lundi 18 mars 2013

نقــــد كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة






نقــــد
كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" لمؤلفه

عبد الحليم أبو شقه






وفيه : التنبيه على خطأ أحد الأفاضل في إحالته على
هذا الكتاب السيئ


إعداد
سليمان بن صالح الخراشي



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد :
يعد كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" جامعاً لآراء ما يسمى بالمدرسة العصرانية أو التيار المستنير أو تيار التيسير الفقهي في موضوع المرأة، وقد دشنه وروج له اثنان من أساطين هذا التيار –كما سيأتي- .
ولم أكن لأحفل بهذا الكتاب الذي كنت أراه خاصاً بهذه الفئة المتبعة لأهوائها سواء في هذا الموضوع أو غيره؛ خاصاً بها دون سواها من متبعي الكتاب والسنة، فكنت أراه قاصراً عليهم لا يتعداه إلى غيرهم من دعاة الإسلام ممن سيعلم بطلان كثير مما جاء فيه بداهة؛ لكونه يخالف آيات الكتاب وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم، مهما ادعى مؤلفه ومروجوه خلاف ذلك. إلا أنني تفاجأت عندما قرأت مقالاً لأحد الفضلاء يتحدث فيه عن المرأة وأنها إنسان !! وأنها تعيش "تحت وصايات مشددة –دينياً واجتماعياً وسياسياً- لا تتناسب مع حجم الطاقات والقدرات والإمكانات التي منحها الله للمرأة" !! وأننا نخلط "العادات بالعبادات وتقديس الموروثات الآبائية" في موضوع المرأة! وأننا مع الانفتاح أصبح الواحد منا يفاجأ "بأن كثيراً مما كان يملى عليه بكرة وأصيلاً ما هو إلا رؤى مذهبية في أحسن أحوالها" !!ثم نقد هذا الفاضل من "يحرسون الفضيلة" بتركيزهم على الحجاب ! مع نسيان الأمور الأخرى!…الخ مقاله الذي يذكرك (بغمغمة) الحداثيين والتغريبيين ! الذين يلجئون إلى مثل هذه الرموز التي لا توصل القارئ إلى ما يريده الكاتب (بوضوح). إنما تفيدك بأن الكاتب مغتاظ وناقم من وضع المرأة !! لكن: من أي شيء هو مغتاظ وناقم؟ هذا ما لا تستفيده من كلماته !
ليت هذا الفاضل بدلاً من هذه (الغمغمة) والأسلوب الغامض –الذي لا يلجأ له غالباً إلا أصحاب الهدم- لجأ إلى الوضوح شعار الأنبياء والعلماء والمصلحين. فقال مثلاً: أنا أؤيد كذا وكذا والدليل كذا وكذ.. لكي يعلم القارئ ماذا يريد الرجل، فإن كان حقاً أخذنا به وإن كان غير ذلك رددناه عليه وناقشناه علمياً في اختياره. هذا هو المنهج الصحيح المنتج النافع للأمة.
لكن الذي أظنه أن الرجل أراد أن يجعل للمرأة (قضية)، أو هو توهم ذلك؛ لكثرة ما يقرأ من كتابات من نشأوا في بلاد كانت خياراتها الواضحة: التغريب أو التقاليد المخالفة للشرع. فظن بجهل أو سذاجة أن بلاد التوحيد تحتاج إلى هذه (القضية) الموهومة ! 
ونسي أو تناسى أن الأمور لدينا (جلية) ولا تحتاج إلى (غمغمات) الآخرين !، وأننا في أمور المرأة لا نصدر –وعلماؤنا معنا- إلا من خلال الأدلة الشرعية –ولله الحمد- فما وافقها أخذنا به ونشرناه، وما خالفها رددنا عليه وحذرنا منه.
وتوضيح ذلك: أننا أخذنا بوجوب ستر المرأة لوجهها عن الأجانب نظراً لأن الأدلة الشرعية أوجبت ذلك –كما سبق-، لا لأنها من العادات كما يحاول الرجل أن يستغفل قارئه. وأخذنا بتحريم الاختلاط للأدلة الشرعية الدالة عليه… الخ
وفي المقابل أنكرنا أن تُحرم المرأة ميراثها، أو أن تجبر على نكاح من لا تريد، أو أن تُحرم من أن يراها خطيبها الرؤية الشرعية.. وهكذا، كل هذا اتباعاً للأدلة.
يتبقى بعض الأمور التي ليس فيها نص شرعي واضح، فهذه ينظر في مصلحتها ومفسدتها، فإن كان نفعها أكثر من إثمها أخذ بها وإلا لا.([1])
هذه مجرد أمثلة توضح لك أن الرجل قد أخطأ الطريق، وأنه لا مكان في بلادنا لأي (قضية) موهومة للمرأة .
وما أجمل ما قاله الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) (ص93): "عاشت المرأة ما عاشت مكرمة معززة مدللـة حاكمة على زوجها من خلف ستار، ولم تحس يوماً أنها مهضومة الحق أو أنها مضطهدة أو سجينة أو مهددة الكرامة والشخصية، حتى ظهر ذلك النفر من الكتاب، فأحل الصراع والتنازع بين الجنسين محل التواد والتراحم. ومن عجب أن الذين حملوا اللواء إلى ما يسمونه (حقوق المرأة) كانوا من الرجال، ولم يكونوا من النساء، ولم يكن من صنيعهم إلا إفساد الحياة على المرأة والرجل كليهما" ! إلى آخر كلامه، وهو كلامٌ نفيس، وكلامُ خبير بألاعيب القوم وتاريخهم .
ثم جاءت الطامة عندما أحال هذا الفاضل على كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" ! فآلمتني هذه الإحالة من هذا الفاضل أيما ألم، وجعلتني أسترجع قراءتي القديمة لهذا الكتاب البائس. وتساءلت في نفسي: هل كان هذا الفاضل يعلم ما يحتوي عليه الكتاب المشار إليه من انحرافات؟ أم كان لا يعلم، وإنما هو ناقل لبعض ما فيه عن غيره اغتراراً ببعض المواضع منه؟ فإن كانت الأولى فهي مصيبة؛ لأنها دليل على أن الرجل يتبنى (جميع) ما فيه؛ ودليل على أن "حصوننا مهددة من داخلها" ! وأن الفكر العصراني الإنهزامي بدأ يتسلل إلى عقول بعض من لا زلنا نحسن بهم الظن ونراهم على الجادة. وإن كانت الأخرى فلا أقل بعد أن يقرأ هذه التنبيهات أن يتراجع عن هذه الإحالة؛ لئلا يكون ممن قال صلى الله عليه وسلم فيهم : "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" أخرجه مسلم .
فيا أيها الفاضل: الله الله أن تكون (قنطرة) للآخرين ليعبروا من خلالها   –وأنت صاحب المحاضرات- إلى نساء هذه البلاد، لأنهم يعلمون أنهم إنما يغزونها ببعض أهلها.
ولا تكن معيناً لدعاة تغريب المرأة في هذه البلاد فتتولى القيام بالمهمة بدلاً منهم.
فإن قلت: شتان بيننا ! فنحن ندعو إلى الإسلام وإلى أن تلتزم النساء به، أدباً وسلوكاً، وسنضع الضوابط والشروط لذلك.
فأقول: لو تأمل النبيه حالكم ومطالبكم وقارنها بحال أهل التغريب ومطالبهم لوجدها هي هي، ولكن المسوح تختلف ! والعبرة بالمعاني لا الأسماء :
أما الخيام فإنها كخيامهم
                      وأرى نساء الحي غير نسائها !
بل والله إن التغريبين –عندنا- لا يطمعون أن يجنوا ربع ما دعا إليه صاحب الكتاب الذي أحلت عليه، الذي سيقطعون به شوطاً بعيداً في التغريب ما كان لهم أن يقطعوه دون هذا الكتاب وهذا الفكر، وسيأتيك نبأ ذلك.
فالحذر الحذر يا هذا، واعلم أن الأمر: إما حق أو ضلال، لا ثالث بينهما؛ كما قال تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال)، فمن التزم في أمر النساء ما جاء به الكتاب والسنة وعمل الصحابة فقد اهتدى إلى الحق، ومن خالف ذلك إما بعدم التزامه أو بتحميل نصوص الوحي ما لا تحتمل –كصاحب الكتاب- فقد ضل وأضل، وإني أربأ بك أن تكون منهم.
ولو تأملت نصوص الكتاب والسنة في أمر المرأة لرأيت طغيان ووضوح جانب القرار والستر والعفة والبعد عن فتنة الآخرين؛ فهذا هو الأصل، وما خالفه فهو يقدر بقدره ولا يُضخم على حساب الأصل السابق.
أما دعاة التغريب والعصرنة فقد عكسوا الأمر، فجعلوا الفرع أصلاً والأصل فرعاً وحمّلوا النصوص ما لا تحتمله من المعاني الباطلة؛ اتباعاً لشهواتهم وأهوائهم([2]) .
وأيضاً فلو تأملت جيداً لعلمت أن (اللون الرمادي) لا نصيب له في موضوع المرأة؛ بل في غيره من المواضيع التي يكثر فيها الجدل. وأن التيار العصراني الذي سيتبنى هذا اللون دائماً سرعان ما يلحق بأحد اللونين (الأبيض أو الأسود). وشاهد ذلك ما وقع في مصر عند ظهور هذا التيار العصراني (الرمادي!) بقيادة شيخه الشهير محمد عبده، الذي أراد أن يكون وسطاً بين طرفين –كما يزعم-، فأخذ يتأرجح يميناً ويساراً في مسيرته، إلى أن انضم بعضه إلى الأبيض والبعض الآخر إلى الأسود بعد وفاة الشيخ عبده.
وبعد: فهذه ملحوظات كنت أقيدها أثناء قراءتي لكتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" أحببت أن أنشرها بعد أن رأيت الإحالة السابقة؛ لعلها تكون عوناً لهذا الأخ الفاضل وغيره للتنبه إلى خطورة مسلك هذا الكتاب والتقائه مع مسالك مبغضي الشريعة من دعاة التغريب، إن لم يفقها أحياناً. ويشهد لهذا أن أحد مقدمي الكتاب وهو محمد الغزالي قد قال –يوماً ما- في جريدة الأهرام المصرية([3]): "فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زياً من صميم الأزياء الجاهلية البائدة التي عفى عليها الزمن، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية، ولن يبقى فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي : قاسم أمين" !!
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)
إذاً: فهذه الكلمة من هذا الشيخ تدلك على أن الفريقين (التغريـبـي العلماني والعصراني) يسيران نحو هدف واحد، وأن الفروق بينهما يسيرة –كما سبق-، ولهذا نجدهما كثيراً ما يلتقيان ويلمع بعضهما بعضاً! مصداقاً لقوله تعالى (تشابهت قلوبهم).
أسأل الله أن يجنبنا الشرور والفتن، وأن يبصر دعاتنا بحقيقة الأمور، وأن لا ينساقوا خلف الأوهام التي لا حقيقة لها، وأن لا يجعلهم سلماً ومتكأ لغيرهم من أعداء الإسلام.
هذا، وقد جعلت عدة تنبيهات في مقدمة هذه الرسالة، أتبعتها بالملحوظات على كتاب أبي شقة ثم شيء من تناقضاته.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

تنبيه (1) :
قد يقول قائل: بأن هذا الأخ الفاضل إنما يلمح في مقاله إلى جواز كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب، فلا تثريب عليه، لاسيما وهو رأي "الجمهور" كما يزعم.
فأقول: إن كان ما تقولون فالتثريب على هذا الأخ يكون أشد!، لأنه ينبغي عليه وقد اختار هذا الرأي أن يقوم بالخطوات التالية لكي لا يصبح من متبعي الشهوات ومثيري الفتن:
الخطوة الأولى: أن يعمل بهذا الرأي في خاصته، مع زوجته وبناته مثلاً.
فإن قال: أخشى من نقد المجتمع وكلامهم، فأقول: كيف تخشى من ذلك وأنت هنا لا تكتفي باتباع هذا الرأي بل تُسَفه ما خالفه وتدعو إليه (ولو بالتلميح). كان الأولى أن تخاف هنا لا هناك.
الخطوة الثانية: أن لا يحاول نشر ما اختاره بين نساء المسلمين المتسترات ممن يغطين وجوههن في هذه البلاد؛ لأنه كما هو معلوم أن ستر وجه المرأة أفضل وأولى حتى عند القائلين بجواز كشف وجهها. فهذا هو الألباني –مثلاً- وهو عمدة القائلين بالكشف يقول: "نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه إن كان جائزاً، فستره أفضل، وقد عقدنا لذلك فصلاً خاصاً في الكتاب"([4]) ويقول عن ستر الوجه واليدين: "ذلك ما نستحبه لهن، وندعو إليه"([5]) وتأمل قوله "وندعو إليه" وقارنه بحال هذا الفاضل !
إذاً فستر الوجه أفضل من كشفه عند من يقول بجواز الكشف، فكيف يرضى هذا الفاضل أن يدعو نساء المسلمين في هذه البلاد –خاصة- أن يتنازلوا عن الأفضل !! فيكون ممن قال الله فيهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
الخطوة الثالثة:أن يُسَخر جهوده ودعوته لنشر الحجاب الذي اختاره بين المتبرجات، وهن يملأن ديار المسلمين–إلا ما رحم الله-، وهن يفعلن (المحرم) بالاتفاق. فما باله تركهن وسلط دعوته على المتسترات؟! فحاله كحال من رأى قوماً لا يصلون وآخر يصلي الفروض ويتطوع بالسنن فاستشاط غضباً على هذا الرجل ودعاه إلى ترك السنن لأنها ليست بواجب!! وفي المقابل ترك من لا يصلون!
لو فعل الفاضل هذه الخطوات السابقة لما ثربنا عليه، وأما وهو لم يفعلها فلا لوم علينا إن ناصحناه وحذرناه من أن يكون ممن قال فيهم شيخ الإسلام: "إن كثيراً من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه، من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة"([6]) 
تنبيه (2) :
إن هذا الفاضل إن كان يدعو إلى جواز كشف وجه المرأة للأجانب فقد أخطأ وأساء لنفسه عندما زعم أن القول الآخر، وهو قول من يرى ستر وجهها عن الأجانب هو من "العادات" أو أنه "رؤى مذهبية" !
فهل هذا إلا مغالطة إن لم تكن كذباً بواحاً ؟! ألا يعلم هذا الفاضل أن من يرى ستر وجه المرأة له من الأدلة (الصريحة) أضعاف أضعاف ما لدى الآخرين([7])، إضافة إلى أنه يجيب عن أدلتهم المتهافتة وهم لا يستطيعون أن يجيبوا عن الكثير من أدلته([8]). وليتك اطلعت عليها في مؤلفاتهم قبل أن تفوه بكلمتك السابقة.

تنبيه (3) :
إن من يزعم بأن جواز كشف وجه المرأة لوجهها عند الأجانب هو رأي "الجمهور" قد أخطأ خطأ بيناً ولم يأت بدليل على هذا، وإنما هي أقوال متفرقة لبعض الفقهاء المتأخرين، أداهم إليها ظنهم أن عورة المرأة في الصلاة كعورتها في
النظر، وليس هذا موضع الإطالة في هذه القضية([9]). وكذلك مثلهم من زاد فادعى بأن هذا القول يقول به الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد !! وما هذا إلا محض افتراء عليهم، إنما زعمه من رأى بعض من ينتسب إليهم من المتأخرين يختار هذا القول الضعيف فظن الأئمة يقولون به! وما مثله إلا كمثل من ينسب لهؤلاء الأئمة عقائد فاسدة لأنه رأى بعض أتباعهم المتأخرين وقعوا فيها([10]) .
وتوضيح هذا بالتفصيل يأتي في بحث قادم –إن شاء الله-.

تنبيه (4) :
قال الشاطبي –رحمه الله- في (الاعتصام، 1/134): "لاتجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، فينـزله على ما وافق عقله وشهوته"!

تنبيه (5) :
قال الشيخ أبو بكر الجزائري –وفقه الله- وهو الذي عركته السنون واطلع على أحوال ديار المسلمين وتقلباتها الاجتماعية، قال:
"وختاماً، فهذه رسالة (فصل الخطاب في المرأة والحجاب) قد أوحاها الواجب وأملاها الضمير ونشرتها الرغبة الصادقة في تجنب هذه البلاد شر الِغيَر وإبعادها من ساحة الخطر، إذ هي بلاد أنعم الله تعالى عليها بعظيم النعم؛ نعم الدين والدنيا، والأولى والأخرى، وكل ذي نعمة محسود، وذو الحسد لا يقف في الإضرار عند حد، فلذا وجب تنبيه أبنائنا وإخواننا في هذه الديار ديار الله إلى ما يكيده المحسدة لهم وما يمكرونه بهم.
إنهم يريدون أن يهدموا البناء من أساسه ويقوضوا البيت من أركانه.
يريدون أن ترمي فتاة الإيمان وغادة الإسلام النقاب والحجاب وتخرج عارية كاليهودية أو النصرانية وقد فارقها الحياء والإيمان، إذ هما صنوان إذا ذهب أحدهما ذهب الثاني، وبذلك ينطفئ النور ويعتم ظلام الفسق والفجور، ويتخلى الله عمن تخلى عن الإيمان به والإسلام له، والإحسان فيه والحياء منه، ومن تخلى الله عنه لا يدري في أي واد يرمى به فيهلك مع الهالكين.
فيا معشر الأبناء والإخوان اقبلوا نصيحة مجرب طال ركوبه على متن الحياة فعرف حلوها ومرها وصالحها وفاسدها وطيبها وخبيثها. وعرف سنن الله تعالى فيها، تلك السنن التي لا تحابى أحداً من خلق الله بل تجرى وفق ما سنها الله تعالى له؛ فالطعام يُشبع، والماء يُروي، والنار تُحرق، والحديد يقطع، والسفور يقود إلى الفجور، والفجور خروج عن نظام الحياة، والحياة من خرج عن نظامها فارقته وفارقها ومن فارق الحياة مات، ومن مات فات، والفائت لا يطلب لاستحالة إدراكه، واستواء حياته بمماته.
فأبقوا يا أبنائي على حجاب نسائكم فجنبوهن الاختلاط، وأبعدوهن من أي ارتباط لم يكن ارتباط زوج بزوجة أو أم بأولاد، فذلك خير، والخير مرغوب ومطلوب، فاطلبوه بصيانة الأعراض، وطهارة الأعراق والأنساب، وإياكم ورغبات الشباب الجامحة، وتطلعات الفتيان والفتيات الطامحة، فإن الانسياق وراءها والجري في مجراها يؤدي بكم إلى هدر كرامتكم وسلب عزكم وضياع مجدكم، ويومئذ تندمون وتبكون وهل ينفع الندم أو يجدي البكاء ؟ لقد ذهب الفسق عن أمر الله ورسول الله بجنة العرب –الأندلس الخضراء- وذهب الكفور والفجور بالجمهوريات الإسلامية وحولها إلى أقاليم سوفياتية.
فالله الله يا أبنائي، وإني لكم ناصح أمين، في دولتكم، فشدوا من أزرها وقووا من دعائمها وأركانها بإقامة الصلوات وترك الشهوات، فإن أقواماً أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات قد خسروا في الحياة والممات، فاربأوا بأنفسكم أن تكونوا مثلهم والله معكم ولن يتركم أعمالكم"([11])

كتاب: "تحرير المرأة في عصر الرسالة" :
مؤلف الكتاب هو : عبد الحليم محمد أبو شقة .
قدم لكتابه: محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وهذا له دلالته في اختيار المؤلف منذ البداية خط من يسمون بفقهاء التيسير أو فقهاء ضغط الواقع([12]).
قال القرضاوي عن المؤلف في تقديمه (ص19) "لقد نشأ في حركة الإخوان المسلمين منذ شبابه المبكر".
قلت: من المعلوم للمتابعين الآن أن جماعة الإخوان فقهياً تنقسم قسمين:
1-قسم السائرين على المنهج الأول: وهو فقه أهل السنة والجماعة القائم في مجمله على الدليل الشرعي دون التعصب لأي مذهب من المذاهب الأربعة، وعمدتهم الكبرى في هذا: كتابهم الشهير "فقه السنة".
2-قسم فقهاء التيسير ممن تأثروا بالعقلانيين ومن يسمون بأصحاب التيار المستنير، وهؤلاء فقههم يقوم على الأيسر مهما خالف ذلك الأدلة الصحيحة، ويقوم على تطويع الإسلام للواقع بدلاً من العكس، إضافة إلى أن (معظمهم) لا يستعين بفقه أهل السنة والجماعة، بل لا مانع عنده أن يأخذ من غيرهم. وفقهاء هذا القسم هما محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وإن كان الثاني أضلع وأمكن من الأول([13]).
ومؤلف كتاب "تحرير المرأة.." من ضمن أفراد هذا القسم –كما سيأتي- ولهذا قال القرضاوي في تقديمه له (ص 20): "كان له اليد الطولى في إخراجها إلى حيز الوجود، بل كان هو صاحب فكرتها، الداعي إليها" أي مجلة "المسلم المعاصر"، وهي من أبرز مجلات التيار المستنير.
-الكتاب مكون من خمسة أجزاء([14])، هي كالتالي:
الجزء الأول: (معالم شخصية المرأة المسلمة).
الجزء الثاني: (مشاركة المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية).
الجزء الثالث: (حوارات مع المعارضين لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية)
الجزء الرابع: (لباس المرأة المسلمة وزينتها).
الجزء الخامس: (مكانة المرأة المسلمة في الأسرة).
-حشد المؤلف في كتابه ما استطاع من نصوص البخاري ومسلم مما يتعلق بموضوع المرأة وقام بتصنيفها وعنونتها والتعليق على بعضها. مع ملاحظة أن الحديث الواحد يكرره في مواضع مختلفة يرى أنه يدل عليها .




الملحوظات :
وقد سردتها دون ترتيب معين؛ مع الإشارة إلى موضعها من كتابه، ودون إطالة في التعليق عليها؛ لأن أكثرها لا يستحق ذلك؛ لتهافتها الواضح لكل من قرأ أو سمع القرآن والسنة .
1-تقريره الاختلاط بين الرجال والنساء، وتسميته ذلك الاختلاط بالاختلاط "المشروع" ! تلبيساً على القارئ .
يقول أبو شقة (2/16) "إن لقاء النساء والرجال بآدابه الشرعية هو ما يمكن أن نطلق عليه حسب التعبير الشائع الآن (الاختلاط المشروع) وهو ظاهرة صحية" !!
ولا أدري كيف تعامى أبو شقة عن الأدلة الكثيرة التي هي في الكتاب وفي الصحيحين تحرم الاختلاط الذي يدعو إليه ومن يتابعه من المستنيرين؟ ومن ذلك: قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) وإن زعم أن هذه الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقد أوقع نفسه في زلة عظيمة؛ إذ كيف تكون زوجاته صلى الله عليه وسلم محتاجات لهذا الحجاب لطهارة قلوبهن، ولا يحتاجه غيرهن من النساء؟! وهل هذا إلا دليل على تفضيل النساء الأخريات على زوجاته صلى الله عليه وسلم ؟! فهل يقول بهذا أبو شقة ومن معه ؟ ثم إنه من المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن الأدلة الصريحة على تحريم الاختلاط الذي يدعو إليه أبو شقة وأحزابه: حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: "استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق" أخرجه أبو داود بسند صحيح([15]). ومعنى " تحققن " أي : تتوسطن .
وقد كان من سنته صلى الله عليه وسلم أنه يمكث قليلاً عند انتهاء الصلاة هو وأصحابه حتى تذهب النساء، أخرجه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/336): "وفي الحديث .. كراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت"
والعاقل لو تأمل لعلم أنه ليس هناك شيء اسمه (اختلاط مشروع) وآخر (غير مشروع)! كما يتوهم أبو شقة ومن معه؛ مهما جعل له من الضوابط الموهومة التي لا حقيقة لها على أرض الواقع، بل يدرك سذاجتها وسخفها عامة الناس قبل علمائهم.
2-من انحرافاته في كتابه أنه –كما سبق- يضخم ويهول من دلالة بعض الأحاديث ويلويها لتدل على أمور عظيمة لا يقول بها مسلم يعظم شرع الله.
أ-ومن أمثلة ذلك ما ذكره في كتابه (2/65) تعليقاً على حديث أمره صلى الله عليه وسلم أن يحضر النساء والفتيات والحيّض صلاة العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، بعد أن ذكر هذا الحديث ضمن أحاديث (الترويح)!، قال:  "نعم يخرجن؛ لأن الأمر ليس أمر صلاة وحسب، إنما هو احتفال إسلامي كبير يقام في مكان فسيح يتسع لأكبر عدد ممكن من أهل المدنية" !! فالأمر عند أبي شقة ليس أمر صلاة كما هو عند المسلمين، إنما هو ترويح واحتفالات! بل لا تستغرب إن قال حضور مباريات ومهرجانات رياضية وفنية!! فكلامه تمهيد لمثل هذه الأمور، نعوذ بالله من مرض القلوب.

ب-ومن أمثلة ذلك –أيضاً- أنه جاء إلى حديث رؤية عائشة وهي في بيتها، وبيتها يطل على المسجد، والنبي يسترها، إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب،





جاء إلى هذا الحديث وطوعه لهواه قائلاً (2/65) : "نحسب أنه من الطبيعي أن يكون بعض فتيات ونساء المدينة قد شاهدن تلك الألعاب" !! واستنبط بعقله وخياله الواسع ! "هل يبعد والأمر كذلك أن يصل إلى سمع بعض نساء المؤمنين خبر هذا اللعب؟ وهل يبعد وقد وصلهم الخبر أن يسعين للنظر إلى لعب الأحباش ويشتركن في هذا الاحتفال الكبير؟" !
فانظر كيف أقام الخيالات والأحكام على نظر عائشة إلى الحبشة من نافذة بيتها المطل بالمسجد والنبي مع ذلك يسترها ؟!
جـ- اختار أبو شقة للمرأة أن تكون عاملة نظافة !!(2/347) محتجاً بحديث المرأة السوداء التي كانت تنظف مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي متسترة تطوعاً واحتساباً.
3-اختار للنساء أن تستقبل إحداهن في بيتها "العمال الذين يقدمون لإصلاح أو صيانة بعض أدوات المنـزل" (2/70).
ولا أدري أين ذهبت أحاديث تحريم الخلوة بالأجنبية ؟!
4-اختار للرجل أن يصافح النساء (2/92-93). رغم أنه قد ذكر حديث "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"([16]) وحديث: "لا أمس أيدي النساء"([17]) ! ولكنه تأولهما وألغى دلالتهما كشيخه القرضاوي([18]). نعوذ بالله من مشاقة رسوله صلى الله عليه وسلم.
5-ومن أعجب اختيارات الرجل: اختياره (2/258) جواز أن تفلي المرأة رأس الضيف !!! واسمع قوله –متعجباً- "إن هذا المستوى من الرعاية الحانية وما يتخلله من قرب ولمس للبدن مشروع ما دامت الفتنة مأمونة. ولا تؤمن الفتنة هنا عادة إلا في حالات خاصة كما هو واضح من النصوص. وهذه الحالات تندرج تحت ظاهرة اجتماعية مشهودة تعين على أمن الفتنة وتشجع على قبول هذا المستوى من الرعاية الحانية. هذه الظاهرة تشير إلى أن طول العشرة بين المسلمين الصالحين تولد في نفوس المتعاشرين مشاعر خاصة نبيلة تَضْمُرُ معها الشهوة، وما كان لهذه المشاعر أن تولد لولا طول العشرة…ومع هذه المشاعر تخف الشهوة الفطرية نحو الجنس الآخر حتى تكاد أن تنمحي" !
قلت: فلا أدري هل يقول بهذا من يتابع أبا شقة ويثني على كتابه؟!!
قد يقال: إن الرجل احتج بحديث أم حرام التي كانت تفلي رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في البخاري . فأقول: قال النووي في شرح مسلم (13/57): "اتفق العلماء على أنها كانت محرماً له صلى الله عليه وسلم" ! فهل غاب هذا الاتفاق عن أبي شقة حتى ذهب يتصيد من الأقوال الشاذة ما يحلل به ما حرم الله، اتباعاً لهواه وتساهله في أمر النساء والغيرة؟! ويشهد لهذا الاتفاق ما سبق من النصوص الصريحة في عدم جواز مس المرأة.
6-اختار أبو شقة للنساء أن يعملن "مضيفات" ! (2/348) متجاهلاً أحاديث تحريم سفر المرأة إلا مع ذي محرم. وهي في الصحيحين، أي على شرطه!
7-أما في أمور السياسة فقد توسع أبو شقة توسعاً فاحشاً كشيخه القرضاوي؛ (ففرض) ! على المرأة حق الانتخاب (2/442). و(فرض) عليها (2/443) "الانضمام إلى الأحزاب والقوى السياسية" !! ولا أدري إلى ماذا تدعو هذه الأحزاب والقوى ؟! إن كانت تدعو إلى حكم الإسلام، فما بالها أصبحت (أحزاباً) ولم تصبح (حزباً) واحداً كما أراد الله ؟!
و(فرض) عليها أبو شقة (2/445) "المشاركة في التعبير عن الرأي في القضايا العامة سواء بالكتابة أو التظاهر أو الإضراب" !!
و(فرض) عليها (2/446) "قبول الترشيح للمجالس النيابية" !
ثم نقل عن شيخه القرضاوي ما يؤيد به مفاسده السابقة، ليبوء الاثنان بإثم من يتابعهما من النسوة المغرر بهن([19]).
8-لكي يهون أبو شقة معصية (الاختلاط)، ولكي يشجع المرأة ويغريها على ملاقاة الرجال، قال –وبئس ما قال- (3/21): "نحب أيضاً أن نلفت الانتباه إلى أهمية دور الإلف والعادة في الصلات الاجتماعية؛ فإن الإلف يعين على تخفيف الحساسية عند رؤية الجنس الآخر. وذلك مما يجعل الأمر هيناً نوعاً عند الطرفين. فالمرأة إذا لم تتعود وتألف لقاء الرجال فلابد أنها تشعر بحساسية وحرج بالغ إذا دعت الحاجة إلى لقاء الرجال؛ وسيشعر بالحرج أيضاً زوجها أو أبوها أو أخوها، وعندها يفضل الجميع –دفعاً للحرج- التضحية بالحاجة وما وراءها من خير مهما كانت أهمية تلك الحاجة ومهما كان قدر الخير الذي وراءها، سواء للمرأة أو للمجتمع. وكذلك الحال مع الرجال فالذي تعود منهم وألف لقاء النساء والاجتماع بهن عند الحاجة بين حين وآخر لن يحس في دخيلة نفسه ما يمكن أن يحسه رجل آخر لم يألف ذلك ثم دعته الحاجة إلى لقاء النساء".
قلت: صدق الله إذ يقول (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً).
9-اعترف أبو شقة على استحياء بأن لقاء المرأة بالرجال قد يحدث ميلاً للجنس الآخر لا مفك من ذلك. ولكنه هوّن من هذا الأمر وعده أمراً فطرياً لا حرج منه !
 يقول أبو شقة (3/54): "إن قدراً من الميل والأنس والاستراحة للحديث والكلام يحدث عادة بصورة عفوية نتيجة لقاء الرجل المرأة، أي أنه يحدث دون قصد لأنه أمر فطري ابتلى الله به بني الإنسان. فإذا لم يسترسل كل
منهما في مشاعر الميل والأنس وشغلهما الأمر الجاد الذي التقيا من أجله، عندئذ فلا حرج على المؤمن والمؤمنة، ولكن عليهما ضبط مشاعرهما وتوجيه اهتمامهما إلى تحقيق الهدف من المشاركة واللقاء" !!
قلت: ولا أدري ما هو هذا الأمر الجاد الذي التقيا عليه ؟!
10-يسخر أبو شقة كثيراً في كتابه من الحجاب الذي أمر الله به النساء، ويحاول –كغيره من مثيري الفتن- أن ينفرهن منه، وكفى بهذه السخرية بأحكام الله وشرائعه إثماً مبيناً.
-يقول أبو شقة (3/203) بأن المسرفين: "ألزموا المرأة بستر وجهها دائماً، وفي ذلك تضييق على ما منحها الله من قوة الإبصار وتضييق حريتها في تنفس الهواء" !
قلت: تأمل قوله (دائماً) ! والذي يعرفه كل مسلم أن المرأة لا تستر وجهها إلا عند الرجال الأجانب، وهذا الأمر لمن تأمله لا يمثل سوى جزءٍ يسير من حياتها، فكيف يكون (دائماً) ؟!
ثم –وهذه هي الطامة- أنت تقر في (4/295) بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الواجب عليهن تغطية وجوههن، وهو إجماع، فيلزمك أن تقول بأن الله قد "ضيق عليهن قوة الإبصار التي منحهن وتنفس الهواء" ؟!! ألا ما أعظمه من قول ؟!
11-هون أبو شقة كثيراً من أمر غيرة المؤمنين على محارمهم، ولامهم على ذلك، وأحاله إلى "مزاجهم الشخصي" ! يقول أبو شقة (3/207): "زاد طغيان الغيرة حتى وصل الأمر في بعض المجتمعات المسلمة إلى أن يغار الرجل من مجرد رؤية الناس وجه أمه أو أخته أو زوجه" !!
12-تابع أبو شقة الألباني في اختياره للمرأة أن تكشف وجهها أمام الأجانب إلا أنه لم يرضه رأي الألباني بل زاد عليه انحرافاً وألغى بعض شروط الحجاب الشرعي التي ذكرها الألباني بأدلتها؛ لأنها لم توافق هواه.
وتوضيح ذلك : أن الألباني جعل للحجاب الشرعي هذه الشروط([20]):
1-             استيعاب جميع البدن إلا ما استثني .
2-             أن لا يكون زينة في نفسه .
3-             أن يكون صفيقاً لا يشف.
4-             أن يكون فضفاضاً غير ضيق .
5-             أن لا يكون مبخراً مطيباً .
6-             أن لا يشبه لباس الرجل .
7-             أن لا يشبه لباس الكافرات .
8-             أن لا يكون لباس شهرة .
أما أبو شقة (4/30) فاختزل هذه الشروط في خمسة ! وهي:
"1-   ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين.
2-             التزام الاعتدال في زينة الثياب والوجه والكفين والقدمين .
3-             أن يكون اللباس والزينة مما تعارف عليه مجتمع المسلمين .
4-             أن يكون اللباس مخالفاً –في مجموعه- للباس الرجال.
5-             أن يكون اللباس مخالفاً –في مجموعه- لما تتميز به الكافرات".
فليته إذ اختار كشف الوجه التزم بالشروط الأخرى للحجاب القائمة على الأدلة([21]) ولم يخترع شروطاً من عنده ليضل بها النساء ويفتن بها أبناء المجتمع.
فمعنى قوله : أن للمرأة أن تلبس الثياب الشفافة، والثياب الضيقة، و الثياب المطيبة أمام الرجال !، لأنه حذف جميع هذه الشروط !
وقد صرح ببعض هذا (4/77) بقوله: "لا حرج على المرأة أن تلبس ما يصف بعض أعضائها ذات العظام البارزة؛ كالرأس والكتفين والقدمين والكعبين وما جاورهما من أسافل الساقين" !
13-ليت أبا شقة عندما اختار كشف وجه المرأة اكتفى بأدلة الألباني ولم يتحفنا بخيالاته الواسعة واستنباطاته العجيبة ! ومن ذلك: قوله (4/103) تعليقاً على حديث فاطمة بنت قيس التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم: "وبالتأمل يبدو أن المرأة جاءت سافرة الوجه فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمالها ما جعله يعجل بترشيحها لتكون لحبه أسامة بن زيد" !! فالرجل (تخيل) ثم (حكم) !
ومثله: قوله تعليقاً على حديث المرأة التي مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي عند قبر ولدها (4/117): "والظاهر أنه إنما عرفها من سفور وجهها" !!
ومثله : قوله تعليقاً على حديث من نذرت أن تحج صامتة (4/119): "نحسب أن المرأة كانت سافرة الوجه ورآها الصديق صامتة" !!
ومثله: قوله تعليقاً على استفتاء إحدى النساء لعمر رضي الله عنه (4/119): "نحسب أنه –أي الراوي- عرف ذلك –أي أنها شابة- بسبب سفور وجهها" !!
إلى غير هذا من الاستنباطات العجيبة القائمة على خيال واسع لم يحظ به أحدٌ من العلماء !
14-يقول أبو شقة (4/152) مروجاً لكشف الوجه بين المسلمات: "كشف الوجه يعين على تعارف الأقارب وذوي الأرحام وتواصلهم: فيتعرف الشاب على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات. وتتعرف الفتاة على أبناء أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها. وأيضاً يتعرف الشاب على زوجات الأعمام والأخوال وتتعرف الفتاة على أزواج العمات والخالات، وكذلك يتعرف الرجل على أخوات زوجته وتتعرف المرأة على إخوة زوجها. أما إذا عم ستر الوجه وتبعه الاحتجاب من كل الرجال غير المحارم فكيف يتواصل ويتواد الأقارب وذوو الأرحام؟ كيف يعود بعضهم بعضاً عند المرض؟ كيف يودع بعضهم بعضاً أو يستقبل بعضهم بعضاً عند السفر؟ هل يذهب الرجل ليصل ابنة عمه أو خاله المتزوجة فيلقى زوجها ويجالسه ويتبادل معه المشاعر النبيلة، ولا يلقى ابنة خاله وهي المقصودة بالزيارة والصلة والمودة؟"!!
وكأن المقصود بصلة الرحم –عند أبي شقة- هو تأمل وجوه الأجنبيات ليتحقق ذلك ! أما السلام والسؤال عن الحال فلا يكفي !
15-ويستمر أبو شقة في ترويج (سفوره) بين نساء المسلمين، ولكن هذه المرة بكذبة كبرى لا تخفى على أحد .
يقول (4/156) : "إنه مع كشف الوجه يظل الإنسان –سواء أكان قوياً أو ضعيفاً- مرتبطاً من حيث الشهوة بالجنس الآخر. أي يظل الميل الفطري الذي خلقه الله يجري في مجراه الطبيعي ولا ينحرف هذا الميل إلى الجنس نفسه. وإذا كان الأقوياء –مع المجاهدة- يكونون في الحالين في أمان من الزلل فهم قلة عادة، والكثرة هم الضعفاء، وهؤلاء في حال كشف الوجه قد يقعون في شيء من اللمم، وقد يصل الأمر إلى فعل الفاحشة في أحيان قليلة، لكنهم يظلون مع الفطرة دائماً.
أما في حال ستر الوجه حيث تسد كل السبل لرؤية الجنس الآخر، فإنهم يتجهون غالباً إلى الجنس نفسه، إذ كل السبل مفتوحة دون قيود. وهذا أمر مشاهد معروف في عصرنا وفي كل العصور، وقد أدركت ذلك بنفسي فقد خالطت نوعين من المجتمعات، أولهما: حيث المرأة مكشوفة الوجه وتشارك بأقدار في الحياة الاجتماعية، كان عدد الشباب المنحرف إلى الجنس نفسه قلة نادرة. وثانيهما: حيث المرأة ساترة الوجه منعزلة تماماً عن مجتمع الرجال، كانت كثرة من الشباب منحرفة إلى الجنس نفسه" !!!
قلت: تأمل هذه الفرية ما أعظمها، فلا أدري كيف يستغفل أبو شقة قارئه ويدغدغ عواطفه بهذه الأكاذيب؟ وإلا فإنه يعلم –وأصبح الجميع يعلم ولله الحمد- أن المجتمعات الإباحية التي لا تكتفي بكشف الوجه فقط ينتشر بينها الشذوذ أكثر من غيرها، حتى إنها اضطرت إلى أن تسن قوانين وشرائع لهذا الشذوذ. ومن أراد أن يعرف شيئاً عن الأرقام والحقائق المروعة التي يعيشها الغرب فليرجع إلى كتب محمد رشيد العويد، وكتاب "عندما اعترفت أمريكا بالحقيقة" ترجمة الدكتور محمد البشر، وغيرها من الكتب والمجلات التي كشفت هذا الأمر.
بل لو قيل بأن السفور والإباحية هما سبب الشذوذ لكان هذا القول أولى بالقبول؛ لأن الرجال يكونون قد ملوا من النساء ورؤيتهن حتى ثملوا، فلجئوا إلى غيرهن. وما مجتمع قوم لوط عنا ببعيد. ولكنها الأكاذيب والأضحوكات لترويج السفور، ونشر الفتنة. نسأل الله العافية.

تناقضات أبي شقة :
من الأمور المستقرة عند العلماء أنه ما من إنسان يأتي بقول مخالف للكتاب والسنة إلا وتجد التناقضات في قوله ذاك، فهذه سنة مطردة في كل من خالف الحق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هؤلاء([22]) : "ولست تجد أحداً من هؤلاء إلا متناقضاً … بخلاف ما جاء من عند الله فإنه متفق مؤتلف، فيه صلاح أحوال العباد في المعاش والمعاد، قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)" 
قلت: وهذا ما وجدته في كتاب أبي شقة مصداقاً لذلك الأمر المستقر والسنة المطردة، وإليك شيئاً منه :

التناقض الأول :
1-أنه –كما سبق- قرر بأن الاختلاط (المشروع!) وكثرة لقاء المرأة بالرجل يزيل الحرج عنهما ويجعل الأمر عادياً لا فتنة فيه .. الخ .
ثم تجده (3/33) يعلق على حديث : "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"([23]) الذي أحرجه به علماء الأمة ممن ينكر الاختلاط، علق بقوله: "ابتعاد النساء عن الرجال مما يعين على خلوص القلب للعبادة والذكر" !!
فنقول : كيف يكون الاختلاط في خارج العبادة مرغباً فيه ولا يثير شيئاً، وأما في العبادة فإنه يشغل الإنسان بالوساوس والخطرات ؟! كان العكس أولى، ولكنه التناقض.

التناقض الثاني:
أنه في (4/66-70) ذكر نصوصاً تفيد وجوب ستر ساقي المرأة. فاختار أن المرأة تستر سوقها لا أقدامها ! ثم ذكر في (4/71) حديث أم سلمة المشهور: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال: "يرخينه شبراً". فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن؟ قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" . فلما رأى أنه يخالف رأيه المنكوس قال: "هذه الأحاديث تشير إلى ستر القدمين، ولكن إذا تأملناها في ضوء حديث هاجر وأسماء اللذين سبق ذكرهما تبينا أن المقصود ستر ما فوق القدمين من أسافل الساقين" !!
فتأمل هذا التناقض والفقه العجيب ! الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجه أم سلمة من أفصح العرب وهي تقول له "إذاً تنكشف أقدامهن" وأبو شقة يقول: بل ما فوق أقدامهن !
والغريب أن ذراعاً من الثياب يُسْحب على الأرض لا يستر أسفل الساقين عند أبي شقة !!

التناقض الثالث :
أنه يتبجح في مقدمة كتابه بأنه سيعتمد على نصوص الصحيحين فقط، وأنه يدعو إلى "أن تكون الفتوى مصحوبة بالدليل من كتاب أو سنة" (1/50).
ثم تجده في (4/772) عند اختياره جواز أن تلبس المرأة ما يصف حجم بعض أعضائها –كما سبق- يقول مستدلاً : "إن عامة الصالحات من نساء الأتراك في عصرنا يبدو شيء من أسافل سوقهن مما يلي الكعبين، لكنه مغطى بجوارب سميكة، وذلك دون إنكار من العلماء" !! فأين الدليل من الكتاب والسنة؟!

التناقض الرابع:
أنه يقول في (4/295): "نحن لا ننكر وقوع ستر الوجه بنقاب من بعض المؤمنات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"
ثم تراه –كما سبق- يسخر من الحجاب وستر الوجه، وأنه يمنع المرأة من التنفس !! فلا أدري أأنت أرفق بالنساء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي –بحسب اعترافك- قد أقر المؤمنات على تغطية الوجه ؟! لا مفر لك إلا أن تعترف بتناقضك، أو أن تصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر المرأة على العنت والظلم لنفسها !
أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح خير لا مفاتيح شر على أمتنا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين .


([1])   قال شيخ الإسلام: "ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويعلمون أن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بصلاح العباد في المعاش والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما؛ فإن كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه" (منهاج السنة، 4/527).
([2])   يقول الدكتور محمد محمد حسين –رحمه الله- وهو الخبير بدعاة تغريب المرأة: "مصدر الخطأ والخلط في ذلك كله ناشئ عن وضع الاستثناء والشذوذ موضع القاعدة والأصل، واتخاذ أعمال الأفراد حجة على الشرع نفسه" (حصوننا مهددة من داخلها، ص95). ثم بين –رحمه الله- أن حالهم كحال من أباح للناس أكل الميتة لأنه رأى آية أباحتها وقت الضرورة !
([3])   بتاريخ2فبراير1982م. انظر:"الردود الخمسة الجلية على أخطاء كتاب السنة النبوية" للأخ أحمد الديب، ص8.
([4])   جلباب المرأة المسلمة ( ص 28).
([5])   السابق (ص 32)
([6])   الاستقامة (2/256).
([7])   انظر أدلة القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها أمام الأجانب في هذه الكتب: "عودة الحجاب" لمحمد بن إسماعيل، "إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب" للمباركفوري، "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" لأبي بكر الجزائري، "رسالة الحجاب في الكتاب والسنة" للسندي، "أضواء البيان" للشنقيطي (تفسير سورة الأحزاب والنور).
       وليعلم أن جميع المؤلفين السابقين ليسوا من أهل هذه البلاد! لكي لا يتهمنا الأخ الفاضل باتباع (الرؤى المذهبية") !!
([8])   مثال ذلك – والأمثلة كثيرة - : أن الله تعالى يقول ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ......... ) الآية ، والقائلون بكشف وجه المرأة متفقون بأن الواجب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترن وجوههن للأدلة الكثيرة على هذا ، ولكنهم يرونه خاصًا بهن ! ، فكيف يكون ذلك والخطاب في هذه الآية للجميع ؟! ، ولماذا أدخلهن الله في هذه الآية وهي حسب زعمكم لا تدل على وجوب ستر الوجه ؟؟!! أليس هذا من التناقض الذي ينزه عنه كتاب الله ؟!  
([9])   أفضل من تكلم عن هذه القضية وأوضحها: شيخ الإسلام في حديثه عن الحجاب. وقد طبع مفرداً.
([10])  انظر: رسالة "براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة" للدكتور عبد العزيز الحميدي.
([11])  "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" (ص 226-227).
([12])  للشيخ محمد المنجد شريط عن هذا الفقه بعنوان (ضغط الواقع). وللأخ عبد الله البطاطي سلسلة مقالات رائعة عن هذا الفقه نشرت في مجلة الجندي المسلم .
([13])  ولتعلم ما بين فئتي الإخوان من خلاف، انظر: كتاب "العصريون معتـزلة اليوم" ليوسف كمال، فهو رد من الفئة الأولى "المنضبطة" على الفئة الثانية "التنويرية"، وقد قدم له عمر التلمساني مرشد الإخوان سابقاً.
       فواجبٌ على فضلاء جماعة الإخوان مواصلة التصدي لتيار العصرنة الذي اخترق صفوفهم، بل أطاح ببعض رؤسهم؛ كالقرضاوي مثلاً، وأن لا يجعلوه يتسيد الساحة، فيفسد على المسلمين دينهم، وأن لا يكتفوا بالانزواء والاستكانة أمام توهج الطائفة العصرانية التي يؤزها العلمانيون أزًا. فعسى أن يكون ذلك قريباً.
([14])  ذُكر في الغلاف الخارجي للكتاب أنه يتكون من ستة أجزاء، ولم أجد سوى خمسة، فالله أعلم.
([15])  وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (856)، وله شاهد بلفظ "ليس للنساء وسط الطريق" .
([16])  صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1910).
([17])  صحيح الجامع (7177) .
([18])  كما في فتاوى معاصرة له (2/293 وما بعدها)، وانظر (القرضاوي في الميزان) (ص 322 وما بعدها).
([19])  انظر لبيان الحق في هذه المسألة رسالة "المرأة والحقوق السياسية في الإسلام" لمجيد أبو حجير. وكتيب "فتاوى وكلمات لعلماء الإسلام قديماً وحديثاً حول تمكين المرأة من الترشيح والانتخاب" للدكتور عبد الرزاق الشايجي.
([20])  انظر: "جلباب المرأة المسلمة " للألباني، ص 37.
([21])  راجع أدلتها في كتاب الألباني السابق .
([22])  درء تعارض العقل والنقل (5/318).
([23]) أخرجه مسلم . 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire