم.. وغير ذلك كثيرًا كما جاء به القرآن والسنة النبوية الشريفة.
أي انحراف عن هذه الأخلاق هو انحراف سلوكي أخلاقي ناتج عن قلب لا يخشى الله ولا يرجوه..
عجبًا لمن يظن أن الدين مشاعر في القلوب ليس له ترجمة عملية في السلوك..
لذا – أختي الحبيبة – علينا أن نربي أنفسنا على الإسلام من جديد.. فلنتعرف عليه ولنتفهمه من المصادر الأصلية.. ولنبدأ بالعمل لبناء أنفسنا وبناء بيوتنا كما أراد -سبحانه وتعالى- وكما يحب لا كما نحب نحن، فالإسلام ليس كلامًا يقال ولا أماني في النفس.. قال الله -تعالى-: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَاب﴾( ).
أختي الحبيبة...
إن الإسلام عقيدة في القلب.. وإيمان راسخ وطاقة لا بد أن تُترجم إلى عمل صالح في واقع الحياة، فالسلوك السوي هو ثمرة الإيمان الصادق. ولا تتم التربية الإيمانية الحقة إلا ببذل الجهد لتحقيق ذلك فتؤتي الثمار المرجوة بإذن الله.
فما من أحد يستطيع أن ينشئ طفلاً على الأخلاق الإسلامية والتي من أهمها الحب في الله ولله وعلى أساس الإيمان الصادق وهو لا يرى  القدوة متمثلة أمامه في أُمِّه..
كيف وهو لا طرق سمعه إلا ظنون أمه فيمن حولها؟! وكيف يحب ويرفق وهو يرى سخط أمه على غيرها وقسوتها؟! وكيف يعفو ويعذر وهو يسمع نقد أمه لغيرها بل تعييبها وتحقيرها لغيرها وأولاد غيرها مادحة نفسها وأولادها؟! أنى له بالأخلاق إن لم تكن أمامه القدوة؟
فالتنشئة بكُن وكُن وكُن لا يمكن أن تتم...
لأن ذلك يحتاج إلى معايشة دائمة من كل أُمٍّ لأخلاق الله -تعالى- لتستطيع أن تغرس في أولادها المعاني الحقيقية لحب الله.. والخضوع إليه وحب ما يحبه الله وكره ما يكره الله والبعد عن تزكية الأنفس وحب الظهور على الغير بالعمل لا بالقول، كما أنه يحتاج من كل أم إلى الرجوع لسيرة المصطفى والاقتداء بكل أعماله وسلوكه وأقواله فتتبعها بكل حب ورضى.
أختي الحبيبة.. قد تعرضت لذكر دور الأم مع الأولاد في تعليمها إياهم حب الله ورسوله؛ لأن ذلك من مقتضى الإيمان، والواجب الذي بدونه لن يكتمل إيمانها.. وهذا أهم ما كلفها به الله سبحانه وتعالى.
فرسالتك في الحياة هي الأمومة أي التنشئة... تنشئة الأجيال كما يحب الله ورسوله.
فقبل أن تبحثي عن أساليب لتربية أولادك وتحتاري في ذلك..
ابدئي بنفسك – أختي الحبيبة – وجاهديها وأدبيها بالأدب النبوي الرفيع.. زينيها بالأخلاق الربانية.. فإنك إن نجحت في ذلك استطعت أن تربي أُمة كاملة وجيلاً فريدًا، ولن تحتاجي عندها لأية نظرية مستوردة لتربية الأولاد بل يكون ذلك بالترجمة العملية لواقع حياتك فتكونين مثل ورق الكربون بالنسبة لهم، ولو رجعت إلى كثير مما يحدث في حياتنا لوجدت أن ذلك صحيح، فكل الأولاد على أهواء أهليهم يحبون ويكرهون مثلهم تمامًا لعدم نضجهم، ولا يعرفون غير مقياس أمهم، إذ هي في حياتهم كل شيء.
قال النبي :
«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يُمجِّسانه أو ينصرانه»( ).
من أجل ذلك كله علينا ضبط أخلاقنا على أخلاق الرسول فإن تحقق ذلك في أنفسنا فلن نحتاج -بإذن الله- إلى جهد في تحقيقه في أبناءنا.. لأنه سيكون مترجمًا بالعمل.
وقد كان النبي يفعل أكثر مما يقول ولنا في ذلك أسوة حسنة.
كما يجب علينا أن نتأسى ونعتبر من الأموات أكثر من الأحياء؛ لأن الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة...
أما الأموات مثل الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- والسلف الصالح فقد كانوا من خير من تمثل المنهج الرباني والهدي النبوي اعتقادًا و قولاً وعملاً..
قال الرسول : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي».
وقال : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».
وهذا كله لا يمنع الاقتداء بأهل زماننا ما داموا بعيدين عن الغلو.. والتفريط.. نزِن أعمالهم بالميزان الحق ونختار ما وافق الكتاب والسنة لا ما استحسنَّاه؛ لأن الإسلام وضح لنا أخلاق الجاهلية وأخلاق الإيمان، وكل من لم يحقق أخلاق الإيمان في نفسه كما جاءت عن الرسول فهو امرؤ فيه جاهلية..
فالجاهلية ليست زمنًا محددًا إنما هي حالة ووضع توجد في كل إنسان ولو كان مؤمنًا إذا مر بأية حالة أو مشكلة أو حادثة تكون أخلاقه فيها على غير أخلاق الإسلام الحنيف.
أختي الحبيبة...
هيا بنا نحاسب أنفسنا.. ونتدبر معًا هذه الآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾( ).
وقوله -تعالى-: ﴿كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾( ).
وذلك لئلا نكون من المفلسين يوم الحساب.. قال : «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار»( ).
وزادنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيأوا للعرض الأكبر".
إن هذا هو العمل الحق الذي يجب أن نقوم به يوميًا بل ونتهيأ له في كل لحظة.. كما نتهيأ لكل شؤون حياتنا، رغم أننا قد لا ندرك تحقيق أي شأن حيث يتعجلنا الأجل، ومع ذلك نعيش كما لو أننا لن نموت أبدًا. إن الاستعداد لهذا اليوم يجب ألا يفارقنا.. فما من أحد منا يعلم متى يأتي يوم لقائه..
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾( ).
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾( ).
فكثير من الناس يعيشون في تيه الأماني ويتمنون على الله..
وقد قال الرسول :
«الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله».
وإلى متى التمني..؟ إلى متى الانتظار؟ إلى متى التسويف؟ هل يظنون أن الساعة ما زالت بعيدة وأن هناك وقت للرجوع والتوبة لأن العلامات الصغرى لم تظهر كلها بعد؟ ألا يعلمون أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس بل ولا تقوم على أحد يقول الله الله؟
عافانا الله وإياكم والمسلمين من ذلك وجعلنا برحمته ممن لا تقوم عليهم الساعة..
كما أن هناك أمرًا جد عظيم وخطير.. هل نسي أولئك أن كل إنسان ساعته تأتي بانتهاء أجله؟ ومن ذا الذي يعلم متى يكون ذلك؟ هل هناك نذير؟ أم هل يكون هناك استئذان واستعداد؟
إن النفس المؤمنة الصادقة العاقلة هي التي تستعد دومًا للقاء الله -تعالى- أكثر مما تستعد لغيره راجية داعية أن يكون

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire