lundi 4 mars 2013

قصص وعبر وعظات من حياة الصحابيات






قصص وعبر وعظات
من حياة الصحابيات






تأليف
أبي أنس

ماجد إسلام البنكاني




        إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. 
     يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ،( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.( )
      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.( )
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد ، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . 
فإن الإسلام قد أكرم المرأة أيَّما إكرام ، أُمَّاً كانت ، أو بنتاً ، أو زوجاً ، أو أختاً ، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم بعض النساء اللاتي كان لهن دور بارز وفعال في تاريخ البشرية كأم موسى ، ومريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وذكر الله تعالى أيضاً بعضاً منهن من المبايعات والمهاجرات ، كما في سورة الممتحنة . فقد ذكر الله من ثباتهنَّ وإيمانهنَّ 
وقد برزت المرأة في الصدر الأول من الإسلام ، وفي القرن الأول وهو خير القرون ، بالصبر واليقين ، وفي وقوفها بجانب رسول الله  ، في تسكين النفس وتهدئة الروع ، وفي ثباتها ، ووقوفها في خندق واحد مع زوجها ومع أبيها ، وأخيها ، وضحت بمالها ونفسها ، ووقفت كالطوت الشامخ مع رسول الله  ، أمثال خديجة ، وعائشة ، وفاطمة ، وأسماء ، وأم سليم ، وأمثالهن كثير رضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ جميعاً .  
وقد كانت الصحابيات مثالاً فريداً للنساء إلى قيام الساعة ، في الدعوة ، والدفاع عن الحق ، وعن هذا الدين العظيم ، وفي حمل راية الإسلام .
فإلى المسلمات اللاتي يتخذن من الصحابيات مثالاً لهنَّ في التضحية، والإيمان، والتقوى والورع، والفداء ، 
إلى نسائنا الكريمات اللواتي يتخذنَّ من الصحابيات مثالاً يقتدى بهن في الإيثار ، والصمود .
إليكن جميعاً أيتها الأخوات والأمهات نقدم هذه النماذج الطيبة من النساء اللاتي كنَّ حول الرسول  ، وشاركن في إقامة هذا الدين العظيم ، وتحملن هذه المسؤولية العظيمة .
ستجد الأخت المسلمة في هذا الكتاب نساء وقفت كل واحدة منهن على ثغرة من ثغر الإسلام ، وستجدين في كل واحدة منهن مثالاً يحتذى بهنَّ في التقوى والإخلاص والثبات والفداء . 
وأذكِّر الأخوات المسلمات أن يقرأن سيرة هؤلاء الصحابيات الكريمات ، ليكونوا على علم بهن وبما قمن به في صدر الدعوة ، والوقوف على  سِيَر سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ليكون ذلك سبباً لتثبيت الإيمان في قلب المؤمن ، ويكون كذلك دافعاً لهم على زيادة الطاعات ، والتضحيات في سبيل الله تعالى .
لأن المرأة سلاح ذو حدين ، فإذا صلحت وأدت وظيفتها الأصلية ، وهدفها المرسوم ، كانت لبنة صالحة في بناء مجتمع إسلامي متماسك قوي الأخلاق ، متين الدعائم . 
فسنقضي لحظات ممتعة ومؤلمة في نفس الوقت مع هذه الصفحات ونحن نقرأ حياة الصحابيات الكريمات . نسأل الله العظيم أن يرزق أخواتنا المسلمات الاقتداء والسير على نهج الصحابيات الفاضلات ، في التضحية ، واليقين ، والثبات ، والصبر ، والتقوى ، والتوكل .
هذا وأشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب لما فيه من المنفعة، ولقد استفدت من كتاب صور من حياة الصحابيات للأخ عبد الرحمن السحيباني كثيراً ، وكذلك كتاب نساء حول الرسول  ، وقصص من حياة الصحابيات لصلاح بن فتحي ، وصفحات مشرقة من حياة الصحابيات .
و"لا يشكر الله من لا يشكر الناس"( )، كما قال رسول الله  . 
فجزاهم الله عنا خير الجزاء وجعل عملهم هذا في ميزان حسناتهم يوم القيامة
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا الكتاب سبباً لصلاح المسلمين، كما أسأله سبحانه  أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون حجةً لنا لا علينا، وأن ينفعنا به في يوم الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم آمين
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
يوم الجمعة الموافق
14/ جمادى الآخرة / 1424هـ
11/ 8 / 2003م
أمهات المؤمنين




  
خديجة بنت خويلد
سيدة قريش 
الملقبة بالطاهرة






خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشية، الطاهرة، سيدة قريش، وسيدة نساء العالمين في زمانها، ضحت بنفسها ومالها لأجل إقامة هذا الدين العظيم، ووقفت جنباً إلى جنب مع رسول الله .
وصبرت مع رسول الله  ومع المسلمين عندما أعلنت قريش حصارها ومقاطعتها للمسلمين في صحيفة علقت في جوف الكعبة ، وبعد الحصار مات أبو طالب ، وماتت خديجة رضي الله عنها .( )   
قال عنها رسول الله  : "ما أبدلني الله خيراً منها ـ آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالهـا إذ حرمني الناس ، ورزقني أولادها إذ حرمني أولاد النساء" .( )
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ماغِرْتُ على نساء النبي  إلا على خديجة وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله  إذا ذبح الشاة فيقول: "أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة"، قالت: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة، فقال: "إني قد رُزِقْتُ حُبَّها" .( ) 
وفي رواية عنها أيضاً، قالت: "ما غرت على امرأةٍ للنبي  ما غرتُ على خديجة ، هلكت قبل أن يتزوجني لما كنتُ أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيتٍ من قصبٍ، وإن كان ليذبح الشاة منها ما يسعهن" .( )
   وكانت عائشة تقول للنبي  إذا أكثر من ذكر خديجة: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: "إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد".( )  
قوله : "إنها كانت وكانت"، أي: كان فاضلة وكانت عاقلة ونحو ذلك.
كان أول موقف يوضح نبل خديجة ووفائها وحكمتها وحلمها وحصافة عقلها يوم نزل الوحي على رسول الله  .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان أول ما بدئ به رسول الله  من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه ـ (وهو التعبد الليالي ذوات العدد) ـ قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها ، فجاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، فقال :"ما أنا بقارئ" قال : فأخذني : فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ . فقلت :"ما أنا بقارئ" فأخذني فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : "ما أنا بقارئ" . فأخذني فغطني الثالثة ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتى بلغ  مَا لَمْ يَعْلَمْ .( )
فرجع رسول الله  حتى دخل على خديجة رضي الله عنها فقال :" زملوني ، زملوني " حتى ذهب عنه الروع ، فقال :" يا خديجة مالي " فأخبرها الخبر ، فقال :" قد خشيت على نفسي " فقالت له : كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصِل الرحِم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .
فانطلقت به إلى ورقة بن نوفل ابن عم لها وقد كان شيخا كبيراً وقد تنصر في الجاهلية فقالت له أي ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ وأخبره رسول الله  خبر ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً وأكون حياً حين يخرجك قومك وأنصرك نصراً مؤزراً .( )
غطني : الغط أي العصر الشديد .
الجهد: المشقة .
زملوني: لفوني .
يخزيك : يوقعك في أمر يُستحيي منه أو يقهرك .
تكسب المعدوم : تعين الفقير .
نوائب الحق : الحوادث التي هي حق .
جذعاً : شاباً .
عن أبي هريرة  قال :" أتى جبريلُ النبي  فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها بـبيتٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .( )
     عن علي  ، عن النبي  قال :" خيرُ نسائها مريم بنت عمران ، وخيرُ نسائها خديجة بنت خويلد".( )
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطَّ رسول الله في الأرض أربعة خطوط فقال:" تدرون ما هذا؟" فقالوا: الله ورسوله أعلم فقال رسول الله  : "أفضل نساء أهل الجنَّة خديجةُ بنتُ خويلد وفاطمة بنتُ محمدٍ وآسية بنتُ مزاحم امرأة فرعون ومريمُ ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين".( )
عن أنس  قال : جاء جبريلُ إلى النبي  وعنده خديجة فقال :" إن الله يقرىء خديجة السلام " فقالت : إن الله هو السلام ، وعلى جبريل السلام وعليك السلامُ ورحمةُ الله وبركاته .( )
عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت هالة بنت خويلد أختُ خديجة على رسول الله  فَعَرفَ استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال :" اللهم هالة بنت خويلد" فَغرت فقلتُ : وما تذكر من عجوزٍ من عجائز قُريش حمراء الشَّدقين هلكتْ في الدهر فأبدلك الله خيراً منها .( )
عن عائشة قالت :لم يتزوج النبي  على خديجة حتى ماتت .( )
وبعد أن انقطع الوحي عن النبـي  واشتد برسول الله  القلقُ والحُزن، وقفت خديجة رضي الله عنها بجانبه ، تشجعه وتقوي فؤاده، وكأنها تقول له: لا تحزن يا رسول الله. فما شدة إلا وتزول ، وما ضيق إلا وبعده فرج، ولله فيما يصنع إرادة .
  عن عبد الله بن جعفر  ، عن رسول الله  أنه قال : "أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيها و لا نصب" .( )
قال المناوي : "أمرت أن" : بضم الهمزة مبنياً للمفعول أي أمرني اللّه بأن .  
"أبشر خديجة" : بنت خويلد زوجته . "ببيت في الجنة" : أعدّ لها  .
وقوله: "من قصب"  بفتح القاف والصاد يعني قصب اللؤلؤ ، هكذا جاء مفسراً في رواية الطبراني في الأوسط وله فيه أيضاً من القصب المنظومة الدر واللؤلؤ والياقوت انتهى وقال هنا أيضاً من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان  .  
قال ابن حجر  :  وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها. انتهى. ( )
 "لا صخب فيه" : أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب .
 "ولا نصب" : أي لا تعب أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب ينغصها ، ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل زيادة بعد الجزاء على أعمالها ، فإن قيل كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام .
 فالجواب : أن البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في لسانهم فلما كانت خديجة رضي اللّه عنها أول من بنى بيتاً في الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد لها  ،  وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة اهـ . 
          وعن عبد الله ابن أبي أوفى ، وعن عائشة ، عن رسول الله  : "بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب .( )
وعن أنس  : "حسبك من نساء العالمين:  مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية امرأة فرعون" .( )
‏  "حسبك"  أي أحسبك والاستفهام مقدر .  
"من نساء العالمين" : أي يكفيك في معرفتك فضلهن بقوله حسبك مبتدأ ومن نساء العالمين متعلق به . 
‏ "خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران"  الصديقة بنص القرآن .
عن علي  ، عن رسول الله  أنه قال : "خير نسائها مريم بنت عمران و خير نسائها خديجة بنت خويلد".( )
‏ قال المناوي قوله: "خير نسائها"  أي خير نساء الدنيا في زمنها فالضمير عائد على غير مذكور يفسره الحال والمشاهدة (مريم بنت عمران) وليس المراد أن مريم خير نسائها إذ يصير كقولهم يوسف أحسن أخوته ، وقد صرحوا بمنعه لأن أفضل التفضيل إذا أضيف وقصد به الزيارة على من أضيف له يشترط أن يكون منهم ،كزيد أفضل الناس ، فإن لم يكن منهم لم يجز كما في يوسف أحسن أخوته لخروجه عنهم بإضافتهم إليه . ذكر النووي : وخير نسائها : أي هذه الأمة خديجة بنت خويلد ، وقال القاضي البيضاوي  :  قيل الكناية : الأولى : راجعة إلى الأمّة التي فيها مريم .
والثانية : إلى هذه الأمّة وروى وكيع الذي هو أحد رواة الحديث أنه أشار إلى السماء والأرض يعني هما خير العالم الذي فوق الأرض وتحت السماء كل منهما في زمانه ووحد الضمير لأنه أراد جملة طبقات السماء وأقطار الأرض وأن مريم خير من صعد بروحه إلى السماء وخديجة خير نسائهن على وجه الأرض والحديث وارد في أيام حياتها اهـ  .  
وفي المطامح الضمير حيث ذكر مريم عائد على السماء ومع خديجة على الأرض دليله ما رواه وكيع ، وابن النمير ، وأبو أسامة ، وأشار وكيع من بينهم بإصبعه إلى السماء عند ذكر مريم وإلى الأرض عند ذكر خديجة وزيادة العدل مقبولة والمعنى فيه أنهما خير نساء بين السماء والأرض اهـ  .  
وزاد في خبر فقالت له عائشة: ما ترى من عجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك اللّه خيراً منها فغضب وقال: ما أبدلني خيراً منها آمنت بي حين كذبني الناس ورزقت الولد منها وحرمته من غيرها، كذا في المطامح ( ) 
         وعن عائشة : "سيدات نساء أهل الجنة أربع  :  مريم و فاطمة و خديجة و آسية" .( )
قوله: "سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم وفاطمة وخديجة وآسية"  امرأة فرعون، قال جمع : هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة وغيرها من زوجاته لا يحتمل التأويل ، وقد أورده ابن عبد البر من وجه آخر أن ابن عباس رفعه "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية" . قال: وهذا حديث حسن يرفع الإشكال، قال ابن حجر: لا يلزم من التسوية في الخيرية التسوية في جميع الصفات. ( )
توفيت رضي الله عنها بعد مبعث النبي  بعشر سنين في شهر رمضان ، وقبل الهجرة بثلاث سنين ، عن خمس وستين سنة ، فأقامت مع النبي  خمساً وعشرين سنة .
وبعد وفاتها رضي الله عنها تتابعت على رسول الله  المصائب ، وطمع المشركون برسول الله ، وخاصة بعد وفاة أبو طالب، أخذت قريش تنال من رسول الله  وتؤذيه ، فحزن النبي  حزناً شديداً حتى سمي هذا العام بعام الحزن .
رضي الله عن أم المؤمنين خديجة وأرضاها وعوضها عن صبرها وكفاحها خيراً في جناته جنات النعيم .
الفوائد :
1-نزول رسول الله  تحت الشجرة ، وشهادة الراهب له ، وإظلال الملكين دليلا على نبوته  . 
2- ما يتحلى به رسول الله  من أمانة وصدق وطهارة وكرم ، وما يتميز به من أخلاق عالية مما دفع خديجة رضي الله عنها لإبداء رغبتها في الزواج منه  .
3- فضل خديجة ، وشرفها ، وعلو مكانتها عند الله تعالى ، وعند رسوله  ، وعند الناس .
4- لاجناح على المرأة ولا غضاضة في رغبتها في الزواج من الرجل الصالح ، كما فعلت خديجة رضي الله عنها عندما خطبت رسول الله  لنفسها ، رغبة فيه لصلاحه .
5- زواج الرجل من المرأة التي تكبره في السن ، عندما تزوج رسول الله  خديجة وهي تكبره بكثير ، لما كان مهتما بنـزاهتها ، وفضلها ، وعفتها ونبلها ، حتى كانت تلقب بالعفيفة الطاهرة ، دلنا هذا على عدم اهتمام رسول الله  بأسباب المتعة الجسدية كبقية أقرانه ، ويتجلى لنا رغبة رسول الله  لشرفها ، ونبلها ، ورزانة عقلها .  
6- زواج رسول الله  من امرأة عفيفة طاهرة وإنجاب ذرية صالحة الذي أكرم الله عز وجل نبيه ليظل له مكانة اجتماعية مرموقة لا مطعن فيها .  
7- مكانة خديجة عند رسول الله  ، حتى بعد وفاتها رضي الله عنها ، ولن تستطع أي واحدة من زوجاته أن تزحزح مكانة خديجة من قلب رسول الله  ، حتى عائشة رضي الله عنها ، والتي هي أحب النساء إليه .
8- لم يكمل من النساء إلا أربع ، كما بين ذلك رسول الله  .
9- إكرام صديقات الزوجة وأقربائها ، كما فعل رسول الله بهالة أخت خديجة ، وكذلك صديقاتها .
10- من آمن بنبيه وآمن بمحمد  يكون له أجران ، كما حصل لورقة بن نوفل ، عندما آمن برسول الله  ، وهو من أهل الكتاب ، فكانت له جنتان ، كما بين ذلك رسول الله  .  









عائشة
رضي الله عنها
أحب النساء إلى النبي  
المبرأة من فوق
سبع سموات







إنها الصديقة بنت الصديق القرشية ، التيمية ، المكية ، رضي الله عنها وعن أبيها ، أم المؤمنين ، حب رسول الله  وزوجته ، وهي أحب النساء إلى رسول الله  .( )
المبرأة من فوق سبع سموات ، معلمة الرجال . الصابرة ، كانت تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت النبي  نار ، كانت تعيش مع رسول الله  على الماء والتمر ،  الزاهدة ، الكريمة .( ) 
كان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها .
نزل جبريل عليه السلام ، وأخبر النبي  أن يقرئها منه السلام .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله  :" يا عائشُ هذا 
جبريل يقرئك السلام " فقلت وعليه السلامُ ورحمة الله وبركاته .( )
وتحكي عائشة رضي الله عنها ما حصل فتقول : أرسل أزواج النبي    فاطمة بنت رسول الله   إلى رسول الله   ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها ، فقالت : يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة ، قالت : فقال لها رسول الله : "أي بنية  ألست تحبين ما أحب"، فقالت:بلى،قال: "فأحبى هذه"، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله   ، فرجعت إلى أزواج النبي    فأخبرتهن بالذي ،قالت وبالذي قال لها رسول الله    فقلن لها ما نراك من شيء فارجعى إلى رسول الله    فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة ، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدا، قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي  زينب بنت جحش زوج النبي ، وهي التي كانت تساميني منهن في المنـزلة عند رسول الله  ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة، قالت فاستأذنت على رسول الله  ورسول الله  مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله ، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله  وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها ، قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله  لا يكره أن أنتصر ، قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله  وتبسم: "إنها ابنة أبي بكر". 
وفي رواية لمسلم : أن النبي  قال لابنـته فاطمة رضي الله عنهما : "أي بنية ، ألست تحبين ما أحب" فقالت : بلى ، "فأحبي هذه" . ( )
انظر إلى محبة النبي  لعائشة رضي الله عنها ، وقد حافظ النبي  على حبه لعائشة حتى آخر لحظة من حياته ، كيف لا وقد أخبره جبريل عليه السلام : "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة" .( ) 
في مرضه  الذي مات فيه يقول: "أين أنا غداً، أين أنا غداً؟" يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها . قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي ، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري ، وخالط ريقه ريقي".( ) 
وتقول: ودفن في بيتي".( )  
وانظر إلى وصيته لسيدة نساء الجنة فاطمة رضي الله عنها بأن تحب عائشة رضي الله عنها ، ويأتي أُناس يطعنون فيها بل ويشتمونها بأقبح الشتائم ، ألم يعلموا بأنهم واقفون بين يدي الله تعالى يوم القيامة ، وستكون عائشة خصيمة لهم يوم القيامة ، وسيأخذ الله تعالى حقها منهم ، كما سيأخذ حق الصحابة الكرام من كل من طعن بهم وشتمهم . 
قالت عائشة رضي الله عنها ، لقد أُعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران :
1ـ لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله $ أن يتزوجني.
2ـ ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكراً غيري .
3ـ ولقد قُبض ورأسه في حجري .
4ـ ولقد قبرته في بيتي .
5ـ ولقد حفت الملائكة بيتي .
6ـ وإني لابنة خليفته وصديقه .
7ـ ولقد نزل عذري من السماء .
8ـ ولقد خلقت طيبة عند طيب .
9ـ ولقد وُعدت مغفرة ورزقاً كريماً .
عن أبي موسى الأشعري  قال : قال رسول الله  :
" كَمُل من الرَّجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر 
الطعام ".( )
إنها زوجة سيد ولد آدم ، وسيد المرسلين  .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله  :" أريتك في المنام يجيء بك الَملَك في سَرقَةٍ من حريرٍ فقال لي : هذه امرأتك فكشفتُ وجْهك فإذا أنت هي فقلتُ : إن يك هذا من عند الله يُمْضِهِ ".( )
وتحدد ـ رضي الله عنها ـ سنها ، عند زواجها فتقول :" تزوجني رسول الله  وأنا بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وأنا بنت تسع سنين ، وكنت ألعب على المرجوحة ، ولي جُمة ، فأتيت وأنا ألعب عليها فأخذت ، فهيئت ، ثم أدخلت عليه ، وأرى صورتي في حريرة ".( )
وكان عليه الصلاة والسلام ، أفضل الأزواج على الإطلاق ، حيث كان يعاملها معاملة الأطفال لا معاملة الزوجات الكبيرات ، فكان يلاعبها ويسابقها ويمازحها ويداعبها ويلاطفها .
      تقول عائشة رضي الله عنها: كنت ألعب بالبنات عند رسول الله  وكنَّ يأتينني صواحبي ينقمعن من رسول الله $ وكان رسول  يُسربهنَّ إليَّ . ( )
ومعنى الحديث أنها كانت تلعب بلعب الأطفال المجسمة مع صاحباتها ، فإذا دخل  عليهن اختبأن حياءً منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولكنه لرفقته ورحمته كان يلاعبهن ويدخلهن على عائشة .
عن عروة قال : كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة : فاجتمع صواحبي عند أم سلمة فقلن يا أم سلمة ، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله  أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان ، أو حيث دار قالت : فَأعْرض عني فلما عاد إلي ذكرتُ له ذلك فَأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرتُ له فقال :" يا أم سلمة لا تُؤذيني في عائشة ، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها ".( )
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرةٌ قد أكل منها ووجدت شجراً لم يؤكل منها في أيَّها كنت تُرتِعُ بعيرك؟ قال:" في التي لم يُرْتَع منها" تعني أن رسول الله  لم يتزوج بكراً غيرها.( )
قالت عائشة : لما أُمر رسول الله  بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك . قالت : وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه . قالت : ثم قال إن الله ـ جل ثناؤه ـ قال : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا إلى قوله تعالى: أَجْراً عَظِيماً قالت: فقلت: ففي أي هذا استأمر أبويّ ؟
فأني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قالت : ثم فعل أزواج رسول الله  مثل ما فعلت.
وقد وضح الله عز وجل ـ أمر التخيير فقال ـ جل ثناؤه ـ :  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً.( )
صفة شدتها في دين الله عز وجل
عن عبد الله بن زياد الأسدي قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه ، وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول : والله إِنـها لزوجة نبيكم  في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم، إياه تُطيعون أم هي ؟ .( )
قالت عائشة رضي الله عنها : ذكر رسول الله  فاطمة رضي الله عنها قالت : فتكلمتُ أنا فقال :" أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدُّنيا والآخرة " قلتُ : بلى والله ، قال : " فأنت زوجتي في الدُّنيا والآخرة " .
  وقال رسول الله  : "عائشة زوجتي في الجنة" .( )
‏ قوله  : "عائشة زوجتي في الجنة" : قال المناوي : لعل المراد أنها أحب زوجاته إليه فيها كما كانت أحبهن إليه في الدنيا وإلا فزوجاته كلهن في الجنة .
 تنبيه : مما اشتهر الخلاف في التفضيل بين عائشة وخديجة  .  
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : جهات الفضل بين خديجة وعائشة متفاوتة ، وكأنه رأى الوقف ، ثم قال رحمه الله: سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها فى الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة فى آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه الى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها.
وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند اللّه فذلك أمر لا يطلع عليه إلا هو ، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح ، وإن أريد كثرة العلم فعائشة،وإن أريد شرف الأصل ففاطمة وهي فضيلة لا يشاركها فيه غير أخواتها،وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها.اهـ( ).  
وتعقبه ابن حجر : بأن ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله ، وهي أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على نبوّته بالنفس والمال والتوجه التامّ فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك إلا اللّه. وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة. ( ) 
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله  يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول :" أين أنا غداً أين أنا غداً ؟" يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها . قالت عائشة : فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقُه ريقي .( )
إنها أعلم النساء ، بل معلمة الرجال ، كان الأكابر من الصحابة يرجعون إليها في الفتوى . 
قال هشام بن عروة عن أبيه قال : لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت ، ولا بفريضة ، ولا بسنة ، ولا بشعر ، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب ، ولا بنسب ، ولا بكذا، ولا بكذا ، ولا بقضاء، ولا طب منها ، فقلت لها : يا خالة ، الطب من أين علمت ؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي الشيء ، ويمرض المريض فينعت له ، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه .( )
عن مسروق أنه قيل له : هل كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ تحسن الفرائض ؟ قال : والله لقد رأيت أصحاب محمد  الأكابر يسألونها عن الفرائض .( )
وقال الإمام الزهري رحمه الله : لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل( ).
وقال عطاء : كانت عائشة رضي الله عنها أفقه الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة " .
وذكر أبو عمر بن عبد البر ـ رحمه الله ـ : أنها كانت وحيدة عصرها في ثلاثة علوم : علم الفقه ، وعلم الطب ، وعلم الشعر .
وعن موسى بن طلحة قال : ما رأيت أحداً أفصح عن عائشة .
وعن عروة بن الزُبير قال: ما رأيت أحداُ أعلم لفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها .
قال أبو موسى الأشعري  : ما أشكل علينا أصحاب رسول الله  حديث قط ، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً .
قالت عائشة رضي الله عنها : جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى استأمر رسول الله  ، فلما جاء رسول الله  قلتُ : إنَّ عمي من< الرضاعة استأذن عليَّ فأبيتُ أن آذن له ، فقال رسول الله  :    " فليلج عليك عمُّك " .فقلتُ: إنما أرضعتني المرأة ! ولم يرضعني الرجل، فقال: "إنًّه عمُّك فليلج عليك".( )
فقد كانت رضي الله عنها قوية في دين الله تعالى ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتغضب من أجل الله عز وجل، تقول أم علقمة بنت أبي علقمة: رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها ، فشقته عائشة عليها، وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور ؟ ثم دعت بخمار فكستها .
عن عائشة رضي الله عنها قالت: والعجب أن تكذب السيدة زينب وتذهب إلى علي وتقول له: إن عائشة وقعت بكم وفعلت ، وهي المشهورة بشدة الورع حتى شهدت لها السيدة عائشة بذلك بقولها في حديث الإفك: وكان رسول الله  يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال :" يا زينب ماذا علمت أو رأيت"؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيراً. قالت: وهي التي كانت تساميـني من أزواج رسول الله  فعصمها الله بالورع .( )
وفي موقف آخر تعرضت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى منافسة شديدة من أمهات المؤمنين وكان لزينب منها نصيب إلا أن عائشة أثنت عليها ثناءً عظيماً فقالت : أرسل أزواج النبي  فاطمة بنت رسول الله  إلى رسول الله  فاستأذنت عليه ، وهو مضطجع معي في مرطي فإذن لها فقالت : يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة قالت : فقال لها رسول الله  :" أي بنية ألست تحبين ما أحبُّ فأحبَّي هذه ". قالت : فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله  فرجعت إلى أزواج النبي  فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله  فقلن لها : ما نراك أغنيت عنا من شيء ، فارجعي إلى رسول الله  فقولي له : إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة فقالت فاطمة : والله لا أكلمه فيها أبداً ، قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي  زينب بنت جحش زوج النبي  وهي التي كانت تساميني منهن في المنـزلة عند رسول الله  ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله ـ تعالى ما عاد سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة قالت : فاستأذنت على رسول الله  ورسول الله  مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله  فقالت : يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة قالت : ثم وقعت بي فاستطالت عليّ وأنا أرقب رسول الله  وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت : فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله  لا يكره أن أنتصر . قالت : فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عنها قالت: فقال رسول الله  :"إنها ابنة أبي بكر".( )
لم أنشبها : لم أمهلها .أنحيت عنها : قصدتها واعتمدتها بالمعارضة . 
تبرئة الله تعالى لها من فوق سبع سماوات
حادثة الإفك( )
وذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خَرَجَ بها رسولُ الله  معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة، نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشةُ لحاجتها ثم رجعت، ففقدت عِقداً لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسُه في الموضع الذي فقدتهُ فيه، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هودجها، فظنوها فيه، فحملوا الهودج، ولا ينكرون خِفته، لأنها رضي الله عنها كانت فتية السِّن، لم يغشها اللحم الذي كان يثقلها، وأيضاً، فإن النفر لما تساعدوا على حمل الهودج، لم يُنكروا خِفته، ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين، لم يخف عليهما الحالُ، فرجعت عائشةُ إلى منازلهم، وقد أصابت العِقد، فإذا ليس بها داعٍ ولا مُجيب، فقعدت في المنـزل، وظنَّت أنهم سيفقدونها، فيرجعون في طلبها، واللهُ غالبٌ على أمرهِ، يُدبِّرُ الأمرَ فوقَ عرشه كما يشاءُ، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقِظْ إلا بقول صفوانَ بن المعَطِّل: إنا للهِ وإنا إليه راجعونَ، زوجة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم. وكان صفوان قد عرَّسَ في أُخريات الجيش، لأنه كان كثيرَ النوم، كما جاء عنه في "صحيح أبي حاتم" وفي "السنن". فلما رآها عَرفها، وكانَ يراها قبلَ نزولِ الحِجابِ، فاسترجع،وأناخَ راحلته، فقربها إليها، فركبتها، وما كلَّمَها كلمة واحدة، ولم تَسمَعْ منه إلا استرجاعَه، ثم سار بها يَقُودُها حتى قَدِمَ بها، وقد نزل الجيشُ في نحرِ الظهيرة، فلما رأى ذلك الناسُ، تكلَّم كُلٌ منهم بِشاكِلته، وما يَليقُ به، ووجد الخبيثُ عدوُّ اللهِ ابن أُبي متنفَّساً، فتنفَّس مِن كَربِ النفاق والحسدِ الذي بين ضُلوعه، فجعل يستحكي الإفكَ، ويستوشِيه، ويُشيعه، ويُذيعه، ويَجمعُه، ويُفرِّقه، وكان أصحابُه، يتقرَّبونَ به إليه، فلما قَدِموا المدينةَ، أفاضَ أهلُ الإفكِ في الحديثِ، ورسول الله  ساكِتٌ لا يتكلَّم، ثم استشار أصحابَه في فراقها، فأشار عليه عليٌ  أن يُفارِقَهَا، ويأخُذَ غيرها تلويحاً لا تصريحاً، وأشار عليه أُسامةُ وغيرهُ بإمساكِها، وألا يلتفتَ إلى كلام الأعداء .( ) 
    فعلي لما رأى أن ما قيل مشكوكٌ فيه، أشار بترك الشَّكِّ والرِّيبة إلى اليقين ليتخلَّص رسول الله من الهمِّ والغمِّ الذي لحقه مِن كلام الناس، فأشار بحسم الداء، لما عَلِمَ حُبَّ رسولِ اللهِ  لها ولأبيها، وعلم مِن عِفتها وبراءتها، وحصانتها وديانتها ما هي فوقَ ذلك، وأعظم منه، وعرفَ مِن كرامةِ رسولِ اللهِ  على ربِّه ومنـزلته عنده، ودفاعِه عنه، أنه لا يجعلُ ربةَ بيته وحبيبته من النساء، وبنت صِدِّقه بالمنـزلة التي أنزلها بهِ أربابُ الإفك، وأن رسول الله  أكرم على ربه، وأعزُّ عليه من أن يجعل تحته امرأة بغيَّاً، وعلم أنَّ الصِّدِّيقةَ حبيبةَ رسول الله  أكرمُ على ربها مِن أن يَبْتَلِيهَا بالفاحِشَةِ، وهي تحتَ رسوله ( ). 
الفوائــد من هذه الحادثة :
ومَنْ قَويتْ معرفته لله ومعرفته لرسوله وقدره عندَ اللهِ في قلبه، قال كما  قال أبو أيوب وغيره مِن سادات الصحابة، لما سمعوا ذلك: سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ .( ) 
وتأمل ما في تسبيحهم للهِ، وتنـزيههم له في هذا المقامِ مِن المعرفةِ به، وتنـزيهه عما لا يليقُ به، أن يجعلَ لِرسوله وخليلهِ وأكرمِ الخلق عليه إمرأةً خبيثةً بغيَّا فمن ظنَّ به سُبحانه هذا الظَّنَّ، فقد ظَنَّ به ظنَّ السوءِ، وعرف أهلُ المعرفة باللهِ ورسوله أن المرأة الخبيثةَ لا تليقُ إلا بمثلها، كما قال تعالى:  الخَبِيثات لِلخَبِيِثينَ .( )
، فقطعوا قطعاً لا يشُكُّونَ فيهِ أن هذا بُهتان عظيم ، وفِريةٌ ظاهرة. 
فان قيل: فما بال رسول الله  توقف في أمرها وسأل  عنها وبحث واستشار وهو  أعرف بالله وبمنزلته عنده وبما يليق به وهلا قال سبحانك هذا بهتان عظيم.
فالجواب: إن هذا من تمام الحكم الباهرة التي جعل الله هذه القصة سبباً لها وامتحاناً وابتلاءً لرسول الله  الأمة إلى يوم القيامة ليرفع بهذه القصة أقواماً ويضع بها آخرين. ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وإيمانا ولا يزيد الظالمين إلا خساراً.
واقتضى تمامُ الامتحان والابتلاء أن حُبِسَ عن رسول الله  الوحيُ شهراً في شأنها، ولا يُوحى إليه في ذلك شيء لتتم حِكمتُهُ التي قدَّرها وقضَاهَا، وتظهرَ على أكمل الوجوه، ويزدادَ المؤمنونَ الصادِقُونَ إيماناً وثباتاً على العدل والصدق، وحُسْنِ الظنِّ باللهِ ورسولهِ، وأهل بيتهِ، والصِّدِّقينَ مِن عباده، ويزدادَ المنافقون إفكاً ونفاقاً، ويُظهِرَ لرسوله وللمؤمنين سرائرهم، ولتتم العبوديةُ المرادة مِن الصِّدِّيقةِ وأبويها، وتتمَ نعمةُ اللهِ عليهم، ولتشتد الفاقةُ والرغبةُ منها ومِن أبويها، والافتقارُ إلى اللهِ والذلُّ له، وحُسن الظن به، والرجاء له، ولينقطع رجاؤها من المخلوقين، وتيأسَ مِن حصول النُّصرةِ والفرح على يد أحد من الخلق، ولهذا وفّت هذا المقَام حقَّه، لما قال لها أبوها، قُومي إليه، وقد أنزلَ اللهُ عليه براءتَها، فقالت: واللهِ لا أَقومُ إليهِ، ولا أَحْمَدُ إلا اللهَ، وهُو الذي أَنزَلَ براءَتِي. 
وأيضاً فكان من حكمة حَبْسِ الوحي شهراً، أن القضية مًحِّصَتْ وتمحَّضتْ، واستشرفت قلوبُ المؤمنين أعظمَ استشرافٍ إلى ما يُوحيه اللهُ إلى رسوله فيها، وتطلَّعت إلى ذلك غايةَ التطلُّع، فوافى الوحيُ أحوجَ ما كان إليه رسول الله ، وأهلُ بيته، والصِّدِّيقُ وأهلُه، وأصحابه والمؤمنون، فورد عليهم ورودَ الغيثِ على الأرضِ أحوجَ ما كانت إليه، فوقع منهم أعظمَ موقع وألطَفَه، وسرُّوا به أتمَّ السُّرورِ، وحصل لهم به غايةُ الهناء، فلو أطلع اللهُ رسولَه على حقيقة الحالِ مِن أوَّلِ وَهلة، وأنزل الوحيَ على الفور بذلك، لفاتت هذه الحِكمُ وأضعافُها بل أضعافُ أضعافها.
وأيضاً فإن الله سبحانه أحبَّ أن يُظْهِرَ منـزلَةَ رسوله وأهلِ بيته عنده، وكرامتهم عليه.
وأيضاً فإن رسولَ اللهِ  كان هو المقصودَ بالأذى، والتي رُميَتْ زوجتُه، فلم يكن يليقُ به أن يشهد ببراءتها مع علمه، أو ظنه الظنَّ المقاربَ للعلم ببراءتها، ولم يظنَّ بها سُوءاً قطُّ، وحاشاه، وحاشاها.
ولما جاء الوحي ببراءتها، أمرَ رسول الله  بمن صرَّح بالإفك، فَحُدُّوا ثمانين ثمانين، ولم يُحد الخبيثُ عبد الله بن أبي، مع أنه رأسُ أهل الإفك، فقيل: لأن الحدودَ تخفيفٌ عن أهلها وكفارة، والخبيث ليس أهلاً لذلك، وقد وعَدَهُ الله بالعذابِ العظيم في الآخرةِ، فيكفيه ذلك عن الحد  .
قوة ثبات السيدة عائشة رضي الله عنها .
ومن تأمل قولَ الصديقة وقد نزلت براءتها( ) ، فقال لها أبواها : قومي إلى رسول الله  ، فقالت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله . علم معرفتها ، وقوة إيمانها ، وتوليتها النعمة لربها ، وإفراده بالحمد في ذلك المقام ، وتجريدها التوحيد ، وقوة جأشها ، وإدلالها ببراءة ساحتها ، وأنها لم تفعل ما يوجب قيامها في مقام الراغب في الصلح ، الطالب له وثقتها بمحبة رسول الله  لها قالت ما قالت ، إدلالا للحبيب على حبيبة ، ولا سيما في مثل هذا المقام الذي هو أحسن مقامات الإدلال ، فوضعته موضعه ، ولله ما كان أحبها إليه حين قالت : لا أحمد إلا الله ، فإنه هو الذي أنزل براءتي ، ولله ذلك الثباتُ والرزانة منها ، وهو أحب شيء إليها ، ولا صبر لها عنه ، وقد تنكر قلب حبيبها لها شهرا ثم صادفت الرضى منه والإقبال ، فلم تبادر إلى القيام إليه ، والسرور برضاه ، وقربه مع شدة محبتها له ، وهذا غاية الثبات والقوة .اهـ .( )
توفي رسول الله  ولعائشة ثمانية عشر عاماً، وعاشت بعده قريباً من خمسين سنة، فأكثر الناس الأخذ عنها ، ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئاً كثيراً حتى قيل أن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها ، فعن أبي موسى الأشعري قال :"ما أشكل علينا أصحاب رسول الله  حديث قط،فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً".( ) 
وقال موسى بن طلحة : "ما رأيت أحداً أفصح من عائشة".( ) 
وفاتها :
توفيت رضي الله عنها في خلافة معاوية  ، ليلة الثلاثاء ، السابع عشر من رمضان ، سنة ثمان وخمسين من الهجرة ، وهي ابنة ست وستين سنة ، ودفنت بالبقيع من ليلتها بعد صلاة الوتر .
رضي الله عنها وأرضاها ، ورضي عن أبيها ، وأكرمها في جنات الخلد ، وأسأل الله العظيم أن يرزق المسلمات الاقتداء بها ، والسير على خطاها . آمين .
هذه بعض  الفضائل للسيدة عائشة الصديقية الطاهرة ، والله إننا أصغر من أن نكتب عنها، أو أن ندافع عنها، وقد برأها الله تعالى من فوق سبع سماوات ، وقد أجمع العلماء على أن من قال أن عائشة زانية فهو كافر مرتد لأنه يكذب الله سبحانه وتعالى ، وقد جاءت براءتها بنص القرآن الكريم ، فاتقوا الله يامن تطعنون بها وبأبيها وببقية الصحابة الكرام ، وتذكروا أنكم واقفون بين يدي الله تعالى يوم القيامة ، وأنه محاسبكم عن كل هذا ، وتذكروا قول المصطفى  إذ يقول : "أتدرون من المفلس؟" ، قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
فقال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار".( )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  يقول: "من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال".( )
"ردغة الخبال": هي عصارة أهل النار.
هذا إذا كان الطعن والكلام في أي مسلم ، فكيف إذا كان هذا الطعن والكلام والشتم بأم المؤمنين عائشة ، أو بأي أحد من الصحابة الكرام .!!! 
الفوائد  
1- فضل عائشة على النساء ، وهي أحب النساء إلى رسول الله  ، كما أن أبوها أحب الرجال إليه  .
2- زواج الرجل من البنت الصغير بشرط أن تطيق الوطء ، كما تزوج رسول الله  عائشة وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين .
3- تزويج الرجل ابنته لصاحبه إذا كان صالحاً ، كما زوج أبو بكر  ابنته عائشة لرسول الله  .
4- سلام جبريل عليه السلام على عائشة رضي الله عنها .
المحبة القلبية لا يؤاخذ عليه الزوج ، شريطة أن يعدل بين نسائه ، كما كان رسول الله  يحب عائشة أكثر من بقية نسائه ، وكان يعدل بينهن .
5- جواز لعب الأطفال باللعب المجسمة التي يلعب بها الصغار ، كما كانت عائشة تلعب بلعبها .
6- تبرئة الله تعالى لعائشة من فوق سبع سماوات .
استشارة الرجل أصحابه في فراق زوجته ، كما استشار رسول الله  أصحابه في فراق عائشة .
7- تفوق بعض النساء على الرجال ، بالعلم والفقه ، كما تفوقت عائشة بالعلم ورجوع أكابر الصحابة لها رضي الله عنها .
8- حبس الوحي عن رسول الله  شهراً ، وهذا من تمام الامتحان والابتلاء .
















  
حفصة بنت عمر
الصوامة القوامة
حارسة القرآن 







أم المؤمنين حفصة بنت الفاروق عمر بن الخطاب  ، الصوامة القوامة( ) رضي الله عنها وأرضاها ، زوجها الصحابي الجليل خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي القرشي ، شهد بدراً ، وشهد أحداً ثم مات بعدها في المدينة من جراحة أصابته في أحد ، وترك من ورائه أرملته حفصة رضي الله عنها .
وكانت آنذاك في الثامنة عشرة من عمرها .
نشأت حفصة رضي الله عنها في بيت عمر  فكانت مؤمنة قانتة صادقة صابرة خاشعة متصدقة صائمة ذاكرة تائبة مجاهدة . 
       حزن عمر بن الخطاب  على ابنته التي مازالت في شبابها ، وحاول أن يختار لها زوجاً ، فعرضها على أبي بكر الصديق  ، فلم يجبه بشيء ، ثم عرضها على عثمان   فقال : بدا لي ألاَّ أتزوج اليوم ، فوجد عليهما وانكسر ، وشكا حاله إلى النبي  ، فقال: "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي من حفصة"، ثم خطبها فزوجه عمر .( )    
عن عمر  يقول : عندما تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما من خنيس بن حصافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله  ممن شهد بدراً فتوفي بالمدينة .
قال عمر : فلقيت عثمان بن عفان  فعرضتُ عليه حفصة ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة . قال : سأنظر في ذلك : فلبث ليالي فلقيني ، قال : ما أريد أن أتزوج يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة ، فلم يرجع إليَّ شيئاً ، فكنت أوجد عليه مني على عثمان ، فلبث ليالي ، فخطبها رسول الله  فأنكحتها إياه ، فلقيني أبا بكر فقال : لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة ، فلم أرجع إليك شيئاً .
قال : قلت نعم فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئاً حين عرضتها عليَّ إلا إني سمعت رسول الله  يذكرها ، ولم أكن لأفشي سر رسول الله  ولو تركها لنكحتها .( )
"تأيمت" : مات زوجها ، وأصبحت بلا زوج .
"وجدت" : غضبت .
وتزوجها رسول الله  في السنة الثالثة من الهجرة ، وأصدقها أربعمائة درهم ، وكان ذلك أعظم إكرام ومنة لحفصة وأبيها رضي الله عنهما .( )
وكان رسول الله  يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ، ويمكث عندها ، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير قال :" لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً ".( )
المغافير : صمغ حلو الطعم كريه الرائحة .
ولها رضي الله عنها مواقف في الزهد ، تدل على إعراضها عن الدنيا ، فمن ذلك أن عمر دخل عليها ذات مرة فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً ، وصبت في المرق زيتاً ، فقال : أُدمان في إناء واحد ، لا أذوقه حتى ألقى الله .   
وكانت حفصة رضي الله عنها ترى والدها وما هو عليه من شدة العيش ، فقالت له يوماً : يا أمير المؤمنين ، لو لبست ثوباً ألين من ثوبك ، فقال : سأخاصمك إلى نفسك ، أما تذكرين ما كان رسول الله  يلقى من شدة العيش ؟ فما زال يذكرها حتى أبكاها .( )
ولقد أختيرت حفصة رضي الله عنها من بين أمهات المؤمنين لتحفظ النسخة الخطية للقرآن الكريم ، وذلك عندما أشار عمر على أبي بكر أن يبادر فيجمع ما تفرق من القرآن في صحف شتى ، قبل أن يبعد العهد بنـزوله، ويمضي حفظته الأولون، وقد استشهد منهم مئات في حروب، فاستجاب أبو بكر ، وجمع المصحف الشريف، وأودعه عند حفصة رضي الله عنها( ).
توفيت رضي الله عنها في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وهي ابنة ستين سنة، وقيل بعد مقتل عثمان  في ذي الحجة سنة 35هـ .،وقيل عندما بويع علي بن أبي طالب  ، فأقامت حفصة رضي الله عنها بالمدينة عاكفة على العبادة صوَّامة قوَّامة إلى أن توفيت في عهد معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنها وأرضاها وأكرمها في جناته .
الفوائد 
1- جواز أن يخطب الأب من يراه مناسباً وصالحاً لابنته ، كما فعل عمر  عندما عرضها على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً .
2- فضل حفصة رضي الله عنها وشهادة أمين الوحي جبريل بأنها الصوامة القوامة .
3- عدم جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا علم ذلك ، وكتمان السر ، كما كتم أبو بكر  سر رسول الله  عندما ذكر حفصة بخير .  
4- جواز هجر الزوج لزوجاته لتأديبهن في غير الفراش ، كما هجر رسول الله  زوجاته شهراً .
5- عدم جواز تحريم ما أحل الله تعالى لعباده ، كما قال الله تعالى في سورة التحريم :  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . الآية 
6- الشهر يكون تسع وعشرون ، ويكون ثلاثون يوماً .
7- الحث على طلب العلم ، كما فعل عمر  عندما قال : إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النـزول على النبي   ، فينـزل يوما وأنزل يوما ...
    8 ـ  جواز طلاق الرجل لزوجته كما طلق رسول الله $ حفصة .
    9ـ   جواز مراجعة الزوج زوجته، وذلك عندما راجع النبي $حفصة  
           بعد طلاقها .                       




















  
صفية بنت حيي
عَقيلة بني النضير





أم المؤمنين صفية بنت حُيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير .
في العام الخامس من الهجرة حرض حيي بن أخطب المشركين على مهاجمة المسلمين في المدينة .
فتجمع عشرة من المشركين من قريش ، من الأحابيش ، وكنانة ، وأهل تهامة ، وبني غطفان من نجد .
ونقض اليهود عهدهم الذي كانوا قد أبرموه مع رسول الله  في أن يكونوا محايدين لا ينصرون عليه .
وعُظُم البلاء بالمسلمين ، واشتد بهم الخوف ، إذ جاءهم عدوهم من فوقهم ، ومن أسفل منهم ، وزلزلوا زلزالاً شديداً ، وظهر جلياً نفاق المنافقين ، وأطلقوا العنان ، وقال قائلهم : لقد كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كِسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط .
وتخاذل هؤلاء ، واعتقدوا أن الهزيمة واقعة بالمسلمين فكروا راجعين إلى الديار ، وتخلوا عن موقف الصدق والإيمان ، والشجاعة والبطولة .
واستمر الحصار سبعة وعشرين يوماً ، ثم دارت الدائرة على المشركين ، وانفضوا من حول المدينة لم ينالوا خيراً ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وتم النصر لرسول الله  والذين آمنوا .    
قال أنس  : جُمع السبي ـ يعني بخيبر ـ فجاءه دحية فقال يا رسول الله ، أعطني جارية من السبي ، فقال :" اذهب فخذ جارية " ، فأخذ صفية بنت حيي ، فجاءه رجل إلى نبي الله  فقال : يا نبي الله : أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ، لا تصلح إلا لك ، قال :" ادعوه بها " ، قال : فجاء بها ، فلما نظر إليها النبي  قال :
" خذ جارية من السبي غيرها " . قال :" وأعتقها وتزوجها " .( )
واختارت السيدة صفية رضي الله عنها رسول الله  على أهلها وعشيرتها ، وأسلمت وحسن إسلامها ولما أخذها النبي  من دحية بسبعة أرؤس ، ودفعها إلى أم سليم حتى تهيئها ، وتصنعها ، وتعتد عندها ، فكانت وليمته : السمن والإقط ، والتمر . الإقط : لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به .
عن أنس رضي  أقبلنا مع رسول الله  أنا وأبو طلحة وصفية رديفته ، فعثرت الناقة ، فصرع ، وصرعت ، فاقتحم أبو طلحة عن راحلته ، فأتى النبي  قال : يا نبي الله ، هل ضرك شيء ، قال :" لا ، عليك بالمرأة " فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه ، وقصد نحوها ، فنبذ الثوب عليها فقامت فشدها على راحلته ، فركبت ، وركب النبي  .( )
وقالت صفية بنت حيي رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله  وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت له ذلك، فقال:"ألا قلت: وكيف تكونان خيراً مني، وزوجي محمد  وأبي هارون ، وعمي موسى".( )
تقول أم المؤمنين صفية رضي الله عنها كان رسول الله  معتكفاً ، فأتيته أزوره ليلاً ، فحدثته ثم قمت لأنقلب ، فقام ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي  أسرعا ، فقال النبي  :" على رسلكما إنها صفية بنت حيي ".
فقالا: سبحان الله: يا رسول الله ، فقال رسول الله : "إن الشيطان يجري من بني أدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً".( )
وكانت صفية في المقابل تحب رسول الله  حباً جماً ، فقد ورد أن صفية بنت حيي قالت في وجع النبي  الذي توفي فيه ، والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي .
شجاعتها وجهادها :
وكانت صفية رضي الله عنها شجاعة لا تخاف في الله لومة لائم ، تجلي لنا هذا من دفاعها بالقول والفعل عن عثمان  يوم حصره قال كنانة : كنت أقود بصفية لترد عن عثمان ، فلقيها الأشتر ، فضرب وجه بغلتها حتى مالت ، فقالت : ذروني لا يفضحني هذا ! ثم وضعت خشباً من منـزلها إلى منـزل عثمان ، تنقل عليه الماء والطعام .
وذكرت عائشة رضي الله عنها مرة صفية بكلمة أساءت لها ، فلم يرضى النبي  عنها ، حيث قالت عنها أنها يهودية . 
فقال لها النبي  : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته".( )‌
وفاتُها 
توفيت رضي الله عنها قرابة سنة خمسين في أيام معاوية ، ودفنت بالبقيع مع أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً .
قال ابن حجر : وتوفيت صفية سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية .( )
الفوائد
ذكر الإمام ابن قيم الجوزية بعض الفوائد من غزوة خيبر فقال : 
ومنها : 1- جوازُ عِتق الرجل أمتَه، وجعل عِتقها صَداقاً لها، ويجعلها زوجتَه بغير إذنها، ولا شهودٍ ، ولا ولي غيره ، ولا لفظِ إنكاح ولا تزويج،  كما فعل صلى الله عليه وسلم بصفيَّة ، ولم يقل قطّ هذا خاصٌ بي، ولا أشار إلى ذلك ، مع علمه باقتداء أمته به ، ولم يقُلْ أحد من الصحابة : إن هذا لايصْلُح لغيره ، بل رَوَوُا القِصة ونقلُوها إلى الأمة ، ولم يمنعوهم ، ولا رسول الله  من الإقتداء به في ذلك.
ومنها : 2- جوازُ بناء الرجل بامرأته في السفر، وركوبها معه على دابة بين الجيش .اهـ .( )
3 - غدر اليهود ، وشدة حقدهم على رسول الله  ، وعلى المسلمين.
4-  إذا غزا المسلمون قوماًَ ينتظروا حتى الصباح ، فإذا سمعوا أذاناً أمسكوا ، لأن رسول الله  كان إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإذا سمع أذاناً أمسك ، وإذا لم يسمع أغار .
5 -  النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية ، حتى ولو كانت في القدور ، كما فعل المسلمون عندما نهاهم رسول الله  عنها فكفئوا القدور 
6  -  نهي النبي  عن الغلول ، وأن من يموت وهو غال يدخل النار ، كما أخبر رسول الله  عن الذي غل الشملة .
7 -  النهي عن الغيبة ، وعن اللمز ، والتعيير ، وإنهما من الكبائر ، كما نهى رسول الله  عائشة وحفصة في طعنهن في صفية . 











  
زينب بنت جحش
زوَّجها الله من فوق
سبع سموات








أم المؤمنين ، زوجة رسول الله  ، زينب بنت جحش ، بن رباب ، بن يعمر ، كان اسمها برَّة فغيره رسول الله  إلى زينب .( )
صحابية فاضلة ، جمعت الفضل والبر من أطرافه كلها  ، رضي الله عنها وأرضاها .
أمها أميمة بنت المطلب ، عمة رسول الله  .
ابن خالها رسول الله  .
خالها سيد الشهداء ، وأسد الرحمن حمزة بن عبد المطلب  .
وأخوها صاحب أول راية عُقدت في الإسلام ن وأول من دعي بأمير المؤمنين ، وأحد الشهداء ، عبد الله بن جحش  .
وأمها عمة رسول الله  أميمة بنت عبد المطلب . 
زوجها زيد بن حارثة مولى رسول الله  ، تزوجته بأمر رسول الله  ، ولم تكن راغبة في الزواج من زيد ،  لأنه مولى وهي سيدة ذات حسب ونسب ، فنـزل قول الله سبحانه وتعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً . الأحزاب (36) .
فامتثلت زينب رضي الله عنها لأمر الله تعالى وأمر رسوله ، فتزوجها زيد .
واستمر الزواج قرابة سنة ، ثم بدأ الخلاف بينهم فطلقها زيد  ، وزجها الله تعالى بنبييه  بنص القرآن الكريم بلا ولي ولا شاهد ، قال الله تعالى : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً .( )
وقال الله تعالى فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا .
عن أنس  قال : لما انقضت عدةُ زينب قال رسول الله  لزيدٍ :          "فاذكرها عليَّ قال فانطلق زيدٌ حتى أتاها وهي تُخمر عجينها قال : فلما رأيتها عَظُمَتْ في صَدْري حتى ما أستطيعُ أن أنظر إليها أن رسول الله  ذكرها فوليتُها ظَهْري ونكصتُ على عقبي ، فقلت : يا زينب أرسل رسول الله  يذكرك ، قالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله  فدخل عليها بغير إذن قال ، فقال : ولقد رأيتُنا أن رسول الله  أطْعمنا الخبزَ واللحم حين امتد النهار فَخَرَجَ الناسُ وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرجَ رسول الله  واتبعته فجعل يتبع حُجر نسائه يُسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدتَ أهْلك ، قال :" فما أدري " أنا أخبرتُه أن القومَّ قد خرجوا أو أخْبرَ قال : فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب قال : ووعظ القوم بما وُعظُوا به .( )
وبذلك نالت شرفاً عظيماً ومرتبة رفيعة إذ زوجها الله تعالى من فوق سبع سموات ، وكانت تفخر بذلك على أزواج رسول الله  . 
فعن أنس  قال : جاء زيد بن حارثة يشكوا فجعل النبي  يقول :" اتق الله وأمسك عليك زوجك " .
قال أنس لو كان رسول الله  كاتماً شيئاً لكتم هذه قال : فكانت زينبُ تَفْخَرُ على أزواج النبي  تقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سـموات .( )
وفي بعض الروايات تقول : أنا أكرمكن ولياً وأكرمكن سفيراً زوجكن أهلكن وزوجني الله من فوق سبع سموات .( )
كانت معروفة بالكرم والطيب ، والتقوى ، وحب المساكين .
قالت عائشة رضي الله عنها ـ في شأن زينب ـ وهي التي كانت تُساميـنـي  منهن في المنـزلة عند رسول الله  ، ولم أرَ امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله ، وأصدق حديثاً وأوصل للرحِم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حدَّ كانت تُسرع منها الفيئة .( )
عن أنس قال : تزوج رسول الله  فدخل بأهله قال : فصنعت أمي أم سليم حيساً فجعلته في تور ، وقالت يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله  ، فقلت : يا رسول الله إن أمي تقرئك السلام ، وتقول : إن هذا لك منا قليل يا رسول الله ، فذهبت به إلى رسول الله  فقلت: يا رسول الله إن أمي تقرئك السلام ، وتقول : إن هذا لك منا قليل ، فقال ضعه ، ثم قال : اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً ومن لقيت وسمى رجالاً ، فدعوت من سمى ومن لقيت . 
قال الراوي عن أنس: قلت لأنس كم كان عددكم ؟ قال زهاء ثلاثمائة ، فقال لي رسول الله  يا أنس هات التُّور . قال : فدخلوا حتى امتلأت الصفَّة والحجرة فقال رسول الله  :
"لنتحلق عشرة عشرة وليأكل كل انسان مما يليه"، فأكلوا حتى شبعوا ، قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، قال: فقال: يا أنس ارفع فرفعت فما أدري كان أكثر حين وضعت أم حين رفعت، قال: وبقي طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله  ورسول الله  جالس وروجته، موالية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله  فخرج فسلم على نسائه، ثم رجع فابتدروا الباب فخرجوا وجاء رسول الله حتى أرخى الستر ( ).
التور : الإناء .
 جودها وصدقتها ، كانت كريمة النفس ، كل ما تصنع بيدها تتصدق به على المساكين .
 وقد وصفها النبي  بطول اليد كناية عن كثرة إنفاقها في سبيل الله عز وجل.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله  :"أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً ".( )
قالت عائشة رضي الله عنها فكنا إذا اجتمعنا بعد رسول الله  نمد أيدينا في الحائط نتناول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ فكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا ، فعرفت أن النبي  أراد بطول اليد الصدقة، وكانت تعمل بيدها وتتصدق به في سبيل الله.
وقالت عائشة حين بلغها نعي زينب : لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل .
وكانت زينب رضي الله عنها صوامة قوامة قانـتة بالليل والنهار ، خاشعة في صلاتها متضرعة إلى ربها ، 
فعن عبد الله بن شداد أن رسول الله  قال لعمر : إن زينب بنت جحش أواهة ، قيل : يا رسول الله ، ما الأواهة ؟ قال :"الخاشعة المتضرعة "( ).
قال الإمام الذهبي في السير : قيل إن النبي  تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس ، وهي يومئذٍ بنت خمس وعشرين ، وكانت صالحة ، صوامة ، قوَّامة ، بارَّة ، ويقال لها : أم المساكين .( ) 
توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها سنة عشرين من الهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب>، وفي هذا العام افتتحت مصر ، وقالت حين حضرتها الوفاة : إني قد أعددت كفني ، ولعل عمر سيبعث إليَّ بكفن ، فإن بعث بكفن فتصدقوا به بأحدهما ، إن استطعتم إذا دليتموني أن تصدقوا بحقوي – إزاري – فافعلوا .
الله أكبر ما أكرمها ، وهي على فراش الموت لم تنسى الصدقة ، فالله أسأل أن يرزق نسائنا الكريمات الاقتدء بها وبأمثالها .
صلها عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  ، شيعها أهل المدينة إلى البقيع
، وهي أول من مات من نسائه  .
فرحم الله زينب ورضي عنها وأكرمها في جنات الخلد ، فقد كانت خاشعة ، أوَّاهة ، راضية ، داعية . 
الفوائد:
1ـ تغيير الاسم الذي يكون فيه تزكية، كما غير رسول الله $ اسم برة إلى اسم زنيب.
2ـ جواز تزوج زوجة الدعي، ما صرح به .
3ـ أن من يريد فراق زوجته يؤمر بإمساكها مهما أمكن لصلاح الحال وهو أولى من الفرقة .
4ـ فضيلة زينب < أم المؤمنين حيث تولى الله تعالى تزويجها من رسول الله $ من دون خطبة ولا شهود، ولهذا كانت تفخر بذلك على أزواج رسول الله $ .
5ـ إذا كانت المرأة ذات زوج لا يجوز نكاحها ولا السعي فيه وفي أسبابه حتى يقضي زوجها منه وطره .
6ـ إن الله سمى زيداً في القرآن ولم يسم أحداً غيره .
7ـ أن الرسول $ بلغ البلاغ، فلم يدع شيئاً مما أوحي إليه إلا وبلغه.
8ـ أنه يتعين على العبد أن يقدم خشية الله تعالى على خشية الناس فالله أحق أن يخشى وأولى .
9ـ أن المستشار مؤتمن .
10ـ أن الرسول $ يقول ما أوحي إليه ولا يريد تعظيم نفسه .




أم حبيبة
رضي الله عنها
المجاهدة الصابرة







أم المؤمنين اسمها رملة بنت أبي سفيان . 
إنها المجاهدة، الصابرة، صاحبة التضحيات الكبيرة، تحملت المتاعب والأهوال في سبيل عقيدتها وإيمانها بالله سبحانه وتعالى، رضي الله عنها وأرضاها.   
هي من أول المؤمنين هجرة إلى الحبشة فراراً بدينها بعد أن اشتد طغيان الكفر على المسلمين ، وهي زوج النبي  ، أم المؤمنين ، وهي أخت الخليفة معاوية .
تزوجت من عبيد الله بن جحش الذي أسلم مثلها وهاجر معها إلى الحبشة ، وهناك ولدت له بنتاً أسمتها حبيبة وبها كُنيت .
وكانت المفاجأة في ديار الغربة أن تنصر زوجها وأكب على شرب الخمر ، وحاول أن يحمل زوجته على الكفر وترك دينها فأبت كل الإباء ، بل كانت تحاول معه ليرجع إلى الإسلام والثبات عليه فرفض وأصر على الكفر والعياذ بالله ، واستمر على ذلك أياماً حتى هلك .
قالت أم حبيبة رأيت في المنام كأن زوجي عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة ففزعت فأصبحت ، فإذا به قد تنصر فأخبرته بالمنام فلم يحفل به وأكب على الخمر حتى مات .( )
وهكذا عاشت أيام الغربة والبعد عن الأهل والوطن ، وفقدت المعيل لها ولبنتها ، لكنها الصادقة الصابرة المؤمنة بالله وبرسوله  صمدت بكل هذه الظروف الصعبة والقاسية، كانت تعلم أن الله لن يتركها ، وتعلم أن بعد الشدة الفرج، وبعد العسر يسر ، فالذي يتقي الله تعالى ويتوكل عليه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب . 
قال الله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً .( )   فثبت الله عزيمتها وصبرها ، وما هي إلا أيام حتى جاء الخبر ، جاءتها البشرى ، جاءها الفرج ، طُرق عليها الباب إنها جارية من جواري النجاشي لماذا جاءت ، جاءت لتبشرها بأن رسول الله  وسيد ولد آدم وأفضل خلق الله قد خطبها ، وما أن علمت واستيقنت بأن الخبر حقيقة صاحت : بشرك الله خيراً ، ثم نزعت ما تمتلك من حلي وقدمته للجارية .( )     
قالت رضي الله عنها : أتاني آت في نومي ، فقال يا أم المؤمنين ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن ، فإذا هي جارية له يقال لها : أبرهة فقالت : إن الملك يقول لك وكلي من يزوجك فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكلته فأعطيت أبرهة سوارين من فضة فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال : 
أما بعد فإن رسول الله   إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار ثم سكب   الدنانير  فخطب خالد فقال :
قد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله   وزوجته أم حبيبة فأتى   الدنانير  وعمل لهم النجاشي طعاما فأكلوا ، قالت أم حبيبة : فلما وصل إلي المال أعطيت أبرهة منه خمسين دينارا قالت فردتها علي ، وقالت إن الملك عزم على بذلك وردت على ما كنت أعطيتها أولا ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد كثير ، فقدمت به معي على رسول الله   .( )
ما كان لعدو الله أن يجلس على فراش رسول الله  :
ضربت أم حبيبة رضي الله عنها أروع الأمثلة في الحب لله والبغض لله ، فعندما قدم أبوها أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله  وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديـبـية، فلم يقبل عليه رسول الله ، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة ، فلما جاء ليجلس على فراش النبي  طوته دونه فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله  وأنت امرؤ نجس مشرك ، فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر . ( )
قالت عائشة رضي الله عنها: دعتني أم حبيـبة عند موتها، فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك: فقلت: غفر الله لك ذلك كله وتحللت من ذلك ، فقالت: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة ، فقالت لها مثل ذلك .
عن زينب ابنة أبي سلمة قالت : لما جاء نعي أبي سفيان يعني والد أم حبيبة من الشام دعت أمُّ حبيبة رضي الله عنها بصفرةٍ في اليوم الثالث ، فمسحتْ عارضيها وذراعيها؛ وقالت: إني كنتُ عن هذا لغَنية ؛ لولا أني سمعتُ رسول الله  يقول:" لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميتٍ فوق ثلاثٍ؛ إلا على زوجٍ ؛ فإنها تُحدُّ عليه أربعة أشهرٍ وعشراً".( )
وبعد وفات رسول الله  وانتقاله إلى الرفيق الأعلى عكفت أم حبيبة على عبادة ربها ولا تخرج من بيتها إلا لحج أو عمرة ، حتى توفاها الله في العقد السابع من عمرها . 
 فرضي الله عنها ورحمها الله تعالى وأكرمها في جناته جنات الخلد .
فما أحوج المسلمات اليوم أن يقرأن سيرة هذه السيدة الجليلة ليدركن البون الشاسع بينهن وبين الرعيل الأول الذي تخرَّج من مدرسة النبوة ، فالله أسأل أن يرزق نسائنا وبناتنا الاقتداء بالصحابيات الجليلات والسير على طريقهن . اللهم آمين .  


الفوائد
1- إعطاء المبشر هدية ، حلوان على بشارته ، كما فعلت أم حبيبة ، وكما فعل كعب بن مالك رضي الله عنهم جميعاً .
2- بعد كل شدة فرج .
3- الولاء للمسلمين ، والبراء من المشركين ولو كان ، أو أخ ، أو أي شخص كان ، كما فعلت أم حبيبة مع أبيها قبل إسلامه في منعه من الجلوس على فراش رسول الله  .  
4- كل مشرك نجس ، ونجاسته معنوية .
5- نهي المرأة عن الحداد فوق ثلاثة أيام ، إلا على الزوج فإنها تحد أربعة أشهرٍ وعشراً .
6ـ   عكوف المرأة في بيتها تعبد ربها وتربي أولادها.












  
أم سلمة
أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة







هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ، المخزومية القرشية ، صحابية جليلة من المهاجرات الأول ، وهي بنت عم خالد بن الوليد ، وبنت عم أبي جهل بن هشام ، وقد كانت تعد من فقهاء الصحابيات .
أمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة الكنانية ، من بني فراس الأمجاد .
زوجها هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم -أبو سهل – صاحب الهجرتين ، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة النبي  ، وكان أبو سلمة أخاً للنبي  من الرضاع ، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب . 
وقفت إلى جانب زوجها وتحملت معه صنوف العذاب وأقساها ، ثم هاجرت معه إلى الحبشة فراراً بدينها ، بعد أن تركت الوطن والأهل والمال لأجل دينها .
وولدت في المهجر ابنها سلمة .
وبعد أن عادوا من الهجرة الأولى ، ثم هاجروا إلى المدينة بعد أن أذن النبي  لأصحابه بالهجرة .
ولقد لقت أم سلمة وزوجها أشد المعاناة في هجرتها هذه وكانت مأساة بالغة.
فلنتركها هي تتحدث عن هذه الهجرة ، حيث قالت :
لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل بعيرا له وحملني وحمل معي ابني سلمة ، ثم خرج يقود بعيره فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا  هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني فغضب ، ثم ذلك بنو عبد الأسد وأهووا إلى سلمة وقالوا : والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد ورهط أبي سلمة وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ففرق بيني وبين زوجي وابني فكنت أخرج كل غداة وأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسي سبعا أو قريبها حتى مر بن رجل من بني عمي فرأى ما في وجهي ، فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون من هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها ، فقالوا : الحقي بزوجك إن شئت ورد على بني عبد الأسد عند ذلك ابني ، فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله فكنت أبلغ من لقيت حتى إذا كنت بالتنعيم( ) لقيت عثمان بن طلحة( ) أخا بني عبد الدار ، فقال أين يا بنت أبي أمية ، قلت : أريد زوجي بالمدينة ، فقال: هل معك أحد ، فقلت : لا والله إلا الله وابني هذا ، فقال : والله مالك من مترك ، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني فو الله ما صحبت رجلا من كان أكرم منه إذا نزل المنـزل أناخ بن ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري قدمه ورحله ثم استأخر عني وقال اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى نزلت ، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بن المدينة فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : إن زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة نازلا بها وقيل أنها أول امرأة خرجت مهاجرة إلى الحبشة وأول ظعينة دخلت المدينة ويقال إن ليلى امرأة عامر بن ربيعة شركتها في هذه الأولية .( ) 
وبالنسبة إلى زوجها دعاه رسول الله  ليكون على سرية ، وعقد له لواء ، وقال : سر حتى تأتي أرض بني أسد ، فأغر عليهم ، وكان معه خمسون ومائة ، فساروا حتى انتهوا إلى أدنى قطن من مياههم فأخذوا سرحاً لهم ، ثم رجع إلى المدينة بعد بضع عشرة ليلة .
ولما دخل أبو سلمة المدينة انتقض جرحه الذي أصابه يوم أحد ، وقد ظنه من قبلُ أنه التأم ، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة أربع ، وقيل سنة ثلاث .( )
عن عبيد بن عمير رحمه الله قال: قالت أم سلمة: لما مات أبو سلمة قلتُ : غريبٌ وفي أرض غُربةٍ ؛ لأبكينه بكاءً يُتحدثُ عنه ، فكنتُ قد تهيـأتُ للبكاء عليه ؛ إذ أقبلت امرأةٌ من الصعيد ، تريد أن تُسعدني ، فاستقبلها رسول الله  وقال :" أتُريدين أن تُدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه ؟ مرتين ". فكففتُ عن البكاء فلم أبكِ . اهـ .( )
الصعيد : المراد بالصعيد هنا : عوالي المدينة .
تُسعدني : يعني تساعدها .
عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله   : "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت النبي   ،  فقلت : يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات ، قال : قولي  اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة ، قالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا  " .( )
وفي رواية عنها رضي الله عنها تقول : حزنت كثيراً لوفاة زوجي أبي سلمة ، وعند ذلك ذهبت إلى رسول الله  فقالت : كيف أقول ؟ قال :   " قولي : اللهم اغفر لنا وله ، وأعقبني منه عُقبى صالحة ". تقول : فقلتها ، فأعقبني الله محمداً  .( )
عن أم سلمة ، قالت : لما انقضت عدة أم سلمة خطبها أبو بكر فلم تتزوجه فبعث النبي    يخطبها عليه ، فقالت : أخبر رسول الله   أني امرأة غيرى وأني امرأة مصيبة وليس أحد من أوليائي شاهدا ، فقال : "قل لها أما قولك غيري فسأدعو الله فتذهب غيرتك ، وأما قولك أني امرأة مصيبة فستكفين صبيانك ، وأما قولك ليس أحد من أوليائي شاهدا فليس أحد من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك" ، فقالت لابنها عمر قم فزوج رسول الله   فزوجه .
وفي رواية قالت : فلما مات أبو سلمة قُلتُ : أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة ؛ أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله  ؟ ثم إني قُلتُها ، يعني إنا لله وإنا إليه راجعون ، فأخلف الله لي رسول الله  . 
قالت : أرسل إليَّ رسول الله  حاطِبَ بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلتُ : إنَّ لي بنـتاً ، وأنا غيور . فقال : أما ابنـتُها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعوا الله أن يذهب بالغيرة.( )
عن أم سلمة قالت : لما بني رسول الله  بي قال :"ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت سبعت لك وسبعت عندهن يعني نساءه ـ وإن شئت ثلاثاً ودُرت" قالت: ثلاثاً.( ) 
عن أم سلمة قالت: كنت نائمة مع رسول الله  في اللحاف، فحضت، فقال لي: " أنفست؟" قلت: نعم قال:" قومي فأصلحي حالك ثم عودي" فألقيت ثيابي عني ولبست ثياب حيضتي ، ثم عدت فدخلت معه اللحاف .( )
وتمتعت أم سلمة بالحياة مع رسول الله  وعاشت معه أياماً لا تنسى ، فكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يكرمها ولا يملها .
عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كانت أم سلمة ورسول الله  يغتسلان من الإناء الواحد من الجنابة .
وكانت أم سلمة رضي الله عنها تتعلم من النبي  أحكام الإسلام حتى تأدبت بأدب النبوة . فعنها ـ رضي الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة أنفق عليهم ولستُ بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني ؟ فقال :" نعم لك أجر ما أنفقت عليهم ".
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: شكوت رسول الله  أني أشتكي، فقال:" طوفي من وراء الناس وأنت راكبة"، فطفت ورسول الله  يصلي إلى جنب البيت ويقرأ بالطور وكتاب مسطور .
وفي رواية: أن رسول الله  قال لها وهي بمكة، وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة رضي الله عنها طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله  :" إذا أقيمت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " ففعلت ذلك ولم تُصلَّ حتى خرجت .( )
من المواقف النادرة والفذة التي كان لأم سلمة رضي الله عنها والذي يدل على رزانة عقلها ومن مناقبها رضي الله عنها .
في العام السادس من الهجرة النبوية صحبت أم سلمة رضي الله عنها رسول الله   في رحلته إلى مكة معتمراً ، وهي الرحلة التي صدت فيها قريش النبي  والصحابة الكرام عن دخول البلد الحرام ، وتم على أثرها صلح الحديبية.
ومن شروط الصلح التي اشترطها المشركون ما ذكره سهيل : "على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا" ، قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ، فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي    : "إنا لم نقض الكتاب بعد" ، قال فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا ، قال النبي  : "فأجزه لي" ، قال ما أنا بمجيزه لك ، قال : "بلى فافعل" ، قال ما أنا بفاعل قال مكرز بل قد أجزناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ،
قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله   فقلت ألست نبي الله حقا ، "قال بلى" ، قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ، "قال بلى" ، قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال : "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" ، قلت أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ، "قال بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام" ، قال قلت لا ، قال : "فإنك آتيه ومطوف به" ، قال فأتيت أبا بكر ، فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ، قال بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ، قال بلى ، قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال أيها الرجل إنه لرسول الله   وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق ، قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ، قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام ، قلت : لا، قال فإنك آتيه ومطوف به .
قال الزهري: قال عمر : فعملت لذلك أعمالا ، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله   لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا"، قال فوالله ما قام منهم رجل حتى ، قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك أخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك   فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما .( ) 
توفيت رضي الله عنها في سنة إحدى وستين من الهجرة بعد أن عاشت نحواً من تسعين سنة . 
وصلى عليها أبو هريرة  ، وشيعها المسلمون إلى البقيع ، وهي آخر من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً‌ .( )
عن عبد الله بن نافع عن أبيه ، قال : ماتت أم سلمة زوج النبي   في سنة تسع وخمسين ، وصلى عليها أبو هريرة بالبقيع .
وعن عمر بن أبي سلمة ، قال : نزلت في قبر أم سلمة أنا وأخي سلمة وعبد الله بن عبد الله بن أبي أمية وعبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي ، فكان لها يوم ماتت أربع وثمانون سنة .( )
الفوائد
1- الملائكة تؤمن على ما يقول ابن آدم ، عندما قال رسول الله  : "فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" .
2- النهي عن النياحة على الميت .
3- إذا أنفقت المرأة على عيالها يكون لها الأجر والثواب .
4- جواز الطواف بالكعبة والناس يصلون ، كما قال رسول الله  لأم سلمة : "فطوفي على بعيرك والناس يصلون" .
5- الأخذ برأي المرأة ، كما فعل رسول الله  عندما أشارت عليه أم سلمة عليه بأن يحلق شعره وينحر بدنه .



  
ميمونة بنت الحارث
رضي الله عنها







أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث ، بن حزن ، بن بحير ، بن الهزم ، بن رويبة ، بن عبد الله ، بن هلال ، بن عامر ، بن صعصعة الهلالية .
أختها أم الفضل زوجة العباس ، وخالة خالد بن الوليد ، وخالة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم .  
تزوجها مسعود بن عمرو الثقفي قبل الإسلام ، ثم فارقها ، فأقامت في بيت العباس .
كانت تكتم إسلامها ثم أعلنت إسلامها ، وروي أنها عرضت نفسها على رسول الله  .
ونالت وسام الإيمان هي وأخواتها من رسول الله  .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله  :" الأخواتُ مؤمنات ميمونةُ وأم الفضلُ وأسماء ".( )
ثم تزوجها رسول الله  لتصبح أماً للمؤمنين .
لما علم رسول الله  أن اسمها برة غير هذا الاسم وسماها ميمونة لما يترتب على هذا الاسم من كراهة ولو لفظية عند عدم وجودها في البيت ، كأن يدخل داخل فيقول : أهنا برة فيقال: لا ، فيفهم من ذلك عدم وجود البر في هذا المنـزل ودخلت أم المؤمنين ميمونة في ركاب زوجات النبي  الطاهرات، ونالت منـزلة عظيمة ومكانة سامية بين سيدات نساء العالمين.
عن ابن عباس رضي الله عنها أن النبي  وميمونة كانا يغتسلان في إناء واحد .
ومن شدة وفائها لرسول الله  بعد وفاته أوصت بدفنها في المكان الذي بنى بها رسول الله  فيه .( )
الفوائد
تغير الاسم الذي يكون فيه تزكية ، كما غير رسول الله  اسم برة إلى ميمونة ، كما غير بعض الاسماء .















  
سودة بنت زمعة
رضي الله عنها






هي سودة بنت زمعة ، بن قيس ، بن عبد شمس ، القرشية العامرية ، وأمها الشموس بنت قيس .
تزوجت من السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو العامري .
أصبحت سودة رضي الله عنها وحيدة فريدة لا يؤمن أن يجبرها أهلها على العودة إلى عبادة الأصنام فتزوجها النبي  حفاظاً على دينها وعرضها وقياماً بأمرها ، وكانت كبيرة عجوزاً ولم تكن شابة .
كانت سودة رضي الله عنها سيدة جليلة عظيمة كثيرة الطاعة متأسية برسول الله  قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة من امرأة ، فيها حدة ، فلما كبرت جعلت يومها من النبي  لعائشة .
وتقصد عائشة من هذا الكلام تمني الوصول إلى أعمال سودة رضي الله عنها في البر والطاعة ، وروت عائشة أيضاً : أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، وكان النبي  يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة ، وفي رواية : تبتغي بذلك رضي رسول الله  .
مسلاخها : أي هديها وطريقتها .
وتزوجها رسول الله   في ذي القعدة سنة سبع بعد عمرة القضية فيقال أرسل جعفر بن أبي طالب يخطبها فأذنت للعباس فزوجها منه ويقال إن العباس وصفها له وقال قد تأيمت من أبي رهم فتزوجها .
وقال بن إسحاق في رواية يونس بن بكير وغيره عنه ثم تزوج بعد صفية ميمونة وكانت ثم أبي رهم قال يونس بن بكير وحدثني جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن يزيد قال تزوجها رسول الله   وهو حلال وبنى بها في قبة لها وماتت بعد ذلك فيها انتهى .( )
عن عائشة رضي الله عنها ثم أن بعض أزواج النبي   قلن للنبي  أينا أسرع بك   لحوقا  قال:" أطولكن يدا فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة" .( ) 
وكانت سودة رضي الله عنها كثيرة الصدقة ، جوادة بالمال ، معطية للمساكين ، وكان النبي  يرفق بسودة ، ولا يحملها ما لا تطيق ومن ذلك أنه أذن لها بالدفع قبل الناس يوم مزدلفة لكبر سنها وضعفها .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت سودة ليلة المزدلفة ، أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة فأذن لها ، فدفعت قبل حطمة الناس ، وأقمنا حتى أصبحنا نحن ، ثم دفعنا ، فلأن أكون استأذنت رسول الله كما استأذنته سودة أحب إلي من مفروج به .( )
الحطمة : الزحمة أي قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم بعضاً .
ثبطة : أي ثقيلة .
عن أبي هريرة  أن النبي قال لنسائه عام حجة الوداع :" هذه ثم طهور الحصر " .( )
الحصر : جمع حصير ، والمراد أن يلزمن بيوتهن ولا يخرجن منها .
توفيت رضي الله عنها في آخر زمن عمر بن الخطاب  .( )
الفوائد 
1- اصطلاح الزوجة مع زوجها بأن تهب يومها لضرتها ، كما فعلت سودة بأن وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها .
2- الزوجة المؤمنة تكون مع زوجها المؤمن في الجنة ، حيث أن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا ، كما ثبت ذلك عن رسول الله  .
3- بها نزلت آية الحجاب .
4- حرص الزوجة على رضاء زوجها ، ونزولاً لرغبته .
5- إنها أطول أمهات المؤمنين يداً ، وهذا كناية عن كثرة الصدقة .
6- جواز دفع النساء والضعفة من مزدلفة قبل الناس ، كما أذن رسول الله  لسودة بالدفع قبل الناس يوم مزدلفة .







  
جويرية بنت  الحارث

عظيمة البركة على أهلها







هي جويرية بنت الحارث بن ضرار بن حبيب الخزاعية المصطلقية ، كانت من أجمل النساء .
بعد أن عاد رسول الله  من غزوات بني لحيان وذي قرد إلى المدينة وما كاد يقيم شهراً وبعض شهر ، حتى بلغه أن بني المصطلق – قوم جويرية – يجمعون الجموع لقتاله بقيادة زعيمهم الحارث بن أبي ضرار (والد جويرية ). 
قال ابن إسحاق : وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس وقتل على بن أبي طالب منهم رجلين مالكا وابنه وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم يقال له أحمر أو أحيمر .
حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها وكان رسول الله  قد أصاب منهم سبيا كثيرا فشا قسمه في المسلمين وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله  .    
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة ابن الزبير عن عائشة قالت لما قسم رسول الله  سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس ابن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله  تستعينه في كتابتها قالت عائشة فوالله ما هو إلا إن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها  ما رأيت فدخلت عليه فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك استعينك علي كتابتي قال فهل لك في خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال قد فعلت ،قالت وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله  قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار فقال الناس أصهار رسول الله  وأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزوجيه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها .      
قال ابن هشام : ويقال لما انصرف رسول الله  من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث ، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله  المدينة فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته ، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء فرغب في بعيرين منها فغيبهما في شعب من شعاب العقيق ثم أتى إلى النبي  ، وقال : يا محمد أصبتم ابنتي وهذا فداؤها ، فقال رسول الله  : "فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا"، فقال الحارث : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله ، فأسلم الحارث واسلم معه ابنان له وناس من قومه وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما فدفع الإبل إلى النبي  ودفعت إليه ابنته جويرية فأسلمت وحسن إسلامها فخطبها رسول الله  إلى أبيها فزوجه إياها وأصدقها أربعمائة درهم عن جويرية رضي الله عنها .( ) 
وكانت رضي الله عنها من الصائمات العابدات .
قالت : دخل علية رسول الله  يوم الجمعة وأنا صائمة ، فقال لها :"أصمت أمس "؟، قالت : لا قال :" أتريدين أن تصومي غداً "؟ قالت : لا ، قال :" فأفطري ".( )
وكانت السيدة جويرية رضي الله عنها كثيرة الذكر لله تعالى .
تقول جويرية رضي الله عنها : أتى عليَّ رسول الله  غدوة ، وأنا أسبح ، ثم انطلق لحاجته ، ثم رجع قريباً من نصف النهار ، فقال :" أما زلت قاعدة " ؟ قلت :نعم قال:" ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن ، أو وزن بهن وزنتهن أي جميع ما سبحت من أول النهار : سبحان الله عدد خلقه ، ثلاث مرات ، وسبحان الله زنة عرشه ، ثلاث مرات ، وسبحان الله رضا نفسه ، ثلاث مرات ، وسبحان الله مداد كلماته ، ثلاث مرات ".( )
توفيت رضي الله عنها وأرضاها في سنة خمسين ، وقيل : توفيت سنة ست وخمسين .( )

الفوائد
1- جواز مكاتبة الأمة سيدها ، والعبد سيده على بأن يدفع له المال مقابل العتق ، كما كاتبت جويرية ثابت بن قيس على نفسها .
2- قضاء الكتاب عن الأمة ويكون ذلك صداقها ، كما فعل رسول الله  مع جويرية .
3- قول رسول الله  لوالد جويرية عن البعيرين اللذين غيبهما علامة من علامات النبوة .
4- النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام ، عندما أمر رسول الله  جويرية بالإفطار عندما كانت صائمة يوم جمعة .









زينب بنت خزيمة رضي الله عنها
أم المساكين
نسبها رضي الله عنها
هي : أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بنت الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف ابن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية .
يقال لها : أم المساكين لكثرة إطعامها المساكين وصدقتها عليهم . 
وهي خامسة أمهات المؤمنين .
أمها : هند بنت عوف بن الحارث ابن حماطة ، الحميرية .
كانت زوجة للطفيل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف ، فطلقها( ) ، ثم تزوجها عبيدة بن الحارث ، فقتل ببدر شهيداً من الجراحة التي أصابته يوم بدر ( ) ، وقيل كانت تحت عبد الله بن جحش ، وقتل عنها يوم أحد شهيداً( ) . 
أخوات زينب رضي الله عنهن
أخت زينب هي ميمونة رضي الله عنهن .
وأخوات ميمونة لأبيها وأمها : أم الفضل لبابة الكبرى ، أم بني العباس بن عبد المطلب ، ولبابة الصغرى ، أم خالد بن الوليد ، وعزة بنت الحارث .
وأختهن لأمهن : زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية ، وأسماء بنت عميس ، زوج الشهيد الطيار جعفر بن أبي طالب  ، خلف عليها أبو بكر الصديق ثم علي بن أبي طالب ، وسلامة بنت عميس زوج عبد بن كعب ، ولا يعرف امرأة في العرب كانت أشرف أصهاراً من هند بنت عوف أم ميمونة وأخواتها .( )
كرمها وطيبها وعطفها 
رضي الله عنها
هي أخت ميمونة بنت الحارث – أم المؤمنين - تدعى أم المساكين ، وسميت بذلك لكثرة إطعامها المساكين .( )
وأجمعت المصادر على وصفها بالطيبة والكرم والعطف على الفقراء والمساكين.
وجاء أيضاَ في الإصابة والاستيعاب : أنه كان يقال لها أم المساكين ، لأنها كانت تطعمهم وتتصدق عليهم .
زواج رسول الله  من زينب بنت خزيمة 
رضي الله عنها
تزوجها رسول الله  في رمضان ، على رأس واحد وثلاثين شهراً من الهجرة ، فمكثت عنده ثمانية أشهر ، وتوفيت في آخر شهر ربيع الأول على رأس تسعة وثلاثين شهراً من الهجرة ، والذي يظهر والله أعلم أنها مكثت عنده شهرين أو ثلاثة . 
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الإصابة : كان دخوله  بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر ، ثم لم تلبث عنده شهرين أو ثلاثة وماتت .( ) 
وقال الذهبي : وفيها - يعني السنة الثالثة – دخل بزينب بنت خزيمة العامرية ، أم المساكين ، فعاشت عنده ثلاثة أشهر وتوفيت .( )
وأصدقها رسول الله   عشرة أواق وأولم عليها جزورا ، فكثر المساكين فتركهم الناس والطعام ، ثم غدا الناس على النبي   ، وقد خلا لهم وجهه فجعل الرجل يأتي بالهريسة فلم يجتمع لهم إلا الهرائس فدعا النبي   أن يبارك لهم فيها .( )
فلما خطبها رسول الله    جعلت أمرها إليه فتزوجها واشهد وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا في رمضان على رأس وأحد وثلاثين شهرا من مهاجره فمكثت عنده ثمانية أشهر .
وفاتها رضي الله عنها
توفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهرا ودفنها رسول الله   بالبقيع وصلى عليها  
ويبدو أن قصر مقامها في بيت الرسول  قد صرف عنها كتاب السيرة ومؤرخي عصر المبعث فلم يصل من أخبارها سوى بضع روايات لا تسلم من تناقض واختلاف . 
وتوفيت رضي الله عنها في الثلاثين من عمرها ، كما ذكر الواقدي ، وكذلك ابن حجر في الإصابة .
       وتوفيت في حياة النبي  ، ولم يمت من زوجاته  في حياته غير خديجة وزينب بنت خزيمة الهلالية ، أم المؤمنين ، وأم المساكين . رضي الله عنهن جميعاً .
ونزل في حفرتها بالبقيع إخوتها الثلاثة .
قال الذهبي : وفي السنة الرابعة من الهجرة توفيت أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها .( )
ولم يهتم أهل السيرة بسيرتها لقصر مدة بقائها في بيت النبوة ، حيث توفيت بعد أشهر من زواجها برسول الله  . 
فرضي الله عن زينب ورحمها وأكرمها في جنات عدن مع أمهات المؤمنين زوجات الحبيب المصطفى  ورضي عنهن جميعاً . 




مارية القبطية جارية رسول الله 
أم ولده إبراهيم
مارية القبطية رضي الله عنها ، أم إبراهيم عليه السلام ولد رسول الله   .
هي: مارية بنت شمعون القبطية، وهي مصرية الأصل، كان أبوها قبطياً مصرياً، وأمها نصرانية رومية، كانت من جواري المقوقس عظيم القبط ملك مصر والإسكندرية . هذا وإن مما اشتهر بين الناس أن مارية القبطية  أماً للمؤمنين ، وأن رسول الله  قد تزوجها .
 وهذا لا نعلم فيه دليلاً صحيحاً ثبت عن رسول الله  ، ولا عن الصحابة الكرام .وإنما هي جارية بعثها مقوقس مصر هدية إلى رسول الله  .( )
بعث رسول الله  حاطب بن أبي بلتعة اللخمي ، وهو أحد الستة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية عظيم القبط – جريج بن مينا - يدعوه إلى الإسلام ، وكتب معه كتابا فأوصل إليه كتاب رسول الله    فقرأه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس ، عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ن فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط و                                    .( )
وقرأ المقوقس الكتاب ثم طواه في عناية وتوقير ، وأخذ الكتاب فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جاريته وكتب إلى النبي   :
قد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في   القبط  عظيم وقد أهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم .
فقبل رسول الله   هديته وأخذ الجاريتين مارية أم إبراهيم بن رسول الله   ، وأختها سيرين ، وبغلة بيضاء لم يكن في العرب يومئذ غيرها ، وهي دلدل .
وأخذ رسول الله   مارية وأنزلها في العالية في المال الذي صار يقال له : سرية أم إبراهيم ، وكان يختلف إليها هناك ، وكان يطؤها بملك اليمين  وضرب عليها مع ذلك الحجاب فحملت منه ووضعت هناك في ذي الحجة سنة ثمان .( )
ووهب رسول الله  سيرين – أخت مارية - لحسان بن ثابت ، فهي أم ولده عبد الرحمن .
كان أبوها قبطيَّاً وأمها مسيحية رومية ، أمضت حياتها الأولى في قريتها ، ثم انتقلت مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس عظيم القبط ملك الإسكندرية .
فلما أرسل النبي  رسالته إلى المقوقس يدعوه إلى الإسلام لم يبعد المقوقس ولم يقرب ولكنه أرسل إلى النبي  سنة سبع من الهجرة بمارية وأختها سيرين وألف مثقال ذهباً وعشرين ثوباً .
فعرض النبي  الإسلام على مارية ورغبها فيه فأسلمت هي وأختها وكان رسول الله  معجباً بأم إبراهيم ( مارية ) وكانت بيضاء جميلة .
وكانت ولادة مارية لإبراهيم عليه السلام سبباً في عتقها .
ومن طريق عمرة عن عائشة ، قالت : ما عزت علي امرأة إلا دون ما عزت علي مارية ، وذلك أنها كانت جميلة جعدة ، فأعجب بها رسول الله   وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا فكان عامة الليل والنهار عندها حتى فزعنا لها فجزعت فحولها إلى العالية وكان يختلف إليها هناك فكان ذلك أشد علينا .
وقال البلاذري كانت أم مارية رومية ، وكانت مارية بيضاء جعدة جميلة. ( ) 
وكان رسول الله  يحب مارية ويحافظ عليها .
عن عبد الله بن عمرو ، قال : دخل رسول الله   على   القبطية  أم ولده إبراهيم فوجد عندها نسيبا لها قدم معها من مصر ( ) ، وكان كثيرا ما يدخل عليها فوقع في نفسه شيء فرجع فلقيه عمر فعرف ذلك في وجهه فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية وقريبها عندها فأهوى إليه بالسيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه ، وكان مجبوبا ليس بين رجليه شيء ، فلما رآه عمر رجع إلى رسول الله  فأخبره، فقال رسول الله : "إن جبرائيل أتاني فأخبرني إن الله تعالى قد برأها وقريبها وان غلاما منى وأنه أشبه الناس بي وأنه أمرني أن أسميه إبراهيم وكناني أبا إبراهيم".( ) 
قال ابن عباس: لما ولدت أم إبراهيم قال رسول الله :"أعتقها ولدها" وعنه قال:"أيما أمة ولدت من سيدها، فإنها حرة إذا مات إلا أن يعتقها قبل موته".( )
عن أنس  أن رسول الله  كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها ، فأنزل الله عز وجل :يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك .( )  
وبولادة مارية لإبراهيم( ) ، ارتفع قدرها على غيرها من نساء النبي  فإنهن حرمن الولد ورزقته مارية .
رسول الله  يوصي بأهل مصر خيراً
وهكذا كانت مارية رضي الله عنها كرامة للمصريين ورفعة نسب لأهل مصر، فقد صاروا أبناء رسول الله  وأصهاره، وأوصى بهم رسول الله  فقال:       "إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمىَّ فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها،فإن لهم ذمة ورحماً ، أو قال : ذمة وصهراً".( )
وفي رواية : " إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيراً ، فإن لهم ذمة ورحماً".( )
النسب من جهة هاجر أم إسماعيل عليه السلام ، جد العرب العدنانية ، والصهر من جهة مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله  .
 وعن كعب بن مالك، أن رسول الله  قال: "إذا فُتِحَتْ مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما" .( ) ‌
"إذا فتحت مصر": أرض جامعة كليتها وجملة أقليمها نازلة منـزلة الأرض كلها، فلها إحاطة بوجه ما فلذلك أعظم شأنها في القرآن: أي والسنة. وأن العالي منها من الفراعنة. ذكره الحراني  . 
قال ابن زولاق: ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعاً. قال المصنف بل أكثر من ثلاثين وسردها  .
"فاستوصوا بالقبط": كسبط أهل مصر وقد تضم القاف في النسبة .
"خيراً": أي اطلبوا الوصية من أنفسكم بإتيان أهلها خيراً .  
أو معناه: اقبلوا وصيتي فيهم، يقال أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية يعني إذا استوليتم عليهم وتمكنتم منهم فأحسنوا إليهم وقابلوهم بالعفو عما تنكرون، ولا يحملنكم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم. فالخطاب للولاة من الأمراء والقضاة.  
ثم علله بقوله  "فإن لهم ذمة" :  ذماماً وحرمة وأماناً من جهة إبراهيم بن المصطفى ،  فإن أمه مارية منهم  .
"ورحماً" بفتح فكسر: قرابة، لأن هاجر أم إسماعيل منهم ، وفي رواية قرابة وصهراً  ، فالذمة بإعتبار إبراهيم، والرحمة بإعتبار هاجر  .  
وأصله في مسلم: أي ولفظه: "إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القبط  فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحماً"  . ‌ 
    وعن أبي ذر  ، أن رسول الله  قال : "إنكم ستفتحون مصر ، و هي أرض يسمى فيها القيراط ، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة و رحما ، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها"  .( ) ‌
 وكان أبو بكر  ينفق على مارية رضي الله عنها حتى مات ، ثم عمر  حتى توفيت في خلافته .  
وفاتها رضي الله عنها
قال الواقدي : ماتت في المحرم سنة ست عشرة ، فكان عمر  يحشد الناس لشهود جنازتها ، وصلى عليها ودفنها بالبقيع .( )
وقال بن منده ماتت مارية بعد النبي   بخمس سنين .( )
فوائد من قصة مارية رضي الله عنها
ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعض الفوائد من قصة مارية رضي الله عنها ، فقال: في قصة مارية وإبراهيم أنواع من السنن:  
أحدها : استحباب قبول الهدية .
الثاني : قبول هدية أهل الكتاب .
الثالث : قبول هدية الرقيق .
الرابع : جواز  التسري  : 
الخامس : البشارة لمن ولد له مولود بولده .
السادس : استحباب إعطاء البشير بشراه .
السابع : العقيقة عن المولود .
الثامن : كونها يوم سابعه .
التاسع : حلق رأسه .
العاشر : التصدق  بزنة شعره ورقا .
الحادي عشر : دفن الشعر في الأرض ولا يلقى تحت الأرجل .
الثاني عشر : تسمية المولود يوم ولادته .
الثالث عشر : جواز دفع الطفل إلى غير أمه ترضعه وتحضنه .
الرابع عشر : عيادة الوالد ولده الطفل فإن النبي لما سمع بوجعه انطلق إليه يعوده في بيت أبي سيف القين فدعا به وضمه إليه وهو يكبد بنفسه فدمعت عيناه ، وقال : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى الرب و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون .
الخامس عشر : جواز البكاء على الميت بالعين ، وقد ذكر في مناقب الفضيل ابن عياض أنه ضحك يوم مات ابنه علي ، فسئل عن ذلك ، فقال : إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه . ولكن هدي رسول الله  أكمل وأفضل فإنه جمع بين الرضا  بقضاء ربه تعالى وبين رحمة الطفل ، فإنه لما قال له سعد بي عبادة ما هذا يا رسول الله ، قال : هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ، والفضيل ضاق عن الجمع بين الأمرين فلم يتسع للرضا بقضاء الرب وبكاء الرحمة للولد ، هذا جواب شيخنا( ) سمعته منه .  
السادس عشر : جواز الحزن على الميت وأنه لا ينقص الأجر ما لم يخرج إلى قول أو عمل لا يرضي الرب أو ترك قول أو عمل يرضيه  . 
السابع عشر : تغسيل الطفل فإن أبا عمر وغيره ذكروا أن مرضعته أم بردة امرأة أبي سيف غسلته وحملته من بيتها على سرير صغير إلى لحده.  
الثامن عشر : الصلاة على الطفل قال أبو عمر وصلى عليه رسول الله وكبر عليه أربعا ، وهذا قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح وكذلك قال الشعبي: مات إبراهيم ابن النبي وهو ابن ستة عشر شهرا فصلى عليه النبي  .
التاسع عشر : إن الشمس كسفت يوم موته فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم فخطب النبي  خطبة الكسوف وقال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته .
وفيه رد على من قال إنه مات يوم عاشر المحرم فإن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة التي أوجبتها حكمته بأن الشمس إنما تكسف ليالي السرار كما أن القمر إنما يكسف في الأبدار كما أجرى العادة بطلوع الهلال أول الشهر وإبداره في وسطه وامحاقه في آخره .  
العشرون : أن النبي أخبر أن له مرضعا تتم رضاعته في الجنة وهذا يدل على أن الله تعالى يكمل لأهل السعادة من عباده بعد موتهم النقص الذي كان في الدنيا وفي ذلك آثار ليس هذا موضعها حتى قيل إن من مات وهو طالب للعلم - تم - له حصوله بعد موته وكذلك من مات وهو يتعلم القرآن والله أعلم . 
الحادي والعشرون : أن النبي أوصى بالقبط خيرا وقال : 
إن لهم ذمة ورحما ، فإن سريتي الخليلين الكريمين إبراهيم ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه كانتا منهم وهما هاجر ومارية ، فأما هاجر فهي أم إسماعيل أبي العرب فهذا الرحم ، وأما الذمة فما حصل من تسري النبي بمارية و إيلادها إبراهيم ، وذلك ذمام يجب على المسلمين رعايته ما لم تضيعه القبط والله اعلم .اهـ .( )
وفيها كذلك من الفوائد :1- قبول هدية أهل الكتاب ، كما قبل رسول الله  هدية المقوقس.
2- الولد يكون سبباً في عتق أمه من الرق ، كما كان إبراهيم عليه السلام سبباً في عتق أمه مارية .
3- وصية رسول الله  بأهل مصر خيراً لأن لهم نسباً وصهراً ، النسب من جهة هاجر أم إسماعيل عليه السلام ، والصهر من جهة مارية أم إبراهيم ولد رسول الله  .



بنات رسول الله 
زينب
أكبر بنات رسول الله 
نسبها ومولدها رضي الله عنها   
هي : زينب بنت سيد ولد آدم محمد ، بن عبد الله، بن عبد المطلب، القرشية، الهاشمية .
ولدت قبل البعثة بمدة ، قيل : إنها عشر سنين ، وقيل : ولدت وللنبي  من العمر ثلاثون سنة .
أمها : خديجة بنت خويلد أم المؤمنين .
قريش تتسابق لتظفر بزينب عروساً
ما أن بلغت سن الصبا ، وتجاوزت العاشرة من عمرها حتى تسابقت إليها قريش ، من يظفر بها عروساً ، إنها من أكرم عائلة وأشرف نسبٍ ، إنها زينب بنت رسول الله  .
أمها خديجة رضي الله عنها وهي أكبر بنات النبي  أسلمت مع أمها وأخواتها .
لكن كان الشرف والظفر لابن خالتها ، فقد تزوجها : وهو  أبو العاص بن الربيع ، أحد رجال مكة المعدودين شرفاً ومالاً ، وهو قرشي . 
أمه الصحابية : هالة بنت خويلد ، أخت خديجة رضي الله عنهم أجمعين .
يلتقي نسبه من جهة الأب مع محمد بن عبد الله ، عند الجد الثالث : عبد مناف بن قصي ، أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي .
ويلتقي من جهة الأم مع زينب بنت محمد  ، عند جدهما الأدنى خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي ، فأمه هالة بنت خويلد ، أخت خديجة الطاهرة ، زوج النبي  ، وهي أم زينب .( )
الرسول  يستبيح دم هبار الذي روع ابنته زينب .
لما فرغت زينب بنت رسول الله  من جهازها قدم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقودها وهي في هودج لها ، وتحدث بذلك رجال من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق إليها هبار ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والفهري فروعها هبار  بالرمح وهي في هودجها ، وكانت المرأة حاملا فيما يزعمون ، فلما أريعت طرحت وبرك حموها وكنانة ونثر كنانته، ثم  قال: 
والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما ، فتكركر الناس عنه ، وأتى أبو سفيان في جلة من قريش ، فقال : أيها الرجل كف نبلك حتى نكلمك فكف ، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه ، فقال : أنك لم تصب خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت وان ذلك منا ضعف ووهن ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة وما لنا في ذلك من ثورة ولكن ارجع بالمرأة حتى هدأت الأصوات ، وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها ، قال : ففعل ، فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد ابن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله   .
قال ابن حجر في الفتح: وأما هبار  فكان شديد الأذى للمسلمين ، وعرض لزينب بنت رسول الله   لما هاجرت فنخس بعيرها فأسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت فلما كان يوم الفتح بعد أن أهدر النبي  صلى الله عليه وسلم دمه أعلن بالإسلام فقبل منه فعفا عنه .اهـ .( )
عن سليمان بن يسار الهلالي أحد الفقهاء أن   هبار  بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي أسلم بالجعرانة بعد فتح مكة صحابي شهير وللبخاري في التاريخ عن موسى بن عقبة عن سليمان بن يسار عن   هبار  أنه حدثه أنه جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة كنا نرى أن هذا اليوم الذي هو يوم النحر يوم عرفة فقال عمر اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك وكان   هبار  قد حج من الشام كما في رواية وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا وارجعوا وقد أحللتم فإذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .اهـ .( )  
شعر لأبي خيثمة في شأن زينب 
رضي الله عنها 
قال ابن إسحاق :
فقال عبد الله بن رواحة ، أو أبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف في الذي كان من أمر زينب ، قال ابن هشام : هي لأبي خيثمة في الذي كان من أمر زينب :

تاني الذي لا يقدر الناس قدره     
لزينب فيهم من عقوق ومأثم
وإخراجها لم يخز فيها محمد     
على ليحجا وبيننا عطر منشم
وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم     
ومن حربنا في رغم أنف ومندم
قرنا ابنه عمرا ومولى يمينه    
بذي حلق جلد الصلاصل محكم
فأقسمت لا تنفك منا كتائب    
 سراة خميس في لهام مسوم
نزوع قريش الكفر حتى نعلها     
بخاطمة فوق الأنوف بميسم
ننـزلهم أكناف نجد ونخلة     
وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم
يد الدهر حتى لا يعوج سربنا     
نلحقهم آثار عاد وجرهم
ويندم قوم لم يطيعوا محمدا     
على أمرهم ونصف حين تندم
فأبلغ أبا سفيان إما لقيته    
 لئن أنت لأم تخلص سجودا وتسلم
فأبشر بخزي في الحياة معجل     
وسربال قار خالدا في جهنم( )
وقال كنانة بن الربيع في أمر زينب حين دفعها إلى الرجلين :    
عجبت لهبار وأوباس قومه     
يريدون إخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما حييت عديدهم     
وما أستجمعت قبضا يدي بالمهند
ومن أجل ذلك هدر رسول الله  دم هبار .
فعن أبي هريرة ، قال : 
"بعث رسول الله  سرية أنا فيها ، فقال لنا : "إن ظفرتم بهبار بن الأسود أو الرجل الآخر الذي سبق معه إلى زينب" .     
 قال ابن هشام وقد سمى ابن إسحاق الرجل في حديثه ، وقال : هو نافع بن عبد قيس فحرقوهما بالنار .
قال : فلما كان الغد بعث إلينا ، فقال : إني كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما" .( )  
وفي رواية عن أبي هريرة  أنه قال : بعثنا رسول الله  في بعث فقال : "إن وجدتم فلاناً وفلاناًَ فأحرقوهما بالنار ، ثم قال رسول الله  حين أردنا الخروج : "إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما" .( ) 
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى لهذا الحديث عدة فوائد منها :
1- في الحديث : جواز الحكم بالشيء اجتهاداً ثم الرجوع عنه .
2- استحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الإلباس والاستنابة في الحدود ونحوها .
3- وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها .
4- وفيه : مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده ، وتوديع أصحابه له أيضاً .
5- وفيه : جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به ، وهو اتفاق إلا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربي . ا.هـ .( ) 
إسلام زينب رضي الله عنها .
انصاعت زينب لدعوة الحق التي جاء بها والدها رسول الله  ، وأسلمت مع المسلمين الأوائل ، وعرضت على زوجها الإسلام لكنه استقبل الخبر بفتور وصمت .
وطلب المشركون من أبي العاص الخروج معهم في غزوة بدر ، ووقع أسيراً في أيدي المسلمين .   
فادية زوجها
وأرادت زينب رضي الله عنها أن تفدي زوجها أبو العاص بن الربيع ، فأرسلت عمرو بن الربيع إلى النبي  وبعثت معه صرة ، لا يعرف عمرو ما فيها .
وتقدم عمرو وأخو أبي العاص فقال للنبي  :
بعثتني زينب بنت محمد بهذا في فداء زوجها ، أخي ، أبي العاص بن الربيع .
وأخرج من ثيابه صرة قدمها إلى المصطفى  فإذا فيها قلادة من جزع ظفار – باليمن - .( )
ولم يكد بالنبي  أن يرى القلادة حتى رق لها قلبه رقة شديدة ، وتحقق أنها لخديجة وأنها لذكرى للعزيزة خديجة الراحلة . 
عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله  في فداء زوجها أبي العاص بقلادة ، وكانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها ، فلما رآها رسول الله  رق لها رقة شديدة ، وقال:
"إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها ".( )
أبو العاص يثني على زوجته زينب بنت رسول الله 
خرج أبو العاص بن الربيع في بعض أسفاره إلى الشام فذكر امرأته زينب بنت رسول الله  فأنشأ يقول :
ذكرى زينب لما ورَّكت (أورثت) إرما (أرمى)       
فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة
وكل بعل سيثني بالذي علما .( )
زينب تأخذ الأمان من رسول الله  لأبي العاص
وتجيره فيعلن إسلامه
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : أن زينب بنت رسول الله  أرسل إليها أبو العاص بن الربيع أن خذي لي أماناً من أبيك ، فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها والنبي  يصلي الصبح بالناس فقالت : أيها الناس ، إنه لا علم لي بهذا ، وإني قد أجرت أبا العاص ، فلما فرغ النبي  من الصلاة قال :" يا أيها الناس إنه لا علم لي بهذا حتى سمعتموه إلا وإنه يجير على المسلمين أدناهم ".( )
ثم بعد ذلك بسنين أسلم زوجها أبو العاص  والراجح أنه  رد ابنته إلى 
أبي العاص بنكاحها الأول ، ولم يحدث صداقاً .( )
إسلام أبي العاص بن الربيع
المسلمون يستولون على مال لأبي العاص وقدومه لاسترداده .
قال ابن إسحاق : وأقام أبو العاص بمكة ، وأقامت زينب عند رسول الله  بالمدينة حين فرق بينهما الإسلام حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام ، وكان رجلا مأمونا بمال له ، وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه ، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله  فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا ، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله  فاستجار بها فأجارته وجاء في طلب ماله فلما خرج رسول الله  إلى الصبح ، كما حدثني يزيد بن رومان ، فكبر وكبر الناس معه ، صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص ابن الربيع ، قال : فلما سلم رسول الله  من الصلاة أقبل على الناس ، فقال : أيها الناس هل سمعتم أم سمعت ، قالوا : نعم ، قال : والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعت أنه يجير على المسلمين أدناهم ، ثم انصرف رسول الله  فدخل على ابنته ، فقال : "أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" .
المسلمون يردون على أبي العاص ماله بعد إسلامه
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، أن رسول الله  بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص فقال لهم إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به ، فقالوا : يا رسول الله بل نرده عليه ، فردوه عليه ،حتى إن الرجل ليأتي بالدلو ويأتي الرجل بالشنة والإداوة حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا ثم احتمله إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله  ومن كان أبضع معه ثم قال يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما ، قال : فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلى تخوفي أن تظنوا أني أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله   .
الرسول  يرد زينب إلى أبي العاص .
وقد رد رسول الله  ابنته زينب على زوجها أبي العاص بن وائل على نكاحها الأول بعد إسلامه .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : 
"رد عليه رسول الله  زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا بعد ست سنين من أمانة زوج زينب ابنة الرسول  .( )
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى : فقد أجمع العلماء أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما إلا أن يكون بينهما نسب أو رضاع يوجب التحريم وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا أسلما معا وأصل العقد معفي عنه لأن عامة أصحاب رسول الله    كانوا كفارا فأسلموا بعد التزويج وأقروا على النكاح الأول ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام ، وهذا إجماع وتوقيف وإنما اختلف العلماء في تقدم إسلام أحد الزوجين .اهـ.( )
وقال ابن قيم الجوزية في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما هو أملك ببضعها ما دامت في دار ، وذكر سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي هو أحق بها ما لم يخرج من دار ، وذكر ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري إن أسلمت ولم يسلم زوجها على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان   ولا يعرف اعتبار العدة في شيء من الأحاديث ولا كان النبي يسأل المرأة هل انقضت أم لا ولا ريب أن الإسلام لو كان بمجرده فرقة لم تكن فرقة رجعية بل  بائنة   أثر للعدة في بقاء النكاح وإنما أثرها في منع نكاحها للغير فلو كان الإسلام نجز الفرقة بينهما لم يكن أحق بها في العدة ولكن الذي دل عليه حكمه أن النكاح فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح   ولا نعلم أحدا جدد للإسلام نكاحه ألبتة بل كان الواقع أحد أمرين إما افتراقهما غيره وإما بقاؤه عليه وإن تأخر إسلامها أو إسلامه وإما تنجيز الفرقة أو العدة فلا نعلم أن رسول الله قضى بواحدة منهما مع كثرة من أسلم في عهده الرجال وأزواجهن وقرب إسلام أحد الزوجين من الآخر وبعده منه ولولا إقراره على نكاحهما وإن تأخر إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح بتعجيل الفرقة بالإسلام من غير اعتبار عدة .اهـ .( )
وفاتها رضي الله عنها
توفيت السيدة زينب رضي الله عنها في السنة الثامنة من الهجرة متأثرة بمرض النـزف الذي لازمها منذ هجرتها ، وتأثر زوجها أشد تأثراً فبكى عليها وأبكى من حوله .
وحزن عليها رسول الله  واستودعها ، ثم قال للنساء : اغسلنها وتراً .
تقول أم عطية غاسلة الميتات : 
لما ماتت زينب بنت رسول الله  قال :     
" أغسلنها وتراً ، ثلاثاً ، أو خمساً ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا غسلتنَّها فأعلمنني"، قالت : فأعلمناه فأعطانا حقوه وقال : : "أشعرنها إياه" ، وقالت أم عطية : مشطناها ثلاثة قرون .( )
حقوه : الحقو : الإزار .
وقوله : أشعرنها إياه : أي اجعلنه شعاراً لها ، وهو الثوب يلي جسدها .
ثلاثة قرون : أي ثلاث ضفائر . 
وكان ممن غسل زينب رضي الله عنها مع أم عطية ، أم أيمن ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة زوج النبي  .
فرضي الله عن زينب بنت رسول الله  ، ورحمها ، وأكرمها في الجنة ، وجزاها عن صبرها وكفاحها خيراً . 
الفوائد 
1- النهي عن التعذيب والتحريق بالنار .
2- أخذ الفدية من الأسير ، كما أن للأسير أن يدفع الفدية عن نفسه مقابل إطلاق سراحه ، كما أخذ رسول الله  الفدية من قريش مقابل إطلاق سراح أسراهم .
3- التفريق بين الزوجة وزوجها إذا أسلمت ، كما فرق الإسلام بين زينب وزوجها أبي العاص بن وائل . 
4-  رد الزوجة إلى زوجها بعد إسلامه دون عقد جديد ولا صداق ، كما رد رسول الله  ابنته زينب إلى زوجها أبي العاص بن وائل بنكاحها الأول ولم يحدث صداقاً .
5- إجارة المرأة زوجها ، كما أجارت  زينب زوجها أبي العاص بن وائل.
6- رد المال لصاحبه بعد إسلامه ، كما رد المسلمون مال أبي العاص بن وائل بعد إسلامه .
7- اهتمام المرأة بزوجها ، وحرصها على هدايته ، كما اهتمت زينب بزوجها أبي العاص وحرصت على هدايته .
8- تغسيل المرأة وتراً ، ثلاثاً ، أو خمساً ، ووضع الطيب عليها بعد وفاتها ، كما أوصى رسول الله  النساء أن يغسلن ابنته زينب وتراً .






  
رقية
بنت رسول الله 
ذات الهجرتين







نسبها ومولدها رضي الله عنها
هي : رقية بنت سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية .
 أمها : خديجة بنت خويلد أم المؤمنين . 
مولدها : ولدت رقية بعد أختها زينب ، وبعدها ولدت أختها أم كلثوم فنشأن سوية مجتمعات متعاطفات  ، رضي الله عنهن جميعاً . 
خطبة رقية وأم كلثوم لولدي عبد العزى
وبعد أن كبرتا وقاربتا سن الزواج جاء وفد من آل عبد المطلب يتقدمه أبو طالب يخطب منه ابنتيه رقية وأم كلثوم لولدي عبد العزى ابن عبد المطلب – أبي لهب – عتبة وعتيبة .
وهذا قبل بعثة النبي  ، فوافق رسول الله  ، وتمت الخطبة ، ولكن لم يتم الدخول بعد .
رد خطبة رقية وأم كلثوم
وما أن بُعِثَ النبي  نبياً ورسولاً ، حتى عادته قريش واجتمعت عليه ، وقال قائلهم : إنكم قد فرغتم محمداً من همه فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن! 
ورد أبو لهب زواج ابنيه من ابنتي رسول الله  قائلاً لولديه : رأسي من رأسيكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمداً .
وعادت الفتاتان إلى ذويهما ولم يكن الدخول قد تم ، وبالغ أبو لهب وامرأته أم جميل حمالة الحطب بالغا في أذية رسول الله  حتى نزل قول الله تعالى :  تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ( ).( )
وعن قتادة بن دعامة قال : كانت رقية عند عتبة بن لهب ، فلما أنزل الله تبارك وتعالى:  تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ سأل النبي  عتبة طلاق رقية، وسألته رقية ذلك، فطلقها، فتزوج عثمان بن عفان رقية، وتوفيت عنده.( )
وذكر أن أم جميل حمالة الحطب ، حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله  ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر الصديق  ، وفي يدها فهر من حجارة – قطعة تملأ الكف – فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله  فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت : يا أبا بكر ، أين صاحبك ؟ فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، أما والله إني لشاعرة ، ثم قالت :
مُذَمَّما( ) عَصَينا
                  وأمرَه أبَيْنا
ودينَه قَلَيْنا وانصرفت ، فقال أبو بكر  : يا رسول الله ! أما تراها رأتك ؟ فقال : "ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني" .( ) 
عثمان بن عفان  يتزوج رقية 
وعوض الله سبحانه وتعالى ابنتي رسول الله  خيراً حيث أبدلهما عثمان بن عفان الصحابي الجليل من العشرة المبشرين بالجنة ، أمير المؤمنين .
وتزوج عثمان بن عفان  رقية .
وقد أنشد النسوة في عرسهما :
أحسن شخصين رأى إنسان 
رقية وبعـلـها عثمـان
فازدادت قريش غيظاً ، واشتد أذاهم لرسول الله  وللمسلمين .
وبعدها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة . 
هجرتها إلى الحبشة مع زوجها عثمان بن عفان
لما كثر المسلمون واشتد العذاب والبلاء عليهم أذن الله تعالى لهم في الهجرة إلى أرض الحبشة ، فكان أول من خرج من المسلمين فاراً بدينه إلى أرض الحبشة عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله  .( ) 
وهاجرت رقية مع زوجها عثمان إلى الحبشة .
وبعد أن عاد إلى مكة هو وزوجته رقية فوجئوا بازدياد الطغيان ، وسمعوا بآذانهم أصوات المشركين تهددهم وتعدهم بالويل والهلاك .
وكانت رقية رضي الله عنها أكثر المسلمين العائدين حُزناً لأنها فوجئت بوفاة أمها الطاهرة خديجة رضي الله عنها ، وصبرت على قضاء الله تعالى وقدره ، ونعتت رقية بالفتاة المجاهدة الصابرة .
قال ابن هشام : تزوج عثمان رقية ، وهاجر بها إلى الحبشة ، فولدت له عبد الله هناك ، فكان يكنى به .( )
رقية تهاجر الهجرة الثانية إلى المدينة
وبعدها هاجرت رقية مع زوجها الهجرة الثانية إلى دار الهجرة الجديد حيث وضعت طفلها عبد الله ، فشعرت رقية براحة عوضتها عذاب الماضي ، ولكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً ففي السادسة من عمر الطفل  نقره ديك  فمات فلم تلد له بعد ذلك( ) .
قال ابن سعد : عبد الله بلغ سنة فنقره ديك في وجهه فمات .( )
وقال البلاذري في الأنساب : أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت النبي  لما مات وضعه النبي  في حجره ، وقال : "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" .( )
عن أسامة بن زيد قال:كنا عند النبي  صلى الله عليه وسلم  فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت فقال للرسول ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب فعاد الرسول فقال إنها قد أقسمت لتأتينها قال فقام النبي  صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال له سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده   الرحماء .( )
قوله: فقال هذه أي الدمعة أثر رحمة أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذه عليه وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر قوله وإنما يرحم الله من عباده الرحماء في رواية شعبة في أواخر رآه ولا يرحم الله من عباده الا الرحماء ومن في قوله من عباده بيانية وهي حال من المفعول قدمه فيكون أوقع والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغه ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو ثم أبي داود وغيره الراحمون يرحمهم الرحمن والراحمون جمع راحم فيدخل كل من فيه أدنى رحمة وقد ذكر الحربي مناسبة الإتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمه وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقا للتعظيم فلما ذكر هنا ناسب ذكر من الغرماء رحمته وعظمته ليكون الكلام جاريا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر فإن لفظ الرحمن دال على العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وأن قلت والله أعلم وفي هذا الحديث من ما تقدم جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليه لذلك وجواز المشي إلى التعزيه والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة وجواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع مبالغة في ذلك لينبعث خاطر المسئول في المجيء للإجابة إلى ذلك وفيه استحباب ابرار القسم وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر وإخبار من يستدعى بالأمر الذي يستدعى من أجله وتقديم السلام على الكلام وعيادة المريض ولو كان مفضولا أو صبيا صغيرا وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردوا أول مرة واستفهام التابع من امامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره وحسن الأدب في السؤال لتقديمه قوله يا رسول الله على الاستفهام وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم والترهيب من قساوة القلب وجمود العين وجواز البكاء نوح ونحوه .( ) 

مرضها ووفاتها رضي الله عنها
وعلى أثر هذا المصاب العظيم على قلب رقية مرضت بالحمى فلازمتها مدة ، ولازمها زوجها الحنون يمرضها ، ويقوم على شئونها ، وما هي إلا أيام حتى سمع بداعي الجهاد ينادي  بالخروج إلى بدر ، فهمَّ بالخروج تلبية لنداء الجهاد ، ولكن أمره رسول الله  بالبقاء إلى جانب زوجته يواسيها ويخدمها .
قال ابن هشام : تخلف عثمان بن عفان على امرأته رقية بنت رسول الله  فضرب له رسول الله  بسهمه . قال : وأجري يا رسول الله قال : "وأجرك" .اهـ .( ) 
ازداد مرض رقية وطال الصراع وبقي الزوج الوفي إلى جانبها ، حتى قضت نحبها راضية مرضية .
وقال الزهري : تخلف عثمان عن بدر على امرأته رقية ، وكانت قد أصابها الحصبة، فماتت، وجاء زيد بشيراً بوقعة بدر ، وعثمان على قبر رقية.اهـ( )
وعن عروة قال: تخلف عثمان وأسامة بن زيد ، عن بدر ، فبينا هم يدفنون رقية سمع عثمان تكبيراً ، فقال يا أسامة ما هذا ؟ فنظروا ، فإذا زيد بن حارثة على ناقة رسول الله  الجدعاء بشيراً بقتل المشركين يوم بدر .( )
قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية ابنة رسول الله  التي كانت عند عثمان بن عفان ، كان رسول الله  خلفني عليها مع عثمان .( )
عن ابن سعد عن ابن عباس قال:لما ماتت رقية بنت رسول الله  قال:" الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون"، فبكت النساء عليها ، فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخذ النبي  بيده وقال :
" دعهن يبكين وإياكن ونعيق الشيطان ، فإنه مهما يكن من القلب والعين فمن الله ومن الرحمة ، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان " .
وقعد رسول الله  على شفير القبر وفاطمة .( )
قال الواقدي : الثابت عندنا من جميع الروايات  أن رقية توفيت ورسول الله  ببدر ولم يشهد دفنها ، ولعل هذا الحديث في غيرها من بنات النبي  اللاتي شهد دفنهن ، فإن كان في رقية وكان ثابتاً فلعله أتى قبرها بعد قدومه المدينة ، وبكاء النساء عليها بعد ذلك .اهـ .( )
فرضي الله عنها وعن زوجها وأهلها ، وأكرمها في جنات الخلد مع أمها الطاهرة . آمين . 

الفوائد
1- عدم زواج المسلمة من الكافر ، ورد خطبتهما حين سأل النبي  عتبة طلاق رقية ، وسألته رقية ذلك .
2- الهجرة من ديار الكفر إلى الديار التي يأمن المسلم فيها على دينه وعرضه وماله ، ومن ديار الكفر إلى ديار الإسلام ، ومن ديار المعاصي إلى ديار الإيمان ، كما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة،ومن مكة إلى المدينة . 
3- إثبات كلمة السلف ، كما قال رسول الله  عند دفن ابنته رقية : الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون .
4- جواز البكاء على الميت بالدمع من العين ، والحزن بالقلب ، شرط أن لا يصاحبه نياحة ولا شق الجيوب ولا خمش الوجوه ، وأن لا يتسخط على الله تعالى ، وأن يصبر على بلاءه هذا  
5- جواز تخلف الرجل عن الجهاد لتمريض زوجته .












  
أم كلثوم
ثالثة بنات
رسول الله 






نسبها ومولدها رضي الله عنها
هي : أم كلثوم بنت سيد البشر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية . 
وهي معروفة بكنيتها أم كلثوم ولا يعرف لها اسم .
أبوها : هو أفضل خلق الله تعالى ، وهو خاتم الأنبياء والرسل ، محمد بن عبد الله  .
أمها: خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها .
مولدها: ولدت أم كلثوم بعد أختها رقية ، فنشأتا سوياً متلاصقتين وكأنهما توأم .
قال ابن الأثير : والصحيح أنها أصغر من رقية ، لأن رسول الله  زوَّج رقية من عثمان ، فلما توفيت زوَّجه أم كلثوم ، وما كان ليزوج الصغرى ويترك الكبرى. والله أعلم .( )
رد خطبتها من عتيبة( ) بن أبي لهب
      تقدم قصة خطبتها في قصة أختها رقية .
ونجاها الله من نكد العيش مع حمالة الحطب أم جميل ، كما نجت أختها رقية التي ما لبثت أن تزوجت من عثمان رضي الله عنهما جميعاً .
أم كلثوم تتحمل مسؤولية بيت النبوة
وتحملت مسؤولية كبيرة بعد أن رقدت أمها خديجة رضي الله عنها في الفراش تعاني المرض بعد أن أنهكها حصار قريش ، فأخذت تمرض أمها ، وكانت فاطمة رضي الله عنها ما زالت صغيرة بحاجة إلى رعاية وعناية ، فتحملت أم كلثوم كل هذه الأعباء ، وبنفس الوقت تحاول تخفيف الألم والحزن عن أبيها  .
وفي السنة العاشرة من البعثة توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها وفاضت روحها الطاهرة إلى بارئها عزوجل، وأصبحت أم كلثوم مسؤولة عن البيت النبوي الشريف.   
وهاجر المسلمون إلى المدينة ، كما هاجر رسول الله  إليها ليكوِّن الدولة الإسلامية هناك لتكون له وللمسلمين العزة والمنعة .
هجرة أم كلثوم بعد أبيها 
إلى المدينة
وبقيت أم كلثوم وفاطمة في مكة حرصاً على سلامتهما إلى أن أرسل رسول الله  لهما زيد بن حارثة ليستحضرهن إلى المدينة .  
هاجرت إلى المدينة ، فلم تزل بها حتى توفيت أختها رقية فتزوجها عثمان  وكانت بكراً فلم تزل عنده إلى أن ماتت ولم تلد له ولداً ، وكان عثمان  يحبها ويكرمها وينـزلها منـزلتها اللائقة بها .( )
زواج أم كلثوم من عثمان 
بعد وفاة رقية رضي الله عنها بنت رسول الله  ، وزوجة عثمان بن عفان  حزن عليها حزناً شديداً ، فرأى النبي  أن يزوج عثمان ابنته الأُخرى أم كلثوم .( ) 
وعندما شكا عمر بن الخطاب عثمان إلى رسول الله  عندما عرض عليه حفصة ، قال رسول الله  له : 
فقال : "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة " ، ثم خطبها فزوجه عمر .( )    
علمت أم كلثوم أنها ستكون زوجة لعثمان لأن ما من امرأة خير من حفصة غير بنت رسول الله  .
وما أن تذكرت أختها رقية ورفيقة حياتها إذ دعاها رسول الله  ليطلعها على الخبر .
وتزوج عثمان بن عفان  أم كلثوم وهي البنت الثانية لرسول الله  يتزوجها عثمان . 
خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله  وكانت بكراً ، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة وأدخلت عليه في هذه السنة 
في جمادى الآخرة فلم تزل عنده إلى أن ماتت ولم تلد له شيئاً .( )
أم كلثوم رضي العن أنس بن مالك  : "أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله  برد حرير سيراء " .( )
الحرير  السيراء : هو الحرير المخطط .
والحديث من أدلة جواز الحرير للنساء إن فرض اطلاع النبي  وتقريره .( )
قال الحافظ ابن حجر : السيراء التي كانت على أم كلثوم كانت الحرير الصرف . 
هذا وقد ثبت عن رسول الله  بتحريم الحرير على الرجال وبحليته للنساء . فعن أبي موسى  قال : قال رسول الله  : "أحل الذهب و الحرير لأناث أمتي و حرم على ذكورها" .( ) ‌
وعن زيد بن أرقم ، وواثلة رضي الله عنهما ، عن رسول الله  أنه قال : "الذهب و الحرير حل لإناث أمتي و حرام على ذكورها" .( ) ‌
وقد ساق الإمام البخاري رحمه الله تعالى بعض الأحاديث بهذا الخصوص وإعطاء النبي  الحلة من حرير إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعثها إلى أخيه وكان مشركاً .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : واستدل بأحاديث الباب على جواز لبس الحرير للنساء سواء كان الثوب حريرا كله أو بعضه ، وفي الأول عرض المفضول على الفاضل والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحه ممن يظن أنه لم يطلع عليه .
وفيه : إباحة الطعن لمن يستحقه .
وفيه : جواز البيع والشراء على باب المسجد .
وفيه : مباشرة الصالحين والفضلاء البيع والشراء . 
وقال بن بطال : فيه ترك النبي   لباس الحرير ، وهذا في الدنيا وإرادة تأخير الطيبات إلى الآخرة التي لا انقضاء لها إذ تعجيل الطيبات في الدنيا ليس من الحزم فزهد في الدنيا للآخرة وأمر بذلك، ونهى عن كل سرف وحرمه بالإجماع بن المنير بان تركه  لبس الحرير إنما هو لاجتناب المعصية، وأما الزهد فإنما هو في خالص الحلال ومالا عقوبة فيه فالتقلل منه وتركه مع الإمكان هو الذي تتفاضل فيه درجات الزهاد . 
قلت – أي ابن حجر - : ولعل مراد بن بطال بيان سبب التحريم فيستقيم ما قاله .
وفيه : جواز بيع الرجال الثياب الحرير وتصرفهم فيها بالهبة والهدية لا اللبس.
وفيه : جواز صلة القريب الكافر والإحسان إليه بالهدية . 
وقال بن عبد البر : فيه جواز الهدية للكافر ولو كان حربيا .اهـ .( )
وفاتها رضي الله عنها
وعاشت أم كلثوم مع زوجها عثمان ست سنوات ، وأدركت يوم النصر الأكبر فتح مكة ، فحنت إلى زيارة قبر أمها ولكن كان الموت وقدر الله أسرع من زيارتها لأمها ، فعاجلتها المنية في شهر شعبان سنة تسع للهجرة ، فدفنها رسول الله  .  
عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله  ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ، فقال: "أغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني"،فلما فرغنا  آذناه ، فألقى إلينا حَقْوَهُ ، وقال: "أشعرنيها إياه".( )
حقوه : الحقو : الإزار .
وقوله : أشعرنيها إياه : أي اجعلنه شعاراً لها ، وهو الثوب يلي جسدها .
ثلاثة قرون : أي ثلاث ضفائر . 
وكان ممن غسل أم كلثوم رضي الله عنها ابنة رسول الله  : أم عطية ، وأسماء بنت عميس ، وصفية بنت عبد المطلب ، وليلى بنت قانف الثقفية ، وأم سليم .( )
وصلى عليها رسول الله  .( )
وقام أبو طلحة بدفن  أم كلثوم رضي الله عنها .
فعن أنس  قال : شهدنا بنتاً للنبي  قال : ورسول الله  جالس على القبر ، قال : فرُأيت عيناه تدمعان ، 
قال : فقال :" هل منكم رجل لم يقارف الليلة " ؟ 
فقال أبو طلحة : أنا ، قال :" فانزل "  
قال : فنـزل في قبرها .( )
لم يقارف : أي لم يجامع . 
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث :
جواز البكاء كما ترجم له .
وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء .
وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الأب والزوج ، وقيل إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته وفيه نظر فإن ظاهر السياق أنه   اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع .
وفيه : جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن ، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت . 
واستدل به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقا وفيه نظر وسيأتي البحث فيه في باب مفرد أن شاء الله تعالى وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وأن كان عليه فيه غضاضة .اهـ .( )
وهكذا قضت حياتها بعد جهاد وكفاح ، وبعد أن تحملت المصاعب وعاشت أصعب ظروف الدعوة ، وأقسى أيام الجهاد .
رحمها الله تعالى ورضي عنها ، وعن زوجها ، وحشرنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . اللهم آمين .
الفوائد
1- جواز لبس الحرير للمرأة , وجواز الانتفاع به من قبل الرجال دون لبسه .
2- صلة الأقارب وإن كانوا مشركين ، كما وصل عمر بن الخطاب  أخيه بإعطائه الحلة وكان مشركاً .
3- جواز البكاء على الميت ، كما بكى رسول الله  على ابنته عند موتها .
4- يكره للرجل إنزال ميت في قبره وكان قد جامع زوجته في نفس الليلة ، كما إذن  رسول الله   لأبي طلحة  أن ينـزل في قبر أم كلثوم ، حيث لم يكن قد قارف – أي جامع زوجته - في تلك الليلة  .
5- يجوز للرجل أن ينـزل في قبر المرأة التي لا تحل له ، كما نزل أبو طلحة في قبر أم كلثوم بنت رسول الله  ، إذا لم يوجد من محارمها من لم يقارف في نفس الليلة .
   6ـ     وفي قول النبي $: الذهب والحرير حل لإناث أمتي،    
           يشمل الصغار والكبار، وقوله: حرام على ذكورها يشمل 
           الصغار والكبار .























فاطمة
بنت رسول الله  
أم أبيها


  




فاطمة بنت رسول الله  ورضي الله عنها
نسبها ومولدها
إنها فاطمة بنت رسول الله  رضي الله عنها وأرضاها ، تكنى بأم أبيها( ) ، لأنها كانت شديدة الشبه بأبيها رسول الله  .
أصغر بنات النبي  وأحبهن إليه .( ) 
جمعت الخير والشرف ، وصاحبت أشرف نسب .  
وهي سيدة نساء العالمين .( ) 
أبوها: هو أفضل خلق الله تعالى، وهو خاتم الأنبياء والرسل، محمد بن عبد الله  .
أمها : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد  رضي الله عنها وأرضاها . 
زوجها : أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وهو أمير المؤمنين ابن عم رسول الله  علي بن أبي طالب رضي الله عنه . 
ولداها : سيدا شباب أهل الجنة ، وهما : الحسن والحسين رضي الله عنهما وأرضاهما . 
وعمها : سيد الشهداء ، وأسد الله ، وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه .  
لقبت بالزهراء لأنها كانت مشرقة الوجه .( )
وكنيتها : أم أبيها( ) لأنها كانت شديدة الشبه بأبيها رسول الله  .
مولدها : ولدت فاطمة بمكة ، وقريش تجدد بناء الكعبة ، وذلك قبل النبوة بخمس سنين ، والنبي  ابن خمس وثلاثين .( )
فاطمة أحب الناس إلى رسول الله  . سأل جعفر وعلي وزيد رسول الله : من أحب الناس إليك؟ قال: "فاطمة".( )
أتى النبي  ملك وقال :" إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة " .( )
قال رسول الله  :"فاطمة سيدة نساء أهل الجنة . إلا ما كان من مريم بنت عمران ".( ) 
وقال رسول الله  :" أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد  ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .( )
هجرتها رضي الله عنها للمدينة .
عندما هاجر رسول الله  إلى المدينة ليكون هناك دولة الإسلام ، وتكون موطن هجرته ، هاجر على أثره ابن عمه علي بن أبي طالب  ، وكان قد تمهل ثلاثة أيام في مكة ريثما يؤدي الودائع عن النبي  والتي كانت عنده للناس .
ولقيت السيدة فاطمة رضي الله عنها في هجرتها هذه مع أختها أم كلثوم بعض المتاعب والصعاب مع صغر سنهما .
وقام بعض مشركي قريش بمطاردتهما ، منهم الحويرث بن نقيذ بن قصي .
قال ابن هشام : وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ فرمى بهما إلى الأرض .( )
وكانت فاطمة رضي الله عنها نحيفة الجسم مع صغر سنها ، وكانت قد أنهكتها الأحداث التي كانت في مكة ، 
ولم ينسَ رسول الله  للحويرث فعلته هذه رغم مرور السنوات ، لأنه كان يؤذي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .ففي العام الثامن للهجرة ذكر رسول الله  للصحابة بعض المشركين الذين كانوا يؤذون الله ورسوله ، بأن يقتلوهم حتى لو وجدوا معلقين بأستار الكعبة ، ومن ضمنهم الحويرث بن نقيذ .
 وأما الحويرث بن نقيذ فكان علي بن أبي طالب أحق الصحابة بقتله  فقتله علي بن أبي طالب .( )
زواج علي  من فاطمة رضي الله عنها
لما بلغت فاطمة رضي الله عنها سن الخامسة عشرة تزوجت بابن عمها علي ابن أبي طالب  في السنة الثانية من الهجرة ، وبنى بها عقب غزوة بدر الكبرى ، فصبرت معه على الفقر والجوع والتعب والمشقة .
ولما زوج رسول الله  عليًّا فاطمة كان فيما جهزها به سرير مشروط      ( مشرطا بالشرط ) ووسادة من أدم ( جلد ) حشوها ليف ، وتور من أدم    ( إناء يشرب فيه ) وقربة .( )
قال علي  لقد تزوجت فاطمة ، وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه بالنهار .
وكان النبي  يُصبَّرهما فيصبران ، ويعلمهما فيتعلمان .( )
وكان رسول الله  يحبها ويكرمها ، ويؤذيه ما يؤذيها .      
عن المسور بن مخرمة ،قال رسول الله  :"إن فاطمة بضعة مني و أنا أتخوف أن تفتن في دينها و إني لست أحرم حلالا و لا أحل حراما و لكن و الله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد أبدا".( )   وعنه، "إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي و ينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها"  ( ). 
      وعن الزبير ، أن رسول الله  قال : 
"إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها " .( )
وأرسل رسول الله  إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال :
"هؤلاء أهلي": قالت : فقلت: يا رسول الله أفما أنا من أهل البيت ؟ قال:

" بلى : إن شاء الله ـ عز وجل " .( )
وصح عن النبي  أنه جلل فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً بكساء 
وقال :" اللهم هؤلاء أهل بيتي . اللهم فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " .( )
وعن أبي هريرة  قال : نظر النبي  إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال :" أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم ".( )
وعن أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله  :" لا يبغضنَّ أهل البيت أحد ، إلا أدخله الله النار " .( )
وطعن الشيعة في أهل البيت الذين يدعون حبهم كذباً وزوراً ، فكذبوا على علي  .  
فاطمة سيدة نساء أهل الجنة
في حديث حذيفة الطويل ، أن رسول الله  قال :
" إن هذا ملك لم ينـزل إلى الأرض قط هذه، الليلة استأذن ربه أن يسلم عليّ ، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين 

سيدا شباب أهل الجنة " .( )
وقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، هذا الفضل للسيدة فاطمة رضي الله عنها .( )
تقول عائشة رضي الله عنها :" ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها " .( )
كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها أحب النساء إلى النبي  بعد عائشة وخديجة ، وكانت أحب بناته إليه .( )
عن أبي موسى الأشعري  قال : كان أحب النساء إلى رسول الله  :    " فاطمة ومن الرجال علي " .( )
وكانت رضي الله عنها تتحمل الفقر ، وتكابد صعوبة الحياة ، وكانت في شدة العناء وشظف العيش . 
أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها وأتى النبي   سبي فانطلقت فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي   أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها ،تقول فاطمة رضي الله عنها : فجاء النبي    إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم ، فقال النبي   : "على مكانكما" ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ، ثم قال : 
"ألا أعلمكما خيرا مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعا وثلاثين وتسبحاه ثلاثا وثلاثين وتحمداه ثلاث وثلاثين فهو خير لكما من خادم" .( ) 
وفي رواية ، أن رسول الله  قال لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: 
"إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين" 
وفي رواية " سبحا أربعاً وثلاثين". وفي رواية "وكبرا أربعاً وثلاثين". 
قال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله ، قيل له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين"( ).
وفي رواية: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها" الحديث. 
"ليلة صفين" : هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام. 
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وقدس الله روحه : بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره.
وكانت رضي الله عنها أشد شبهاً بأبيها رسول الله  .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت :" ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله  من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ، ورحب بها، وكذلك كانت هي تصنع 
به " .( )
وعنها أيضاً قالت :كنا أزواج النبي  اجتمعنا عنده لم يغادر منهن واحدة ، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله  ، فلما رآها رحب بها ، قال " مرحباً بابنتي ...." .( )
وقالت – أي عائشة رضي الله عنها -: كنت جالسة عند رسول الله  ، فجاءت فاطمة رضي الله عنها تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله  فقال :" مرحباً بابنتي ، فأجلسها عن يمينه أو عن يساره ، ثم أسرّ إليها شيئاً فبكت ، ثم أسرّ إليها شيئاً فضحكت  أيضا" . 
 فقلت لها : ما يبكيك ، فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله    ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فقلت لها : حين بكت أخصك رسول الله   بحديثه دوننا ثم تبكين ، وسألتها عما قال ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله   حتى إذا قبض سألتها ، فقالت : إنه كان حدثني إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وإنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثم إنه سارني ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت لذلك" . ( )
وبعد ستة أشهر لحقت سيدة نساء أهل الجنة < بسيد أهل الجنة $ على  الإطلاق .
ورأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله  من الكرب الشديد الذي يتغشاه ، فتأثرت لذلك تأثراً شديداً .
فعن أنس  قال :لما ثقل النبي  جعل يتغشاه العرق ، فقالت فاطمة ـ عليها السلام ـ : واكرب أبتاه ، فقال  :
" ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم" ، فلما مات عليه الصلاة والسلام ، قالت : 
يا أبتاه ! أجاب رباً دعاه .
يا أبتاه ! جنة الفردوس مأواه .
يا أبتاه ! إلى جبريل ننعاه . 
وقالت بعد دفنه  : يا أنس : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على 
رسول الله  .( )
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى : وما رؤيت فاطمة رضي الله عنها ضاحكة بعد وفاة رسول الله  حتى لحقت بالله عزوجل ، ووجدت( )  عليه وجداً عظيماً .( )
أبو بكر  يسترضي فاطمة رضي الله عنها
عن عروة بن الزبير : أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته : "أن فاطمة < ابنة رسول الله    سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله   أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله   مما أفاء الله عليه ، فقال أبو بكر : إن رسول الله    قال : "لا نورث ما تركنا صدقة" ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله    فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته  حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله   ستة أشهر ، قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله   من خيبر وفدك ، وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئا كان رسول الله   يعمل به إلا عملت به ، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله  ينفذ لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك إلى اليوم" .( )
قال الحافظ ابن حجر : وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر ، وقد قال بعض الأئمة : إنما كانت هجرتها انقباضا عن لقائه والاجتماع به ، وليس ذلك من الهجران المحرم لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا ، وكأن فاطمة < لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها .
وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر ، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله : "لا نورث" ، ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه ، وتمسك أبو بكر بالعموم ، واختلفا في أمر محتمل للتأويل ، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك ، فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال ، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام .( ) 
وفاتها رضي الله عنها .
لحقت بالنبي  بعد ستة أشهر من وفاته .
أصبحت يوم الاثنين الثاني من شهر رمضان سنة إحدى عشرة ، فعانقت أهلها ، ثم دعت إليها أم رافع مولاة أبيها  ، فقالت لها بصوت خافت :
يا أمه ، اسكبي لي غسلاً . 
واغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل ، ثم لبست ثياباً جدداً ، ثم قالت لأم رافع : اجعلي فراشي في وسط البيت .
فلما فعلت ، اضطجعت عليه واستقبلت القبلة تتهيأ للقاء ربها ، ولقاء أبيها  ، ثم أغمضت عينيها ونامت .
وقام علي فاحتملها باكيا ، ودفنها دليلا ، ثم ودَّعها وعاد محزونا .( )
قال الذهبي : توفيت ليلة الثلاثاء ، لثلاث خلون من شهر رمضان ، سنة إحدى عشرة ، وهي بنت أربع وعشرين سنة على الأصح .( )
تنبيه : علم الشيعة الرافضة حب رسول الله  لها ، وإنها صاحبت أشرف نسب ، فغلوا فيها ، وعظموها ، بل وعبدوها من دون الله تعالى ، حتى وصل بهم الأمر أن يستغيثوا بها ويطلبوا منها الشفاء والولد وما شابه ذلك ، وهي منهم براء .
قال الله تعالى : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ .( )
وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ .( )  
الفوائد
1- فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .
2- أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت رسول الله  ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون  . رضي الله عنهن .
3- فاطمة أحب النساء إلى النبي  بعد عائشة وخديجة ، وكانت أحب بناته إليه .
4- التكبير والتسبيح والتحميد قبل النوم أفضل من خادم ، كما علم رسول الله  علياً وفاطمة رضي الله عنهما ذلك . ومن حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء ولا تعب من شغل وغيره ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
5- جواز القيام للضيف وللداخل ، كما كان رسول الله  يقوم لفاطمة ويجلسها بجانبه .
6- كان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله  القرآن في العام مرة ، وعارضه في العام الذي قبض فيه مرتين . 
7-   كلمة السلف تعني رسول الله  ، ومن تبعه ، كما قال رسول الله  لفاطمة : ونعم السلف أنا لك .
8- النبي  يبشر فاطمة بأنها أسرع أهله لحوقاً به .
9- تبشير فاطمة رضي الله عنها بأنها سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين .
10- ويستفاد منه  كذلك عدم المغالات في المهور ، وتيسير الزواج ليكون فيه البركة والسعادة .
قال عمر بن الخطاب  في خطبته : 
"يا أيها الناس لا تغالوا في مهر النساء ، فإنها لو كانت مكرمة لم يكن منكم أحد أحق بها ، ولا أولى من النبي  ، ما أمهر واحدةً  من نسائه ، ولا أصدق من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية ، والأوقية أربعون درهماً ، فذلك ثمانون وأربع مائة درهم ، وذلك أغلى ما كان رسول الله  أمهر ، فلا أعلم أحداً زاد على أربع مائة درهم . ( )  
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
والقصد في المهر أحب إلينا واستحب أن لا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله  نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله  اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة ، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق وكذلك صداق أمهات المؤمنين ، وهذا مع القدرة واليسار ، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة .ا.هـ .( ) 
    















  
الشيماء
أخت الرسول 






الشيماء بنت الحارث السعدية
أخت النبي  ورضي الله عنها
نسبها رضي الله عنها
هي : الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى بن رفاعة ، أخت النبي  من الرضاعة ، اشتهرت بالشيماء أو الشماء واسمها حذافة . 
السعدية امرأة بدوية من بني سعد ، وهي ابنة حليمة السعدية التي كانت من بين مراضع بني سعد حين انطلقن إلى مكة يلتمسن الأطفال لإرضاعهم ، فلم يطل مكثها بمكة حتى عادت تحمل معها طفلاً .
أخوة النبي  من الرضاعة
أخوته من الرضاعة هم : عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذيفة بن الحارث ، وحذافة وهي الشيماء غلب عليها ذلك .( )
الشيماء تحتضن النبي  وتدعو له
وأقام رسول الله  في الصحراء سنتين ترضعه حليمة ، وتحضنه ابنتها الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدية أخت الرسول  من الرضاعة.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يخرج مع أولاد حليمة إلى المراعي ، وأخته الشيماء تحضنه وتراعيه ، فتحمله أحياناً إذا اشتد الحر ، وطال الطريق ، وتـتركه أحياناً يدرج هنا وهناك ، ثم تدركه فتأخذه بين ذراعيها وتضمه إلى صدرها ، وأحياناً تجلس في الظل ، فتلعبه وتقول :
يا ربنا أبق لنا محمداً                             
حتى أراه يافعاً وأمردا
ثم أراه سيداً مسوّداً                               
وأكبت أعاديه معاً والحُسَّدا
                         وأعطيه عزاً يدوم أبداً 
قال محمد بن المعلى الأزدي :
وكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب الله دعاءها.( )
ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة : 
أن الشيماء لما كان يوم هوازن ظفر المسلمون بهم ، وأخذوا الشيماء فيمن أخذوا من السبي ، فلما انتهت إلى رسول الله  قالت : يا رسول الله ، إني لأختك من الرضاعة . 
قال وما علامة ذلك ، قالت : عضة عضضتها في ظهري ، وأنا متوركتك ، فعرف رسول الله  العلامة ، فبسط لها رداءه ، ثم قال لها : ههنا، فأجلسها عليه ، وخيرها ، 
فقال : إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك ، فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي ، فمتعها وردها إلى قومها .( )
وفاتها رضي الله عنها
توفيت بعد السنة الثامنة من الهجرة ، فرضي الله عنها وأرضاها ، وجعل الفردوس الأعلى مثواها .( )













أمامة
بنت أبي العاص
رضي الله عنهما







نسبها رضي اله عنها
إنها حفيدة الرسول  أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وأمها زينب بنت الرسول  .
جدتها لأبيها هالة ، وجدتها لأمها السيدة خديجة بنتا خويلد رضي الله عنهم جميعاً .
وكانت أمامة صغيرة السن عندما هاجرت مع أمها إلى المدينة لتلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .
توفيت أمها زينب رضي الله عنها بعد أن لازمها المرض ، وهي لم تزل صغيرة السن ، ورغم صغر سنها وقفت أمامة بجانب أمها ، وكانت تراقبها إلى أن ماتت رضي الله عنها .
وبقيت أمامة رضي الله عنها من بعد أمها زينب يدللها النبي  ، ويرى فيها أمها الراحلة .
رباها النبي  منذ ظهورها على الأرض ، وأدبها بأدب النبوة ، وكان يحبها حباً جماً ، ومن ذلك أنه كان يحملها وهو يصلي .
قال أبو قتادة :خرج ألينا رسول الله  وأمامة بنت أبي العاص بنت أبنته على عنقه ، فقام رسول الله  في مصلاه ، وقمنا خلفه ، وهي في مكانها الذي هي فيه . قال : فكبر فكبرنا حتى إذا أراد رسول الله  أن يركع أخذها فوضعها ، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ، ثم قام ، أخذها فردها في مكانها ، فما زال رسول الله  يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته .( )
وكانت من أحب النساء إلى النبي  فقد ورد أن رسول الله  دخل على أهله ومعه قلادة جزع فقال :" لأعطينها أحبكنَّ إلي " ، فقلت يدفعها إلى ابنة أبي بكر رضي الله عنها ، فدعا ابنة أبي العاص من زينب فعقدها بيده ، وكان على عينها رمص فمسه بيده  .
وفي رواية تحكيها أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ، أن الرسول  أهديت إليه قلادة من جزع، فقال: لأرفعنها إلى أحد أهلي، فقالت النساء: ذهبت بها ابنة أبي قحافة، لكن رسول الله  دعا أمامة بنت زينب فأعلقها في عنقها .( ) 
وما كادت الدموع أن تجف برحيل أمها حتى جاءت السنة الحادية عشرة للهجرة حيث نزل بالمسلمين عامة وبأمامة خاصة أعظم المصائب وهو وفاة خير خلق الله محمد  وانتقاله إلى الرفيق الأعلى .
وبدأت أمامة تحس بوطأة الحياة وقسوتها عندما رأت الأحباب يرحلون عنها واحداً بعد الآخر .
وما أن وجدت الصدر الحنون عند سيدة نساء العالمين لتعوضها مما فقدته، حتى نزل بفاطمة رضي الله عنها المرض حيث لازمها الفراش، واستسلمت له
وخشيت أمامة أن ترحل خالتها كما رحلوا الأحباب قبلها ، وكان الذي خشيت منه أمامة وهو رحيل سيدة نساء العالمين .
 ولم يبق لها غير والدها الحنون عليها والحبيب أبي  العاص ، وفي السنة الثانية عشرة للهجرة فارق أبو العاص الحياة ، تاركاً أمامة وحيدة بعد أن أوصى خاله الزبير بن العوام حواريَّ رسول الله  وزوجه أسماء رضي الله عنهم بإمامة خيراً .
علي بن أبي طالب  يتزوج أمامة
وكما جاء في أسد الغابة : فقد أوصت السيدة فاطمة رضي الله عنها زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  بأن يتزوج أمامة بنت أختها زينب رضي الله عنها .( )
حيث قالت السيدة فاطمة عن اختيارها هذا : أنها تكون لولدي مثلي في حنوتي ورؤومتي .
وفي رواية : إنها تكون بنت أختي وتحنوا على ولدي .
وبعد أن كبرت أمامة  نفذ علي  وصية زوجته سيدة النساء فاطمة رضي الله عنها بزواج أمامة فتزوجها  في خلافة عمر بن الخطاب  ، وعاشت معه خمس وعشرين سنة دون أن تنجب له .( )
وفي رمضان من سنة أربعين للهجرة ، فجعت أمامة بمصرع علي بن أبي طالب  على يد المجرم الشقي بن ملجم .
وصية علي بن أبي طالب  عند موته
وأوصى علي  ابنه الحسن بالقصاص من قاتله دون أن يمثل به .
وقال رضي الله عنه لزوجته أمامة : إن كان لك في الرجال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيراً ، فقدم المغيرة بن نوفل على الحسن وعنده رجال من بني هاشم ، فطلب منه أمامة ، فزوجه إياها ، وأشهد الحاضرين على ذلك ، وهكذا نفذ الحسن وصية أبيه . 
وعاشت أمامة مع المغيرة بن نوفل زمناً دون أن تنجب له حتى توفاها الله تعالى ( ).
وقد أجمع أصحاب السيرة على أن أمامة وأختيها رقية وأم كلثوم لم يكن لهن عقب ، وأن الوحيدة التي كان لها عقب من بنات رسول الله  هي فاطمة رضي الله عنها .  
الفوائد     
1- جواز حمل الطفل أثناء الصلاة .
2- جواز أن يختص الرجل بعض أهله بهدية دون غيرهم .
3-  الوصية عند الموت .
4- تنفيذ الوصية .
5- جواز للرجل أن يتزوج المرأة التي تصغره بكثير، كما أنه يجوز للرجل أن يتزوج المرأة التي تكبره.
عمات النبي 
ومن هنّ بمثابتهنّ
قال القسطلاني رحمه الله تعالى : وأما عماته  بنات عبد المطلب بن هاشم فجملتهن ست : عاتكة ، وأميمة ، والبيضاء وهي أم حكيم ، وبرة ، وصفية ، وأروى ، ولم يسلم منهن إلا صفية أم الزبير بلا خلاف .
واختلف في أروى وعاتكة ، فذهب أبو جعفر العقيلي إلى إسلامها ، وعدهما في الصحبة ، وذكر الدار قطني : عاتكة في جملة الاخوة والأخوات ، ولم يذكر أروى ، وأما ابن إسحاق فذكر أنه لم يسلم منهن غير صفية .( )
وقال ابن حجر في الإصابة : أميمة اختلف في إسلامها فنفاه محمد بن إسحاق ، ولم يذكرها غير محمد بن سعد .( )
وذكر ابن حبان أنه لم يسلم من عمات النبي $ إلا صفية، وهي والدة الزبير بن العوام ( ).





صفية
عمة النبي 






اسمها ونسبها رضي الله عنها
هي : صفية بنت عبد المطلب الهاشمية ، عمة النبي  . 
أمها : هالة بنت وهيب بن مناف بن زهرة بن كلاب ، وكانت من المهاجرات الأول ، شاعرة الهاشميات . 
زوجها : الحارث بن حرب بن أمية – وهو أخو سفيان بن حرب – توفي عنها ، فتزوجها العوام بن خويلد الأسدي أخو خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – فولدت له الزبير ، والسائب ، وعبد الكعبة ، دعاها النبي  إلى الإسلام فأسلمت .( ) 
أخوتها : عبد الله والد النبي  ، والحارث أبو طالب واسمه عبد مناف ، والزبير ويكنى أبا الحارث ، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله ، وأسد رسوله  ، وأبو لهب واسمه عبد العزى ، والغيداق والمقوم ، وضرار ، والعباس ، وقثم ، وعبد الكعبة ، وجحل – بتقديم الجيم – وهو السقاء الضخم ، وقال الدارقطني بتقديم الحاء وهو القيد والخلخال ويسمى المغيرة .( )
أدرك الإسلام منهم أربعة : أبو لهب ، وأبو طالب ، والعباس ، وحمزة . فأسلم حمزة والعباس رضي الله عنهما .
وهي أم حواري النبي  الزبير بن العوام . 

إسلامها رضي الله عنها
كان إسلام صفية رضي الله عنها مبكراً ، لأنه عندما دعا رسول الله  عشيرته الأقربين ، إذ خص ابنته فاطمة وعمته صفية رضي الله عنهما بما أمره الله عزوجل بتبليغه كما جاء في الحديث الصحيح .
      عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما نزلت : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ،( ) قام النبي  فقال :"يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً ، سلوني من مالي ما شئـتم ".( ) 
قال القرطبي رحمه الله تعالى : قوله تعالى : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ خص عشيرته الأقربين بالإنذار لتنحسم أطماع سائر عشيرته . 
وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك وعشيرته الأقربون قريش وقيل بنو عبد مناف .
الثانية : في هذا الحديث والآية دليل على في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب ، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته لقوله إن 
لكم رحما سأبلها ببلالها( ).اهـ . ( )
كانت صفية بنت عبد المطلب الهاشمية، رضي الله عنها من أوائل الذين آمنوا به وصدقوا برسالته ، واتبعوا النور الذي أُنزل معه .
قال الذهبي: والصحيح أنه ما أسلم من عمات النبي $ سواها .( )
هجرتها وجهادها
وقد هاجرت صفية – رضي الله عنها – إلى المدينة مع ابنها الزبير ، وقامت بأهم الأدوار في معارك المسلمين .( )
ففي معركة أحد كانت رضي الله عنها في طليعة النسوة اللاتي خرجن لخدمة المجاهدين ، وتحميسهم على الجهاد، ومداواة الجرحى .
وهي أول امرأة قتلت رجلاً .
تحدث هي عن نفسها رضي الله عنها قالت: أنا أول امرأة قتلت رجلاً : كان حسان معنا ، فمر بنا يهودي فجعل يطيف بالحصن ، فقلت لحسان: إن هذا لا آمنه أن يدل على عورتنا ، فقم فاقتله . قال يغفر الله لكِ! لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ، فاحتجزت وأخذت عموداً ، ونزلت ، فضربته حتى قتلته .( )
احتجزت : أي شدت وسطها .
وعن عروة بن الزبير: أن صفية جاءت يوم أحد، وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم، فقال النبي $: "يازبير المرأة".( )
       ويوم خيبر خرجت صفية مع ابنها الزبير رضي الله عنهما فخرج، ياسر اليهودي فبرز له الزبير > فقالت صفية رضي الله عنها لما خرج إليه الزبير: يا رسول الله يقتل ابني ، فقال رسول الله $: "بل ابنك يقتله إن شاء الله" ، فخرج إليه وهو يرتجز ثم التقيا فقتله الزبير .( )
وتألمت ألماً شديداً بمقتل شقيقها حمزة بن عبد المطلب >، ولكنها استرجعت وصبرت .
ورثته بعد دفنه :
أسائله أصحاب أحد مخافة            بنات أبي من أعجم وخيبر
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة          إلى جنات الخلد يحيا بها وسرور
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا         بكاء وحزناً محضري ومسيري
فيا ليت شلوي عند ذاك وأعظمي     لدى أضبُع تعتادني ونسو
صفية رضي الله عنها تندب رسول الله 
عين جودي بدمعة وسهود     
واندبي خير هالك مفقود
واندبي المصطفى بحزن شديد   
خالط القلب فهو كالمعمود
كدت أقضي الحياة لما أتاه   
قدر خُطَّ في كتاب مجيد
فلقد كان بالعباد رؤوفاً    
ولهم رحمة وخير رشيد
رضي الله عنه حياً وميتاً    
وجزاه الجنات يوم الخلود .( )
وفاتها رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها في خلافة عمر بن الخطاب  سنة عشرين من الهجرة ، وهي بنت ثلاث وسبعين سنة ، وصلى عليها عمر بن الخطاب  ، ودفنت بالبقيع عن بضع وسبعين سنة .( )
فرضي الله تعالى عن صفية وأرضاها ، وعوضها خيراً  في جناته جنات عدن ، ما قدمت للإسلام والمسلمين . آمين .





  
أم الفضل
زوجة العباس
رضي الله عنها





اسمها ونسبها رضي الله عنها
هي : الصحابية الجليلة أم الفضل بنت الحارث بن حزن الهلالية الحرة .
أسمها لبابة بنت الحارث، بن حزن ، بن بجير ، الهلالية ، وهي لبابة الكبرى مشهورة بكنيتها ، وهي أخت ميمونة رضي الله عنها ، وخالة خالد بن الوليد ، وأخت أسماء بنت عميس لأمها .
زوجها : العباس عم النبي  ، وأم أولاده الرجال الستة وهم :
الفضل ، وعبد الله الفقيه ، وعبيد الله الفقيه ، ومعبد ، وقثم ، وعبد الرحمن( )، وفيها قال عبد الله بن يزيد :
ما ولدت نجيبة من فحل     
  بجبل نعلمه وسهل
كسته من بطن أم الفضل    
  أكرم بها من كهلة وكهل
عم النبي المصطفى ذي الفضل  
 وخاتم الرسل وخير الرسل



وكانت عالمة محدثة روت عن النبي  ثلاثين حديثاً وكان النبي صلى الله عليه ويسلم يزورها ويقيل في بيتها ، وكانت ترسل اللبن إلى النبي  .
ورد في الصحيح : أنها بعثت إلى النبي  يوم عرفة بقدح من لبن وهو واقف على بعيره فشربه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله  :"الأخوات الأربع مؤمنات أم الفضل وميمونة وأسماء وسلمى ".
فأما ميمونة فهي أم المؤمنين ، وهي شقيقة أم الفضل وأما سلمى وأسماء فأختاهما من أبيهما وهما بنـتا عميس .( )
إسلامها رضي الله عنها
كانت أم الفضل قديمة الإسلام ، إنها أول من أسلم بعد خديجة رضي الله عنها ، وبعد إسلامها أرادت الهجرة إلى المدينة لكنها عجزت عن ذلك .
فكان عبد الله ابنها يقول :
"كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان" .( )   
رؤيا وتأويل
عن أم الفضل رضي الله عنها ، إنها رأت في منامها حلماً عجيباً فذهبت لتوها إلى رسول الله  وقالت : يا رسول الله ، رأيت فيما يرى النائم كأن عضواً من أعضائك في بيتي !! فقال رسول الله  :" خيراً رأيتِ ، تلد فاطمة غلاماً وترضعينه بلبان ابنك قثم " .
وخرجت أم الفضل بهذه البشرى الكريمة ، وما هي إلا فترة وجيزة حتى ولدت فاطمة الحسين بن علي رضي الله عنهما فكفلته أم الفضل .
قالت أم الفضل : فأتيت به رسول الله  ، فهو ينـزيه ويقبله ، إذ بال على رسول الله  فقال :
" يا أم الفضل أمسكي ابني فقد بال عليَّ ".
قالت : فأخذته ، فقرصته قرصة بكى منها ، وقلت : آذيت رسول الله  ، بلتَ عليه ، فلما بكى الصبي قال رسول الله  :" يا أم الفضل آذيتني في بُني ، أبكيته ".
ثم دعا بماء ، فحدره عليه حدراً ، ثم قال :" إذا كان غلاماً فاحدروه حدراً ، وإذا كان جارية فاغسلوه غسلاً ".( )
أم الفضل ترسل بقدح لبن إلى رسول الله 
ومن أخبار أم الفضل رضي الله عنها وفيها دلالة على حكمتها ، أن ناساً من الصحابة تماروا يوم عرفة في صوم النبي  فقال بعضهم : هو صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم . فأرسلت أم الفضل إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه ، وأزالت رضي الله عنها بعلمها هذا الالتباس الذي حصل عند القوم .( )
وفاتها رضي الله عنها
توفيت رضي الله عنها في خلافة عثمان بن عفان  .
رضي الله عن أم الفضل وأرضاها ، وسقاها شربة من حوض النبي  لا تضمأ بعدها أبداً .
الفوائد :
1- شهادة النبي  لأم الفضل بالإيمان .
2- سقوط الهجرة عن الضعفاء ، كالنساء والولدان ، وكبار السن .
3- من السنة الإفطار للحاج في عرفة ، كما شرب النبي اللبن عند وقوفه عرفة .
4- حكمة ورجاحة عقل أم الفضل عندما أنهت الأشكال الذي وقع بين الصحابة في بعثها اللبن إلى رسول الله  في عرفة وشربه إياه .
5- بول الغلام يرش، وبول الجارية أي الأنثى يغسل غسلاً.








  
فاطمة بنت أسد
مربية رسول الله 







اسمها ونسبها رضي الله عنها
هي : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية .
زوجها : أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش ، وهو والد علي  ، وعم النبي  .
مربـية الرسول  وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً ،وأول هاشمية ولدت خليفة . قاله الزبير .( )
أولادها: علي، وجعفر ، وعقيل، وطالب، وأم هانئ، جمانة، وريطة.
فاطمة بنت أسد ترعى النبي 
ولما مات عبد المطلب ، كفل طالب محمداً  فكانت فاطمة رضي الله عنها تحوطه وترعاه وتقوم بأمره ، وتحسن رعايته أفضل من أولادها ، لما كانت تراه من نجابة فريدة في وجهه وبركة تحل في طعامهم إذا أكل معهم وما تحسه من خلق عظيم يتلألأ من حركاته وسكناته .( )
فاطمة تودع ولدها جعفر في هجرته للحبشة
ولما رأى النبي  أن قريشاً ممعنة في تعذيب أصحابه الذين أسلموا أشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة ، ووقفت فاطمة بنت أسد تودع ابنها جعفراً وزوجه أسماء بنت عميس ، وكان ابنها جعفر أمير المؤمنين في الحبشة .( )
هجرتها رضي الله عنها
ولما هاجر النبي  وأصحابه إلى المدينة هاجرت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها مع من هاجر ، ونالت بذلك أجر الهجرة مع المهاجرات .
مكانة فاطمة بنت أسد عند رسوا الله  
وعند الصحابة
ولمكانتها من رسول الله  فقد كان يتحفها بالهدية ، قال : علي  : أُهدي إلى رسول الله  ، حلة إستبرق ، فقال :" اجعلها خُمُراً بين الفواطم " فشققتها أربعة أخمرة ، خماراً لفاطمة بنت رسول الله  ، وخماراً لفاطمة بنت أسد ، وخماراً لفاطمة بنت حمزة ، ولم يذكر الرابعة .( )
ولقد كان لفاطمة بنت أسد ـ رضي الله عنها ـ مكانة سامية في نفوس الصحابة ، فهذا الحجاج بن علاط السلمي يمدح علي بن أبي طالب عندما قتل طلحة بن أبي طلحة ، صاحب لواء المشركين يوم أُحد ، ويذكر أمه فاطمة :
لله أي مذنب عن حربه         
أعني ابن فاطمة المعم المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنة             
تركت طليحة للجبين مجندلا
وشددت شدة باسل فكشفتهم 
بالحق إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدماء ولم تكن
لتردة حران حتى ينهلا.( )
روايتها للحديث
روت عن النبي  (46) حديثاً ، أخرج لها منها في الصحيحين حديث واحد متفق عليه .( )
وفاتها رضي الله عنها
توفيت في حياة النبي  بالمدينة نحو السنة الخامسة من الهجرة . 
عندما توفيت رضي الله عنها ألبسها رسول الله  قميصه ، واضطجع معها في قبرها .
عن ابن عباس ، قال : لما ماتت فاطمة أم علي ألبسها النبي  قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا ! فقال :
" إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها ليهون عليها " .( )
وقال ابن حجر في الإصابة: والصحيح إنها هاجرت وماتت بالمدينة، وبه جزم الشعبي ( ).













أم رومان
أم الصديقة







اسمها ونسبها رضي الله عنها
امرأة من أهل الجنة ، زوجة أفضل الخلق بعد الأنبياء .
هي : أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتَّاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غّنْم بن مالك بن كنانة .
وقال ابن إسحاق : أم رومان اسمها زينب بنت عبد بن دهُمان ، أحد بني فراس بن غنم .( ) 
أم رومان بنت عامر رضي الله عنها ، هي الزوجة الثانية لأبي بكر الصديق ، صحابية جليلة ، لها مكانة رفيعة ، ومنـزلة كبيرة بين نساء المسلمين ، تزوجها في الجاهلية عبد الله بن الحارث بن سخبرة فولدت له الطفيل .
وكانت قد حضرت إلى مكة مع زوجها عبد الله بن الحارث بن سخبرة ، الذي حالف أبا بكر ، وذلك قبل الإسلام ، ولما مات عبدالله بن الحارث تزوجها أبو بكر الصديق .( )
صهرها رسول الله  أفضل خلق الله تعالى ، وزوجها أبو بكر الصديق ، وابنتها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها ، المبرأة من فوق سبع سماوات .
وابنها هو الفارس الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أبي بكر  .
قال ابن حجر: أم رومان بنت عامر بن عويـمر .. امرأة أبي بكر الصديق ووالدة عبد الرحمن وعائشة … واختلف في اسمها فقيل زينب وقيل دعد.( )
إسلامها رضي الله عنها
لقد كانت من المبادرين الأوائل للإسلام ، أسلمت مع زوجها أبي بكر الصديق .
عن عروة بن الزبير : أن عائشة زوج النبي  ، قالت : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله  طرفي النهار بكرة وعشية . فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل : هذا رسول الله  في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر : ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قد حدث. قال : إني قد أذن لي بالخروج .
فقول عائشة رضي الله عنها : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، يدل على أن أم رومان قد أسلمت بعد أبي بكر الصديق بقليل .( )
قال ابن سعد : أسلمت أم رومان بمكة قديماً وبايعت وهاجرت إلى المدينة مع أهل رسول الله  وأهل أبي بكر حين قُدم بهم في الهجرة ، وكانت أم رومان امرأة صالحة .( )

أم رومان وخدمتها في دار الأرقم
كانت أم رومان رضي الله عنها تخدم رجال الدعوة الإسلامية في دار الأرقم ابن أبي الأرقم ، وتحمل هم المسلمين مع أبي بكر  ، وقد فتحت الصحابية بيتها للصحابة وقبلهم النبي ليزوروا الصديق في بيته ، ويتشاوروا في شئون الدعوة الإسلامية .
أم رومان تهيئ عائشة لرسول الله 
عندما تزوج النبي  عائشة رضي الله عنها قامت أمها أم رومان رضي الله عنها بتهيئتها إلى رسول الله  ، ثم سلمتها إليه .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : تزوجني النبي  وأنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة ، فنـزلنا في بني الحارث بن خزرج ، فوعكت ، فتمرق شعري ، فوفى جميمة ، فأتـتـني أمي أم رومان ، وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي ، فصرخت بي ، فأتيتها لا أدري ما تريد بي ، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار ، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ، ثم أدخلتني الدار ، فإذا نسوة من الأنصار في البيت ، فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر ، فأسلمتني إليهن ، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله  ضحى ، فأسلمتني إليه ، وأنا يومئذٍ بنت تسع سنين .( )
وفي رواية لأبي داود : 
فذهبن بي وهيأنني وصنعنني ... فسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحنني ، فلم يرعني إلا رسول الله  ضحى ، فأسلمنني إليه .( )
تمرق شعري : سقط .
فوفى : أي نما وكثر وكمل .
جميمة : تصغير الجمة ، وهي الشعر النازل إلى الأذنين .
أنهج : أي أتنفس تنفساً سريعاً من شدة الحركة .
على خير طائر : أي على خير حظ ونصيب .
يرعني : يفز عني ويفاجئني .
الوعك : ألم الحمى . 
وفاتها رضي الله عنها
توفيت أم رومان رضي الله عنها في عهد النبي  في ذي الحجة سنة ست من الهجرة .( )
قال الذهبي رحمه الله تعالى : وفي ذي الحجة ماتت أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية أم عائشة رضي الله عنهما في السنة السادسة من الهجرة ، وأخرج البخاري( ) من رواية مسروق عنها حديثاً وهو منقطع لأنه لم يدركها، أو قد أدركها فيكون تاريخ موتها هذا خطأ . والله أعلم.اهـ.( )
قال القاسم بن محمد: لما دليت أم رومان في برها قال النبي $:" من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان.
وقال أبو عمر: نزل النبي $ قبرها واستغفر لها.
وقال: اللهم لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك وفي رسولك  .
 فرضي الله عن المرأة الصالحة المجاهدة الصابرة أم رومان بنت عامر ، وأم الصديقة ، وعن زوجها ، رضي الله عنهم جميعاً .





مرضعات النبي 




حليمة السعدية
مرضعة النبي  






اسمها ونسبها رضي الله عنها
إنها مرضعة النبي  اسمها حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن رزام بن ناصرة ابن سعد بن بكر بن هوازن ، السعدية .
أم النبي  من الرضاعة . 
زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي ، وأولادها منه : عبد الله ، وأنيسة ، وخذامة  .
وحليمة السعدية هي أشهر مراضع العرب بسبب إرضاعها لرسول الله  ، وقد وصفت بأنها ذات الحظ الوافر .
وكانت حليمة السعدية أيضاً تحضن أيضاً أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وهو ابن عم رسول الله  ، وكان كذلك عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعاً في بني سعد بن بكر .
قصة رضاعة رسول الله 
كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله  التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء ، قالت : وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا ، قالت : فخرجت على أتان لي شارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع من صبينا من بكائه من الجوع ما في ثدي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغديه .    
قال ابن هشام : ويقال يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده ، فكنا نكرهه لذلك ، امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما أجمعنا الانطلاق ، قلت لصاحبي : والله إني لأكره أن ارجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه ، قال : لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة ، قالت : فذهبت إليه فأخذته وما حملني علي أخذه إلا أني لم أجد غيره .
قال الذهبي رحمه الله تعالى :
أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ، وأخذته معها إلى أرضها ، فأقام معها في بني سعد نحو أربع سنين ، ثم ردته إلى أمه .( )
نزول الخير والبركة على بيت حليمة السعدية
الخير الذي أصاب حليمة ، قالت : فلما أخذته رجعت به إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه يتحقق حتى روي ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبع فبتنا بخير ليلة قالت يقول صاحبي حين أصبحنا تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نمسة مباركة قالت فقلت والله إني لأرجو ذلك قالت ثم خرجنا وركبت أتاني وحملته عليها معي فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربيعي علينا أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها لشأنا ، قالت : ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم أسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا . 
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في قصة رضاعة النبي  من حليمة السعدية : وفيه من العلامات : كثرة اللبن في ثدييها ، ووجود اللبن في شارفها بعد الهزال الشديد ، وسرعة مشي حمارها ، وكثرة اللبن في شياهها بعد ذلك ، وخصب أرضها وسرعة نباته .اهـ .( )    
رجوع حليمة به إلى مكة أول مرة
قالت – حليمة - : فقدمنا به على أمه ونحن احرص شيء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته ، فكلمنا أمه رجاء لها لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة ، قالت فلم نزل بها حتى حديث الملكين اللذين شقا بطنه ، قال فجرعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا يتحقق يشتد فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب وعثمان فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه ، قالت : فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائم منتقعا وجهه ، قالت : فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا له : ما لك يا بني ، قال : جاءني رجلان عليهما ثياب ، فأضجعاني وشقا بطني فالتمسا شيئا لا أدري ما هو ، قالت : فرجعنا إلى خبائنا . 
حليمة ترد محمدا  إلى أمه
قالت : وقال لي أبوه : يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ، قال : فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت ما أقدمك به يا ظئر ، وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك ، قالت فقلت : فقد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته إليك كما تحبين قالت ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك ، قالت فلم تدعني حتى أخبرتها ، قالت : أفتخوفت عليه الشيطان .
قال : قلت نعم قال : والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره ، قالت : قلت بلى ، قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء قصور بصرى من أرض الشام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه وضوء رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقي راشدة  .( )   
وفاتها رضي الله عنها
توفيت حليمة السعدية بالمدينة المنورة بعد السنة الثامنة من الهجرة ، ودفنت بالبقيع .( ) رضي الله عنها وأرضاها .








  
أم أيمن
حاضنة
رسول الله 







اسمها ونسبها رضي الله عنها
حاضنة رسول الله  ، اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان ، وكان يقال لها الظباء ، وكنيتها : أم أيمن ، الحبشية .
كان النبي   قد ورثها من أبيه ، وزوّجها من زيد بن حارثة فولدت له أسامة .
إسلامها وهجرتها
أسلمت أم أيمن قديماً أول الإسلام ، هاجرت الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة ، تزوجها حبيب الرسول  ، وهو زيد بن حارثة ، وولدها الحب بن الحب ، إنها البطلة الشجاعة والمربية الفاضلة .
كان النبي  يقول لأم أيمن : "يا أمه" ، وكان إذا نظر إليها قال : "هذه بقية أهل بيتي" .( ) 
وكان يقول  : "أم أيمن أمي بعد أمي" .( )
البركة تنـزل على أم أيمن
ظلت بركة في بيت النبي  طائعة مطيعة ، فكانت تخدمه وترعاه ، وتقوم بشئونه ، فأنسته اليتم وفقد الأم ، إذ أنها كانت أماً له بعد أمه .
عن عثمان بن القاسم يقول : لما هاجرت أم أيـمن أمست بالمنصرف دون الروحاء ، فعطشت وليس معها ماء ، وهي صائمة ، وجهدت ، فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض ، فشربت وكانت تقول : ما أصابني بعد ذلك عطش ، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت .
أذهب الله عنها العطش طوال عمرها، وأذهب الله عنها الجوع طيلة حياتها.
النبي   يحب أم أيمن
كان النبي  يحب أم أيـمن رضي الله عنها حباً جماً ، فكان يناديها يا أمه.
شاركت مع رسول الله  الجهاد في غزوة خيبر رغم كبر سنها ، وكانت من ضمن عشرون امرأة خرجن مع رسول الله في هذه الغزوة . 
عطاء النبي  لأم أيمن
عن أنس  قال : "كان الرجل يجعل للنبي  النخلات ، حتى افتتح قريظة والنضير ، وإن أهلي أمروني أن آتي النبي  فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه ، وكان النبي  قد أعطاه أم أيمن  ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي كذا ، وتقول : كلا والله ، حتى أعطاها عشرة أمثاله" .( )
قوله : فجعلت الثوب في عنقي ... الحديث .
قال النووي رحمه الله تعالى : إنما فعلت هذا لأنها ظنت أنها كانت هبة مؤبدة وتمليكها لأصل الرقبة – أي رقبة النخل- وأراد النبي  استطابة قلبها في استرداد ذلك ، فما زال يزيدها في العوض حتى رضيت ، وكل هذا تبرع منه  ، وإكرام لها لما لها من حق الحضانة والتربية .( )
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : في الحديث مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة وفرط جود النبي  وكثرة حلمه وبره ، ومنـزلة أم أيمن عند النبي  .( )
زيد بن حارثة  يتزوج أم أيمن
عن سفيان بن عقبة قال : كانت أم أيـمن تُلطَّف النبي  وتقوم عليه ، فقال رسول الله  :" من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيـمن ".  فتزوجها زيد بن حارثه فولدت له أسامة بن زيد . ( )
قال المناوي : والمراد بالعموم في قوله من سره أن يتزوج إلخ ترغيب المؤمنين في أن يتزوّجها واحد منهم ، فإن مات عنها أو فارقها تزوّجها غيره ، وهكذا محبة فيها لكونها من أهل الجنة فإذا مات يكون معها في الجنة لأن المرء مع من أحب .( ) 
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول  بعث بعثاً ، وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن الناس في إمارته ، فقال رسول الله  فقال :" إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل ـ وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ . وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده ".( )
ما وقع بين رسول الله  وأم أيمن في صنع الرغيف .
أخرج ابن ماجة ، وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وغيرهما ، عن أم أيمن رضي الله عنها أنها غربلت دقيقاً فصنعته للنبي  رغيفاً ، فقال : ما هذا ، قالت : طعام نصنعه بأرضنا فأحببت أن أصنع لك منه رغيفاً ، فقال : رديه فيه ثم أعجنيه .( )
أبو بكر  يزور أم أيمن
    عن أنس  قال : قال أبو بكر  بعد وفاة رسول الله  لعمر : انطلق بنا إلى أم أيـمن نزورها كما كان رسول الله  يزورها ، فلما انتهينا إليها بكت ، فقالا لها : ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله  فقالت : ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله  ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء ، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها .( )
الفوائد من الحديث :
قال النووي رحمه الله تعالى 
فيه : زيارة  الصالحين وفضلها ، وزيارة الصالح لمن هو دونه ، وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره ولأهل ود صديقه ، وزيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها ، واستصحاب العالم والكبير صاحبا له في الزيارة والعيادة ونحوهما ، والبكاء حزنا على فراق الصالحين والأصحاب وإن كانوا قد انتقلوا إلى أفضل مما كانوا عليه والله أعلم.اهـ.( ) 
وفاتها رضي الله عنها
توفيت بعدما توفي النبي  بخمسة أشهر .( )
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :
توفيت رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله   بخمسة أشهر ، وقيل بستة أشهر . وقيل بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب ( )
فرضي الله عنك يا أم أيمن ، وعوضك خيراً في جناته جنات عدن .


صحابيات تخرجن من مدرسة النبوة




  
أم المنذر
بنت قيس






أم المنذر بنت قيس رضي الله عنها
سلمى  بنت قيس بن عمرو بن عبيد (أم المنذر) إحدى خالات النبي  .
وهي أخت سُليط بن قيس ، شهد بدراً والخندق ، والمشاهد كلها مع رسول الله  ، وهو أحد أبطال معركة الجسر الشهيرة مع أبي عبيدة حيث قُتل يوم الجسر سنة أربع عشرة من الهجرة ، ولم يكن له عقب .( ) 
وهي من النساء اللائي بايعن رسول الله  ، وكان لهذه البيعة قصة ترويها بنفسها فتقول : جئت رسول الله  فبايعته في نسوة من الأنصار ، فلما شرط علينا ألاَّ نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف قال :" ولا تغششن أزواجكن " قالت : فبايعناه ثم انصرفنا ، فقلت لامرأة منهن : ارجعي فسلي رسول الله  ما غش أزواجنا؟ قالت: فسألته، فقال:" تأخذ ماله فتحابي به ".( )
وهذه الصحابية الجليلة كانت تحظى بنفحات خاصة من النبي  فقد كان يخصها بالزيارة ، ويأكل عندها ، ويشير إلى طعامها ذو بركة ، وذو نفع ، وعنها قالت : دخل رسول الله  ومعه علي ناقه ، ولنا دوالي معلقة ، فقام رسول الله  يأكل منها ، وقام علي ليأكل ، فطفق رسول الله  يقول لعلي :" مَهْ إنك ناقه " حتى كفَّ علي . قالت : وصنعت شعيراً وسلقاً ، فجئت به فقال رسول الله  :"يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك ".( )
ومن مآثر أم المنذر رضي الله عنها أنها أعلنت بيعتها للمرة الثانية مع الرسول  ولذلك سميت مبايعة البيعتين وكانت هذه البيعة تحت الشجرة في بيعة الرضوان في السنة السادسة من الهجرة ، حينما احتجز المشركون بمكة عثمان  ، ودعا رسول الله  إلى البيعة التي أمر الله تعالى بها وسارعت أم المنذر في ثلة من الصحابيات يبايعن على الموت ، ونالت بذلك بشارة النبي  بالجنة عندما قال :" لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ".( )











أم حرام
بنت ملحان
شهيدة البحر






أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها
هي أم حرام بنت ملحان ، بن خالد ، بن زيد ، بن حرام ، بن جندب ، بن عامر ، بن غنم ، بن عدي ، بن النجار ، الأنصارية النجارية المدنية .
إنها شهيدة البحر ، أخت أم سليم ، وهي خالة أنس بن مالك  ، وأخت الشهيدين حرام وسليم ابني ملحان بن خالد ، شهدا بدراً وأحداً ، وقتلا شهيدين يوم بئر معونة . 
وحرام هو القائل عندما طعن من خلفه برمح : فزت ورب الكعبة .
وأخوها عمرو بن ملحان ، وهو الذي حمل كتاب رسول الله  إلى عامر بن الطفيل ، زعيم بني عامر ، فلما أتاه الكتاب لم ينظر فيه حتى عدى على حرام فقتله .
زوجها هو عبادة بن الصامت  ، وهو واحد ممن شهدوا العقبة مع السبعين من الأنصار ، وأحد النقباء الاثني عشر ، شهد المشاهد كلها مع رسول الله  وكان عقبياً بدرياً أنصارياً .
أسلمت وبايعت النبي  وهاجرت ، وروت عن رسول الله  .
كان رسول الله  يزورها ويكرمها .
عن أنس بن مالك  قال :كان رسول الله  يدخل على أمَّ حرام بنت ملحان فتُطعمه .( ) 
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى :  اتفق العلماء على أنها كانت محرما له  ، واختلفوا في كيفية ذلك .
فقال ابن عبد البر وغيره : كانت إحدى خالاته من الرضاعة ، وقال آخرون : بل كانت خالة لأبيه .( )
وكانت أمُّ حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله  فأطعمته وجعلت تَفْلي رأسه فنام رسول الله  ثم استيقظ وهو يضحك قالت : فقلت : وما يُضحكك يا رسول الله ؟ قال :" ناس من أمتي عُرضوا عليَّ غُزاه في سبيل الله يركبون ثَبَجَ هذا البحر ملوكاً على السرة أو مثل الملوك على السرة ". 
قالت : فقلتُ يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله  ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال :" ناس من أمتي عُرضوا عليَّ في سبيل الله " كما قال في الأول ، 
قالت : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ،
قال :" أنت من الأولين "، 
قال أنس بن مالك  :
فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت ، فلما جاز البحر ، ركبت دابة فصرعتها فقتلتها ، وكانت تلك الغزوة غزوة قبرس ، فدفنت فيها ، وكان أمير الجيش  معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان رضي الله عنهم جميعاً .( )
وكان ذلك في سنة سبع وعشرين  .( )
عن هشام بن الغاز قال : قبر أم حرام بنت ملحان بقبرص ، وهم يقولون : هذا قبر المرأة الصالحة .( )


















  
أم عطية
الأنصارية





أم عطية الأنصارية رضي الله عنها
أم عطية الأنصارية واحدة من فاضلات نساء الصحابة ، وواحدة ممن أثرين تاريخ النساء بأعمال طيبة في الجهاد والفقه ورواية الحديث .
اسمها هي : نسيبة بنت الحارث الأنصارية من كبار نساء الصحابة ، أسلمت مع السابقات من نساء الأنصار ، وفي ساحات الوغى وتحت ظلال السيوف كانت ، رضي الله عنها ، تسير في ركب الجيش الغازي ، وتروي ظمأ المجاهدين ، وتأسو جراحهم ، وترقأ دمهم ، وتعد طعامهم .
عن أم عطية رضي الله عنها قالت : غزوت مع النبي  سبع غزوات أخلفهم في رحالهم ، فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى .( )
وفي غزوة خيبر كانت أم عطية رضي الله عنها من بين عشرين امرأة خرجن مع رسول الله  يبتغين أجر الجهاد .( )
عن أم عطية رضي الله عنها قالت : لما ماتت زينب بنت رسول الله  قال :" أغسلنها وتراً ، ثلاثاً ، أو خمساً ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا غسلتنَّها فأعلمنني".( ) 
وقد كانت أم عطية رضي الله عنها فقيهة حافظة ، لها أربعون حديثاً ، منها في الصحيحين ستة .
وقد أخرج أحاديثها أصحاب السنن الأربع ، وروى عنها أنس بن مالك  من الصحابة ، وروى عنها من التابعين محمد بن سيرين ، وأخته حفصة بنت سيرين ، وأم شراحبيل ، وعلي بن الأقمر ، وعبد الملك بن عمير ، وإسماعيل بن عبد الرحمن .( )
وهي القائلة :" نهينا عن اتباع الجنازة ، ولم يعزم علينا " .( )
عن أم عطية رضي الله عنها قالت : أخذ علينا النبي  عند البيعة أن لا ننوح ، فما وفت منَّا امرأة خمس نسوة : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتين ، أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى .( )
قال ابن حجر : النسوة الخمس هن : أم سليم ، وأم العلاء ، وأم كلثوم ، وأم عمرو ، وهند - إن كانت الرواية محفوظه - وإلا فيختلج في خاطري  أن الخامسة هي أم عطية راوية الحديث .  
وفي الحديث : فضيلة ظاهرة للنسوة المذكورات .
قال عياض : معنى الحديث : لم يف ممن بايع النبي   مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه النسوة إلا المذكورات ، لا أنه لم يترك النياحة غير خمسة .اهـ .( )
وقال ابن حجر : النياحة حرام مطلقاً وهو مذهب العلماء كافة .( )
توفيت رضي الله عنها في البصرة ، بعد انتقالها لها في آخر عمرها ، واستفاد الناس من علمها وفقهها فكان جماعة من الصحابة والتابعين يأخذون عنها غسل الميت ، وعاشت إلى حدود السبعين . 














  
أم هانئ
رضي الله عنها






أم هانئ رضي الله عنها
هي : فاختة بنت أبي طالب ، بن عبد المطلب بن هاشم ، سيدة هاشمية فاضلة ، ابنة عم النبي  ، تكنى  بـ ( أم هانئ ) . 
قيل اسمها : فاختة ، وقيل : فاطمة ، وقيل : هند والأول أشهر .( )
أبوها: هو أبو طالب بن عبد المطلب.
وأمها: هي فاطمة بنت أسد. 
زوجها : هو هبيرة بن عمرو المخزومي القرشي ، وكان واحداً من أشراف بني المرموقين ، وأنجبت له أربعة بنين ، هم : 
عمرو ، وجعدة ، وهانئ، ويوسف.
أسلمت رضي الله عنها يوم فتح مكة العظيم، وفر زوجها بشركه بعد إسلامها إلى اليمن، فأقام في نجران شريداً طريداً، بلا زوج ولا ولد.
وكان شاعراً، وقد علَّق على إسلام زوجته أم هانئ بقوله:
وعاذلةٍ هبت بليل تلومني          وتعذلني بالليل ضل ضلالها
وتزعم أني إن أطعت عشيرتي      سأردى وهل يرديني إلا زوالها
وظل هبيرة مقيماً في نجران على كفره حتى أدركه الموت .



رسول الله  يخطب أم هانئ
كانت أم هانئ ترعى أولادها وتحافظ عليهم ، حيث أن رسول الله  خطبها ، فقالت له : يا رسول الله ، إني امرأة ذات صبيان ، وإني أخاف أن يؤذوك ، فترك رسول الله  ذلك الموضوع وصرف النظر عنه . 
عن أبي هريرة  قال : خطب النبيُّ  أمَّ هانئ بنت أبي طالب ، فقالت : يا رسول الله إني قد كبرتُ ولي عيال ، فقال رسول الله  :" خيرُ نساء ركبن الإبل ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يد".( )
قوله : "أحناه على ولد في صغره" هو رأفتها على ولدها وشفقتها عليه في تربيته وتركها الزواج بعد موت أبيه .
والحانية: هي التي تقيم على ولدها ولا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية.( )
وقوله : "وأرعاه على زوج في ذات يد" معناه : أحوطهن وأحفظهن لماله وحسن التدبير فيه والأمانة عليه .( )
قال الأبي : يحتمل والله أعلم أن خطبته كانت تطييباً لنفسها وإلا فكانت من الكبر بحيث لا يرغب فيها، ولا يبعد أنها فهمت ذلك لم ترد خطبته .( )

النبي  يزور أم هانئ
كان النبي  يزور أم هانئ في بيتها ويقيل عندها ويقبل مشورتها ولا يخالف رأيها.
تقول أم هانئ رضي الله عنها : ذهبت إلى رسول الله  يوم الفتح ، فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب ، فسلمت ، فقال : "من هذه ؟" قلت : أنا أم هانئ ، فقال : "مرحباً بأم هانئ" ، فلما فرغ من غسله ، قام فصلى ثمان ركعات ملتحفاً في ثوب واحد ، فقلت : يا رسول الله ، زعم إن أمي تعني علياً أنه قاتل رجلاً قد أجرته ، فلان ابن هبيرة ، فقال النبي  :" قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ "، وذلك ضحى . 
وفي يوم الفتح العظيم – فتح مكة – دخل رسول الله  بيت أم هانئ وسألها : "هل عندكم طعام نأكله" .
فقالت : ما عندي يارسول الله إلا شيءٌ من خَلٍّ ، فقال لها النبي  :  "قربيه فما أفقر بيت من أدم فيه خل"  .( ) ‌
وفي رواية : "ما أفقر من أدم بيت فيه خل"  .( ) ‌
بكت أم هانئ أخا الحبيب علي بن أبي طالب  ، بعد أن قتله المجرم الحاقد عبد الرحمن بن ملجم حين غدر به وضربه بسيفه .
أم هانئ وذكرها لله تعالى
قالت أم هانئ رضي الله عنها : مرّ بي النبي  ذات يوم فقلت : يا رسول الله ! إني قد كبرت وضعفت ، فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة ، قال : "سبحي الله مائة تسبيحة ، فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مائة تحميدة تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله ، وكبِّري الله مائة تكبيرة ، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة ، وهلِّلي الله مائة تهليلة" .( ) 
وفاتها
وحزنت أم هانئ على أخيها أشد الحزن ، وتراكمت عليها الأحزان ، ولم تستطع مقاومتها ، ففاضت روحها إلى بارئها رحمها الله ورضي عنها . 
قال الذهبي : عاشت أم هانئ إلى بعد سنة خمسين ، وتأخر موتها إلى بعد الخمسين .( )
وقال الترمذي وغيره : عاشت بعد علي بن أبي طالب  .( )
فرضي الله عنها وأرضاها ، وجعل مثواها الفردوس الأعلى .





أميمة
بنت صبيح
أم سيد الحفاظ






نسبها
هي : أميمة بنت صبيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنيَّة بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس . 
أم سيد الحفاظ الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي اليماني   
توفي والده وهو صغير وعاش يتيماً في كنف أمه أميمة والتي تعرف بأم أبي هريرة . 
قدم أبو هريرة  على النبي  مسلماً في المحرم من سنة سبع للهجرة ، ورفضت أمه أن تسلم ، وظلت على شركها ، وكان يدعوها إلى الإسلام فتأبى أن تسلم لله ولرسوله ، حتى جاء يوماً إلى رسول الله  يشتكي حال أمه وما هي عليه من الشرك ، وطمعاً بدعوة رسول الله  لها فأسلمت وقرت عينا أبي هريرة بإسلام أمه .
قال أبو هريرة :كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فاسمعتني في رسول الله   ما أكره فأتيت رسول الله   وأنا أبكي ، قلت : يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة ، فقال رسول الله   : "اللهم اهد أم أبي هريرة" ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله    ، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف ، فسمعت أمي خشف قدمي ، فقالت : مكانك يا أبا هريرة ، وسمعت خضخضة الماء ،قال : فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت : يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،قال : فرجعت إلى رسول الله    فأتيته وأنا أبكي من الفرح ، قال قلت : يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه ، وقال خيرا ، قال قلت : يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا ، قال فقال رسول الله   : "اللهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة وأمه - إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين" ، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني .( )
وعندها رضي الله عنها من الكرم والجود ما يجعلها مثالاً يحتذى به .
عن حميد بن مالك بن خثيم ، أنه قال : كنت جالسا مع أبى هريرة بأرضه بالعقيق ، فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب فنـزلوا ، قال حميد : فقال أبو هريرة : اذهب إلى أمي وقل لها إن ابنك يقرئك السلام ويقول أطعمينا شيئا ، قال : فوضعت ثلاثة أقراص من شعير وشيئا من زيت وملح في صحفة فوضعتها على رأسي فحملتها إليهم فلما وضعته بين أيديهم كبر أبو هريرة ، وقال : الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودان التمر والماء ، فلم يصب القوم من الطعام شيئا فلما انصرفوا ، قال : يا بن أخي أحسن إلى غنمك وامسح الرغام عنها وأطب مراحها وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة ، والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتى على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان .( )
وفاتها
لم نعلم سنة وفاتها غير أنها قبل ابنها ، ومعلوم أن أبا هريرة مات سنة        (59)هـ . 
فرضي الله عنها وأرضاها ، ورضي عن ابنها ، وجعل جنة الفردوس مأواهم 


















أسماء بنت
يزيد بن السكن
خطيبة النساء





هي : أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع ، بن امرئ القيس ، بن عبد الأشهل ، بن الحارث ، الأنصارية ، الأوسية الأشهلية .
هي من المبايعات وهي ابنه عمة معاذ بن جبل . 
كنيتها : أم عامر ، وأم سلمة .
محدثة فاضلة ، ومجاهدة جليلة من ذوات العقل والدين والخطابة حتى لقبوها بخطيبة النساء .
أسماء خطيبة النساء
روي عنها : أنها أتت النبي  ، فقالت : إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين ، كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي : إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك ، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت ومواضع شهوات الرجال وحاملات أولادهم ، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ، فالتفت رسول الله  بوجهه إلى أصحابه ، فقال: "هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه" ، فقالوا: بلى والله يا رسول الله ، فقال رسول الله  : "انصرفي يا أسماء وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل( ) إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال" ، فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قال لها رسول الله  . .( )  
قال ابن حجر في الفتح : كان يقال لأسماء بنت يزيد خطيبة النساء .( )
هي واحدة من النسوة الطاهرات اللاتي ضربن أروع الأمثلة في الإيمان والعلم والصبر .
أسلمت في السابقين من الأنصار على يد مصعب بن عمير ، وكانت أسماء بنت يزيد من النساء اللاتي يسألن رسول الله  عن أمور دينهن ـ لتصل إلى طريق الصواب ، وتسلك جانب الخير ، ولذلك وصفت بأنها كانت من ذوات العقل والدين .
وهي بنت عمة معاذ بن جبل الصحابي الجليل  . ويلتقي نسبها بنسب سعد بن معاذ  في جدهما امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل .
وفدت على النبي  في السنة الأولى من الهجرة ، وبايعته على الإسلام ، وكان رسول الله  يبايع النساء بالآية الواردة في سورة الممتحنة وهي قوله :يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .( )  ورأى النبي  في يد أسماء بنت يزيد سوارين كبيرين من ذهب ، فقال لها النبي  : "ألقي السوارين يا أسماء ، أما تخافين أن يسورك الله بأساور من نار؟" .فما كان منها إلا أن سارعت وبدون تردد لتنفيذ أمر رسول الله  فنـزعتهما وألقتهما أمامه .  
روت أسماء بنت يزيد قالت : مرَّ بي النبي  وأنا في جوار أتراب لي ، فسلَّم علينا وقال :" إياكن وكفر المنعمين " ، تقول : وكنت من أجرئهن على مسألته ، فقلتُ : يا رسول الله ، وما كفران المنعمين ؟
قال :" لعل إحداكن تطول أيـمتها بين أبويها ، ثم يرزقها الله زوجاً ، ويرزقها منه ولداً ، فتغضب فتكفر فتقول : ما رأيت منك خيراً قط ".( )
ولأسماء رضي الله عنها مكانة خاصة في نفس أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فهي التي زينتها يوم زفافها على رسول الله  وأدخلتها عليه ، وأصبحت بعد ذلك تدعى أسماء عائشة أو أسماء مقينة عائشة .( )
أسماء المجاهدة
ولم تتوقف أسماء عن الجهاد ، فما إن أقبلت السنة الثالثة عشرة من الهجرة حتى خرجت إلى بلاد الشام لتأخذ مكانها في جيش المسلمين في اليرموك لتسقي العطشى وتضمد الجرحى ، ولم يكن عملها مقتصراً على ذلك ، بل انغمرت في الصفوف ، وقتلت يومئذٍ تسعة من الروم بعمود فسطاطها ، وعاشت بعد ذلك دهراً إلى أن توفيت في زمن يزيد بن معاوية .( )
قال عبد بن حميد أم سلمة الأنصارية هي أسماء بنت يزيد بن الموطأ شهدت اليرموك ، وقتلت يومئذ تسعة من الروم بعمود فسطاطها  - عمود خيمتها – ليلة عرسها  وعاشت بعد ذلك دهرا . ( ). 
وقال الذهبي : أسماء بنت يزيد بن الموطأ بن رافع بن امرئ آلاف الأشهلية الأنصارية خطيبة  النساء انفرد بها البخاري بحديثين شهدت اليرموك وقتلت يومئذ تسعة بعمود خبائها تكنى أم سلمة ويقال أم عامر روى عنها مجاهد وغيره .( )  
وقصة قتل أسماء للروم ، أخرجها الطبراني عن مهاجر ، فقال : أن أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل رضي الله عنهما قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم  بعمود فسطاط.( ) 
روى عنها : محمود بن محمد ، وشهر بن حوشب ، وإسحاق بن راشد وغيرهم .( )
توفيت أسماء في السنة الثلاثين من الهجرة . 
فرضي الله عنها ورحمها وأجزل لها المثوبة ، ورزق الله المؤمنين الاقتداء بها وبأمثالها . آمين .
قال ابن حجر : عن أبي داود بسند حسن عنها قالت سمعت رسول الله   يقول لا تقتلن أولادكن سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه روى عنه بن أخيها محمود بن عمرو الأنصاري ومهاجر بن أبي مسلم مولاها وشهر بن حوشب ، قال بن الموطأ : هو أروى الناس عنها وبعض أحاديثها ثم أحمد وابن سعد أنها بايعت النبي   في نسوة وفيه إني لا أصافح النساء ، وقال الترمذي بعد أن أخرج من طريق يزيد بن عبد الله الشيباني سمعت شهر بن حوشب يقول حدثتنا أم سلمة الأنصارية قالت : قالت امرأة من النسوة تعني اللاتي بايعن النبي   : ما هذا العذر الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه قال : "لا".( ) 













الربيع
بنت معوّذ
بايعت تحت الشجرة






الربيع بنت معوّذ ، بن الحارث ، بن رفاعة ، بن الحارث ، بن سواد ، بن مالك ، ابن غنم ، بن مالك ، الأنصارية النجارية ، وأمها أم يزيد بنت قيس ، بن زعواء ، بن حرام ، ابن جندب ، بن عامر ، بن غنم ، بن عدي ، بن النجار .
أبوها معوِّذ من كبار أهل بدر .
وزوجها هو الصحابي الجليل إياس بن بكير الليثي ، وهو أحد كبار المهاجرين .
ولها رضي الله عنها مناقب جمة ، منها زيارة رسول الله  لها في يوم عرسها. 
قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها : دخل علي النبي    في يوم عرسي، فقعد على  موضع فراشي كمجلسك مني ، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر ، حتى قالت جارية: وفينا  نبي يعلم ما في غد .
فقال النبي   : "لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين" .( ) 
إنكار النبي  لهذه الجارية لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، وليس لأحد من المخلوقين يعلم الغيب، قال الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً .( ) ولها رضي الله عنها مواقف شجاعة تدل على اعتصامها بحبل الله تعالى وحبها للإسلام وأهله ، ولا تخاف في الله لومة لائم ، ولا تخشى أي أحد يخالف شرع الله تعالى .
عن الربيع قالت : أخذت طيبا من أسماء بنت مخربة أم أبي جهل ، فقالت : اكتبي لي عليك ، فقلت : نعم أكتب على ربيع بنت معوذ ، فقالت : حلقى وإنك لابنة قاتل سيده ، قلت : بل ابنة قاتل عبده ، قالت والله لا أبيعك شيئا أبدا .  
والربيع هي والدة محمد بن إياس بن البكير .( )  
وكان عدد من الصحابة والتابعين يأتونها فيسألونها عما تعرفه من أحكام ، ومن مرويات .
عن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل النبي   غداة   عاشوراء  إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ، ومن أصبح صائما فليصم .
قالت : فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العِهْن – الصوف - فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار" .( )


إكرامه عليه السلام للربيع بنت معوذ ولأم سنبلة 

وأخرج الطبراني عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنهما قالت بعثني معوذ بن عفراء بصاع من رطب عليه أجر من قثاء زغب إلى رسول الله  ، وكان النبي  يحب القثاء وكانت حلية قد قدمت من البحرين فملأ يده منها فأعطانيها وفي رواية فأعطاني ملء كفي حلياً أو ذهباً ، ورواه أحمد بنحوه وزاد ، فقال : تحلي بهذا ،  
قال الهيثمي : وإسنادهما حسن ،  
وأخرجه الترمذي عن الربيع مختصراً 
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سنبلة رضي الله عنها أنها أتت النبي  بهدية فأبى أزواجه أن يقبلنها فقلن إنا لن نأخذ فأمرهن النبي  فأخذنها ثم أقطعها وادياً فاشتراه عبد الله بن جحش من حسن بن علي رضي الله عنهم 
قال الهيثمي وفيه عمرو بن قيظي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات 
وقد تقدمت قص سخائه  في إنفاق الأموال .( )
توفيت رضي الله عنها في أيام معاوية  سنة 45 هـ . 
توفيت رضي الله عنها وأرضاها في خلافة عبد الملك بن مروان ، سنة بضع وسبعين . 



خولة بنت ثعلبة
المرأة التي سمع الله شكواها
من فوق سبع سماوات










خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها
هي خولة بنت ثعلبة ، بن أصرم ، بن فهر ، بن ثعلبة ، بن غنم ، بن عوف.
وهي من الفصحاء والبلغاء .
زوجها أوس بن الصامت ، بن قيس ، أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنهما ، أنجبت منه الربيع .
وهي التي جاءت إلى رسول الله   تشتكي زوجها وتجادله فيه ، بعد أن قال لها زوجها أوس بن الصامت عندما غضب منها : أنت علي كظهر أمي ، ثم عاد لها مرة أخرى يريدها عن نفسها فأبت ، وقالت كلا والذي نفس خولة بيده ، لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه . 
فجلست بين يدي رسول الله  فذكرت له ما لقيت من زوجها ، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر ، ورسول الله  يقول : "ما أمرنا في أمرك بشيء ، ما أعلمك قد حرمت عليه" ، وهي لشدة إيمانها تعيد الكلام على رسول الله  وتبين له ما قد يصيبها وابنها إذا افترقت عن زوجها ، وفي كل مرة يقول لها رسول الله  : "ما أعلمك قد حرمت عليه" . 
ثم رفعت يديها إلى السماء وقالت : اللهم إني أشكو إليك ما نزل بي .
وما كادت أن تفرغ من دعائها حتى نزل جبريل عليه السلام على رسول الله  وتغشاه الوحي ، ثم سري عنه ، فقال رسول الله  : "يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآناً ثم قرأ عليها : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ .( )   قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمعُ كلامَ خولة بنت ثَعلبة ويخفى على بعضُهُ وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله  وهي تقول : يا رسول الله أكَلَ شبابي ونـثرتُ له بطني حتى إذا كَبُرتْ سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك فما برحتْ حتى نزل جبريلُ بهؤلاء الآيات : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه .( )













درة
بنت عم النبي 








درة بنت عم النبي  ورضي الله عنها
الصحابية الهاشمية درَّة بنت أبي لهب ، وأمها أم جميل بنت حرب بن أمية اللذان بشرهما القرآن الكريم بالنار .
كان إسلامها وفرارها من أبيها وأمها إلى الله ورسوله مثاراً للإعجاب والعجب ، كانا أبويها يتعاونون على إلحاق الضرر برسول الله  ، وإيذائه بكل وسيلة ، فأبو لهب يمشي وراء النبي  ويحذر الناس منه ، وعندما يسمع الناس كلامه يقولون إذا كان هذا رأي عمه فيه ، فما يضرنا أن نجافيه ، ويتأذى رسول الله  لذلك ، ويزداد هماً وغماً .
وأما أمها أم جميل – حمالة الحطب – وهي امرأة أبي لهب ، فكلها مُلئت شراً وحقداً على رسول الله  حتى كان من كرهها له أن تضع الحسك والشوك في طريقه  ، ناسية أن الله هو كافيه وناصره ، وهو قادر على أن يمنع الأذى عنه .
وكان عتيبة – وهو أخوها – يحاول أذية رسول الله  بكل الوسائل ، بعد أن طلق أم كلثوم ، حيث ذهب إلى رسول الله  وسطا عليه وشق قميصه أمام الملأ من قريش ، وأبو طالب حاضر ، فقال النبي  : "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك" . فوجم لها وقال ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره وحزنت درة لما صنع عتيبة أخوها برسول الله  ، وأيقنت أنه لن يفلت من العقاب . ولم يلبث أبو لهب أن خرجوا إلى الشام فنـزلوا منـزلا فأشرف عليهم راهب من الدير ، فقال لهم : إن هذه أرض مسبعة ، فقال أبو لهب لأصحابه : أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني من دعوة محمد ، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتبة ، فجاء الأسد يتشمَّمُ وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله . نعم وثب عليه فإذا هو فوقه فمزقه وقد كان أبوه ندبه وبكى ، وقال : ما قال محمد شيئا قط إلا كان. ( )
وعندما نزلت سورة المسد : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ  .( ) جن جنون أبي لهب وامرأته أم جميل ، فقالت لزوجها : إذاً ابن أخيك شاعر وقد هجاني ، وأنا أيضاً شاعرة وسأهجوه . 
عن أسماء بنت بكر رضي الله تعالى عنهما ، قالت : لما نزلت سورة تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر ، وهي تقول :  
مـذمـماً  عـصـيـنـا           وأمره أبـيـنـا 
وديـنـه قلـيـنـا .
قلينا : أي أبغضنا .
والنبي  قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه فلما رآها أبو بكر ، قال يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ، قال رسول الله  : "إنها لن تراني" ، - وفي رواية : قال : "لا ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت" - وقرأ قرآنا فاعتصم به ، كما قال وقرأ : وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً .( ) فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تر رسول الله  ، فقالت : يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني ، فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك ، قال : فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها .( ) 
ومع كل ذلك تحدت درة رضي الله عنها أسرتها وبيئتها من أجل الإسلام ، وأعلنت كلمة التوحيد ، وأسلمت وحسن إسلامها وكانت من المهاجرات إلى المدينة .

وبعد أن دخلت درة رضي الله عنها رحاب الإسلام تقدم لخطبتها الصحابي الجليل دحية الكلبي وتم الزواج الميمون .
وكانت درة قد تزوجت في الجاهلية من الحارث بن نوفل بن عبد المطلب وقد أنجت له عقبة والوليد وأبا مسلم ، وقتل عنها الحارث مشركاً في يوم بدر ، هذا اليوم الذي نصر الله فيه الإسلام وأذل فيه الكفر . 
أبدلها الله تعالى بالصحابي الجليل دحية ، وهو من أجمل الناس طلعة ، وكان جبريل عليه السلام يأتي بصورته ، فأي شرف أصابت درة بعد أن أسلمت .
وقويت علاقتها بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، وأخذت تكثر الدخول عليها لتأخذ منها العلم والفقه في دينها .
توفيت رضي الله عنها في سنة عشرين  للهجرة في خلافة عمر بن الخطاب  .  












سمية بنت خباط
أول شهيدة
في الإسلام






هي : سمية بنت خُبّاط ، وقيل : ضباط ، أم عمار بن ياسر ، من كبار الصحابيات ، وهي أول امرأة ظهرت إسلامها ، وكانت سابعة سبعة في الإسلام .
زوجها : هو ياسر بن عامر الذي قدم مكة هو وأخوه الحارث ومالك من اليمن يطلبون أخاً لهم ، فرجع أخواه ، وأقام ياسر ، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكانت سمية أمة لأبي حذيفة وزوجها ياسر بن عامر ، فولدت له عماراً ، فأعتقه أبو حذيفة ثم مات أبو حذيفة ، فلما جاء الله بالإسلام أسلم عمار وأبواه وأخوه عبدالله.( ) 
ابنها عمار صحابي جليل ، وهو أول من بنى مسجدا يصلى فيه .  
قال عنه رسول الله  : "ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا اختار الأرشد منهما" .( ) ‌
قال المناوي في فيض القدير : في الحديث منقبة عظيمة لعمار بن ياسر الصحابي الجليل رضي الله عنه ، و أنه موفق لاختيار الأرشد من الأمور . 
قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء : 
هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس الإمام الكبير أبو اليقظان العنسي المكي مولى بني مخزوم أحد السابقين الأولين والأعيان البدريين وأمه هي سمية مولاة بني مخزوم من كبار الصحابيات أيضا . 
وروى عمرو بن مرة عن عبد الله بن سملة قال : رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم طوالا وإن الحربة في يده لترعد ، فقال :
والذي نفسي بيده لقد قاتلت بها مع رسول الله  ثلاث مرات وهذه الرابعة ولو قاتلونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أننا على الحق وأنهم على الباطل .    
  وعن عمر بن الحكم قال : كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول وكذا صهيب ، وفيهم نزلت : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .( )
  وعن الحسن بن صالح عن أبي ربيعة عن الحسن عن أنس مرفوعا قال : " ثلاثة تشتاق إليهم الجنة علي وسلمان وعمار " .( )   
  وعن أبي إسحاق عن هانىء بن هانئ عن علي قال : 
"استأذن عمار على النبي ، فقال: من هذا؟ قال عمار قال: " مرحبا بالطيب المطيب " .( )
وعن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا  "  قاتل عمار وسالبه في النار  "     
  قال ابن أبي خالد عن قيس أو غيره قال عمار : "ادفنوني في ثيابي فإني رجل مخاصم  "   
وعن عاصم بن ضمرة :  أن عليا  صلى على عمار  ولم يغسله .    
  قال أبو عاصم عاش عمار ثلاثا وتسعين سنة وكان لا يركب على سرج ويركب راحلته    
يحيى بن سعيد عن عمه قال : 
" لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار إذا رجل قد برز بين الصفين جسيم على فرس جسيم ضخم على ضخم ينادي يا عباد الله بصوت موجع روحوا إلى الجنة ثلاث مرار الجنة تحت ظلال الاسل فثار الناس فإذا هو عمار فلم يلبث أن قتل " .   
عن أبي قتادة ‌ قال : قال رسول الله  : "بؤسا لك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية" .( ) ‌
سمية بنت خُبّاط أول شهيدة في الإسلام .
مع كبر سنها وضعفها ، كانت ممن يعذب في الله عز وجل أشد العذاب ، ويؤذي في الله جل ثناؤه ، أشد الإيذاء ، فما ضعفت وما وهنت وما استكانت ، وكانت من الصابرات ، أجبروها على الكفر فأبت ، وأجبروها على سب الرسول  فرفضت ، فساموها أشد العذاب ، وهي العجوز الكبيرة الضعيفة فما صدها هذا عن دين الله .
وكان رسول الله  مر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فقال : " صبراً آل ياسر موعدكم الجنة ".( )
قال ابن حجر : أخرج ابن سعد بسندٍ صحيح ، عن مجاهد ، قال : 
أول شهيدة في الإسلام : سمية والدة عمار بن ياسر ، وكانت عجوزاً كبيرة ضعيفة اهـ .( )
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : سمية بنت خباط رضي الله عنها مولاة أبي حذيفة بن المغيرة ، وهي أم عمار بن ياسر ، أسلمت بمكة قديما ، وكانت ممن يعذب في الله عز وجل لترجع عن دينها فلم تفعل ، فمر بها يوما أبو جهل فطعنها في قبلها فماتت ، وكانت عجوزا كبيرة فهي أول شهيدة في الإسلام رحمها الله .( )  
ولا جرم أن صبرها وبذلها نفسها ومالها وولدها وزوجها لله تعالى يستحق أن يقال : إنها من أهل الجنة ، وقد كان دخولها الجنة على يد إمام الكفر أبي جهل حيث طعنها في قبلها بحربة بيده فقتلها ، فوصلت إلى الجنة بإذن الله، وكان ذلك في السنة السابعة قبل الهجرة .







  
نسيبة بنت كعب
الأنصارية




نسيبة بنت كعب الأنصارية رضي الله عنها
نسبها
هي : نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول .
 أمها : الرباب بنت عبد الله بن حبيب بن زيد بن ثعلبة بن زيد ، .... بن جشم بن الخزرج .
أول مقاتلة في الإسلام ورافقت النبي  في الجنة .
زوجها زيد بن عاصم بن كعب ، والد حبيب الذي قتله مسيلمة الكذاب ، وتزوجت بعد زيد بن عاصم غزية بن عمرو بن عطية ، بن خناس المازني ، وهو ممن شهد العقبة وأحدا .
أولادها من غزية بن عمرو : تميم وخولة .( )
شهدت ليلة العقبة ، وشهدت أحداً ، والحديبية ، ويوم حنين ، ويوم اليمامة ، وجاهدت وقطعت يدها في الجهاد .
جرحت أم عمارة بأحد اثني عشر جرحاً .
وجرحت يوم اليمامة أحد عشر جرحاً سوى قطع يدها .
وأخوها عبد الله بن كعب المازني من البدرين .
وأخوها عبد الرحمن من البكائين .
عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه عن أمه قال : شهدت أحداً مع رسول الله e فلما تفرق الناس عنه دنوت أنا وأمي نذب عنه ، فقال :" ابن أم عمارة "؟ قلت: نعم قال :" ارم" ، فرميت بين يديه رجلاً من المشركين بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس ، فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه ، وجعلت أعلوه بالحجارة حتى نضدت عليه منها وقراً ، والنبي e ينظر يبتسم ونظر جرح أمي على عاتقها .
فقال :" أمك أمك ، أعصب جرحها : بارك الله عليكم من أهل بيت ، مقام أمك خير من مقام فلان ، وفلان ، رحمكم الله أهل البيت ، ومقام ربيبك خير من مقام فلان وفلان ، رحمكم الله أهل البيت ".
قالت:ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال:" اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة".
فقالت : ما أبالي ما أصابني من الدنيا .( )
ربيبك : زوج أمك .

روت عن النبي e عدة أحاديث .
 روى عنها : الحارث بن عبد الله بن كعب ، وابن ابنها عباد بن تميم ، وكريب مولى ابن عباس .
روى لها الأربعة .( )
وفاتها
قال الزركلي : كانت وفاتها نحو سنة ثلاث عشرة من الهجرة .( )  




أسماء
بنت أبي بكر 
ذات النطاقين






نسبها
هي : أسماء بنت أبي بكر الصديق خليفة رسول الله  .
تكنى أم عبد الله . وهي أكبر سناً من عائشة بـبضع عشرة سنة . 
أبوها صحابي ، وهو أبو بكر الصديق  ، عبد الله بن أبي قحافة ، وجدها صحابي ، وهو أبو عتيق ، وأخوها صحابي ، وهو عبد الرحمن ، وأختها صحابية وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وزوجها صحابي وهو الزبير بن العوام حواري رسول الله  ، وابنها صحابي وهو عبد الله بن الزبير   .
   نشأت في بيت وثيق الصلة برسول الله  ، وهو بيت أبي بكر الصديق ، وتربت على الإيمان والتضحية في سبيل الله مما ساهم في تكوين شخصيتها العظيمة . وقد اتصفت أسماء بالصبر وكثرة الصلاة في الليل والصيام ، وقد تعرضت أسماء لما تعرض له بقية المسلمين من أذى واضطهاد المشركين ، وسلمت أسماء بمكة في بداية الدعوة الإسلامية .
أسماء ذات النطاقين
عن عروة ووهب بن كيسان قالا : كان أهلُ الشام يعيرون ابن الزبيـر يقولون : يابن ذات النطاقين فقالت له أسماء : إنهم يُعَّيرونك بالنطاقين وهل تدري ما كان النطاقان إنما كان نطاقي شَقَقْتُهُ نصفين فأوكيت قربة رسول الله  بأحَدِهِما وجهلتُ في سُقْرتِهِ آخر قال : فكان أهلُ الشام إذا عيرَّوه بالنطاقين يقول : إيهاً والإله تلك شكاة ظاهر عنك عارُها .( )
زواجها من الزبير
تقول أسماء رضي الله عنها : تزوجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه ، قالت : فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنـته وأسوسه وأدق النوى الناضجة وأعلفه وأسقيه الماء وأخرز غربه وأعجن ولم أكن أحسن الخبز ، فكان يخبز جارات لي من الأنصار ، وكن نسوة صدق .
قالت : وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي على ثلثي فرسخ . قال : فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله  ومعه نفر من أصحابه فدعا لي ثم قال : إخ إخ .ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته.
قالت : وكان من أغير الناس ، قالت : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب معه فاستحييت وعرفت غيرتك . فقال الزبير رضي الله عنها : والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت : حتى أرسل إلى أبو بكر بعد ذلك بخادمة فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني .( )
عن أسماء رضي الله عنها قالت : صنعت سفرة النبي  في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة ، قالت : فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به ، فقلت لأبي بكر : والله ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي ، قال : فشقيه باثنين فاربطي بواحد السقاء ، وبالآخر السفرة . ففعلت فلذلك سميت ذات النطاقين .( )
قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث : والنطاق بكسر النون ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة .( )
عن أسماء بنت أبي بكر : خرجت حين هاجرت ، وهي حبلى بعبد الله بن الزبير ، فقدمت قباء فنفست بعبد الله بقباء ، ثم خرجت حين نفست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُحنَّكه ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فوضعه في حجره ، ثم دعا بتمرة ، قال الراوي عنها : قالت عائشة . فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها ، فمضغها ، ثم بصقها في فيه ، فإن أول شيء دخل في بطنه لريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت أسماء : ثم مسحه وصلى عليه ، أي ودعا له ، وسماه عبد الله ، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليـبايع رسول الله  وأمره بذلك الزبير ،فتبسم رسول الله  حين رآه مقبلاً .( )
عن أسماء رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال :" نعم صلي أمك ".( )
قال ابن حجر عند شرح الحديث راغبة: والمعنى أنها قدمت طالبة في بر ابنـتها لها ، خائفة من ردها إياها خائبة ؛ هكذا فسره الجمهور . فتح الباري .
وقال أيضاً : قال أبو موسى : ليس في شيء من الروايات ذكر إسلامها ، وقولها راغبة ليست تريد في الإسلام ، بل في الصلة ، ولو كانت مسلمة لما احتاجت أسماء أن تستأذن في صلتها ، إلا أن تكون أسلمت بعد ذلك . قلت : إن كانت عاشت إلى الفتح فالظاهر أنها أسلمت .( )
عن أبي نوفل : رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال : فجعلت قريش تمر عليه ، حتى مر عليه عبد الله بن عمر ، فوقف عليه فقال : السلام عليك أبا خبيب ، السلام عليك أبا خبيب ، السلام عليك أبا خبيب ، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ، أما والله لقد كنت لقد كنت أنهاك عن هذا ، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ، أما والله إن كنت ما علمت صواماً قواما ً ، وصولاً للرحم ، أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير ، ثم نفذ عبد الله بن عمر ، فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله ، فأرسل إليه ، فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود ، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر ، فأبت أن تأتيه ، فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك ، قال : فأبت ، وقالت : والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني . قال : فقال : أروني سبتي ، فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف ، حتى دخل عليها فقال : كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ، بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين ، أنا والله ذات النطاقين ، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله  وطعام أبي بكر من الدواب ، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه ، أما إن رسول الله  حدثنا : أن في ثقيف كذاباً ومبيراً ، فأما الكذاب فرأيناه ، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه . قال : فقام عنها ولم يراجعها .( )
أبو خبيب : كنية عبد الله بن عمر ، وله كنى أخرى .
ثم نفذ : أي انصرف .
يسحبك بقرونك : أي يجرك بضفائر شعرك .
سبتي : هي النعل التي لا شعر عليها .
يتوذف : يسرع .
إخالك : أظنك .
المبير : المهلك .
قال النووي : وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة . وفيه منقبة لابن عمر لقوله بالحق في الملأ ، وعدم اكتراثه بالحجاج ؛ لأنه يعلم أنه يـبلغه مقامه عليه ، وقوله وثناؤه عليه ، فلم يمنعه ذلك أن يقول أن يقول الحق ، يشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير ، وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله : إنه عدو الله ، وظالم ، ونحوه ، فأراد ابن عمر براءة ابن الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج ، وأعلم الناس بمحاسنه ، وأنه ضد ما قاله الحجاج . ومذهب أهل الحق . 
أن ابن الزبير كان مظلوماً ، وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه ... واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد ، وبالمبير الحجاج بن يوسف. والله أعلم .( )
وظلت أسماء راعية لأولادها مطيعة لزوجها بارة بأمها مع شركها ، فعن ابن الزبير قال : نزلت هذه الآية في أسماء ، وكانت أمها يقال لها : قتيلة ، جاءتها بهدايا ، فلم تقبلها ، حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت : لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .( )
طلاقها : طلقها الزبير لاحقاً في المدينة ، فعاشت مع ابنها عبد الله بن الزبير إلى أن قتله الحجاج .
قال ابن الجوزي : وأما أسماء ، فتزوجها الزبير ، فولدت له عدة ، ثم طلقها ، فكانت مع ابنها عبد الله ، إلى أن قتل ، وعاشت مائة سنة .( )
   عن أسماء رضي الله عنها عن النبي  قال :" إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم ، وسيؤخذ ناس من دوني ، فأقول يا رب مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ".( )
وهي التي كنت تفتي في أدق المسائل الفقهية . 
قال مسلم القري : دخلنا على أم ابن  الزبير ، فإذا امرأة ضخمة عمياء نسألها عن متعة الحج ، فقالت : قد رخص رسول الله $ فيها ".( )
وعن عكرمة قال : سئلت أسماء بنت أبي بكر هل كان أحد من السلف يغشي عليه من الخوف ؟ قالت : لا ولكنهم كانوا يبكون . وكانت أسماء معبرة للرؤيا . 
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت : سألت امرأة رسول الله  فقالت : يا رسول الله ، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع ؟ فقال رسول الله $ :" إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة ، فلتقرصه ، ثم لتـنضحه بماء ، ثم لتصلي فيه ".( )
قال ابن حجر: وفيه من الفوائد ما في الذي قبله ، وجواز سؤال المرأة عما يستحي من ذكره ، والإفصاح بذكر ما يستقدر للضرورة ، وأن دم الحيض كغيره من الدماء في وجوب غسله . وفيه استحباب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها ( ).
عن ابن جريج قال : حدثني عبد الله مولى أسماء ، عن أسماء : أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة ، فقامت تصلي ، فصلت ساعة ، ثم قالت : يا بني ، هل غاب القمر ؟ قلت : لا . فصلت ساعة ثم قالت : يا بني ، هل غاب القمر ؟ قلت : نعم : فارتحلوا ، فارتحلنا ، ومضينا حتى رمت الجمرة ، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها ، فقلت لها : يا هنـتاه ، ما أرانا إلا قد غلسنا . قالت : يا بني ، إن رسول الله  أذن للظعن .( )
يا هنـتاه : يا هذه .
غلسنا : جئنا في الغلس .
الظعن : النساء .
وعن أسماء رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله : مالي مالٌ إلاَّ ما أدخل عليَّ الزُبـير ؟.
قال :" تصدقي ولا تُوعي فيُوعى عليكِ ".( )
قال النووي ـ رحمه الله ـ : معناه الحث على النفقة في الطاعة ، والنهي عن الإمساك والبخل .
وعرفت أسماء رضي الله عنها بالجود والبذل والإنفاق على الفقراء والمساكين ، وكان لها في ذلك منهج خاص .
قال الواقدي كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر وأخذت عن أبيها .( )     
قال ابن كثير : بلغت من العمر مائة سنة ، ولم يسقط لها سن ، ولم ينكر لها عقل رحمها الله .( )
"جوع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما"
أخرج الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت كنت مرة في أرض أقطعها النبي $ لأبي سلمة والزبير في أرض بني النضير 
فخرج الزبير مع رسول الله $ ولنا جار من اليهود فذبح شاة فطبخت فوجدت ريحها فدخلني ما لم يدخلني من شيء قط وأنا حامل بابنتي خديجة فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأة اليهودي أقتبس منها نارا لعلها تطعمني وما بي من حاجة إلى النار فلما شممت الريح ورأيته ازددت شرها فأطفأته ثم جئت ثانيا أقتبس ثم ثالثة ثم قعدت أبكي وأدعو الله فجاء زوج اليهودية فقال أدخل عليكم أحد قالت العربية تقتبس نارا قال فلا آكل منها أبدا أو ترسلي إليها منها فأرسل إلي بقدحة يعني غرفة فلم يكن شيء في الأرض أعجب إلي من تلك الأكلة . كذا في الإصابة .( )
عُمرت أسماء رضي الله عنها زمناً طويلاً حتى بلغت مائة عام وزيادة ، ولم يسقط لها سن ، ولم ينكر لها عقل ،وكف الله بصرها بعد ما بلغت من الكبر عتياً . 
عن شعيب بن طلحة عن أبيه ، قالت أسماء لابنها : يا بني عش كريما ومت كريما لا يأخذك القوم أسيرا .( )
قال عروة دخلت أنا وأخي قبل أن يقتل على أمنا بعشر ليال وهي وجعة فقال عبد الله كيف تجدينك قالت وجعة قال إن في الموت لعافية قالت لعلك تشتهي موتي فلا تفعل وضحكت وقالت والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك أما أن تقتل فأحتسبك وإما أن تظفر فتقر عيني إياك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت      
قال وإنما عنى أخي أن يقتل فيحزنها ذلك ، وكانت بنت مئة سنة .( ) 
ولما قتل الحجاج ابن الزبير دخل على أسماء وقال لها : يا أمه إن أمير المؤمنين وصاني بك فهل لك من حاجة ، قالت : لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية وما لي من حاجة ولكن أحدثك سمعت رسول الله  يقول      : "يخرج في ثفيف كذاب ومبير" ، فأما الكذاب فقد رأيناه ، تعني المختار ، وأما المبير فأنت ، فقال لها مبير المنافقين. ( )       
وعن يحيى بن يعلى التيمي ، عن أبيه قال : دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث وهو مصلوب ، فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء ، فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينـزل ، فقال المنافق ، قالت : والله ما كان منافقا كان صواما قواما برا ، قال : انصرفي يا عجوز فقد خرفت ، قالت : لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله  ، يقول : "في ثقيف كذاب ومبير". الحديث .( )    
وقيل لابن عمر إن أسماء في ناحية المسجد ، وذلك حين صلب ابن الزبير فمال إليها ، فقال : إن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري .
فقالت : وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .     
وعن ابن أبي مليكة قال : دخلت على أسماء بعد ما أصيب ابن الزبير ، فقالت : بلغني أن هذا صلب عبد الله اللهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه وأكفنه ، فأتيت به بعد فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعد ما ذهب بصرها.      ومن وجه آخر عن ابن أبي مليكة وصلت عليه وما أتت عليه جمعة إلا ماتت.      
عن الركين بن الربيع قال دخلت على أسماء بنت أبي بكر وقد كبرت وهي تصلي وامرأة تقول لها قومي اقعدي افعلي من الكبر، قال ابن سعد ماتت بعد ابنها بليال، وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين .( ) 
قالت أسماء: أن أمي قدمت وهي راغبة في رواية حاتم فقالت يا رسول الله أن أمي قدمت علي وهي راغبة ولمسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن هشام راغبة أو راهبة بالشك وللطبراني من طريق عبد الله بن إدريس المذكور راغبة وراهبة وفي حديث عائشة عند بن حبان جاءتني راغبة وراهبة وهو يؤيد رواية الطبراني والمعنى أنها قدمت طالبة في بر ابنتها لها خائفة من ردها إياها خائبة هكذا فسره الجمهور ونقل المستغفري أن بعضهم أوله فقال وهي راغبة في الإسلام فذكرها لذلك في الصحابة ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على اسلامها وقولها راغبة أي في شيء تأخذه وهي على شركها ولهذا استأذنت أسماء في أن تصلها ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن، وقيل معناه راغبة عن ديني أو راغبة مني ومجاورتي والتودد إلي لأنها ابتدأت أسماء بالهدية التي أحضرتها ورغبت منها في المكافأة ولو حمل قوله راغبة أي في الإسلام لم يستلزم اسلامها ووقع في رواية عيسى بن يونس عن هشام ثم أبي داود والإسماعيلي راغمة بالميم أي كارهة للإسلام ولم تقدم مهاجرة وقال بن بطال قيل معناه هاربة من قومها ورده بأنه لو كان كذلك لكان مراغمة قال وكان أبو عمرو بن العلاء يفسر قوله مراغما بالخروج عن العدو على رغم كلاهما فيحتمل أن يكون هذا كذلك قال وراغبة بالموحدة أظهر في معنى الحديث قوله صلي أمك زاد في الأدب عقب حديثه عن الحميدي عن بن عيينة قال بن عيينة فأنزل الله فيها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين وكذا وقع في آخر حديث عبد الله بن الزبير ولعل بن عيينة تلقاه منه وروى بن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شيء جانبا للمسلمين وأحسنه أخلاقا قلت ولا منافاة بينهما فإن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء وقيل نسخ ذلك آية الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا والله أعلم وقال الخطابي فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة   ويستنبط  منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وأن كان الولد مسلما، وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة والسفر في زيارة القريب وتحري أسماء في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير رضي الله عنهم ( ).
روت عن النبي  ، ومسندها ثمانية وخمسون حديثاً ، اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثاً ، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث ، ومسلم بأربعة .
وروى عنها : ابنها عبد الله بن الزبير ، وابن عباس ، وابنها عروة بن الزبير ، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير وغيرهم .( )
وفاتها
ماتت أسماء بعد مقتل ولدها عبدالله بأيام قلائل .
وكانت أسماء قد بلغت مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل ، وهي التي كفنت ابنها وصلت عليه بعد ما ذهب بصرها ، وكان موتها بمكة .( )  
فرضي الله عنها ، وعن ابنها ، وأكرمهم الله في الجنة ، اللهم وألحقنا بهم في جنات عدن مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . اللهم آمين . 







أسماء
بنت عميس
صاحبة الهجرتين







هي : أسماء بن عميس بن مَعَد بن تميم ، بن الحارث ، بن كعب ، بن مالك ، بن قحافة ، الخثعمية ، وتكنى بأم عبد الله ، صحابية جليلة ، لها مواقف مشرفة ، وهي من السابقات للإسلام ، ولها هجرتان .
هاجرت أسماء رضي الله عنها الهجرة الثانية إلى المدينة ، وهذه من مناقبها ، ومن مواقفها المشرفة رضي الله عنها .( ) 
أمها : هند وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث . 
دخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبي   زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه ، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها ،
فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس ،
قال عمر : الحبشية هذه البحرية هذه ، فقالت أسماء : نعم ، 
فقال عمر : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله    منكم ، فغضبت ، وقالت كلمة كذبت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله    يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله    ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله    وأسأله ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك ،قال : فلما جاء النبي    ، قالت : يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا ، فقال رسول الله   : "ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم   هجرتان" .
قالت : فلقد رأيت أبا موسى يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله   ، قال أبو بردة : فقالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني .( )
ونالت وسام الإيمان هي وأخواتها من رسول الله  .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله  :" الأخواتُ مؤمنات ميمونةُ وأم الفضلُ وأسماء ".( )
فهي من المهاجرات الأول ، قيل أسلمت قبل دخول رسول الله  دار الأرقم وهاجر بها زوجها جعفر الطيار إلى الحبشة فولدت له هناك عبد الله   ومحمدا  وعونا ، فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع واستشهد يوم مؤتة تزوج بها أبو بكر الصديق فولدت له محمدا وقت الإحرام فحجت حجة الوداع ثم توفي الصديق فغسلته وتزوج بها علي بن أبي طالب.( )
لما توجه جيش المسلمين إلى الشام لقتال الروم ، كان جعفر بن أبي طالب من بين أمرائه الثلاثة ، وهناك نال الشهادة في سبيل الله تعالى . 
حزنت أسماء حزناً شديداً على وفاة زوجها جعفر بن أبي طالب  ، وقالت يوم قتل جعفر : 
    دخل عليَّ رسول الله  ، فدعا بنيَّ جعفر ، فرأيته شمَّهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : "نعم قتل اليوم" فقمنا نبكي ، ورجع فقال : "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد جاء ما يشغلهم" .( )
صبرت أسماء واحتسبت زوجها عند الله تعالى ، بل وتمنت أن تكون معه لتفوز بالشهادة خاصة بعد أن سمعت أحد رجال بني مرة بن عوف يقول – وكان في تلك الغزوة – والله لكأني أنظر إلى جعفر حيث اقتحم عن فرس له شقراء ، ثم عقرها ، ثم قاتل حتى قتل وهو يقول :
يا حبذا الجنة واقترابها        طيبةً وبارداً شرابها
والروم روم قد دنا عذابها    كافرة بعيدة أنسابها
عليَّ إذ لاقيتها ضرابها
ثم أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، ثم أخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل  .( )  
      عن ابن عباس  ، عن رسول الله  أنه قال : "دخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فإذا جعفر يطير مع الملائكة و إذا حمزة متكئ على سرير"  . ( )‌
عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله : "رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير في الجنة مع الملائكة" .( ) 
وبعد مقتل جعفر تزوج أسماء أبو بكر الصديق  ، فولدت له محمداً وقت الإحرام ، فحجت حجة الوداع ، ثم توفي الصديق  فغسلته .
وبعد وفاة الصديق  تزوجها علي بن أبي طالب  .( ) فولدت له : يحيى وعوناً . 
عن الشعبي قال : تزوج علي أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر .
فقال كل منهما أنا أكرم منك وأبي خير من   أبيك .
فقال لها علي : اقضي بينهما .
فقالت : ما رأيت شابا خيرا من جعفر ولا كهلا خيرا من أبي بكر .
فقال لها علي : فما أبقيت لنا .( )
وفاتها رضي الله عنها 
لما بلغها قتل ولدها محمد بن أبي بكر  بمصر – وكان أثر هذا المصاب عليها عظيماً - قامت إلى مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخب   ثدياها  دما .( )
وما كاد العام ينتهي حتى ثقلت وأحست بالوهن يسري في جسمها سريعاً ثم فارقت الحياة . 
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : فإن وفاتها قبل سنة خمسين . 
رحمها الله تعالى ورضي عنها ، وحشرنا وإياها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . اللهم آمين .











  
أم الدحداح
الأنصارية






أم الدحداح الأنصارية هي واحدة من نساء الصحابة اللاتي كان لهن دور جليل في تاريخ الإسلام ، وهي واحدة ممن آثرن نعيم الآخرة المقيم على متاع الدنيا الزائل .
أسلمت أم الدحداح حين قدم مصعب بن عمير المدينة سفيراً لرسول الله  ليدعو أهلها إلى الإسلام حيث كانت ممن ناله شرف الدخول في الإسلام ، كما أسلمت أسرتها كلها ، ومشوا في ركب الإيمان .
زوجها أبي الدحداح الصحابي الجليل واحد من فرسان الإسلام ، وأحد التلامذة النجباء، وهو من الباذلين في سبيل الله نفوسهم وأرواحهم وأموالهم.
وقد كان لأبي الدحداح أرض وفيرة في مائها غنية في ثمرها ، فلما نزل قوله تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً  .( ) قال أبو الدحداح : فداك أبي وأمي يا رسول الله ، إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض ؟ قال :" نعم يريد أن يدخلكم الجنة به ". قال :فإني إن أقرضت ربي قرضاً يضمن لي به ولصبيتي الدحادحة معي في الجنة ؟ فقال  :" نعم " قال : فناولني يدك . فناوله رسول الله  يده فقال : إن لي حديقتين : إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية ، والله لا أملك غيرهما قد جعلتهما قرضاً لله تعالى .
فقال رسول الله :" اجعل إحداهما لله ، والأخرى دعها معيشة لعيالك".
قال : فأشهدك يا رسول الله أني جعلت خيرها لله تعالى وهو حائط فيه ستمائة نخلة .
قال :" إذاً يجزيك الله به الجنة ".
فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح ، وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل ، فأنشأ يقول : 
هداك الله سبل الرشاد                         إلى سبيل الخير والسداد
 بيني من الحائط بالواد                         فقد مضى قرضاً إلى التناد
 أقرضته الله على اعتمادي                     بالطوع لا منًّ ولا ارتداد
إلا رجاء الضعف في المعاد                    فارتحلي بالنفس والأولاد والبر لا شك فخير زاد                       قدمه المرء إلى المعاد 
قالت أم الدحداح رضي الله عنها : ربح بيعك ! بارك الله لك فيما اشتريت ، ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول : 
بشرك الله بخير وفرح                       مثلك أدى ما لديه ونصح
  قد متع الله عيالي ومنح                     بالعجوة السوداء والزهو البلح
  والعبد يسعى وله ما قد كدح             طول الليالي وعليه ما اجترح
ثم أقبلت أم الدحداح رضي الله عنها على صبيانها تخرج ما في أفواههم ، وتنقص ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر .
فقال رسول الله  :" كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح ".( )
وفي غزوة أحد صاح أبو الدحداح : يا معشر الأنصار ، إليَّ ، أنا ثابت بن الدحداحة ، قاتلوا عن دينكم فإن الله مظهركم وناصركم ، فنهض إليه نفر من الأنصار ، فجعل يحمل بمن معه من المسلمين ، وقد وقفت له كتيبة خشناء ، فيها رؤساؤهم ، خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب فجعلوا يناوشونهم ، وحمل خالد بن الوليد بالرمح ، فأنفذه فوقع ميتاً  ، واستشهد أبو الدحداح فعلمت بذلك أم الدحداح ، فاسترجعت ، وصبرت ، واحتسبته عند الله تعالى ، الذي لا يضيع أجر منْ أحسن عملاً . 
















  
أم سليم
المؤمنة الداعية





نسبها
أم سليم الغميصاء ، أو الرميصاء ، بنت ملحان رضي الله عنها ، أم أنس بن مالك  ، خادم رسول الله  .
أخوها : حرام قتل شهيداً يوم بئر معونة .
وأختها : أم حرام بنت ملحان الشهيدة في قبرص .
وهي خالة النبي  ، وأول امرأة في العالم مهرها الإسلام ، وهي امرأة من نساء الجنة ،رزقت بعشرة أطفال يحفظون القرآن .
ولما آمنت رضي الله عنها ودخلت في الإسلام جاء زوجها أبو أنس ، وكان غائباً ، وعندما علم بإسلامها غضب غضباً شديداً ، وقال لها : أصبوت ؟ قالت : ما صبوت ولكني آمنت .( )
وكانت رضي الله عنها تلقن ابنها أنس فتقول : قل : لا إله إلا الله ، قل : أشهد أن محمداً رسول الله ، ففعل ، فيقول لها أبوه : لا تفسدي عليَّ ابني ، فتقول : إني لا أفسده!
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله  قال :" أريتُ الجنَّةَ فرأيتُ أمرأةَ أبي طلحة " .( )
عن أنس  قال خَطَبَ أبو طلحة أمَّ سُليم فقالت : والله ما مِثْلُكَ يا أبا طلحة يُرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مُسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تُسلم فذاك مهري ، وما أسألك غيره ، فأسْلم فكان ذلك مهرها .
قال ثابت الراوي عن أنس : فما سمعتُ بامرأةٍ قطْ كانت أكرمَ مَهراً من أمَّ سُليم ، الإسلام فدخل بها فولدت له .
رواه النسائي .
عن أنس بن مالك  قال : كان ابن لأبي طلحة يشتكي فَخَرَجَ أبو طلحة فَقُبِضَ الصبيُّ فلما رَجَعَ أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت : أمُّ سُليم هو أسْكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فَرَغَ قالت : وارِ الصبَّي ، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله  فأخبره فقال :" أعرستم الليلة ؟" قال: نعم . قال :" اللهم بارك لهما في ليلتهما "، فولدت غُلاماً قال لي أبو طلحة احفظه حتى تأتي به النبي  فأتى به النبي  وأرسلتْ معه بتمراتٍ فأخذهُ النبي  فقال :" أمَعَهُ شئ ؟" قالوا : نعم تمرات فأخذها النبيُ  فمضغها ثم أخذ من فيِه فجعلها في فيَّ الصبي وحنَّكه به وسماه عبد الله .( )
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي  قال :" دخلت الجنة فسمعت خشفة ، فقلت من هذه؟" قالوا : هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك .( )
الخفشة : ما يسمع من حس وقع القدم .
وكان رسول الله  : يعظمها ويقدرها وكان يكثر من زيارتها ، ويأكل عندها ، ويقيل في بيتها .
عن أنس أن رسول الله  كان يزور أم سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له ، قال : أنس : وأخ لي أصغر مني يكنى أبا عمير ، فزارنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال :" يا أم سليم، ما شأني أرى أبا عمير ابنك خائر النفس ". فقالت : يا نبي الله ؛ ماتت صعوة له كان يلعب بها ، قال : فجعل النبي   يمسح رأسه ، ويقول :" يا أبا عمير، ما فعل النغير ".( )
قالت أم سليم رضي الله عنها : كان النبي  يجئ يقيل عندي على نطع وكان معراقاً .
قالت : فجاء ذات يوم ، فجعلت أسلت العرق ، فأجعله في قارورة لي ، فاستيقظ النبي  ، فقال :" ما تجعلين يا أم سليم " ؟ فقالت : باقي عرقك أريد أن أدوق به طيبي .
نطع : فراش من جلد وشعر . معراقاً : أي كثير العرق .أدوق : أخلط .
ولقد كان النبي  يجل أم سليم ويحترمها ، ويزورها ، فعن أنس  أن النبي  دخل على أم سليم فأتـته بسمن وتمر ، فقال :"إني صائم " ثم قام ، فصلى ودعا لأم سليم ولأهل بيتها ، فقالت: إنَّ لي خويصة قال :" ما هي " ؟ قالت : خادمك أنس ، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به ، وبعثت معي بمكتل من رطب إلى رسول الله  .( )
خويصة: تصغير خاصة .
وعن أنس  قال : لم يكن رسول الله  يدخل بيتاً غير بيت أم سليم . فقيل له . فقال :" إني أرحمها ، قُتل أخوها معي ".( )
قال الإمام الذهبي رحمه الله : أخوها هو حرام بن ملحان الشهيد الذي قال يوم بئر معونة : فزت وربَّ الكعبة ، لما طعن من ورائه ، فطلعت الحربة من صدره  .( )
عن أنس  قال : كان رسول الله  يغزو بأم سليم رضي الله عنها ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى .( )
وفي غزوة حنين خرجت أم سليم تبتغي أجر الجهاد مع رسول الله  وكان معها خنجر قد حزمته على وسطها ، وهي يومئذٍ حامل بعبد الله بن أبي طلحة ، فقال أبو طلحة : يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر ! فقالت : يا رسول الله ، إن دنا مني مشرك بقرت بطنه .
فجعل رسول الله  يضحكُ .
قالت : يا رسول الله اقتُل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك ، فقال رسول الله  :" يا أُم سليم ! إن الله قد كفى وأحسن " .( )
من بعدنا : أي من سوانا .
الطلقاء : هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح سمُّوا بذلك ؛ لأن النبي  منَّ عليهم وأطلقهم ، وكان في إسلامهم ضعفٌ ، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم وغيره .
وقولها :" انهزموا بك " : الباء في ( بك ) هنا يعني ( عن ) ؛ أي : انهزموا عنك ، على حدَّ قوله تعالى :  فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً  .( ) أي : عنه . 
وربما تكون للسببية ، أي : انهزموا بسببك لنفاقهم، انتهى ؛ قاله النووي رحمه الله .( )
قال ابن حجر: وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد : جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها   والتسلية  عن المصائب وتزين المرأة لزوجها وتعرضها لطلب الجماع منه واجتهادها في عمل مصالحه ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليه وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء إخلافه عليها ما فات منها إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته ولم تبلغ الغرض الذي أرادته فلما علم الله صدق نيتها بلغها مناها وأصلح لها ذريتها وفيه إجابة دعوة النبي  صلى الله عليه وسلم وأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه وبيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم  .

روت عن النبي  أربعة عشر حديثاً واتفق لها الشيخان على حديث واحد، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين .


بشارتها بالجنة
وعن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله  قال : "أريت الجنة فرأيت  امرأة أبي طلحة ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال" .( )
عن أنس عن النبي  قال : "دخلت الجنة فسمعت خشفة ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك" .( )
توفيت نحو سنة 30 هـ ، كما ذكر الزركلي .( )
رحم الله أم سليم ورضي عنها ، وأكرم مثواها في جنات الخلد وزوجها وأولادها .
وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، ورزق المسلمين الاقتداء بها وبأمثالها ، والسير على منوالها . آمين .











  
حبيبة
بنت خارجة






الزوجة الرابعة لأبي بكر
حبيبة بنت خارجة بن زيد الخزرجية
أبوها : هو خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي ، استشهد في معركة أحد .
أمها :هزيلة بنت عتبة بن عمرو بن  خديج .
إسلامها : أسلمت حبيبة وبايعت الرسول  .
زواجها : تزوجها أبو بكر الصديق في المدينة بعد الهجرة . وبعد وفاة أبي بكر تزوجها خبيب بن أساف بن عتبة بن عمرو .
قال ابن الجوزي: وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على خارجة فتزوج ابنته .( )
عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله  ، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر ، فدخل ، ثم أقبل عمر ، فستأذن ، فأذن له ، فوجد النبي  جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً ، قال : فقال : لأقولن شيئاً أضحك النبي  فقال : يا رسول الله ، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة ، فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله  وقال :"هن حولي كما ترى ، يسألنني النفقة " .( )
عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله  مات وأبو بكر بالسنح ، قال إسماعيل يعني العالية .( )
قال ابن حجر في شرح الحديث: مسكنه بالسنح : وتقدم ضبطه في الجنائز ، وأنه مسكن زوجة أبي بكر الصديق .
فتح الباري .
وقال أيضاً : بالسنح ... وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال : إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي ، وبينه وبين المسجد النبوي ميل .( )











كبشة
بنت رافع
أم الأبطال






هي : كبشة بنت رافع بن عبيد بن الأبجر – وهو خدرة – بن عوف بن الخزرج الأنصارية الخدرية .
أمها : أم الربيع بنت مالك بن عامر بن فهيرة بن بياضة .
كانت من المسلمات الأوائل منذ دخول الإسلام في المدينة .
هي أم الصحابي الجليل البطل سعد بن معاذ  ، الذي اهتز عرش الرحمن لموته .
ابنها الذي حكم بحكم الله من فوق سبع سموات .
زوجها معاذ بن النعمان من بني عبد الأشهل ، وقد ولدت له سعداً وعَمراً وإياساً وأوساً وعقربَ وأم حزام .
كانت أم سعد رضي الله عنها من السابقات في الخير ، حيث كانت أول من بايع النبي  مع أم عامر بنت يزيد بن السكن ، وحواء بنت يزيد بن السكن .( )
لها مواقف تدل على إيمانها وجهادها وصبرها ، فقد خرجت في غزوة أحد مع من خرجن من النساء تطمئن على سلامة رسول الله  ، وقد وصلها خبر استشهاد ولدها عمرو بن معاذ  ، ومع هذا فقد كانت تريد الاطمئنان على سلامة رسول الله  .
وعندما وصلت أرض المعركة وعلمت بسلامة رسول الله  حمدت الله تعالى واعتبرت مصيبتها هينة .
وكان ابنها عمرو بن معاذ  يقاتل في المعركة ، حتى لقيه ضرار بن الخطاب فقتله ، وكان يومئذٍ ما يزال على شركه .
ومن مواقفها الإيمانية رضي الله عنها التي تدل على صبرها وجهادها وشجاعتها أيضاً .
حين كانت مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في غزوة الخندق في حصن بني حارثة ، وقد كان رسول الله  وأصحابه حين خرجوا إلى الخندق قد رفعوا الذراري والنساء في الحصون مخافة العدو عليهم .
قالت عائشة رضي الله عنها : كنت في حصن بني حارثة وأم سعد بن معاذ معي ، فمر سعد بن معاذ ، وهو يقول :    
لبث قليلاً يلحق   الهيجا  حَمَل     ما أحسن الموت إذا حان الأجل
فقالت له أمه رضي الله عنها : الحق يا بني فقد تأخرت ، 
فقلت : يا أم سعد لوددت أن درع سعد أسبغ مما هي ، 
قال : فأصابه السهم حيث خافت عليه ، 
وقال الذي رماه : خذها وأنا بن العرقة ، 
فقال : عرق الله وجهك في النار. 
وابن العرقة  ، اسمه حبان بن عبد مناف من بني عامر بن لؤي .
والعرقة ، أمه ، وقيل إن الذي أصاب سعد أبو أمامة الجشمي.( )
انظر كم هي شجاعتها رضي الله عنها ، وأرضاها وأكرمها في جنات الخلد مثواها .
يا حبذا لو تسلك نسائنا وبناتنا طريق هؤلاء الصحابيات الجليلات ، وأن يقتدن بهن .  


















  
الخنساء
أم الشهداء









الخنساء
هي : تماضر بنت عمرو ، بن الحارث ، بن الشريد ، بن ثعلبة بن عصية بن خفاف بن امرئ آلاف بن بهثة بن سليم السلمية .
قال ابن حجر : الشاعرة المشهورة عدا تماضر بمثناة فوقانية أوله وضاد معجمة ، وفي ذلك يقول دريد بن الصمة حين رآها تهنأ إبلا لها ثم تجردت واغتسلت فأعجبته ، فخطبها فأبت ، فقال فيها :    
حيوا تماضر واربعوا صحبي     وقفوا فإن وقوفكم حسبي
ما إن رأيت ولا سمعت به     كاليوم طالي أينق جرب
متبذلا تبدو محاسنه     يضع الهناء مواضع النقب
أخناس قد هام الفؤاد بكم     واعتاده داء من الحب
فبلغتها خطبته ، فقالت : لا أدع بني عمي الطوال مثل عوالي الرماح وأتزوج شيخا ، فلما بلغه ذلك قال من أبيات :
وقاك الله يا ابنة آل عمرو     من الفتيان أمثالي ونفسي
وقالت إنه شيخ كبير    وهل خبرتها أني بن أمس
وقد علم المراضع في جمادي     إذا استعجلن عن حز بنهس
إلى أن قال :    
وأني لا أبيت بغير نحر     وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وأني لا يهر الكلب ضيفي     ولا جاري يبيت خبيث نفس
فأجابته بأبيات .
قال أبو عمر : قدمت على النبي    مع قومها من بني سليم ، فأسلمت معهم ، فذكروا أن رسول الله   كان يستنشدها ويعجبه شعرها ، وكانت تنشده وهو يقول : "هيه يا خناس ويومىء بيده" .
 قالوا : وكانت الخنساء تقول في أول أمرها البيتين أو الثلاثة ، حتى قتل أخوها شقيقها معاوية بن عمرو ، وقتل أخوها لأبيها صخر ، وكان أحبهما إليها لأنه كان حليما جوادا محبوبا في العشيرة كان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي طعنة مرض منها حولا ، ثم مات فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر فمن قولها في صخر  :   
أعيني جوادا ولا تجمدا     ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل     ألا تبكيان الفتى السيدا
النجاد عظيم الرماد     ساد عشيرته أمردا
قال وأجمع أهل العلم بالشعر أن لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها.( )  
وفي معركة القادسية كانت الخنساء بنت عمرو السلمية ومعها بنوها أربعة رجال ، فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار ، وفيها : إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم ولا فضحت أخوالكم ، فلما أصبحوا باشروا القتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا ، وكان منهم أنشد قبل أن يستشهد رجزا فأنشد الأول :    
يا إخوتي إن العجوز الناصحه     قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
بمقالة ذات بيان واضحه     وإنما تلقون ثم الصائحه
من آل ساسان كلابا نابحه .
وأنشد الثاني :    
إن العجوز ذات حزم وجلد     قد أمرتنا بالسداد والرشد
نصيحة منها وبرا بالولد     فباكروا الحرب حماة في العدد
وأنشد الثالث :    
والله لا نعصي العجوز حرفا     نصحا وبرا صادقا ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا     حتى تلفوا آل كسرى لفا
وأنشد الرابع  :   
لست لخنساء ولا للأخرم     ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم     ماض على الهول خضم حضرمي 
ثم تقدم فقاتل حتى قتل :
قال : فبلغها الخبر ، فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .
وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة ، لكل واحد مائتا درهم ، حتى قبض .( )
          وتوفيت الخنساء بالبادية في أول خلافة عثمان بن عفان  سنة 24هـ . ( )

الخاتمة 
وفي الختام وبعد أن قرأنا ما في هذا الكتاب من القصص عن حياة الصحابيات وما قمن به من تضحية في سبيل الله تعالى ، وفي سبيل الدعوة ، فقد رأينا كيف وقفت المرأة المسلمة في الصدر الأول مع الرجل في خندق واحد تبني صرح الإسلام ، وإقامة هذا الدين العظيم .
ورأينا كيف بذلت المرأة المسلمة ما تملكه من قدرات ، وما تستطيعه من مواهب ، وما تحتمله من جهد ، وما بين يديها من مالٍ وولد لأجل نصرة الإسلام .
فعلى الأخت المسلمة أن تتخذ من الصحابيات قدوة لها ، وزاداً تتزود به في هذه الحياة الدنيا ، وأن لا تنخدع بالدعوات الكاذبة الخداعة من قبل الغرب الذين يجعلون من المرأة سلعة لهم لقضاء شهواتهم ومآربهم .
وعليك أن تقفي على ثغرة من ثغر الإسلام كما كانت المرأة في القرن الأول،
فرضي الله عن الصحابة الكرام ، وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، والله المسؤول أن يعوضهم على صبرهم وجهادهم بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ، وما ذلك على الله بعزيز . قال الله تعالى :  وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .( )   وختاماً فالله أسأل أن يجعل هذا الكتاب نافعاً للمسلمين عامة والنساء خاصة ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفعنا به يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ .( )  
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .  
وكتب
    ماجد بن خنجر البنكاني   
أبو أنس العراقي









الصفحة المادة
5 المقدمة …………….……………………
11 أمهات المؤمنين ..................................
13 خديجة بنت خويلد الطاهرة  ...........
25 عائشة المبرأة من فوق سبع سماوات  .....................
49 حفصة الصوامة القوامة ………………………
55 صفية بنت حيي .....………………….........
61 زينب بنت جحش .............………………..
71 أم حبيبة رضي الله عنها ................................
79 أم سلمة أول ظعينة تدخل المدينة ............
91 ميمونة بنت الحارث ................................... 
95 سودة بنت زمعة .......................................
101 جويرية بنت الحارث عظيمة البركة على أهلها ............
107 بنات النبي   ................................... 
109 زينب بنت رسول الله  ....…………………
115 رقية بنت رسول الله  ..…………………….
121 أم كلثوم بنت رسول الله .........……………
127 فاطمة بنت رسول الله   .............................
137 أمامة بنت أبي العاص...................................
143 الشيماء بنت الحارث ...................................
147 عمات النبي  ....................................
149 حليمة السعدية ........................................
155 أم أيمن ..........………………………...
161 صفية  ..................……
167 أم الفضل زوجة العباس ......................
173 فاطمة بنت أسد مربية النبي  ...............
179 أم رومان أم الصديقية ...................
185 صحابيات جليلات تخرجن من مدرسة النبوة …
187 أم المنذر بنت قيس …………………………
193 أم حرام بنت ملحان شهيدة البحر ………
197 أم عطية الأنصارية ....................
203 أم هانئ رضي الله عنها ............. 
207 أميمة بنت صبيح أم سيد الحفاظ ...……...
213 أسما بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء ……
219 الربيع بنت معوذ بايعت تحت الشجرة ..... ....
225 خولة بنت ثعلبة المرأة التي شكواها من فوق سبع سماوات ..
229 درة بنت عم النبي  ...................................
235 سمية بنت خباط أول شهيدة في الإسلام …
243 نسيبة بنت كعب الأنصارية ......……….
247 أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين .…… …
263 أسماء بنت عميس صاحبت الهجرتين ..........
271 أم الدحداح الأنصارية .....................
277 أم سليم المؤمنة الداعية ..................................
285 حبيبة بنت خارجة …………………………
289 كبشة بنت رافع أم الأبطال ..........…
295 الخنساء أم الشهداء ....................
301 الخاتمة  ............................................
305 الفهرس ............................................







الكتب التي صدرت للمؤلف بفضل الله وحده
1- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب. قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
2- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام .  
        قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
3- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف.
4- الرواة الذين ترجم لهم العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى من إرواء الغليل ومقارنتها بأحكام الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويليه الفوائد الفقهية والحديثية. 
5- رحلة العلماء في طلب العلم . 
6- صحيح الطب النبوي في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف . 
8- أشراط الساعة الكبرى .
9- قصص وعبر وعظات من سيرة الصحابيات.
10- تحذير الخلان من فتنة آخر الزمان المسيح الدجال . 
11- تنـزيه كلام خير الأنام عما لا يصح من أحاديث الصيام . 
12- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .
13- ابن لك بيتاً في الجنة .
14- خمسة أخطاء في الصلاة. 
15- فضل الصيام والاستقامة على الأعمال .
16- رد السهام الطائشة في الذب عن أمنا السيدة عائشة . 
18- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة . 
19- تحفة الأقران بفضل القرآن . 
20 - أحكام المرأة المسلمة .
21 – القول المبين في قصص الظالمين . 
22- وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف وعدم الخروج عليهم .
23- كشف الإلباس عن مسائل الحيض والنفاس .
24- سلوك المرأة المسلمة .
25- شرف المؤمن .
26- إتحاف الأطهار بصحيح الأذكار .
كتب تحت الطبع 
1- الياقوت والمرجان في وصف الجنة والحور الحسان .
2- إتحاف الصالحين بسيرة أمهات المؤمنين .
3-  جواب السؤول عن سيرة بنات وعمات الرسول  . 
4- مكانة الصلاة وفضلها في الإسلام . 
5- إعلام الأصحاب بما في الإسلام من الآداب .
6- معاني الأذكار وثوابها .
7- يبتدعون ولا يعلمون .
8- إعلام شباب الإسلام بحرمة التفجيرات والخروج على الحكام .
9- إعلام الجماعة عن الفتن والأحداث .
10- حفظ اللسان والتحذير من الغيبة والبهتان ، ويليه تحذير المسلم بما في الحسد من الإثم، ويليه تحصين البيت والأولاد من كيد الشيطان .
11- سباق أهل الإيمان إلى قصور الجنان . طبع مكتبة الصحابة الشارقة .
12- الثواب في بناء المساجد والمشي إليها .
13- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة . 
14- أحلى الكلام عن صلة الأرحام .
15- تحفة الأقران بفضل القرآن .
16- أفيقوا يامسلمون أنقذوا أنفسكم من النار .
17- اعرف خالقك .
18- اعرف نبيك $.
19- هل تريد أن يحبك الله .
20- هل تريد أن يحبك النبي $.
21- هل تريد دخول الجنة والنجاة من النار .
22- الجمعة أحكام وآداب وفضائل.
23- الإخلاص والإتباع .
       وإني لأرجو من كل أخٍ كريم يطلع على أي مؤلف من هذه المؤلفات إذا وجد خطأ أن يعلمني به ، وأن يراسلني على عنوان مكتبة المعارف بالرياض ، أو مكتبة الصحابة في الشارقة ، أو الفرقان في دبي ، أو دار النفائس في عمان ، أو مكتبة عباد الرحمن في القاهرة ، عملاً بحديث المصطفى  : "الدين النصيحة" ، و "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي" حتى نحق الحق ، ولم آلُ جهداً من تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنّة وحده، وإن كانت الأخرى فحسبي  أنّي قد بذلت قصارى جهدي  في جمع الأدلة الصحيحة والأخذ من علماء الإسلام، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .
علماً أن كل ما كتبت في أي موضع هي نقولات من كتب أهل العلم، وأشرت في غالبها إلى قائليها، وقسم يسير لم أعزو لمن قاله أما بسبب لم أتمكن من قائله أو تقصيراً مني، وأسأل الله أن يجزل المثوبة لكل من أخذت منه وأن يجعله في ميزان حسناتهم، وأستغفر الله وأتوب إليه إنه تواب رحيم .   
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لقد أَلَّفتُ هذه الكتب ولم آلُ جهداً فيها، ولابُدَّ أن يُوجد فيها الخطأ، لأنَّ الله تعالى يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). النساء (82). فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالفُ الكتابَ والسُّتة، فقد رجعت عنه، أخرجه عبدالله بن شاكر في مناقب الشافعي كما في كشف الخفاء (1/35) . بالمناسبة يُروى في هذا المعنى حديثٌ لا أصل له بلفظ: "أبى الله أن يصح إلا كتابه . وقد أورده علي القاري في الموضوعات .
وإني متراجع عما يصدر مني من خطأ في أي موضع مما كتبت وأستغفر الله منه، تأسياً بقول بعض سلفنا الصالح: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي ، وما زل به قلمي، ودينُ الله بريء منه ، وأنا تائب عنه ، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا ، ولا يخيب رجاءنا  ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيراً .  المؤلف .  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire