lundi 4 mars 2013

وباء التبرج


وباء التبرج



تأليف:

الشيخ أحمد بن محمد السعيد العزيزي




اعتنى به وخرج أحاديثه:

سعيد عبد الله الأسمري

وبـاء التـبـرج

الحمد لله الذي سلم ميزان العدل إلى أكف ذوي الألباب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين بالثواب والعقاب وأنزل عليهم الكتب مبينة للخطأ والصواب وجعل الشرائع كاملة لا نقص فيها ولا عاب .
 أحمده حمد من يعلم أنه مسبب الأسباب وأشهد بوحدانيته شهادة مخلص في نيته غير مرتاب وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله وقد سدل الكفر على وجه الإيمان والحجاب فنسخ الظلام بنور الهدى وكشف النقاب وبين للناس ما أنزل إليهم وأوضح مشكلات الكتاب وتركهم على المحجة البيضاء لا سرب فيها ولا سراب فصلى الله عليه وعلى جميع الآل وكل الأصحاب وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والحساب وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن أعظم النعم على الإنسان العقل لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه والسبب الذي يتوصل به إلى تصديق الرسل إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب فمثال الشرع الشمس ومثال العقل العين فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس ولما ثبت عند العقل أقوال الأنبياء الصادقة بدلائل المعجزات الخارقة سلم إليهم واعتمد فيما يخفى عنه عليهم ولما أنعم الله على هذا العالم الإنسي بالعقل أفتتحه الله بنبوة أبيهم آدم عليه السلام فكان يعلمهم عن وحي الله عز وجل فكانوا على الصواب إلى أن انفرد قابيل بهواه فقتل أخاه ثم تشعبت الأهواء بالناس فشردتهم في بيداء الضلال حتى عبدوا الأصنام واختلفوا في العقائد والأفعال اختلافا خالفوا فيه الرسل والعقول إتباعا لأهوائهم وميلا إلى عاداتهم وتقليدا لكبرائهم فصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين

حكمة بعثة الرسل
وأعلم أن الأنبياء جاءوا بالبيان الكافي وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي وتوافقوا على منهاج لم يختلف فأقبل الشيطان يخلط بالبيان شبها وبالدواء سما وبالسبيل الواضح جردا مضلا وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرق الجاهلية في مذاهب سخيفة وبدع قبيحة فأصبحوا يعبدون الأصنام في البيت الحرام ويحرمون السائبة والبحيرة والوصيلة والحام ويرون وأد البنات ويمنعونهن الميراث إلى غير ذلك من الضلال الذي سوله لهم إبليس فابتعث الله سبحانه وتعالى محمدا « صلى الله عليه وسلم» فرفع المقابح وشرع المصالح فسار أصحابه معه وبعده في ضوء نوره سالمين من العدو وغروره فلما انسلخ نهار وجودهم أقبلت أغباش الظلمات فعادت الأهواء تنشىء بدعا وتضيق سبيلا ما زال متسعا ففرق الأكثرون دينهم وكانوا شيعا ونهض إبليس يلبس ويزخرف ويفرق ويؤلف وإنما يصح له التلصص في ليل الجهل فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح فرأيت أن أحذر من مكايده وأدل على مصايده فإن في تعريف الشر تحذيرا عن الوقوع فيه ففي الصحيحين من حديث حذيفة قال كان الناس يسألون رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني
و عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني فقيل وكيف فقال والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه كما أخرجها ..
وبعد ....
إن المستبصر بحال الأمة فى ظلال الديمقراطية والعولمة يجد أنها تعانى من إضطرابات الموت فى ظل إنعاش العولمة لها وتبسيطها وتزيينها لمفاهيم الحريات وفق وجهة ... نظرها .
ويساندهم حواشى السلاطين , ومتكلمين أُشربوا حب الدين للدنيا . وليس إتخاذ وسكنى الدنيا للدين . !!!
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن صلاتي, ونسكي, أي: ذبحي لله وحده, لا للأصنام, ولا للأموات, ولا للجن, ولا لغير ذلك مما تذبحونه لغير الله, وعلى غير اسمه كما تفعلون, وحياتي وموتي لله تعالى رب العالمين.
وكذا تعانى الأمة ومن خلال غِراس هذه المعانى المتخبطة خبط عشواء  , الكثير من الأمراض والأوبئة المتفشية فيها .
ونقف على هذا الوباء الجهنمى الذى كاد  أن يعصف بها ألا وهو وباء التبرج .
الوباء يبدأ بفيروس
والفيروسات قسمان
قسم يتسلط على باطن الجسد المحدد فى فرد
وقسم آخر يتعدى مدى الفردية و يتسلط على عموم جسد الأمة ويسمى وباء
ومن خلال بحثى هذا سأتعرض لوباء التبرج وأبين إلى ما تفشى الوباء وأبين مظاهر خطورته ومظاهر تغلغله فى الجسد . وكذا سأبين ما آل إليه أقوام دينهم الوباء . عافانا الله تعالى وإياكم .
فى خلال بحثى وقراءتى وتصفحى لجديد شبكتى المحببة إلى قلبى مشكاة العلم عبر عالم الأنترنت جزى الله القائمين عليها كل الخير .
وقفت على كتاب هو غاية فى الأهمية . للشيخ الداعية الأستاذ أبو الحسن الندوى رحمه الله تعالى .
وهو بعنوان : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟
وذهلت من تشييع العلماء لهذا الكتاب . ومبادرات العمل على طباعته وكذا ما قاله أكابر علماء مصر فى هذه الآونة عن الكتاب .
وفى أثناء قراءتى للكتاب وقفت على هذه الكلمات .... ((  علينا إذا أردنا أن نأخذ مكاننا من جديد في قيادة الإنسانية أن نعتقد اعتقاداً حقاً يظهر أثراً في كل ما نقول أو نعمل- و مما يراه شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال من أن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ، ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار ، بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدينة ، ويفرض على البشرية اتجاهه ، ويملي عليها إرادته ، لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين . ولأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه . فليس مقامه مقام التقليد والإتباع إن مقامه مقام الإمامةو القيادة ومقام الإرشاد والتوجيه . ومقام الآمر الناهي . وإذا تنكر له الزمام ، وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة ، لم يكن له أن يستسلم ويخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر ، بل عليه أن يثور عليه وينازله . ويظل في صراع معه وعراك ، حتى يقضي الله في أمره . إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاسرة والأوضاع القــاهرة ، والاعـــتذار بالقضــاء والقـــدر مــن شــأن الضعــفاء والأقـــزام . أمــا المــؤمن الـقــوي فــهو بنفــسه قضــاء الله الغـالب وقــدره الــذي لا يرد(1) )) .
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74
والذين يسألون الله تعالى قائلين: ربنا هب لنا مِن أزواجنا وذريَّاتنا ما تَقَرُّ به أعيننا، وفيه أنسنا وسرورنا، واجعلنا قدوة يُقتدى بنا في الخير.
وكذا قوله رحمه الله تعالى ...
(( والقرآن وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم قوتان عظيمتان تستطيعان أن تشعلا في العالم الإسلامي نار الحماسة والإيمان ، وتحدثا في كل وقت ثورة عظيمة على العصر الجاهلي وتجعلا من أمة مستسلمة منخذلة ناعسة ، أمة فتية ملتهبة حماسة وغيرة وحنقاً على الجاهلية ، وسخطاً على النظم الخائرة . إن علة علل العالم الإسلامي اليوم هي الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان بها . والارتياح إلى الأوضاع الفاسدة . والتبذير الزائد في الحياة . فلا يقلقه فساد . ولا يزعجه انحراف . ولا يهيجه منكر . ولا يهمه غير مسائل الطعام واللباس . ولكن بتأثير القرآن والسيرة النبوية . إن وجدا إلى القلب سبيلاً . يحدث صراع بين الإيمان والنفاق . واليقين والشك . بين المنافع العاجلة والدار الآخرة ، وبين راحة الجسم ونعيم القلب ، وبين حياة البطولة وموت الشهادة . صراع أحدثه كل نبي في وقته . ولا يصلح العالم إلا به . حينئذ يقوم في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي . في كل أسرة إسلامية ... فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى{13} وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً{14} هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً{15} } . هنالك تفوح روائح الجنة ، وتهب نفحات القرن الأول . ويولد للإسلام عالم جديد لا يشبه العالم القديم في شيء ))
ومن هنا هاجت حميتى أن أتواصل مع هذه الكلمات الطيبات والتى أسأل الله أن يرزق قائلها جوار النبى العدنان عليه الصلاة والسلام .
كلمات هيجت فى حناياى مشاعر ... فيما يكمن الداء ؟
ما هى أبرز مظاهر هذا الإنحطاط
وأى الجوانب إستضعفها فى الأمة حتى يتحول إلى وباء ؟
أستضعف المرأة أم إستهان بنخوة الرجال ؟
تجمعوا إخوتى فهاهنا يكمن داء عضال أصاب الأمة
رجال ونساء شيبة وشباب .
وأنا لا أبلور موضوع الكتاب ولكنى تأثرت  بما حوته سطوره .
والكتاب أكبر من أن يأخذ منه أمثالي إلا  شذرات الفكر .
فلا تنسوا مرجعى الأصلى .... (( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟؟؟ ))


والآن مع كتاب (( وبــــاء التبرج ))

ومقدمه لكم
خادم الكتاب والسنة
سبط ابن دقيق العيد
أبا كفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد
مصر المحروسة
يوم الخميس . الموافق :
7 من جمادى الأول سنة 1428 هجرياً .
24 من مايو سنة 2007 ميلادياً .







الإسلام وطهارة الفطرة .

خلق الله تعالى المرأة ذات فطرة طاهرة ونقية . ولأنه الخالق فقد أحكم الخلقة ومازها عن شقها الآخر بأدوات أختصها سبحانه بها . وجعل لها خصائص مغايرة للرجل ومختلفة عنه فيها إختلاف بيّن . لا ينكره إلا من يحتاج مراجعة عقله ودينه .
يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى :
والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة . فإذا كان الواقع الصغير في جيل محدود أو في رقعة محدودة يخالف تلك الحقيقة , فهذا الواقع هو الباطل الزائل . الذي يوجد فترة في الأرض لحكمة خاصة . لعلها استجاشة الإيمان وإهاجته لتحقيق وعد الله في وقته المرسوم . وحين ينظر الإنسان اليوم إلى الحرب الهائلة التي شنها أعداء الإيمان على أهل الإيمان في صورها المتنوعة , من بطش ومن ضغط ومن كيد بكل صنوف الكيد في عهود متطاولة , بلغ في بعضها من عنف الحملة على المؤمنين أن قتلوا وشردوا وعذبوا وقطعت أرزاقهم وسلطت عليهم جميع أنواع النكاية . ثم بقي الإيمان في قلوب المؤمنين , يحميهم من الانهيار , ويحمي شعوبهم كلها من ضياع شخصيتها وذوبانها في الأمم الهاجمة عليها , ومن خضوعها للطغيان الغاشم إلا ريثما تنقض عليه وتحطمه . . حين ينظر الإنسان إلى هذا الواقع في المدى المتطاول يجد مصداق قول الله تعالى . يجده في هذا الواقع ذاته بدون حاجة إلى الانتظار الطويل !!
وعلى أية حال فلا يخالج المؤمن شك في أن وعد الله هو الحقيقة الكائنة التي لا بد أن تظهر في الوجود , وأن الذين يحادون الله ورسوله هم الأذلون , وأن الله ورسله هم الغالبون . وأن هذا هو الكائن والذي لا بد أن يكون . ولتكن الظواهر غير هذا ما تكون !
وقد حبب الله إلى هذه الفطرة الستر والعفاف . أعنى فطرة المسلم التقى النقى من ذكر أو أنثى . إلا ما هو شاذ فى الطباع أو البيئة أو التخلف .
ولأجل إصلاح الطبائع والبيئات أرسل الله الأنبياء والرسل أما التخلف فهو من التقدير الإلهى لتمييز نعمائه على الكثير من خلقه .
وفي النهاية تجيء القاعدة الثابتة التي يقف عليها المؤمنون , أو الميزان الدقيق للإيمان في النفوس : {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22. .
إنها المفاضلة الكاملة بين حزب الله وحزب الشيطان , والانحياز النهائي للصف المتميز , والتجرد من كل عائق وكل جاذب , والارتباط في العروة الواحدة بالحبل الواحد .
( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ). .
فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه , وما يجمع إنسان في قلب واحد دينين . دين لله ورسوله , ودا لأعداء الله ورسوله ! فإما إيمان أو لا إيمان . أما هما معا فلا يجتمعان .
ويضيف الأستاذ سيد قطب : عندما جرى قدر الله أن يجعل الإسلام هو الرسالة الأخيرة ; وأن يجعل منهجه هو المنهاج الباقي إلى آخر الخليقة ; وأن تجري حياة المؤمنين به وفق الناموس الكوني العام  وأن يكون هذا الدين هو الذي يقود حياة البشرية ويهيمن على نشاطها في كل ميدان . .
عندما جرى قدر الله بهذا كله جعل الله هذا المنهج في هذه الصورة , شاملا كاملا متكاملا , يلبي كل طاقات البشر واستعداداتهم , في الوقت الذي يرفع هذه الطاقات وهذه الاستعدادات إلى الأفق اللائق بخليفة الله في الأرض , وبالكائن الذي كرمه الله على كثير من عباده , ونفخ فيه من روحه .
وجعل طبيعة هذا الدين الانطلاق بالحياة إلى الأمام , نموا وتكاثرا , ورفعة وتطهرا , في آن واحد . فلم يعطل طاقة بانية ( متنامية ) , ولم يكبت استعدادا نافعا . بل نشط الطاقات وأيقظ الاستعدادات وفي الوقت ذاته حافظ على توازن حركة الاندفاع إلى الأمام مع حركة الارتفاع إلى الأفق الكريم , الذي يهيئ الأرواح في الدنيا لمستوى نعيم الآخرة , ويعد المخلوق الفاني في الأرض للحياة الباقية في دار الخلود .
إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة . فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله , وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك . إنها نار . فظيعة متسعرة: (وقودها الناس والحجارة). . الناس فيها كالحجارة سواء . في مهانة الحجارة وفي رخص الحجارة , وفي قذف الحجارة . دون اعتبار ولا عناية . وما أفظعها نارا هذه التي توقد بالحجارة ! وما أشده عذابا هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة ! وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب: (عليها ملائكة غلاظ شداد). تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون . ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ). . فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم , ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم . . وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة . وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار . وعليه أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار . فها هم أولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف , فلا يؤبه لاعتذارهم , بل يجبهون بالتيئيس:
) يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم . إنما تجزون ما كنتم تعملون ). .

إن الإسلام دين أسرة - ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته , وواجبه في بيته . والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة , وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى  فى ذلك الجسم الحي . . المجتمع الإسلامي . .
إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة . ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها , كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها . وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه , فلا يصعب على طارق , ولا يستعصي على مهاجم !
وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله . واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها . واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدا .
ولابد من الأم المسلمة . فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة . لابد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات . فعبثا يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال . لابد من النساء في هذا المجتمع فهن الحارسات على النشء , وهو بذور المستقبل وثماره .
ومن ثم كان القرآن يتنزل للرجال وللنساء ; وكان ينظم البيوت , ويقيمها على المنهج الإسلامي , وكان يحمل المؤمنين تبعة أهليهم كما يحملهم تبعة أنفسهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6. .
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام وأن يدركوه جيدا . إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت . إلى الزوجة . إلى الأم . ثم إلى الأولاد ; وإلى الأهل بعامة . ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم . وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولا عن الزوجة المسلمة . وإلا فسيتأخر طويلا بناء الجماعة الإسلامية . وسيظل البنيان متخاذلا كثير الثغرات !
وفي الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو في أيامنا هذه . . كان قد أنشئ مجتمع مسلم - في المدينة - يهيمن عليه الإسلام . يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية , ويهيمن عليه بتشريعه المنبثق من هذا التصور . وكان المرجع فيه , مرجع الرجال والنساء جميعا , إلى الله ورسوله . وإلى حكم الله وحكم رسوله . فإذا نزل الحكم فهو القضاء الأخير . . وبحكم وجود هذا المجتمع وسيطرة تصوره وتقاليده على الحياة كان الأمر سهلا بالنسبة للمرأة لكي تصوغ نفسها كما يريد الإسلام . وكان الأمر سهلا بالنسبة للأزواج كي ينصحوا نساءهم ويربوا أبناءهم على منهج الإسلام . .

نحن الآن في موقف متغير . نحن نعيش في جاهلية . جاهلية مجتمع . وجاهلية تشريع . وجاهلية أخلاق . وجاهلية تقاليد . وجاهلية نظم . وجاهلية آداب . وجاهلية ثقافة كذلك !!
والمرأة تتعامل مع هذا المجتمع الجاهلي , وتشعر بثقل وطأته الساحقة حين تهم أن تلبي الإسلام , سواء اهتدت إليه بنفسها , أو هداها إليه رجلها . زوجها أو أخوها أو أبوها . .
هناك كان الرجل والمرأة والمجتمع . كلهم . يتحاكمون إلى تصور واحد , وحكم واحد , وطابع واحد .فأما هنا فالرجل يتحاكم إلى تصور مجرد لا وجود له في دنيا الواقع . والمرأة تنوء تحت ثقل المجتمع الذي يعادي ذلك التصور عداء الجاهلية الجامح ! وما من شك أن ضغط المجتمع وتقاليده على حس المرأة أضعاف ضغطه على حس الرجل !
وهنا يتضاعف واجب الرجل المؤمن . إن عليه أن يقي نفسه النار ! ثم عليه أن يقي أهله وهم تحت هذا الضغط الساحق والجذب العنيف !
فينبغي له أن يدرك ثقل هذا الواجب ليبذل له من الجهد المباشر أضعاف ما كان يبذله أخوه في الجماعة المسلمة الأولى . ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتا أن يبحث أولا عن حارسة للقلعة , تستمد تصورها من مصدر تصوره هو . . من الإسلام . . وسيضحي في هذا بأشياء:سيضحي بالامتاع الكاذب في المرأة . سيضحي بخضراء الدمن ! سيضحي بالمظهر البراق للجيف الطافية على وجه المجتمع . ليبحث عن ذات الدين , التي تعينه على بناء بيت مسلم , وعلى إنشاء قلعة مسلمة ! ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر . وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا);
ونرجع الكرة - بهذه المناسبة - إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام , والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي . فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة . الإسلام عقيدتها , والإسلام نظامها , والإسلام شريعتها , والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها .
هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس , ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي , كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء .
ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة , محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها . فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق . ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم , أو في القلعة المسلمة , التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي .
إنها ضرورة - وليست نافلة - أن تقوم جماعة مسلمة , تتواصى بالإسلام , وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها , فتعيش بها فيما بينها , وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها , في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن الله . إلى أن يأذن الله بهيمنة الإسلام . حتى تنشأ الأجيال في ظله , في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب . .

والمتأمل فى السير يجد فى سير أمهات البشر  طهور ونقاء الفطر السوية .
كأم البشرية حواء . وقرينة من كان فى الأرض أمة زوجة خليل الله سارة وكذا ما أروع ونقاء فطرة هاجر , وهل كان يقينها بالله إلا عن فطرة ونقاء ؟
وهاكم نبذ من سيرهن رضى الله تعالى عنهن ....وكما أوردها الأستاذ / على بن نايف الشحود فى موسوعة الأسرة المسلمة .
******








الأم ( حواء )

كان الأب الأول للخلق جميعًا يعيش وحده بين أشجار الجنة وظلالها، فأراد الله أن يؤنس وحشته، وألا يتركه وحيدًا، فخلق له من نفسه امرأة، تقر بها عينه، ويفرح بها قلبه، وتسكن إليها نفسه، وتصبح له زوجة يأنس بها، فكانت حواء، هدية الله إلى أبى البشر آدم -عليه السلام- وأسكنهما الله الجنة، وأباحها لهما يتمتعان بكل ما فيها من ثمار، إلا شجرة واحدة أمرهما أن لا يأكلا منها: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)[البقرة: 35].
وعاشت حواء مع آدم بين أشجار الجنة يأكلان مما فيها من فواكه كثيرة وخيرات متعددة، وظلا على عهدهما مع اللَّه،لم يقربا الشجرة التى حرمها عليهما.
لكن إبليس اللعين لم يهدأ له بال، وكيف يهدأ بالُه وهو الذى توعد آدم وبنيه بالغواية والفتنة؟! وكيف تستريح نفسه وهو يرى آدم وحواء يتمتعان فى الجنة؟! فتربص بهما، وفكر فى طريقة تخرجهما من ذلك النعيم، فأخذ يدبر لهما حيلة؛ ليعصيا اللَّه، ويأكلا من الشجرة؛ فيحلَّ عليهما العقاب.
ووجد إبليس الفرصة ! فقد هداه تفكيره الخبيث لأن يزين لآدم وحواء الأكل من الشجرة التى حرمها الله عليهما، لقد اهتدى لموطن الضعف عند الإنسان، وهو رغبته فى البقاء والخلود: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِى لَهُمَا مَا وُورِى عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)[الأعراف: 20-21] .
وهكذا زين لهما الشيطان الأكل من الشجرة، وأقسم لهما أنه لهما ناصح أمين، وما إن أكلا من الشجرة حتى بدت لهما عوراتهما، فأسرعا إلى أشجار الجنة يأخذان منها بعض الأوراق ويستتران بها. ثم جاء عتاب اللَّه لهما، وتذكيرهما بالعهد الذى قطعاه معه -سبحانه وتعالي-: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِين)[الأعراف : 22].
وعرف آدم وحواء أن الشيطان خدعهما وكذب عليهما... فندما على ما كان منهما فى حق اللَّه سبحانه، ولكن ماذا يصنعان؟ وكيف يصلحان ما أفسد الشيطان؟!! وهنا تنزلت كلمات اللَّه على آدم، ليتوب عليه وعلى زوجه (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه)[البقرة: 37]. وكانت تلك الكلمات هي: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)[الأعراف: 23].
وبعد ذلك.. أهبطهما ربهما إلى الأرض، وأهبط معهما الشيطان وأعوانه، ومخلوقات أخرى كثيرة:  ( وقلنا اهبطوا بعضكم عدوٌ ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين)[البقرة : 36].
وهكذا بدأت الحياة على الأرض، وبدأت معركة الإنسان مع الشيطان، وقدر اللَّه لآدم وحواء أن يعمرا الأرض، وتنتشر ذريتهما فى أرجاء المعمورة. ثم نزلت لهم الرسالات السماوية التى تدعو إلى التقوى. قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)[النساء:1].
وظلت حواء طائعة لله -تعالى- حتى جاء أجلها
*****


أم الذبيح (هاجر)
هناك.. فى صحراء مكة القاحلة.. حيث لا زرع ولا ماء.. ولا أنيس ولا رفيق.. تركها زوجها هى ووليدها.. ثم مضى فى طريق عودته، وترك لهم تمرًا وماءً.
فنادته زوجته وهى تقول: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا فى هذا الوادي، الذى ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يلتفت إليها الزوج، وكأنه على يقين من وعد الله الذى لا يتخلف ولا يخيب.
فقالت الزوجة -وكأنها أدركت أن أمرًا ما يمنع زوجها من الرد عليها-: الله أمرك بهذا؟
فيرد الزوج: نعم.
فتقول الزوجة التى آمنت بربها، وعرفت معنى اليقين بصِدْقِ وَعْدِ الله، وفهمت كيف تكون معينة لزوجها على طاعة ربها، تقول فى غير تردد ولا قلق: إذن لا يضيعنا. وانصرف إبراهيم -عليه السلام- وهو يدعو ربه ويقول: (ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شيء فى الأرض ولا فى السماء)[إبراهيم 37-38].
ونفد الماء والزاد، والأم لا تجد ما تروى به ظمأ طفلها، وقد جفّ لبنها فلا تجد ما ترضعه. فيتلوى الطفل جوعًا وعطشًا، ويصرخ، ويتردد فى الصحراء والجبال صراخه الذى يدمى قلب الأم الحنون.
وتسرع الأم وتصعد على جبل الصفا، لتنظر أحدًا ينقذها هى وطفلها من الهلاك، أو تجد بعض الطعام أو الشراب. ولكنها لا تجد فتنزل مسرعة وتصعد جبل المروة، وتفعل ذلك سبع مرات حتى تمكن منها التعب، وأوشك اليأس أن يسيطر عليها، فيبعث الله جبريل -عليه السلام- فيضرب الأرض بجناحه؛ لِتَخْرُجَ عينُ ماءٍ بجانب الصغير، فتهرول الأم نحوها وقلبها ينطلق بحمد الله على نعمته، وجعلت تغرف من مائها، وتحاول جاهدة إنقاذ فلذة كبدها، وتقول لعين الماء: زُمّى زُمّي، فسميت هذه العين زمزم.
يقول النبى صلى الله عليه وسلم : "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت زمزم عينًا معينًا" [البخاري].
إنها هاجر، أم إسماعيل، وزوجة إبراهيم خليل الله - رضى الله عنها -. عُرِفَتْ فى التاريخ بأمِّ العَرَب العدنانيين.
وَهَبَهَا ملكُ مِصرَ إلى السيدة سارة -زوج إبراهيم الأولي-، عندما هاجرا إلى مصر. ولما أدركت سارة أنها كبرت فى السن، ولم تنجب، وهبت هاجر لزوجها ليتزوجها، عسى الله أن يرزقه منها الولد.
وتزوج إبراهيم -عليه السلام- السيدة هاجر، وبدت عليها علامات الحمل، ثم وضعت إسماعيل -عليه السلام- ووجدت الغيرة طريقها إلى قلب السيدة سارة، فكأنها أحست أنها فقدت المكانة التى كانت لها فى قلب زوجها من قبل، فطلبت منه أن يأخذ السيدة هاجر بعيدًا عنها، فأخذها سيدنا إبراهيم -عليه السلام- إلى صحراء مكة، بأمرٍ من الله، ولحكمة يريدها عز وجل، وحدث ما حدث لها ولوليدها.
ومرت الأيام بطيئة ثقيلة، حتى نزل على هاجر وابنها إسماعيل بعض أناس من قبيلة "جُرْهُم" وأرادوا البقاء فى هذا المكان؛ لما رأوا عندها الماء، فسمحت لهم بالسكن بجانبها، ومشاركتها فى الشرب من ماء زمزم، واستأنست بهم، وشب الطفل الرضيع بينهم، وتعلم اللغة العربية منهم، ولما كبر تزوج امرأة منهم.
هذه هى هاجر أم الذبيح وأم العرب العدنانيين، رحلت عنا بعدما تركت لنا مثالا رائعًا للزوجة المطيعة، والأم الحانية، والمؤمنة القوية ؛ فقد أخلصت النية للَّه تعالي، فرعاها فى وحشتها، وأمَّنها فى غيبة زوجها، ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب.
وقد جعل الله - سبحانه - ما فعلته السيدة هاجر - رضى الله عنها- من الصعود والسعى بين الصفا والمروة من أعمال الحج.
قيل إنها توفيت وعندها من العمر 90 سنة، ودفنها إسماعيل -عليه السلام- بجانب بيت الله الحرام.
*****

المهاجرة (سارة)
خرجتْ مهاجرة فى سبيل الله مع زوجها وابن أخيه لوط -عليهما السلام- إلى فلسطين.
ولما اشتد الجفاف فى فلسطين هاجرت مع زوجها مرة أخرى إلى مصر. وسرعان ما انتشر خبرهما عند فرعون مصر الذى كان يأمر حراسه بأن يخبروه بأى امرأة جميلة تدخل مصر.
وذات يوم، أخبره الجنود أن امرأة جميلة حضرتْ إلى مصر، فلما علم إبراهيم بالأمر قال لها: "إنه لو علم أنك زوجتى يغلبنى عليكِ، فإن سألك فأخبريه بأنك أختي، وأنت أختى فى الإسلام، فإنى لا أعلم فى هذه الأرض مسلمًا غيرك وغيري".
وطلب فرعون من جنوده أن يحضروا هذه المرأة، ولما وصلت إلى قصر فرعون دعت اللَّه ألا يخذلها، وأن يحيطها بعنايته، وأن يحفظها من شره، وأقبلت تتوضأ وتصلى وتقول: "اللهم إن كنتَ تعلم أنى آمنتُ بك وبرسولك، وأحصنتُ فرجى إلا على زوجي، فلا تسلط على هذا الكافر".فاستجاب اللَّه دعاء عابدته المؤمنة فشَلّ يده عنها -حين أراد أن يمدها إليها بسوء- فقال لها : ادعى ربك أن يطلق يدى ولا أضرك. فدعت سارة ربها؛ فاستجاب الله دعاءها، فعادت يده كما كانت، ولكنه بعد أن أطلق اللَّه يده أراد أن يمدها إليها مرة ثانية؛ فَشُلّت، فطلب منها أن تدعو له حتى تُطْلق يده ولا يمسها بسوء، ففعلت، فاستجاب الله دعاءها، لكنه نكث بالعهد فشُلّت مرة ثالثة. فقال لها : ادعى ربك أن يطلق يدي، وعهدٌ لا نكث فيه ألا أمسّك بسوء، فدعت اللَّه فعادت سليمة، فقال لمن أتى بها: اذهب بها فإنك لم تأتِ بإنسان، وأمر لها بجارية، وهى "هاجر" -رضى الله عنها- وتركها تهاجر من أرضه بسلام.
ورجع إبراهيم وزوجه إلى فلسطين مرة أخري، ومضى "لوط" -عليه السلام- فى طريقه إلى قوم سدوم وعمورة (الأردن الحالية) يدعوهم إلى عبادة اللَّه، ويحذرهم من الفسوق والعصيان. ومرت الأيام والسنون ولم تنجب سارة بعد ابنًا لإبراهيم، يكون لهما فرحة وسندًا، فكان يؤرقها أنها عاقر لا تلد، فجاءتها جاريتها هاجر ذات مرة؛ لتقدم الماء لها، فأدامت النظر إليها، فوجدتها صالحة لأن تهبها إبراهيم، لكن التردد كان ينازعها؛ خوفًا من أن يبتعد عنها ويقبل على زوجته الجديدة، لكن بمرور الأيام تراجعت عنها تلك الوساوس، وخفَّت؛ لأنها تدرك أنّ إبراهيم - عليه السلام - رجل مؤمن، طيب الصحبة والعشرة، ولن يغير ذلك من أمره شيئًا.
وتزوَّج إبراهيم -عليه السلام- "هاجر"، وبدأ شيء من الغيرة يتحرك فى نفس سارة، بعد أن ظهرت علامات الحمل على هاجر، فلمّا وضعت هاجر طفلها إسماعيل - عليه السلام - طلبت سارة من إبراهيم أن يبعدها وابنها، ولأمر أراده اللَّه أخذ إبراهيم هاجر وابنها الرضيع إلى وادٍ غير ذى زرع من أرض مكة عند بيت الله الحرام، فوضعهما هناك مستودعًا إياهما اللَّه، وداعيا لهما بأن يحفظهما الله ويبارك فيهما، فدعا إبراهيم -عليه السلام- ربه بهذا الدعاء: (رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاس تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم :37] .
لكن آيات الله لا تنفد، فأراد أن يظهر آية أخرى معها. وذات يوم، جاء نفرٌ لزيارة إبراهيم عليه السلام؛ فأمر بذبح عجل سمين، وقدمه إليهم، لكنه دهش لما وجدهم لا يأكلون، وكان هؤلاء النفر ملائكة جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- فى هيئة تجار، ألقوا عليه السلام فرده عليهم . قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوط) [هود: 69-70] .
قال تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) [هود : 47-48]
وأخبرت الملائكة إبراهيم - عليه السلام- أنهم ذاهبون إلى قوم لوط؛ لأنهم عصوا نبى الله لوطًا، ولم يتبعوه.
وقبل أن تترك الملائكة إبراهيم -عليه السلام- بشروه بأن زوجته سارة سوف تلد ولدًا اسمه إسحاق، وأن هذا الولد سيكبر ويتزوج، ويولد له ولد يسميه يعقوب.
ولما سمعت سارة كلامهم، لم تستطع أن تصبر على هول المفاجأة، فعبَّرت عن فرحتها، ودهشتها كما تعبر النساء؛ فصرخت تعجبًا مما سمعت، وقالت: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)[هود: 72-73] .
وحملت سارة بإسحاق - عليه السلام - ووضعته، فبارك اللَّه لها ولزوجها فيه ؛ ومن إسحاق انحدر نسل بنى إسرائيل .
هذه هى سارة زوجة نبى اللَّه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- التى كانت أول من آمن بأبى الأنبياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حين بعثه اللَّه لقومه يهديهم إلى الرشد، ثم آمن به لوط ابن أخيه - عليه السلام -، فكان هؤلاء الثلاثة هم الذين آمنوا على الأرض فى ذلك الوقت. وماتت سارة ولها من العمر 127 عامًا
******

المتوكلة (أم موسى)
تحت صرخات امرأة ذُبح ابنها، فتحت أيارخا زوجة عمران الباب، بعد أن ابتعدت أقدام جنود فرعون، واختفت ضحكاتهم الوحشية، ومضت إلى جارتها، التى كانت أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، تخفف عنها آلامها، وتواسيها فى أحزانها.
كان بنو إسرائيل فى مصر يمرون بأهوال كثيرة، فقد ضاق بهم "فرعون"، وراح يستعبدهم ويسومهم سوء العذاب؛ نتيجة ما رأى فى منامه من رؤيا أفزعته، فدعا المنجِّمين لتأويل رؤياه، فقالوا: سوف يولد فى بنى إسرائيل غلام يسلبك المُلك، ويغلبك على سلطانك، ويبدل دينك. ولقد أطل زمانه الذى يولد فيه حينئذٍ.
ولم يبالِ فرعون بأى شيء سوى ما يتعلق بملكه والحفاظ عليه، فقتل الأطفال دون رحمة أو شفقة، وأرسل جنوده فى كل مكان لقتل كل غلام يولد لبنى إسرائيل .
وتحت غيوم البطش السوداء، ورياح الفزع العاتية، وصرخات الأمهات وهن يندبن أطفالهن الذين قُتِلوا ظلمًا، كان الرعب يسيطر على كيان زوجة عمران، ويستولى الخوف على قلبها، فقد آن وضع جنينها وحان وقته، وسيكون مولده فى العام الذى يقتل فرعون فيه الأطفال. واستغرقت فى تفكير عميق، يتنازع أطرافه يقين الإيمان ولهفة الأم على وليدها، ووسوسة الشيطان الذى يريد أن يزلزل فيها ثبات الإيمان، لذلك كانت تستعين دائمًا باللَّه، وتستعيذ به من تلك الوساوس الشريرة .
ولما أكثر جنود فرعون من قتل ذكور بنى إسرائيل قيل لفرعون: إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم، ولا يمكن لنسائهم أن يقمن بمايقوم به الرجال من الأعمال الشاقة فتنتهى إلينا، حيث كان بنو إسرائيل يعملون فى خدمة المصريين فأمر فرعون بترك الولدان عامًا وقتلهم عامًا، وكان رجال فرعون يدورون على النساء فمن رأوها قد حملت، كتبوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يولِّدها إلا نساء تابعات لفرعون . فإن ولدت جارية تركنها، وإن ولدت غلامًا؛ دخل أولئك الذباحون فقتلوه ومضوا. ولحكمة اللَّه -تعالى وعظمته- لم تظهر على زوجة عمران علامات الحمل كغيرها ولم تفطن لها القابلات ، وما إن وضعت موسى - عليه السلام- حتى تملكها الخوف الشديد من بطش فرعون وجنوده، واستبد بها القلق على ابنها موسى، وراحت تبكى حتى جاءها وحى اللَّه عز وجل آمرًا أن تضعه داخل صندوق وتلقيه فى النيل. قال تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
[القصص :7].
وكانت دار أم موسى على شاطئ النيل، فصنعت لوليدها تابوتًا وأخذت ترضعه، فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه، ذهبت فوضعته فى التابوت، وسَيرَتْهُ فى البحر، وربطته بحبل عندها.
وذات يوم، اقترب جنود فرعون، وخافت أم موسى عليه، فأسرعت ووضعته فى التابوت، وأرسلته فى البحر، لكنها نسيت فى هذه المرة أن تربط التابوت، فذهب مع الماء الذى احتمله حتى مرَّ به على قصر فرعون. وأمام القصر توقف التابوت، فأسرعت الجوارى وأحضرنه، وذهبن به إلى امرأة فرعون، فلما كشفت عن وجهه أوقع اللَّه محبته فى قلبها، فقد كانت عاقرًا لا تلد. وذاع الخبر فى القصر، وانتشر نبأ الرضيع حتى وصل إلى فرعون، فأسرع فرعون نحوه هو وجنوده وهمّ أن يقتله، فناشدته امرأته أن يتركه، وقالت له: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص: 9].
كاد قلب أم موسى أن يتوقف، فهى ترى ابنها عائمًا فى صندوق وسط النهر، ولكنَّ الله صبرها، وثبتها، وقالت لابنتها: اتبعيه، وانظرى أمره، ولا تجعلى أحدًا يشعر بك. وكان قلبها ينفطر حزنًا على مصير وليدها الرضيع الذى جرفه النهر بعيدًا عنها (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون) [القصص: 10-11].
فرحت امرأة فرعون بموسى فرحًا شديدًا، ولكنه كان دائم البكاء، فهو جائع، ولكنه لا يريد أن يرضع من أية مرضعة، فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته، فلما رأته أخته بأيديهم عرفته، ولم تُُظِْْهِْر ذلك، ولم يشعروا بها، فقالت لهم: أعرف من يرضعه. وأخذته إلى أمه.( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَى تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 12-13]. هذا هو القدر الإلهى يظهر منه ومضات ليتيقن الناس أن خالق السَّماوات والأرض قادر على كل شيء: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
وما إن وصل موسى -عليه السلام- إلى أمه حتى أقبل على ثديها، ففرحت الجوارى بذلك فرحًا شديدًا، وذهب البشير إلى امرأة فرعون، فاستدعت أم موسى، وأحسنت إليها، وأعطتها مالا كثيرًا - وهى لا تعرف أنها أمه-، ثم طلبتْ منها أن تُقيم عندها لترضعه فرفضتْ، وقالت : إن لى بعلا وأولادًا، ولاأقدر على المقام عندك، فأخذته أم موسى إلى بيتها، وتكفلت امرأة فرعون بنفقات موسى. وبذلك رجعت أم موسى بابنها راضية مطمئنة، وعاش موسى وأمه فى حماية فرعون وجنوده، وتبدل حالهما بفضل صبر أم موسى وإيمانها.
ولم يكن بين الشدة والفرج إلا يوم وليلة، فسبحان من بيده الأمر، يجعل لمن اتقاه من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.
******






زوجة الفراسة والحياء ( زوجة موسى )
يقول ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة ؛ صاحب يوسف حين قال لامرأته: (أَكْرِمِى مَثْوَاهُ) [يوسف:21]، وصاحبة موسى حين قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) [القصص: 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.
ولكن ما الذى أخرج موسى من مصر إلى أرض مدين فى جنوب فلسطين؛ ليتزوج من ابنة الرجل الصالح، ويرعى له الغنم عشر سنين ؟!
كان موسى يعيش فى مصر، وبينما هو يسير فى طريقه رأى رجلين يقتتلان؛ أحدهما من قومه "بنى إسرائيل"، والآخر من آل فرعون. وكان المصرى يريد أن يسخِّر الإسرائيلى فى أداء بعض الأعمال، واستغاث الإسرائيلى بموسى، فما كان منه إلا أن دفع المصرى بيده فمات على الفور، قال تعالي: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين)[القصص: 15].
وفى اليوم التالى تشاجر اليهودى مع رجل آخر فاستغاث بموسى -عليه السلام- مرة ثانية فقال له موسى: إنك لَغَوِى مُبين؛ فخاف الرجل وباح بالسِّرِّ عندما قال: أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسًا بالأمس، فعلم فرعون وجنوده بخبر قتل موسى للرجل، فجاء رجل من أقصى المدينة يحذر موسى، فأسرع بالخروج من مصر، وهو يستغفر ربه قائلاً: (رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [القصص :16].
وخرج موسى من مصر، وظل ينتقل حتى وصل إلى أرض مَدْين فى جنوب فلسطين، وجلس موسى -عليه السلام- بالقرب من بئر، ولكنه رأى منظرًا لم يعجبه؛ حيث وجد الرعاة يسقون ماشيتهم من تلك البئر، وعلى مقربة منهم تقف امرأتان تمنعان غنمهما عن ورود الماء؛ استحياءً من مزاحمة الرجال، فأثر هذا المنظر فى نفس موسى؛ إذ كان الأولى أن تسقى المرأتان أغنامهما أولاً، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما، فذهب موسى إليهما وسألهما عن أمرهما، فأخبرتاه بأنهما لا تستطيعان السقى إلا بعد أن ينتهى الرجال من سقى ماشيتهم، وأبوهما شيخ كبير لا يستطيع القيام بهذا الأمر، فتقدم ليسقى لهما كما ينبغى أن يفعل الرجال ذوو الشهامة، فزاحم الرجال وسقى لهما، ثم اتجه نحو شجرة فاستظل بظلها، وأخذ يناجى ربه: (رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير) [القصص: 24].
وعادت الفتاتان إلى أبيهما، فتعجب من عودتهما سريعًا. وكان من عادتهما أن تمكثا وقتًا طويلا حتى تسقيا الأغنام، فسألهما عن السبب فى ذلك، فأخبرتاه بقصة الرجل القوى الذى سقى لهما، وأدى لهما معروفًا دون أن يعرفهما، أو يطلب أجرًا مقابل خدمته، وإنما فعل ذلك مروءة منه وفضلا.
وهنا يطلب الأب من إحدى ابنتيه أن تذهب لتدعوه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين تمشى على استحياء، لتبلغه دعوة أبيها: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) [القصص: 25]. واستجاب موسى للدعوة، فلما وصل إلى الشيخ وقصّ عليه قصته، طمأنه الشيخ بقوله: (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[القصص: 25].
وعندئذ سارعت إحدى الفتاتين -بما لها من فراسة وفطرة سليمة، فأشارت على أبيها بما تراه صالحًا لهم ولموسى -عليه السلام-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الأَمِين)[القصص: 26]. فهى وأختها تعانيان من رعى الغنم، وتريد أن تكون امرأة مستورة، لا تحتكّ بالرجال الغرباء فى المرعى والمسقي، فالمرأة العفيفة الروح لا تستريح لمزاحمة الرجال. وموسى فتى لديه من القوة والأمانة ما يؤهله للقيام بهذه المهمة، والفتاة تعرض رأيها بكل وضوح، ولا تخشى شيئًا، فهى بريئة النفس، لطيفة الحسّ.
ويقتنع الشيخ الكبير لما ساقته ابنته من مبررات بأن موسى جدير بالعمل عنده ومصاهرته، فقال له: (إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَى هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِى حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَى وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[القصص :27-28].
ولمَّا وَفَّى موسى الأجل وعمل فى خدمة صِهْرِه عشر سنين، أراد أن يرحل إلى مصر، فوافق الشيخ ودعا له بالخير، فخرج ومعه امرأته وما أعطاه الشيخ من الأغنام، فسار موسى من مدين إلى مصر.
وهكذا كانت زوجة موسى - رضى اللَّه عنها - نموذجًا للمؤمنة، ذات الفراسة والحياء، وكانت قدوة فى الاهتمام باختيار الزوج الأمين العفيف
******

الملكة المؤمنة ( آسيا بنت مزاحم )
نشأتْ ملكة فى القصور، واعتادتْ حياة الملوك، ورأَتْ بطش القوة، وجبروت السلطان، وطاعة الأتباع والرعية، غير أن الإيمان أضاء فؤادها، ونوَّر بصيرتها، فسئمتْ حياة الضلال، واستظلتْ بظلال الإيمان، ودعتْ ربها أن ينقذها من هذه الحياة، فاستجاب ربها دعاءها، وجعلها مثلا للذين آمنوا، فقال : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[التحريم: 11].
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أفضل نساء أهل الجنة :خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية" [أحمد].
إنها آسية بنت مزاحم -امرأة فرعون- التى كانت نموذجًا خلّده القرآن للمؤمنة الصادقة مع ربها، فهى عندما عرفت طريق الحق اتبعتْه دون خوف من الباطل، وظلم أهله، فلقد آمنت باللَّه إيمانًا لا يتزعزع ولايلين، ولم تفلح تهديدات فرعون ولا وعيده فى ثنيها عن إيمانها، أو إبعادها عن طريق الحق والهدي. لقد تاجرتْ مع اللَّه، فربحَتْ تجارتها، باعتْ الجاه والقصور والخدم، بثمن غال، ببيتٍ فى الجنة، وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم فى الآخرة ونعم أجر المؤمنين.
وقد جاء ذكر السيدة آسية - رضى اللَّه عنها - فى قصة موسى - عليه السلام - حينما أوحى اللَّه إلى أُمِّه أن تُلْقيه فى صندوق، ثم تلقى بهذا الصندوق فى البحر، وفيه موسى، ويلْقِى به الموج نحو الشاطئ الذى يطلّ عليه قصر فرعون ؛ فأخذته الجواري، ودخلن به القصر، فلما رأت امرأة فرعون ذلك الطفل فى الصندوق؛ ألقى الله فى قلبها حبه، فأحبته حبَّا شديدًا.
وجاء فرعون ليقتله - كما كان يفعل مع سائر الأطفال الذين كانوا يولدون من بنى إسرائيل - فإذا بها تطلب منها أن يبقيه حيا؛ ليكون فيه العوض عن حرمانها من الولد. وهكذا مكن اللَّه لموسى أن يعيش فى بيت فرعون، قال تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِ ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ. وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون) [القصص 7-9] .
وكانت السيدة آسية ذات فطرة سليمة، وعقل واعٍ، وقلب رحيم، فاستنكرت الجنون الذى يسيطر على عقل زوجها، ولم تصدق ما يدعيه من أنه إله وابن آلهة.
وحينما شَبَّ موسى وكبر، ورحل إلى "مدين"، فرارًا من بطش فرعون وجنوده ثم عاد إلى مصر مرة أخرى - بعد أن أرسله اللَّه - كانت امرأة فرعون من أول المؤمنين بدعوته . ولم يخْفَ على فرعون إيمان زوجته باللَّه، فجن جنونه، فكيف تؤمن زوجته التى تشاركه حياته، وتكفر به، فقام بتعذيبها حيث عَزَّ عليه أن تخرج زوجته على عقيدته، وتتبع عدوه، فأمر بإنزال أشد أنواع العذاب عليها؛ حتى تعود إلى ما كانت عليه، لكنها بقيت مؤمنة بالله، واستعذبت الآلام فى سبيل اللَّه .
وقد أمر فرعون جنوده أن يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد، وأخذت السياط تنهال على جسدها، وهى صابرة محتسبة على ما تجد من أليم العذاب، ثم أمر بوضع رحًى على صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة، لكنها دعتْ ربها أن ينجيها من فرعون وعمله .
فاستجاب اللَّه دعاءها، وارتفعت روحها إلى بارئها، تظلِّلُها الملائكة بأجنحتها؛ لتسكن فى الجنة، فقد آمنت بربها، وتحملت من أجل إيمانها كل أنواع العذاب، فاستحقت أن تكون من نساء الجنة الخالدات.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" [البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجة].
******







الماشطة
لما أُسرى بالنبى ( شمَّ ريحًا طيبة، فقال: "يا جبريل ما هذه الريح الطيبة؟" قال: "هذه ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها"[ابن ماجة].
انتشر أمر موسى- عليه السلام - وكثر أتباعه، وأصبح المؤمنون برسالته خطرًا مستمرّا، يهدد فرعون ومُلكه، وظل فرعون فى قصره فى حالة غليان مستمر يمشى ذهابًا وإيابًا، يفكر فى أمر موسى، وماذا يفعل بشأنه وشأن أتباعه، فأرسل فى طلب رئيس وزرائه هامان ؛ ليبحثا معًا ذلك الأمر، وقررا أن يقبض على كل من يؤمن بدعوة موسى، وأن يعذب حتى يرجع عن دينه، فسخَّر فرعون جنوده فى البحث عن المؤمنين بدعوة موسى، وأصبح قصر فرعون مقبرة للأحياء من المؤمنين باللَّه الموحدين له، وكانت صيحات المؤمنين وصرخاتهم ترتفع من شدة الألم، ووطأة التعذيب تلعن الظالمين وتشكو إلى ربها صنيعهم.
وشمل التعذيب جميع المؤمنين، حتى الطفل الرضيع لم ترحمه يد التعذيب، فزاد البلاء، واشتد الكرب على المؤمنين، فاضطر كثير منهم إلى كتمان إيمانه؛ خوفًا من فرعون وجبروته واستعلائه فى الأرض، ولجأ الآخرون إلى الفرار بدينهم بعيدًا عن أعين فرعون .
وكان فى قصر فرعون امرأة تقوم بتمشيط شعر ابنته وتجميلها، وكانت من الذين آمنوا، وكتموا الإيمان فى قلوبهم، وذات مرة كانت المرأة تمشط ابنة فرعون كعادتها كل يوم، فسقط المشط من يدها على الأرض، ولما همَّت بأخذه من الأرض، قالت: بسم اللَّه. فقالت لها ابنة فرعون: أتقصدين أبي؟ قالت:لا. ولكن ربى ورب أبيك اللَّه، فغضبَتْ ابنة فرعون من الماشطة وهددتها بإخبار أبيها بذلك، ولكن الماشطة لم تخف، فأسرعت البنت لتخبر أباها بأن هناك فى القصر من يكْفُر به، فلما سمع فرعون ذلك؛ اشتعل غضبه، وأعلن أنه سينتقم منها ومن أولادها، فدعاها، وقال لها : أَوَ لكِ ربٌّ غيري؟! قالت: نعم، ربى وربك اللَّه . وهنا جُنَّ جنونه، فأمر بإحضار وعاء ضخم من نحاس وإيقاد النار فيه، وإلقائها هى وأولادها فيه، فما كان من المرأة إلاَّ أن قالت لفرعون : إن لى إليك حاجة، فقال لها: وماحاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامى وعظام ولدى فى ثوب واحد وتدفننا، فقال: ذلك علينا. ثم أمر بإلقاء أولادها واحدًا تِلْوَ الآخر، والأم ترى ما يحدث لفلذات كبدها، وهى صابرة محتسبة، فالأولاد يصرخون أمامها، ثم يموتون حرقًا، وهى لا تستطيع أن تفعل لهم شيئًا، وأوشك الوهن أن يدب فى قلبها لما تراه وتسمعه، حتى أنطق اللَّه -عز وجل- آخر أولادها -وهو طفل رضيع- حيث قال لها: يا أماه، اصبري، إنك على الحق.
فاقتحمتْ المرأة مع أولادها النار، وهى تدعو اللَّه أن يتقبل منها إسلامها، فضَربتْ بذلك مثالاً طيبًا للمرأة المسلمة التى تعرف اللَّه حق معرفته، وتتمسك بدينها، وتصبر فى سبيله، وتمُتَحن بالإرهاب، فلاتخاف، وتبتلى بالعذاب فلا تهن أو تلين، وماتت ماشطة ابنة فرعون وأبناؤها شهداء فى سبيل الله، بعدما ضربوا أروع مثال فى التضحية والصبر والفداء.


******


الزوجة الوفية ( زوجة أيوب )

زوجة صابرة أخلصت لزوجها، ووقفت إلى جواره فى محنته حين نزل به البلاء، واشتد به المرض الذى طال سنين عديدة، ولم تُظْهِر تأفُّفًا أو ضجرًا، بل كانت متماسكة طائعة.
إنها زوجة نبى اللَّه أيوب - عليه السلام - الذى ضُرب به المثل فى الصبر الجميل، وقُوَّة الإرادة، واللجوء إلى اللَّه، والارتكان إلى جنابه.
وكان أيوب - عليه السلام - مؤمنًا قانتًا ساجدًا عابدًا لله، بسط اللَّه له فى رزقه، ومدّ له فى ماله، فكانت له ألوف من الغنم والإبل، ومئات من البقر والحمير، وعدد كبير من الثيران، وأرض عريضة، وحقول خصيبة ،وكان له عدد كبير من العبيد يقومون على خدمته، ورعاية أملاكه، ولم يبخل أيوب -عليه السلام- بماله، بل كان ينفقه، ويجود به على الفقراء والمساكين .
وأراد اللَّه أن يختبر أيوب فى إيمانه، فأنزل به البلاء، فكان أول مانزل عليه ضياع ماله وجفاف أرضه ؛ حيث احترق الزرع وماتت الأنعام، ولم يبق لأيوب شيء يلوذ به ويحتمى فيه غير إعانة الله له، فصبر واحتسب، ولسان حاله يقول فى إيمان ويقين : عارية اللَّه قد استردها، ووديعة كانت عندنا فأخذها، نَعِمْنَا بها دهرًا، فالحمد لله على ما أنعم، وَسَلَبنا إياها اليوم، فله الحمد معطيا وسالبًا، راضيا وساخطًا، نافعًا وضارا، هو مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء . ثم يخرُّ أيوب ساجدًا لله رب العالمين .
ونزل الابتلاء الثاني، فمات أولاده، فحمد اللَّه -أيضًا- وخَرّ ساجدًا لله، ثم نزل الابتلاء الثالث بأيوب -فاعتلت صحته، وذهبت عافيته، وأنهكه المرض، لكنه على الرغم من ذلك ما ازداد إلا إيمانًا، وكلما ازداد عليه المرض؛ ازداد شكره لله.
وتمر الأعوام على أيوب - عليه السلام - وهو لا يزال مريضًا، فقد هزل جسمه، ووهن عظمه، وأصبح ضامر الجسم، شاحب اللون، لا يقِرُّ على فراشه من الألم. وازداد ألمه حينما بَعُدَ عنه الصديق، وفَرَّ منه الحبيب، ولم يقف بجواره إلا زوجته العطوف تلك المرأة الرحيمة الصالحة التى لم تفارق زوجها، أو تطلب طلاقها، بل كانت نعم الزوجة الصابرة المعينة لزوجها، فأظهرت له من الحنان ما وسع قلبها، واعتنت به ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. لم تشتكِ من هموم آلامه، ولا من مخاوف فراقه وموته. وظلت راضية حامدة صابرةً مؤمنة،ً تعمل بعزم وقوة؛ لتطعمه وتقوم على أمره، وقاست من إيذاء الناس ما قاست .
ومع أن الشيطان كان يوسوس لها دائمًا بقوله : لماذا يفعل اللَّه هذا بأيوب، ولم يرتكب ذنبًا أو خطيئة؟ فكانت تدفع عنها وساوس الشيطان وتطلب من الله أن يعينها، وظلت فى خدمة زوجها أيام المرض سبع سنين، حتى طلبت منه أن يدعو اللَّه بالشفاء، فقال لها: كم مكثت فى الرخاء؟ فقالت: ثمانين . فسألها: كم لبثتُ فى البلاء؟ فأجابت: سبع سنين .
قال: أستحى أن أطلب من اللَّه رفع بلائي، وما قضيتُ منِه مدة رخائي. ثم أقسم أيوب - حينما شعر بوسوسة الشيطان لها - أن يضربها مائة سوط، إذا شفاه اللَّه، ثم دعا أيوب ربه أن يكفيه بأس الشيطان، ويرفع ما فيه من نصب وعذاب، قال تعالي: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص : 41].
فلما رأى اللَّه صبره البالغ، رد عليه عافيته ؛حيث أمره أن يضرب برجله، فتفجر له نبع ماء، فشرب منه واغتسل، فصح جسمه وصلح بدنه، وذهب عنه المرض، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِى الأَلْبَاب)[ص:41-43] .
ومن رحمة اللَّه بهذه الزوجة الصابرة الرحيمة أَن أَمَرَ اللَّهُ أيوبَ أن يأخذ حزمة بها مائة عود من القش، ويضربها بها ضربةً خفيفةً رقيقةً مرة واحدة ؛ ليبرّ قسمه، جزاء له ولزوجه على صبرهما على ابتلاء  الله تعالى  له  .  ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص: 44] .


******






الملكة ( بلقيس )

استيقظتْ من نومها والظلام يحيط بكل شيء؛ لتستعدَّ للذهاب مع حاشيتها إلى معبد الشمس الكبير بأرض مأرب على بُعْدِ ثلاثة أميال من صنعاء؛ حيث يستقبل شعب سبأ يومًا من الأيام المقدسة التى تشهد نشاطًا كبيرًًا فيقدمون قرابينهم للشمس التى يعبدونها من دون اللَّه . وما إن أشرقت الشمس حتى اخترق نداء الكاهن آذان أهل سبأ يأمرهم بالسجود لها 000 وفى الوقت الذى كان يسجد فيه أهل سبأ للشمس، كان نبى اللَّه سليمان - عليه السلام - وجنوده يسجدون للَّه رب العالمين؛ اعترافًا بحقه -عز وجل- . وقد وهب اللَّه لسليمان ملكًا عظيمًا، وكوَّن سليمان جيشًا عظيمًا، من الإنس والجن والطير، وجعل لكل واحد فى الجيش مكانًا ومهمةً عليه أن ينفذها.
واعتاد "سليمان" - عليه السلام - أن يتفقد جنوده حينًا بعد آخر، وذات مرة لم يجد الهدهد، فقال: (مَا لِى لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)[النمل:20-21]. فجاء الهدهد بعد أن مكث فترة من الزمن، فقال لسليمان -عليه السلام- :
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)[النمل: 22-24]. ثم أخذ الهدهد يصف ما رأى وما سمع وكيف يعبدون الشمس من دون اللَّه . ففكر نبى اللَّه ثم قال: (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) [النمل: 27].
عرف الهدهد بفطرته السليمة أن السجود لا يكون إلا للَّه سبحانه وتعالي، كما عرف أهمية الدعوة إلى اللَّه تعالي، وكيف يتحرك لها حتى وإن لم يكلفه أحد بهذا العمل، وهكذا يكون الداعية دائمًا فى كل مكان وزمان . وبعد ذلك كتب نبى اللَّه عليه السلام رسالة، وأمر الهدهد بالذهاب إلى ملكة سبأ وأن يعطيها الرسالة، فقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِى هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُون) [النمل:28]
وبينما كانت بلقيس تستريح من عناء يوم طويل فى فراشها، دخل عليها الهدهد من النافذة، وألقى عليها الكتاب، فقرأته وعلمت مافيه، وأنه من نبى اللَّه سليمان - عليه الصلاة والسلام -، فجمعت وزراءها وأعيان قومها وقرأت عليهم خطاب سليمان، وقالت:
( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّى أُلْقِى إِلَى كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَى وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ [النمل: 29- 31]، ثم طلبت منهم الرأى والمشورة (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) [النمل: 32].
وهى فى ذلك تعطى صورة طيبة للشورى عند الحاكم . فأجابها القوم :
(قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ)[النمل:33]
لكن بلقيس كانت تعلم قوة سليمان، فأرادت أن تصرف قومها عن الحرب، وأن تردهم إلى الرشاد، (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل: 34].
كان يدور فى ذهن بلقيس أمر سليمان، ولم تكن تعلم أن الله سخَّر له الريح تجرى بأمره، فقالت بحكمة بالغة وحسن تدبير:
(وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ )[النمل:35] وأخبرتهم أنه إن كان ملكًا قبل الهدية وانصرف، وإن كان نبيا فلن يقبل الهدية، ولن يرضى منا إلا أن نتبعه على دينه . ووافق القوم على ذلك، وانصرفوا . فلما جاءت رُسل بلقيس بالهدية إلى سليمان، قال لهم :
( أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِى اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون) [النمل: 36] وكيف يقبل الهدية وقد أكرمه الله بالنبوة والحكمة، وأعطاه الله ما لم يعط أحدً ا من العالمين؟! فقال لرئيس الوفد:
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون) [النمل: 37] وأدرك سليمان بحكمته أن إنذاره هذا سينهى الأمر، وستُقبل عليه الملكة مستسلمة طائعة؛ لأنه ظهر من تصرفاتها أنها لا تريد الحرب، وعندما عادوا إليها أخبروها بماحدث، فأرسلت إلى سليمان تخبره أنها سوف تأتى إليه ومعها كبار قومها، وأمرت بلقيس جنودها بحراسة عرشها والحفاظ عليه وإغلاق الأبواب دونه، وخرجت من مُلْكها متجهة ناحية الشمال، وقبيل حضورها، أراد سليمان أن يبين لها قدرة اللَّه وعظمته، وكيف أعطاه مالم يعط أحدًا من العالمين فأقبل على جنوده قائلا:
( قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ. قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِى أَمِينٌ )[النمل: 38-39] لكن سليمان استبطأه، فقام رجل مؤمن من بنى إسرائيل، وكان صدِّيقًا يعلم اسم الله الأعظم، فقال لسليمان:
( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[النمل: 40] وبالفعل كان عرش بلقيس أمام نبى اللَّه سليمان فخر ساجدًا لعظمة اللَّه، واعترافًا بنعمته، وقال :
(هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِى كَرِيمٌ)
[النمل: 40].
ورأت بلقيس مُلكَ سليمان، وبينما قومها يتهامسون فيما بينهم على ما يروَنه، رأت عرشها بعد أن أمر سليمان جنوده أن يغيروا معالمه، وأن يبدلوا أوضاعه بحيث تختلف فيه الرؤية؛ ليعرف مدى ذكائها
(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ. فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ )[النمل: 41-42].
فلما دخلت بلقيس الصرح الذى أمر نبى اللَّه سليمان جنوده ببنائه من الزجاج بحيث يجرى من تحته جدول صغير من الماء حسبته لجة (أى ماء) فكشفت عن ساقيها بحركة لاشعورية منها:
( قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِير)[النمل:44].
فلما رأت بلقيس ما وهبه اللَّه لنبيه سليمان قالت:
( قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) [النمل: 44].
وهكذا كانت بلقيس ملكة سبأ امرأة ذات فراسة وحكمة وذكاء ؛ فلم تستبد برأيها فى الأمور العظيمة والخطوب الجليلة، بل استشارت قومها، وهذا يدل على فطنتها فلما عرفت الحق آمنت به وأسلمت للَّه طوعًا مع سليمان عليه السلام.
تلك هى بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان، ملكة سبأ، تمكنت من الملك بعد مقتل عمرو ذى الأذعار، فبايعها قومها وولوها الحكم، فأدارت شئون البلاد بشجاعة وحكمة، ورممت سد مأرب الشهير، وشيدت قصرها فى مدينة مأرب، وازدهرت على يديها التجارة والزراعة، وزادت ثروات البلاد واستقرت أحوال الناس.
كانت تعبد الشمس هى وقومها، ثم أكرمها الله تعالى بالإيمان، فآمن قومها برسالة نبى الله سليمان - عليه السلام- فتزوجها سليمان - عليه السلام- وأنجبتْ له ولدًا، إلا أنه توفى شابَّا، وتوفيت بعده بلقيس فى أنطاكية -رضى الله عنها

******









الأم العذراء ( مريم )
أنزل الله ملائكة يقولون لها: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 42].
ويقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خير نساء العالمين: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة" [ابن حبان].
فى جو ساد فيه الظلم والاضطراب، كانت الحياة التى يعيشها بنو إسرائيل بائسة، فقد أفسدوا دينهم وحرّفوا عقيدتهم، وأضحى الواحد منهم لا يأمن على نفسه غدر الآخر، وفى خضم هذا الفساد كان يعيش عمران بن ماتان وزوجته حَنّة بنت فاقوذ، يعبدان الله وحده ولا يشركان به شيئًا، وكان الزمان يمر بهما دون ولد يؤنسهما. وفى يوم من الأيام جلست حنة بين ظلال الأشجار، فرأت عصفورة تطعم صغيرها، فتحركت بداخلها غريزة الأمومة، فدعت اللّه أن يرزقها ولدًا حتى تنذره لخدمة بيت المقدس:( إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35] .
وتقبل الله منها دعاءها، ولكن حكمته اقتضت أن يكون الجنين أنثي، فكانت السيدة مريم
(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران: 36].
يقول (فى ذلك أنه : "كل بنى آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها" [مسلم].
لكن القدر كان يخفى لمريم اليتم، فقد توفى أبوها وهى طفلة صغيرة، وأخذتها أمها إلى الهيكل؛ استجابة لنذرها، ودعت الله أن يتقبلها (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا) [آل عمران: 37].
ولما رآها الأحبار قذف الله فى قلوبهم حبها، فتنازعوا على من يكفلها. قال نبى الله زكريا -عليه السلام- وكان أكبرهم سنا: أنا آخذها، وأنا أحق بها؛ لأن خالتها زوجتى - يقصد زوجة أم يحيي، لكن الأحبار أَبَوْا ذلك، فقال لهم زكريا: نقترع عليها، بأن نلقى أقلامنا التى نكتب بها التوراة فى نهر الأردن، ومن يستقر قلمه؛ يكفلها، ففعلوا، فأخذ النهر أقلامهم، وظهر قلم زكريا فكفلها. قال تعالي : ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون ) [آل عمران: 44]. (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) [آل عمران: 37]. وكان عُمْرُ مريم حينئذ لا يتجاوز عامًا، فجعل لها زكريا خادمة فى محرابها ظلت معها حتى كبرت، وكان لا يدخل عليها حتى يستأذنها ويسلم عليها، وكان يأتى إليها بالطعام والشراب.
غير أنه كلما دخل عليها قدمت له طبقًا ممتلئًا بالفاكهة، فيتعجب زكريا من الفاكهة التى يراها، حيث يرى فاكهة الصيف فى الشتاء، وفاكهة الشتاء فى الصيف، فيقول لها فى دهشة: يا مريم من أين يأتى لك هذا؟ فتقول: رزقنى به اللّه. قال تعالي: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)[آل عمران: 37]، فلما رأى زكريا مارأى من قدرة ربه وعظمته، دعا اللّه أن يعطيه ولدًا يساعده ويكفيه مؤنة الحياة (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء.فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 38 -39].
مرت السنون وأصبح زكريا شيخًا كبيرًا، ولم يعد قادرًا على خدمة مريم كما كان يخدمها، فخرج على بنى إسرائيل، يطلب منهم كفالة مريم، فتقارعوا بينهم حتى كانت مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار، وكان رجلاً تقيا شريفًا خاشعًا للّه. وظل يوسف يخدمها حتى بلغت سن الشباب، فضربت مريم عندئذ على نفسها الحجاب، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار . وبعد ذلك ابتعدت مريم عن الناس، وأصبح لا يراها أحد ولا ترى أحدًا (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا) [مريم : 16-17].
وبينما مريم منشغلة فى أمر صلاتها وعبادتها، جاءها جبريل بإذن ربها على هيئة رجل ليبشرها بالمسيح ولدًا لها (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) [مريم: 17]، ففزعت منه، وقالت كما أخبر ربنا فى كتابه : ( قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا. قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَى هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) [مريم:18-21]. يقول المفسرون: إنها خرجت وعليها جلبابها، فأخذ جبريل بكمها، ونفخ فى جيب درعها، فحملت حتى إذا ظهر حملها، استحيت، وهربت حياءً من قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة. فخرج قومها وراءها يبحثون عنها، ولا يخبرهم عنها أحد. فلما أتاها المخاض تساندت إلى جذع نخلة تبكى وتقول: (قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) [مريم :23]. حينئذ أراد الله أن يسكّن خوفها فبعث إليها جبريل . (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّاوَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم: 24 - 26].
فاطمأنت نفس مريم إلى كلام الله لها على لسان جبريل، وانطلقت إلى قومها. (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) [مريم: 27]، أى جئت بشيء منكرٍ وأمرٍ عظيم . (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا)[مريم: 28- 29]، لكن الله لا ينسى عباده المخلصين، فأنطق بقدرته المسيح وهو وليد لم يتعدّ عمره أيامًا معدودة . (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا. وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم:30-33]. فَعَلَتِ الدهشةُ وجوهَ القوم، وظهرت علامات براءة مريم، فانشرح صدرها، وحمدت الله على نعمته.
لكن أعداء الله - اليهود - خافوا على عرشهم وثرواتهم، فبعث ملكهم جنوده ليقتلوا هذا الوليد المبارك، فهاجرت به مريم، ومعها يوسف النجار إلى مصر، حيث مكثوا بها اثنتى عشرة سنة، تَرَّبى فيها المسيح، ثم عادت إلى فلسطين بعد موت هذا الملك الطاغية، واستقرت ببلدة الناصرة، وظلت فيها حتى بلغ المسيح ثلاثين عامًا فبعثه اللّه برسالته، فشاركته أمه أعباءها، وأعباء اضطهاد اليهود له وكيدهم به، حتى إذا أرادوا قتله، أنقذه الله من بين أيديهم، وألقى شَبَهَهُ على أحد تلاميذه الخائنين وهو يهوذا، فأخذه اليهود فصلبوه حيا. بينما رفع اللَّه عيسى إليه مصداقًا لقوله تعالي: ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم)[النساء: 157]، وقوله تعالي: (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[ النساء: 158] .
وتوفيت مريم بعد رفع عيسى -عليه السلام- بخمس سنوات، وكان عمرها حينئذ ثلاثًا وخمسين سنة، ويقال: إن قبرها فى أرض دمشق .
هذه هى قصة السيدة المؤمنة مريم كما حكاها لنا القرآن الكريم، وهو كلام الله تعالى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وقد بين لنا القرآن الكريم كفرَ اليهود وإلحادهم وإشراك النصارى وادّعاءاتهم. حيث يقول الله تعالي: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) [النساء: 65_] .
وقولهم: المسيح هو ابن الله، وعبادتهم له ولأمه مريم ولروح القدس (جبريل) إنما هو قول باطل، يخرج صاحبه من نور التوحيد إلى ظلام الكفر والشرك.
ولقد نعى الله عليهم ما هم فيه من الشرك والضلال والكفر، وأوْضَحَ لهم فساد عقيدتهم؛ حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، عسى أن يتوبوا إليه؛ فقال تعالي: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَات وَمَا فِى الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) [النساء:117].
ويوضح الله كُفر مَنْ يزعم أن المسيح ابن الله؛ فالمسيح -عليه السلام- لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرّا. يقول تعالي: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الأَرْضِ جَمِيعًا) [المائدة: 17].
ويقول تعالي: ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المائدة: 75].
ويبين الله -تعالي- براءة المسيح مما ادعوه عليه من الألوهية والعبادة. يقول سبحانه : (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. اللّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة : 116-117].


*****




سيدة نساء قريش ( خديجة بنت خويلد )
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من البيت حتى يذكرها فيحسن الثناء عليها.
هى أم المؤمنين، وخير نساء العالمين، السيدة خديجة بنت خويلد -رضى اللَّه عنها- كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لطهارة سريرتها وسيرتها، وكان أهل مكة يصفونها بسيدة نساء قريش، وكانت ذات شرف ومال وحزم وعقل، وكان لها تجارة، فاختارت النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم بها، وبرَّرت ذلك الاختيار بقولها له: إنه مما دعانى إليك دون أهل مكة ما بلغنى من صدق حديثك، وعظيم أمانتك، وكرم أخلاقك. وقد سمعت من غلامها ميسرة -الذى رافق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الشام -ما أكد لها صدق حدسها ونظرتها في أمانته وصدقه وحسن سيرته في الناس، فقد روى لها ما رآه في طريق الذهاب والعودة عن الغمامة التي كانت تظلل النبي صلى الله عليه وسلم حين يشتد الحر، وعن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكياته في التجارة، وأخبرها بأنه كان لا يعرض شيئًا عُنْوة على أحد، وأنه كان أمينًا في معاملاته، فأحبه تجَّار الشام وفضَّلوه على غيره. كل هذه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم جعلت السيدة خديجة - رضى اللَّه عنها - ترغب في الزواج من النبي(، فعرضت نفسها عليه، وبعثت إليه من يخبره برغبتها في الزواج منه، لما رأت فيه من جميل الخصال وسديد الأفعال.
وفكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر، فوجد التي تدعوه إلى الزواج امرأة ذات شرف وكفاءة، من أوسط قريش نسبًا، وأطهرهم قلبًا ويدًا، فلم يتردد.
وتزوج محمد الأمين ( (وعمره خمسة وعشرون عامًا) خديجة الطاهرة (وعمرها أربعون عامًا)، فولدت له أولاده كلهم - عدا إبراهيم - وهم: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، والقاسم، وعبد الله.
وكانت -رضى الله عنها- مثالا للوفاء والطاعة، تسعى إلى مرضاة زوجها، ولما رأت حبه ( لخادمها زيد بن حارثة وهبته له.
وعندما نزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أول من آمن به. فقد جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يرتجف، ويقص عليها ما رأى في غار حراء، ويقول: "زمِّلونى زمِّلوني" أى غطُّوني. فغطته حتى ذهب عنه ما به من الخوف والفزع، ثم أخبرها - رضى اللَّه عنها - بما رأى في الغار وبما سمع، حتى قال: "لقد خشيتُ على نفسي". فأجابته بلا تردد وطمأنته في حكمة بكلماتها التي نزلت عليه بردًا وسلامًا فأذابت ما به من خوف وهلع، قائلة: "كلا واللَّه، ما يخزيك اللَّه أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِى الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق" [البخاري]. ثم سارعت إلى التصديق برسالته والدخول معه في الدين الجديد.. فكان قولها الحكيم تثبيتًا لفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتسرية عنه.
إنها لحكيمة لبيبة عاقلة، علمت بشفافيتها ونور بصيرتها حقيقة الأمر، وأن اللَّه لا يجزى عن الخير إلا الخير، ولا يجزى عن الإحسان إلا الإحسان، وأنه يزيد المهتدين هدي، ويزيد الصادقين صدقًا على صدقهم، فقالت: أبشر يابن عم واثبت، فوالذى نفسى بيده، إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة.
ثم أرادت أن تؤكد لنفسها ولزوجها صِدْقَ ما ذَهَبَا إليه، فتوجهت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ في التوراة والإنجيل وعنده علم بالكتاب -فقد تنصر في الجاهلية وترك عبادة الأصنام- فقصت عليه الخبر، فقال ورقة: قدوس قدُّوس، والذى نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقْتينى يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتى موسى، وإنه لنبى هذه الأمة، فقولى له: فليثبت.
فلما سمعت خديجة -رضى اللَّه عنها- ذلك، أسرعت بالرجوع إلى زوجها وقرة عينها رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وأخبرته بالنبوة والبشرى فهدَّأت من رَوْعِه.
وكانت -رضى الله عنها- تهيئ للنبى  صلى الله عليه وسلم  الزاد والشراب ليقضى شهر رمضان في غار حراء، وكانت تصحبه أو تزوره أحيانًا، وقد تمكث معه أيامًا تؤنس وحشته وترعاه.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون شِعْبِ أبى طالب، وحاصرهم كفار قريش دخلت معهم السيدة خديجة -رضى الله عنها-، وذاقت مرارة الجوع والحرمان، وهى صاحبة الثراء والنعيم.
فرضى اللَّه عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، كانت نعم العون ل رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم في رحلة الدعوة الشاقة، آمنت به وصدقته، فكان إيمانها أول البشرى بصدق الدعوة وانتصار الدين. وثبتت إلى جواره وواسته بمالها، وحبها، وحكمتها، وكانت حصنًا له ولدعوته ولأصحابه الأولين، بإيمانها العميق، وعقلها الراجح، وحبها الفياض، وجاهها العريض، فوقفت بجانبه حتى اشتد ساعده، وازداد المسلمون، وانطلقت الدعوة إلى ما قدر اللَّه لها من نصر وظهور، وما هيأ لها من ذيوع وانتشار.. فلا عجب إذن إذا ما نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول اللَّه! هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب (من لؤلؤ مجوَّف) لا صَخَب فيه ولانَصَب (لا ضجيج فيه ولا تعب) [متفق عليه]. ولا عجب إذا ما تفانى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حبها، إلى درجة يقول معها: "إنى لأحب حبيبها" [الدولابي].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صواحب خديجة" [الدولابى - عنه ابن حجر في الإصابة].
لقد كانت مثاًلا للزوجة الصالحة، وللأم الحانية، وللمسلمة الصادقة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "كُمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد" [متفق عليه]. وتُوفيت -رضى اللَّه عنها- في رمضان قبل الهجرة بأعوام ثلاثة، في نفس العام الذي تُوفِّى فيه أبو طالب: عام الحزن كما سماه رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، حيث فقد فيه المعين والسند، إلا رب العالمين. ودفنت بالحجون، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها التي دفنت فيها، وكان موتها قبل أن تشرع صلاة الجنائز.
******


المهاجرة أرملة المهاجر ( سودة بنت زمعة )

لُقِّبت بالمهاجرة أرملة المهاجر، لأنها أسلمت وهاجرت بدينها إلى الحبشة مع زوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس، وتحملت مشاق الهجرة ومتاعب الغربة، وتوفى زوجها بعد أن عاد معها من الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، وأمست سودة وحيدة لا عائل لها ولامعين، فأبوها مازال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد اللَّه ابن زمعة على دين آبائه، فخشيت أن يفتناها في دينها.
فلما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصاب السيدة سودة وصبرها والتجاءها إلى الله؛ خشى عليها بطش أهلها، وهم أعداء الإسلام والمسلمين، فأراد ( أن يرحمها وينجدها من عذابها، ويعينها على حزنها، ويجزيها على إسلامها وإيمانها خيرًا، فأرسل إليها خولة بنت حكيم -رضى اللَّه عنها- تخطبها له، وكانت السيدة خديجة -رضى الله عنها- قد ماتت، وهو بغير زوجة، وكانت سودة قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمسين من عمره.
وحين دخلت خولة عليها قالت: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة ! قالت: سودة: وماذاك؟ فقالت خولة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلنى إليك لأخطبك إليه. قالت: وددت ذلك. فقالت خولة: دخلت على أبيها وكان شيخًا كبيرًا مازال على جاهليته وحيَّيْتُه بتحية أهل الجاهلية، فقلت: أنعِم صباحًا. فقال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم. فرحَّب بي، وقال ما شاء الله أن يقول. فقلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة ابنة زمعة. فقال: هو كفء كريم، فما تقول صاحبتك؟ قلت: تُحِبُّ ذلك. قال: ادعوها إلي. ولما جاءت قال: أى سودةُ، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوجكه؟ قالت: نعم. قال: فادعوه لي. فدعته خولة، فجاء فزوَّجه.
وفى رواية ابن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبها، فقالت: أمرى إليك، فقال لها مُرى رجلا من قومك يزوجك. فأمرت حاطب بن عمرو (وهو ابن عمها وأول مهاجر إلى الحبشة) فزوجها.
ودخلت السيدة سودة بنت زمعة -رضى الله عنها- بيت النبوة، وأصبحت واحدة من أمهات المؤمنين، وكانت الزوجة الثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم :، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات.
وكانت السيدة سودة مثالا نادرًا في التفانى في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وابنته أم كلثوم وفاطمة، فكانت تقوم على رعايتهما بكل إخلاص ووفاء، ثم هاجرت مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وكانت السيدة سودة ذات فطرة طيبة ومرح، وكانت ممتلئة الجسم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما رآها تمشى ضحك لمشيتها، فكانت تكثر المشى أمامه كى تضحكه، وتُدخل السرور عليه، وكانت تنتقى من الكلمات ماتظن أنه يضحكه.
وكانت السيدة سودة -رضى اللَّه عنها- تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبَّا شديدًا، وكانت تسعى إلى مرضاته دائمًا، فلما كبرت في السن، ولم تعد بها إلى الأزواج حاجَةً، وأحست بعجزها عن الوفاء بحقوق  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، أرادت أن تصنع من أجله شيئًا يعجبه ويرضيه ويرفع مكانتها عنده... فاهتدت إلى أن تهب يومها لعائشة؛ لعلمها أنها حبيبة إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وحتى لا تشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرج، وبررت له ما أقدمت عليه بقولها: ما بى على الأزواج من حرص، ولكنى أحب أن يبعثنى الله يوم القيامة زوجًا لك. وتفرغت للعبادة والصلاة.
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا بنت زمعة، لوتعلمين علم الموت، لعلمت أنه أشد مما تظنين" [ابن المبارك].
وكانت السيدة عائشة - رضى اللَّه عنها - تغبطها على عبادتها وحسن سيرتها، قالت: ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون في مِسْلاخها (هديها وصلاحها) من سودة .

ولما خرجت سودة -رضى الله عنها- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجة الوداع! قال: "هذه الحجة، ثم ظهور الحُصْر" (أى الْزَمْنَ بيوتكنّ ولا تخرجْنَ منها). فكانت - رضى الله عنها - تقول: حججت واعتمرت فأنا َأَقرُّ في بيتى كما أمرنى الله عز وجل، ولا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم :. [ابن سعد].

وكانت السيدة سودة -رضى الله عنها- زاهدة في الدنيا مقبلة على الآخرة. بعث إليها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- في خلافته ببعض الدراهم، فوزعتها على الفقراء والمساكين.
وظلت كذلك حتى توفيت في آخر خلافة عمر فحضر جنازتها، وصلى عليها، ودفنت بالبقيع.
وكان للسيدة سودة نصيب من العلم والرواية، فقد روت -رضى الله عنها- أحاديثًا لرسول الله عدة .
فرضى الله تعالى عنها .


******










أم المؤمنين.. الحبيبة ( عائشة بنت أبى بكر )
لما سأل عمرو بن العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه قال: "عائشة" [متفق عليه].
وعندما جاءت أم المؤمنين أم سلمة -رضى اللَّه عنها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتشتكى من أمر يتعلق بعائشة، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم "يا أم سلمة لا تؤذينى في عائشة؛ فإنه -واللَّه- ما نزل على الوحى وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" [متفق عليه].
وُلدت السيدة عائشة أم المؤمنين - رضى اللَّه عنها - قبل الهجرة بحوالى ثمانى سنوات، في بيت عامر بالإيمان، ممتلئ بنور القرآن، فأبوها الصديق أبو بكر صاحب رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وثانى اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من الرجال، وأول خليفة للمسلمين بعد رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وأمها السيدة أم رومان بنت عامر، من أشرف بيوت قريش وأعرقها في المكانة.
وقد شاركت السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- منذ صباها في نصرة الإسلام، فكانت تساعد أختها الكبيرة أسماء في تجهيز الطعام للنبى  صلى الله عليه وسلم  وأبيها وهما في الغار عند الهجرة.
وبعد أن استقر مقام المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبو بكر الصديق إلى ابنه عبد اللَّه يطلب منه أن يهاجر بأهل بيته: عائشة، وأسماء، وأم رومان، فاستجاب عبد اللَّه بن أبى بكر ومضى بهم مهاجرًا، وفى الطريق هاج بعير عائشة فصاحت أم رومان: وابنتاه وا عروساه. ولكن اللَّه لطف، وأسرع الجميع إلى البعير ليسكن، وكان في ركب الهجرة السيدة فاطمة الزهراء والسيدة أم كلثوم بنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة، ونزلت السيدة عائشة مع أهلها في دار بنى الحارث بن الخزرج، ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم في منزل حارثة بن النعمان.
وبدأتْ مرحلة جديدة في حياة أم المؤمنين عائشة - رضى اللَّه عنها - فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت ست سنين، وبنى بها وهى بنت تسع سنين. [البخاري].
وكان بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي دخلت فيه أم المؤمنين عائشة -رضى اللَّه عنها- حجرة واحدة من الطوب اللَّبِن - النَّيِّئ - والطين ، ملحق بها حجرة من جريد مستورة بالطين، وكان باب حجرة السيدة عائشة مواجهًا للشام، وكان بمصراع واحد من خشب، سقفه منخفض وأثاثه بسيط: سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف عليه وسادة من جلد حَشْوُها ليف، وقربة للماء، وآنية من فخارٍ للطعام والوضوء.
وفى زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- تقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أُرِيتُك في المنام مرتين: أرى أنك في سَرقة (قطعة) من حرير، ويقول: هذه امرأتك. فأكشف فإذا هي أنتِ، فأقول: إن يك هذا من عند اللَّه يُمضِه" [البخارى ومسلم وأحمد]. وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخطب عائشة حتى جاءته خولة زوج صاحبه عثمان بن مظعون ترشحها له.
أحبت السيدة عائشة النبي حبَّا كبيرًا، ومن فرط هذا الحب كانت فطرتها - مثل النساء - تغلبها فتغار.
ومرت الأيام بالسيدة عائشة هادئة مستقرة حتى جاءت غزوة بنى المصطلق، فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه (أى أجرى القرعة بينهن لتخرج معه واحدة في السفر) وكان من عادته ( أن يفعل ذلك مع أزواجه إذا خرج لأمر، فخرج سهمها فخرجت معه (، حتى إذا فرغ النبي من غزوته، وعاد المسلمون منتصرين، استراح المسلمون لبعض الوقت في الطريق، فغادرت السيدة عائشة هودجها، فانسلّ عِقدها من جيدها (عنقها)، فأخذت تبحث عنه.. ولما عادت كانت القافلة قد رحلت دون أن يشعر الرَّكْبُ بتخلفها عنه، وظلَّت السيدة عائشة وحيدة في ذلك الطريق المقفر الخالى حتى وجدها أحد المسلمين - وهو الصحابى الجليل صفوان بن المعطل - رضى اللَّه عنه - فركبت بعيره، وسار بها، واللَّه ما كلمها ولاكلمته، حتى ألحقها برسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، إلا أن أعداء اللَّه تلقفوا الخبر ونسجوا حوله الخزعبلات التي تداعت إلى أُذن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأثرت في نفسه، ونزلت كالصاعقة عليه وعلى أبيها"أبى بكر" وأمها "أم رومان" وجميع المسلمين، لكن اللَّه أنزل براءتها من فوق سبع سماوات فنزل في أمرها إحدى عشرة آية؛ لأنه يعلم براءتها وتقواها، فقال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 11].
وتقول السيدة عائشة لما علمت بحديث الإفك: وبكيت يومى لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندى أبواى وقد بكيت ليلتى ويومًا، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندى وأنا أبكى استأذنتْ امرأة من الأنصار، فأذنتُ لها، فجلست تبكى معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، فجلس - ولم يجلس عندى من يوم قيل في ما قيل قبلها- وقد مكث شهرًا لا يُوحى إليه في شأنى شيء، فتشهَّد، ثم قال: "يا عائشة، فإنه بلغنى عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى اللَّه وتوبى إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب اللَّه عليه". فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قَلَص دمعى حتى ما أُحِس منه قطرة، وقلتُ لأبي: أجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قال: واللَّه لا أدرى ما أقول لرسول  الله صلى الله عليه وسلم  . فقلت لأمي: أجيبى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قالت: ما أدرى ما أقول لرسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن. إنى واللَّه لقد علمت أنكم سمعتم ما يُحَدِّثُ به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، وإن قلتُ لكم إنى بريئة - واللَّه يعلم أنى بريئة - لا تصدقوننى بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر - واللَّه يعلم أنى بريئة - لتصدقني، واللَّه ما أجد لى ولكم مثلا إلا قول أبى يوسف: ( فّصّبًرِ جّمٌيلِ $ّاللَّهٍ بًمٍسًتّعّانٍ عّلّي" مّا تّصٌفٍون ) [يوسف:18]. ثم تحولت على فراشى وأنا أرجو أن يبرئنى الله، ولكن واللَّه ما ظننتُ أن يُنزِل في شأنى وحيًا، ولأنا أحقر في نفسى من أن يُتكلم بالقرآن في أمري، ولكنى كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا تبرئني، فواللَّه ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أُنزل عليه الوحى ... فلما سُرِّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو يضحك (أى انكشف عنه الوحى ثم ابتسم)، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: "يا عائشة، احمدى الله، فقد برأك اللَّه". فقالت لى أمي: قومى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :، فقلت: لا واللَّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلا اللَّه، فأنزل اللَّه تعالي: إن الذين جاءوا بالإفك. [البخاري].
وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالحها فقال لها ذات يوم : "إنى لأعلم إذا كنت عنى راضية، وإذا كنتِ على غَضْبَي". فقالت رضى اللَّه عنها: من أين تعرف ذلك؟ فقال : "أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم". فأجابت: أجل، واللَّه يا رسول اللَّه، ما أهجر إلا اسمك. [البخاري].
تلك هي المؤمنة ،لا يخرجها غضبها عن وقارها وأدبها، فلا تخرج منها كلمة نابية، أو لفظة سيئة.
ولما اجتمعت نساء  النبي صلى الله عليه وسلم  ومعهن السيدة عائشة لطلب الزيادة في النفقة منه رغم علمهن بحاله، قاطعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وعشرين يومًا حتى أنزل اللَّه تعالى قوله الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا.وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 28-29]. فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه فبدأ بعائشة فقال: "يا عائشة إنى ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تستعجلى حتى تستأمرى أبويك".
قالت: وقد علم أن أبواى لم يكونا ليأمرانى بفراقه، قالت: ثم قال: "إن اللَّه تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ)[الأحزاب: 82]. حتى بلغ: (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 29]. فقلت: في هذا أستأمر أبوي؟ فإنى أُريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة. وكذا فعل أزواج النبي جميعًا.
وعاشت السيدة عائشة مع رسول اللَّه حياة إيمانية يملأ كيانها نور التوحيد وسكينة الإيمان، وقد حازت -رضى اللَّه عنها- علمًا غزيرًا صافيًا من نبع النبوة الذي لا ينضب، جعلها من كبار المحدثين والفقهاء، فرُوى عنها من صحيح الحديث أكثر من ألفين ومائة حديث، فكانت بحرًا زاخرًا في الدين، وخزانة حكمة وتشريع، وكانت مدرسة قائمة بذاتها، حيثما سارت يسير في ركابها العلم والفضل والتقي، فقد ورد عن أبى موسى -رضى اللَّه عنه- قال: ما أُشْكِلَ علينا -أصحاب رسول  الله صلى الله عليه وسلم  - حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا.
وكان للسيدة عائشة -رضى الله عنها- علم بالشعر والطب، بالإضافة إلى علمها بالفقه وشرائع الدين.
وكان عروة بن الزبير -رضى الله عنه- يقول: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشِعْر من عائشة -رضى الله عنها-.
ومن جميل ما أسدته السيدة عائشة للمسلمين أنها كانت سببًا في نزول آية التيمم، يروى عنها أنها قالت: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بِتُرْبان (بلد يبعد عن المدينة عدة أميال وهو بلد لا ماء به) وذلك وقت السحر، انسلت قلادة من عنقى فوقعت، فحبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم (أى أمر بالبقاء لالتماسها في الضوء) حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء، فلقيت من أبى ما اللَّه به عليم من التعنيف والتأفُّف، وقال: في كل سفر للمسلمين يلقون منك عناء وبلاء، فأنزل اللَّه الرخصة في التيمم، فتيمم القوم وصلوا، قالت: يقول أبى حين جاء من اللَّه الرخصة للمسلمين: واللَّه ما علمت يا بنية إنك لمباركة !! ما جعل اللَّه للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر!! وفى رواية قال لها أُسيد بن حضير: جزاك اللَّه خيرًا، فواللَّه ما نزل بك أمر تكرهينه قط إلا جعل اللَّه لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة.
لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرها، فلقد تزوجها بعد أم المؤمنين خديجة وأم المؤمنين سودة بنت زمعة رضى اللَّه عنهن جميعًا-؛ رغبة منه في زيادة أواصر المحبة والصداقة بينه وبين الصدِّيق -رضى اللَّه عنه-. وكانت منزلتها عنده ( كبيرة، وفاضت روحه الكريمة في حجرها. وعاشت -رضى اللَّه عنها- حتى شهدت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان - رضى اللَّه عنه - وحضرت معركة الجمل، وكانت قد خرجت للإصلاح.
واشتهرت - رضى اللَّه عنها - بحيائها وورعها، فقد قالت: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى - رضى اللَّه عنه - واضعة ثوبى وأقول إنما هو زوجى وهو أبي، فلما دُفِن عمر - رضى اللَّه عنه - (معهما) واللَّه ما دخلته إلا مشدودة على ثيابى حياءً من عمر - رضى اللَّه عنه-.
وكانت من فرط حيائها تحتجب من الحسن والحسين، في حين أن دخولهما على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حل لهما.
وكانت -رضى الله عنها- كريمة؛ فيُروى أن "أم درة" كانت تزورها، فقالت: بُعث إلى السيدة عائشة بمال في وعاءين كبيرين من الخيش: ثمانين أو مائة ألف، فَدَعت بطبق وهى يومئذ صائمة، فجلست تقسم بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك المال درهم، فلما أمست قالت: يا جارية هلُمى إفطاري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشترى لنا لحمًا بدرهم فنفطر به. فقالت: لا تُعنِّفيني، لو كنتِ ذكَّرتينى لفعلت.
ومن أقوالها :
* لا تطلبوا ما عند اللَّه من عند غير اللَّه بما يسخط اللَّه.
* كل شرف دونه لؤم، فاللؤم أولى به، وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به.
* إن للَّه خلقًا قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح؛ خفقت معها، فَأفٍّ للجبناء، فأفٍّ للجبناء.
* أفضل النساء التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدى لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.
* التمسوا الرزق في خبايا الأرض.
* رأت رجًلا متماوتًا فقالت: ماهذا؟ فقيل لها: زاهد. قالت: كان عمر بن الخطاب زاهدًا ولكنه كان إذا قال أسمع،وإذا مشى أسرع،وإذا ضرب في ذات اللَّه أوجع.
* علِّموا أولادكم الشعر تعذُب ألسنتهم.
هذه هي السيدة عائشة بنت الصديق -رضى اللَّه عنها- حبيبة رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، والتى بلغت منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغًا عظيمًا، فقد رضى الله عنها لرضا رسوله صلى الله عليه وسلم عنها، فعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: "يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام". فقلتُ: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته" [متفق عليه].
وفى ليلة الثلاثاء 17 من رمضان في السنة 57 من الهجرة توفيت أم المؤمنين السيدة عائشة وهى في سن السادسة والستين من عمرها، ودفنت في البقيع، وسارت خلفها الجموع باكية عليها في ليلة مظلمة حزينة، فرضى اللَّه عنها وأرضاها.

******








صاحبة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم :حفصة بنت عمر )

لما فرغ زيد بن ثابت -رضى اللَّه عنه- من جمع القرآن بأمر من أبى بكر- رضى اللَّه عنه-، كانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبى بكر، حتى توفاه اللَّه، ثم عند عمر حتى توفاه اللَّه، ثم عند حفصة بنت عمر -رضى اللَّه عنها - ثم أخذها عثمان -رضى اللَّه عنه- فنسخها، ثم ردها إليها فكانت في حوزتها إلى أن ماتت.
وُلدت السيدة حفصة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، في بيت شريف كريم، فأبوها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- وأمها السيدة زينب بنت مظعون بن حبيب.
أسلمتْ حفصة مبكرًا هي وزوجها خُنيس بن حذافة السهمى القرشي، وهاجرت معه إلى الحبشة فرارًا بدينهما، ثم إلى المدينة بعد أن بدأت الدعوة في الانتشار، وشهد زوجها بدرًا، ومات في غزوة أحد بعد جرح أصابه، وترك حفصة شابة لم تتجاوز عامها الحادى والعشرين . وبعد أن انقضت عدتها ذكرها عمر عند عثمان بن عفان، ثم أبى بكر، فلم يردا عليه بالقبول، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه إعراض أبى بكر وعثمان عن ابنته حفصة، فقال صلى الله عليه وسلم : "يتزوج حفصةَ من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمانُ من هي خيرٌ من حفصة" . ثم خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم من عمر، فتزوجها فلقى أبوبكر عمر بن الخطاب، فقال له: لا تجد (لا تغضب) على في نفسك ؛ فإن رسول اللَّه( كان قد ذكر حفصة، فلم أكن لأفشى سرَّ رسول اللَّه(، ولو تركها لتزوجتها. [ابن سعد].
وبنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان من السنة الثالثة للهجرة، وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة ؛ إكرامًا لها ولأبيها وحُبّا فيهما، وذات يوم قالت امرأة عمر له: عجبًا يا بن الخطاب ! ما تريد إلا أن تجادل وابنتك تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فذهب عمر ابن الخطاب من فوره إلى حفصة غضبان يقول لها: يا بنيتى إنى أحذرك عقوبة اللَّه وغضب رسوله. كانت السيدة حفصة -رضى اللَّه عنها- عابدة خاشعة، تقوم الليل، وتصوم النهار، لذا كرمها اللَّه تعالى بفضله وجعلها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وشهدت حفصة-رضى اللَّه عنها- انتصارات الإسلام واتساع دولته، وروت 60 حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :.
توفيت حين بويع الحسن بن على -رضى اللَّه عنهما- وذلك في جمادى الأولى سنة 41 للهجرة، وقيل توفيت سنة 45هـ.
******




أم المساكين (( زينب بنت خزيمة ))

سُمِّيت بأم المساكين لرحمتها بهم وِرّقتها عليهم ؛ فكانت تطعمهم وتكسوهم، وتقضى حوائجهم، وتقوم على أمرهم.
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة للهجرة، بعد زواجه من السيدة حفصة - رضى اللَّه عنها - بوقت قصير، وذلك بعد أن استشهد زوجها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب - ابن عم رسول اللَّه - إثر جرح أصابه يوم بدر، وتركها بلا عائل؛ فرحم النبي صلى الله عليه وسلم وحدتها، وتقدم إليها يخطبها، فجعلت أمرها إليه؛ فتزوجها.
ذكر المفسرون في قوله تعالي: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) [الأحزاب: 50]. أنها من بين الواهبات أنفسهن للنبى (، و رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج واحدة من أولئك اللائى وهبن أنفسهن، فإن صح الخبر، تكون أم المساكين -رضى اللَّه عنها- قد أعلنت عن رغبتها في أن تكون زوجة له، فاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لرغبتها وتزوجها.
إنها السيدة زينب بنت خزيمة -رضى الله عنها- التي أكرمها اللَّه عز وجل بالزواج من رسوله (، وجعلها في كنفه وإلى جواره، وكفى بها كرامة.
وكانت السيدة زينب -رضى اللَّه عنها- أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث -رضى اللَّه عنها- من أمها، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة ميمونة سنة سبع من الهجرة لما اعتمر عمرة القضاء، وذلك بعد وفاة أختها السيدة زينب -رضى الله عنها، وهى في الثلاثين من عمرها.
عاشت السيدة زينب في بيت النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثة أشهر، ثم ماتت، ولحقت بالسيدة خديجة بنت خويلد لتكون ثانى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم موتًا في حياته - ولم يمت في حياته ( غيرهما - فقام النبي صلى الله عليه وسلم على أمر جنازتها، وصلى عليها، ودفنها في البقيع، فكانت أول زوجة من زوجاته ( تدفن في هذا المكان المبارك


******









صاحبة الرأى والمشورة ( أم سلمة )

فى يوم الحديبية دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، يشكو إليها عدم إجابة المسلمين لمطلبه حين أمرهم بالنحر والحلق. فقالت - رضى اللَّه عنها - للنبى صلى الله عليه وسلم : يا رسول اللَّه! اخرج فلا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، ففعل النبي ذلك بعد أن استصوب رأى أم سلمة، عندها قام الناس فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمَّا.
إنها أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبى أمامة بن المغيرة، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة من بنى فراس، وكان أبوها يعرف بلقبه (زاد الراكب)؛ لأنه كان جوادًا، فكان إذا سافر لا يترك أحدًا يرافقه ومعه زاد إلا وحمله عنه. وكانت أم سلمة -رضى الله عنها- أكبر زوجات  النبي  صلى الله عليه وسلم  .
عندما علم المسلمون المهاجرون إلى الحبشة بدخول عمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب في الإسلام ازداد حنينهم لمكة وللرسول (، فعادت أم سلمة وزوجها عبد اللَّه بن عبد الأسد -الصحابى الجليل وصاحب الهجرتين وابن عمة رسول  الله صلى الله عليه وسلم  - الذي استجار بأبى طالب بن عبد المطلب فأجاره، لكن أبا طالب لم يلبث أن فارق الحياة، فاشتدت العداوة بين قريش والمسلمين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حينئذ بالهجرة إلى يثرب.
تقول أم سلمة في هذا: إنه لما أراد أبو سلمة الخروج إلى المدينة، أعد لى بعيرًا، ثم حملنى عليه، وحمل معى ابنى سلمة في حجري، ثم خرج يقود بى بعيره.
فلما رأته رجال بنى المغيرة، قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، عَلام نتركك تسير بها في البلاد؟! فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذونى منه عنوة. وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد - قوم أبى سلمة - فقالوا: لا واللَّه لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنى سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق بنوأسد، وحبسنى بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجى أبو سلمة إلى المدينة فَفُرِّق بينى وبين زوجى وبين ابني، فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما زلت أبكى حتى مضت سنة أو نحوها.
فَمَرَّ بى رجل من بنى عمى - أحد بنى المغيرة - فَرأى مابي، فرحمني. فقال لبنى المغيرة: ألا تُخْرِجون هذه المسكينة؟! فَرَّقْتُم بينها وبين زوجها وبين ابنها. ومازال بهم حتى قالوا: الحقى بزوجك إن شئت. وردّ على بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرحلت ببعيرى ووضعت ابنى في حجرى ثم خرجت أريد زوجى بالمدينة، ومامعى أحد من خلق اللَّه.
حتى إذا كنت بالتنعيم - مكان على فرسخين من مكة - لقيت عثمان بن طلحة، فقال: إلى أين يا بنت أبى أمية؟ قلت: أريد زوجى بالمدينة. فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا واللَّه، إلا الله وابنى هذا. فقال: واللَّه مالك من مَتْرَك. وأخذ بخطام البعير فانطلق معى يقودني، فواللَّه ما صحبت رجلا من العرب أراه كان أكرم منه ؛ إذا نزل المنزل أناخ بى ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرى فقدمه ورحله، ثم استأخر عنى وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري، أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي.
فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بى المدينة. فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء - وكان بها منزل أبى سلمة في مهاجره - قال: إن زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة اللَّه. ثم انصرف راجعًا إلى مكة.
فكانت أم سلمة بذلك أول ظعينة (مهاجرة) دخلت المدينة، كما كان زوجها أبو سلمة أول من هاجر إلى يثرب من أصحاب  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، كما كانا أولَ مهاجِرَيْنِ إلى الحبشة.
وفى المدينة عكفت أم سلمة - رضى اللَّه عنها - على تربية أولادها الصغار ؛ سلمة وعمر وزينب ودرة. وجاهد زوجها في سبيل اللَّه، فشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدرًا وأحدًا، واستعمله ( على المدينة إبّان غزوة العشيرة ؛ نظرًا لإخلاصه وحسن بلائه، وجعله أميرًا -مرة- على سرية، وكان معه مائة وخمسون رجلا منهم "أبو عبيدة بن الجراح"؛ وذلك عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بنى أسد يُعِدُّون لمهاجمته في المدينة. فعاد أبو سلمة مظفرًا، لكن جرحه الذي أصيب به يوم أحد انتكأ بصورة شديدة أودت بحياته، فمات شهيدًا.
فقالت له أم سلمة يومًا: بلغنى أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة، ثم لم تتزوج بعده، إلا جمع اللَّه بينهما في الجنة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقى الرجل بعدها.. فتعال أعاهدك ألا تتزوج بعدي، وألا أتزوج بعدك. قال: فإذا مت فتزوجي، ثم قال: اللهمَّ ارزق "أم سلمة" بعدى رجلا خيرًا منى لا يحزنها ولا يؤذيها.[ابن سعد]. فلما انتهت عدتها من وفاة زوجها -رضى اللَّه عنه- تقدم أبو بكر، ثم عمر -رضى اللَّه عنهما- ليخطباها ولكنها ردتهما ردًّا جميلاً.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسيها ويخفف عنها لما توفى زوجها، ويقول لها: "قولي: اللهم اغفر لنا وله، وأعقبنى منه عقبى صالحة" [أحمد ومسلم وأبو داود].
ومرت الأيام، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فأرسل حاطبَ بن أبى بلتعة يخطِبها له. فقالت السيدة أم سلمة: مرحبًا برسول اللَّه وبرسله، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى امرأة غَيْرَى (شديدة الغيرة)، وأنى مُصْبِيَة (عندى صبيان)، وأنه ليس أحد من أوليائى شاهدًا. فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أما قولك: إنك امرأة مصبية، فالله يكفيك صبيانك (وفى رواية: أما أيتامك فعلى اللَّه ورسوله)، وأما قولك: إنك غَيْري، فسأدعو اللَّه أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء، فليس منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضى بي" [ابن سعد].
فلما وصلها جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحت به، ووافقت على الزواج منه(؛ فتزوجها ونزلت أم سلمة من نفس النبي صلى الله عليه وسلم منزلا حسنًا؛ فكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر دخل على أزواجه مبتدئًا بأم سلمة ومنتهيًا بعائشة؛ رضى اللَّه عنهن أجمعين.
وقد شهدت أم سلمة -رضى الله عنها- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر، وفتح مكة وصحبته في حصار الطائف، وفى غزوة هوازن وثقيف، وكانت معه في حجة الوداع.
وظلت السيدة أم سلمة تنعم بالعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالرفيق الأعلى.
وتعد السيدة أم سلمة - رضوان اللَّه عليها - من فقهاء الصحابة.
رُوِى عنها 387 حديثًا، وأُخرج لها منها في الصحيحين 29 حديثًا، والمتفق عليه منها 13 حديثًا، وقد روى عنها الكثيرون.
وامتد عمرها فكانت آخر من تُوُفِّى من نساء  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وكان ذلك في شهر ذى القعدة سنة 59 للهجرة، وقد تجاوزت الثمانين عامًا.


******





السيدة زينب بنت جحش

هى ابنة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، اختار النبي صلى الله عليه وسلم مولاه زيد بن حارثة زوجًا لها، فقالت: أنا لا أرضاه لنفسى وأنا أيِّم قريش. فقال لها صلى الله عليه وسلم : "أنا رضيتُه لك" [البخاري]. ونزل قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36]. فنَفَّذَتْ زينب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتزوجت زيدًا، وكان صداقها عشرة دنانير، وستين درهمًا، وخمارًا، ودرعًا، وخمسين مُدّا، وعشرة أمداد من تمر.
وعاشت عنده ما يقرب من سنة أو يزيد، ثم حدث خلافٌ بينهما، فذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، يشكو زوجته، ويستأذنه في تطليقها، فنصحه أن يصبر، وقال له: "أمسك عليك زوجكَ واتقِ الله" [البخاري]. ولكنه لم يستطع أن يستكمل معها حياته، فطلقها.
ثم نزل أمر الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بالزواج منها، قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) [الأحزاب: 37]. وذلك لإبطال عادة التبنِّى التي سنَّها الجاهليون. وبعد انتهاء عدتها من زيد، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليها يخطبها إلى نفسه، وتلا عليها الآيات، ففرحت فرحًا شديدًا، وسجدتْ لله شكرًا، ونذرت صوم شهرين لله.
وكانت السيدة زينب تفخر على أزواج  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، فتقول: "زوَّجكُنَّ أهليكُنَّ، وزوَّجنى الله من فوق سبع سماوات" [البخاري].
وعاشت -رضى الله عنها- مع النبي صلى الله عليه وسلم حياة كلها حب وإيمان، وكانت تتصف برقة القلب والعطف على المساكين. وكانت تجيد دبغ الجلود وخرزها، فتعمل وتنفق ما تكسبه على المساكين.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لزوجاته : "أسرعكُنَّ لحاقًا بى أطولكُنَّ يدًا (وكان صلى الله عليه وسلم يقصد بطول اليد: الصدقة) " [البخاري]. وكانت السيدة زينب -رضى الله عنها- أول من ماتت من أمهات المؤمنين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك في سنة 20هـ.


******




كسر العادات والتقاليد

(زينب بنت جحش رضي الله عنها)
- من أين استخرجنا هذا المفهوم؟
إن المتأمل في قصة زواج زينب من زيد بن حارثة ثم طلاقها منه وزواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم منها يرى أن هذا الحدث الاجتماعي كان الهدف منه أمرين: الأول: كسر العادات والتقاليد المخالفة للدين. والثاني: إلغاء نظام التبني في الإسلام وأريد أن أعرض القصة باختصار شديد حتى يتلمس القارئ معي هذه النتيجة.
- زيد بن حارثة
كان زيد عبداً رقيقاً اشتراه «حكيم بن حزام» فأهداه لخديجة - رضي الله عنها - ثم أهدته للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فسمع به أبوه وعمه فأتيا مكة قبل البعثة وطلبا ابنهما زيداً من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعرضوا عليه المال لأخذه، فاشار عليهم النبي بأن يخيروه فوافقوا على ذلك، فلما خيروه اختار زيد أن يبقى مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فغضب أبوه لأنه اختار العبودية على الحرية، فذهب به النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وقال: إني أشهدكم بأن زيداً ابني، وأصبح يدعى «زيد بن محمد».
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحبه كثيراً، حتى قالت عائشة - رضي الله عنها - «لو كان حياً لاستخلفه النبي بعده».

- خطبة زيد لزينب
خطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لزيدٍ ابنة عمه زينب، فلما سمعت زينب بالخطبة رفضتها، وقالت: لا أتزوج أبداً، وأنا سيدة عبد شمس وأخذتها الأفكار المتصارعة، فكيف تتزوج مولى وهي ذات حسب ونصيب وشرف فهي أصيلة وقرشية وحسيبة وابنة عم النبي وزينة نساء قريش، وتتزوج من مولى اشترته خديجة وأهدته للنبي الذي أعتقه ومنّ عليه بشرف الانتساب إليه، وكذلك كان موقف أخيها عبدالله، فإنه رأى في هذا الزواج عاراً.
فقال لها النبي محمد صلى الله عليه وسلم : «بل فانكحيه، فإني قد رضيته لك»، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يريد أن يكسر العادة الشائعة (أن الأصيل لا يتزوج إلا أصيلة)، واختار حبِّه زيد ابنة عمه زينب، لكسر هذه العادة عند العرب.
وقبل أن تجيب زينب على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. (الأحزاب/36)
وبعدما نزلت الآية قالت زينب وأخوها: رضينا يا رسول الله، وساق زيد إلى بني جحش عشرة دنانير وستين درهماً، ودرعاً وخماراً وملحفة وأزراداً وخمسين مداً من الطعام وعشرة أمداد من التمر، أعطاه ذلك كله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .
- عدم الوفاق بينهما
لم يكن زيد جميل الصورة فلم ينشرح له قلب زينب، وبدأت تتعالى عليه في النسب والحرية، وشعر منها بأنها زهدت فيه وهو قد تربى على الكرامة والأنفة في كنف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فآلمه ما تفعل به واشتكى إلى رسول الله أكثر من مرة بأن زينب تتعاظم عليه بشرفها، وأن فيها كِبْراً وتؤذيه بلسانها وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم دائماً يردد عليه: «أمسك عليك زوجك». (الاحزاب/37)
ويأتيه مرة أخرى ليشتكي منها ويطلب الطلاق والتفريق والنبي يردد عليه: «أمسك عليك زوجك».
وكان النبي يريد من ذلك كسر العادة عند العرب، وأن يبقى زيد مع زينب ثم يطلقهما فيتزوج النبي زينب وبذلك تنكسر عادة أخرى بأنه تزوج زوجة ابنه فيلغي نظام التبني ومع هذا كان يخشى الناس.
ثم سمح له بالطلاق وأنزل الله تعالى: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً} (الاحزاب/37)
- زواج النبي من زينب
وجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في نفسه حرجاً من الزواج منها، فأنزل الله تعالى قوله: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، وكفى بالله حسيباً}. (الأحزاب/ 38 - 39)
ثم إن الله تعالى زوَّجها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من السماء، قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} (الأحزاب/37)
فلما انتهت عدة زينب قال النبي لزيد اذهب إلى زينب واذكرني عندها، وكان زواج النبي منها من غير ولي ولا شاهد لأن الله تعالى هو الذي زوجها منه، وكانت زينب تفخر على أمهات المؤمنين: «زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات».
قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجنا كها} (الاحزاب/37)
ويذكر أنه لما تزوجها النبي تكلم المنافقون فقالوا: حرّم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله تعالى: {ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم}.
وقال: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}.. فدعي يومئذ زيد بن حارثة.
- الخلاصة:
لعلك لاحظت أيها القارئ العزيز معي كيف هي المعاناة في تغيير أعراف المجتمعات، ونحن نقرأ هذه القصة في دقائق بينما هي في الواقع أيام وأشهر كلها معاناة:
1 - معاناة النبي في إقناع زينب بالزواج من زيد.
2 - معاناة زيد مع زينب في البيت.
3 - معاناة أهل زينب عندما تزوجت.
4 - معاناة الجميع في مواجهة ضغط المجتمع.
5 - معاناة الطلاق وفشل الزواج.
6 - معاناة النبي في التطليق بين الطرفين.
7 - معاناة النبي في الزواج من زوجة متبناه.
8 - معاناة النبي في إلغاء نظام التبني ومواجهة العرب بذلك.
9 - وغيرها من المعاناة.
وكل ذلك من أجل التغيير..
ومع هذا فقد كافأ الله تعالى زينب على صبرها بتزويجها من النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأي شرف أعظم من هذا الزواج، الذي كان متفرداً في إجراءاته وطريقته، ولهذا كانت تفاخر النساء بثلاث:
1 - بأن جدها وجد النبي واحد.
2 - وأن الله أنحكها للنبي.
3 - وأن السفير كان جبريل.
- دكتاتورية الأعراف والهنديات الثلاث
من الخطأ أن نلغي العادات والتقاليد للشعوب، ولكن الصواب أن نحاول تغيير العادات والتقاليد التي تخالف منهج الإسلام، أما وجود العادات والتقاليد في حياة الإنسان فهي رمز لهويته، والعادات كذلك مفيدة في الحفاظ على مرجعية الإنسان وثقافته ولكن متى تكون العادة دكتاتورية؟
إنها تكون كذلك عندما يعمل بها الناس وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية، ومن أمثلة ذلك في واقعنا المعاصر:
1 - عدم النظر للمخطوبة.
2 - حصر زواج بنت العم بابن عمها.
3 - غلاء المهور.
4 - عدم تزويج البنت الصغيرة قبل الكبيرة.
5 - حرمان المرأة من الإرث.
وغير ذلك من العادات التي تخالف الإسلام ومازالت موجودة إلى اليوم، وإننا لا نريد أن نستدل من الشريعة بما يخالف كل عادة مما ذكرنا، ولكننا أحببنا أن نذكرها على سبيل المثال لا الحصر، حتى نعرف المعاناة التي عاناها النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندا أراد كسر عادة وتغييرها، فالأمر ليس بسهل ويحتاج إلى وقت وصبر، وقد ذكر د. مصطفى السباعي قوة العادة فقال: «كم عظيم هزم الجيوش، وهزمته عادة سيئة».
وقال كذلك: «أقسى أنواع الاستعمار: استعمار العادة للإنسان».
واحببت أن انقل لكم قصة ثلاث هنديات لنتعرف على مأساتهن بسبب العادات الاجتماعية والتي تخالف الدين.
أقدم ثلاث أخوات هنديات على الانتحار بتناول مبيد للحشرات، وقال ناطق باسم الشرطة في بومباي: إن والد المنتحرات أعلن أنه لم يتمكن من العثور على زوج لابنته الكبرى، ورفض السماح لابنتيه الأخريين بالزواج طالما لم تتزوج الأولى»
وأسماء الأخوات الثلاثة: فيجا ياناتي (30 سنة) وشاكونتالا (25 سنة) ويامونا سوفارنا (20 سنة)، فهذه قصة من آلاف القصص والتي ذهبت ضحيتها فتيات بسبب (دكتاتورية الأعراف)، وأنا أعرف قصصاً كثيرة لفتيات وشباب مظلومين بالعادات التي تخالف الإسلام، ولعل من أبرزها عدم زواج الأصيل من غير الأصيل، وهي القصة التي ركز عليها حبيبنا محمد صلوات ربى عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين .
ولهذا قال معروف الرصافي:
كل ابن آدم مقهور بعادات ... لهن ينقاد في كل الإرادات
عوائد عمت الدنيا مصائبها ... وإنما أنا في تلك المعيبات
إن العوائد كالأغلال تجمعنا ... على قلوب لنا منهن اشتات
الحر مَنْ خرق العادات منتهجاً ... نهج الصواب ولو ضد الجماعات
ومن إذا خذل الناس الحقيقة عن ... جهل، أقام لها في الناس رايات
ولم يَخَف في اتباع الحق لائمة ... ولو أتته بحد المشرقيات
وعامل الناس بالإنصاف مدرعاً ... ثوب الأخوة من نسج المساواة
فأغبي البرية أوفاهم لعادته ... وأعقل الناس خراق لعادات

******







- كيف نغير العادة السيئة؟

انه سؤال مهم ويحتاجه كل إنسان، فما منا أحد وإلا ويحتاج إلى تغيير عادة سيئة عنده سواء أكانت العادة سلوكية أم صحية أم تربوية، أم غيرها، ولقد ناقش القرآن الكريم هذه المسألة ولفت النظر إلى أن التغيير يبدأ من الذات، وهذا ما يؤكده حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أن كل إنسان يتحمل مسؤولية فعله، وكذلك تعرض علماؤنا وخصوصاً المهتمين بالسلوك بهذا الجانب، وشرح ابن القيم قضية قطع الخواطر السلبية واستبدالها بخواطر إيجابية لأن أصل العادة خاطرة، ثم تطورت إلى هم ثم عمل ثم يكرر هذا العمل حتى أصبح عادة، وناقش الغزالي كذلك هذه المسألة في الإحياء وأفاضوا في شرحها، ولكن ما لفت نظري البرنامج الذي وضعه «أنتوني روبنز» في تغيير العادات السيئة في كتابه: «أيقظ قواك الخفية» وأحببت أن ألخص ما كتبه في ثلاثين صفحة من كتابه بهذه الخطوات:
1 - قرر ما تريد تغييره بالضبط: وهذه هي أول مرحلة من مراحل التغيير بأن يحدد الإنسان ما يريد تغييره، ويحدد عادة واحدة فقط، فيتخذ قراراً بتغيرها.
2 - اربط الألم بعدم التغير والمتعة بالتغير: وهذا مما يساعد على التغيير بأن تربط الألم بعدم التغيير، كما لو نصحك طبيب مثلاً بعدم أكل الحلويات من أجل زوال المرض الذي تعاني منه، فإن قرارك هذا بعدم الأكل عندما تربطه بألم المرض فإنه يساعدك على الالتزام به، وعندما تتخيل نفسك بعد زوال المرض ومتعتك بذلك فهذا يساعدك في تغيير تلك العادة.
3 - استخدم كل قدراتك: عند اتخاذ قرار التغيير استخدم كل قدراتك من أجل إنجاح هذا القرار، وضرب مثالاً بالذبابة التي تريد أن تخرج من الشباك وهو مغلق فتطير ثم تضرب بالزجاج، وتطير مرة أخرى وتضرب بزجاج الشباك وهكذا تكرر محاولاتها، ولو غيرت مسارها لخرجت من الباب أو الشباك الآخر، وهكذا بعض الناس في عملية التغيير، يريدون أن تغيير أنفسهم باتباع طريقة واحدة، ولا يستخدمون كل قدراتهم، ويقولون: لا فائدة من التغيير.
4 - ابتكر بديلاً جديداً يمنحك القوة: وضرب مثلاً من يريد أن يقلع عن التدخين فليحل محله الرياضة حتى يحافظ على الشعور بالمتعة.
5 - كرر النمط الجديد ليصبح عادة: ومن ثم يكرر الإنسان النمط الجديد له، حتى يصبح عادة، فتحل العادة الحسنة محل العادة السيئة، وكافئ نفسك عند كل انتصار، وضرب مثلاً باللاعب المشهور في كرة السلة (ببوسطن).. «لاري بيرد» والذي كان يصيب في كل رمية، فأرادت إحدى الشركات أن تسجله في لقطة إعلانية وهو يرمي الكرة ولا يصيب الهدف بها، وظل يتدرب مراراً حتى يتعلم الخطأ لأنه تعود على إصابة الهدف حتى تبرمج على ذلك.
6 - اختبر ما أنجزت: وآخر شيء اختبر نفسك فيما انجزته وأوجد لك بيئة تغير، واعتقد أن هذه قضية مهمة جداً لأن الإنسان يتأثر بمن حوله، وهذا تأكيداً للحديث المشهور في الرجل الذي قتل 99 نفساً، وأذكر نصه لأن فيه تغيير البيئة حتى يحافظ على نفسه.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة، فقال: لا، فقتله فكمل به مئة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة، فقال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى أرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة.
- هل ستصبح عاداتنا غربية؟
وأجاب الأستاذ الشحود على هذا السؤال قائلاً :
هناك أربعة أنواع من العادات:
- طبيعية.
- عقلية.
- اجتماعية.
- روحية.
فالكسل وإدمان التدخين من العادات الطبيعية، وأما القراءة وحب الجمال فمن العادات العقلية، وأما الزيارات فمن العادات الاجتماعية وتزكية النفس والعبادات من العادات الروحية، وكلها يمكن اكتسابها وتنميتها في أنفسنا وكذلك يمكننا تغييرها، ولا شك في أنّ البيئة لها أثر على الإنسان في تربيته وتشكيل عاداته منذ الصغر، ومن لطائف ما سمعت عندما كنت أقدم برنامج البيوت السعيدة في شهر يناير عام 2001، وكانت الحلقة تحت عنوان «حجاب الفتيات» وفيها جمهور من الفتيات يتحدثت عن سبب حجابهن ولفت نظري ونحن نتحدث عن البيئة أنّ إحدى الفتيات قالت: إن البيئة في التعريف القديم كان يقصد منها المناخ الأسري، أما اليوم فبيئة الطفل ما يرى وما يسمع وما يتفاعل معه من خلال الإعلام والإنترنت والشارع فأصبح العالم هو بيئته وليس لوالديه إلا تأثير بسيط جداً.
واستوقفتني هذه الكلمة وجلست أفكر بها لأن فيها وجهة نظر تستحق الوقوف عندها خاصة إذا علمنا أن الغرب يصدر ثقافته، ونحن يتخلى بعضنا عن ثقافته وأصوله، والغرب يملك مع ذلك تكنولوجيا متطورة وثورة في الاتصالات مبهرة، كما يملك الموارد المالية والبشرية وطبقاً لإحصائيات الأمم المتحدة فإن أكبر صناعة تصديرية في أمريكا ليست الطائرات والأسلحة والسيارات، وإنما هي صناعة الترفيه فقد حصدت أفلام هوليود أكثر من 30 مليون دولار على نطاق العالم عام 1997، ثم إن شراء جهاز كمبيوتر واحد في بنجلاديش مثلاً يكلف العامل أجر ثماني سنوات، بينما تكلف المواطن الأمريكي أجر شهر واحد، وإذا أدركنا أن 80% من المعلومات المتداولة في العالم الإسلامي غربية المصدر أو أمريكية في المقام الأول فإن تأثيرها لاشك كبير
فالواقع الذي نعيشه ملون بألوان الغرب في كل شيء في الأمور الصناعية والاستهلاكية ونحن نستطيع أن نعتمد على أنفسنا ونطور ذواتنا وأن نحرم الغرب من رواج بضاعتهم وكلنا يعرف موقف الشعوب العربية عند استشهاد الطفل ( محمد الدرة ) فقد قاطع بعض أفراد الشعب المصري مطاعم ( الماكدونالدز ) وكانت خسارته في شهر واحد ثمانية ملايين دولار فإذن لدينا القوة لو وظفناها التوظيف الصحيح فنحن أمه فيها كل مقومات القيادة ولكننا مصابون بما يسمى التكاسل العلمي فقد خلف علماؤنا ما يقارب ثلاثة ملايين مخطوطة موجودة الآن في المكتبات
، فنحن أمة فيها كل مقومات القيادة ولكننا مصابون بما يسمى «التكاسل العلمي»، فقد خلف علماؤنا ما يقارب ثلاثة ملايين مخطوطة موجودة الآن في المكتبات العالمية وهذا ما حدثني به الشيخ شعيب الأرناؤوط المحقق المعروف، ولكننا كما ذكرت نعيش في جو التكاسل العلمي، أن اللغة العربية في هيئة الأمم تعتبر السادسة بينما هي على شبكة الإنترنت ترتيبها (22) أليس ذلك مؤشراً على اعتمادنا على الغرب من الناحية العلمية.
إن الطب والهندسة وغيرها من العلوم مازال في دولنا يدرس باللغة الأجنبية، وعدد الناطقين باللغة العربية (300 مليون) تقريباً، بينما في السويد أو بلجيكا وعدد سكانهما عدة ملايين يدرسون الطب والهندسة وغيرها بلغتهم.
ونقولها مرة أخرى ما لم نتحرك، والا فستكون عاداتنا في المستقبل غربية أو أمريكية!! فلابد من النهوض والحركة وهذا ما نتعلمه من درس زينب - رضي الله عنها -
- كيف نربي أبناءنا على العادات والحسنة ؟
1.نعرف لهم العادة الحسنة وفوائدها ونبين لهم العادة السيئة ومضارها
2.نغرس في أنفسهم الدين الإسلامي فهو مرجعنا التربوي
3.أبين لهم أهمية عاداتنا وتقاليدنا التي تتوافق مع الإسلام وما يخالف منها الإسلام .
4.اعرض عليهم بعض الكتب عن عادات الشعوب وثقافتها ليقرؤوها
5.أستثمر فرصة إلى بلاد الغرب في تعريفهم بعاداتهم الغربية ، وأعلق عليها إن كانت حسنة أو سيئة .
6.أدرسهم قصة زينب رضي الله عنها .


******











عاتقة المائة (جويرية بنت الحارث)
اختارتْ جوار اللَّه ورسوله، وفضلتْ الإسلام على اليهودية، فيروى أنه لما جاء أبوها الحارث بن أبى ضرار -سيد يهود "بنى المصطلق" وزعيمهم- إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابنتى لا يُسبَى مثلها، فأنا أَكْرَم من ذلك. قال له النبي صلى الله عليه وسلم "أرأيت إن خيَّرْناها؟" فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك، فلا تفضحينا. فقالت: فإنى قد اخترتُ اللَّه ورسوله. قال: "قد واللَّه فضحتِنا" [ابن سعد]. ثم أقبل أبوها في اليوم التالى ومعه فداؤها فلما كان بالعقيق (وادٍ قرب المدينة) نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء، فرغب في بعيرين منها طمعًا فيهما، فغيبهما في شِعْب من شعاب العقيق، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا محمد، أصبتم ابنتى وهذا فداؤها.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "فأين البعيران اللذان غَيَّبْتَ (خَبَّأْتَ) بالعقيق في شِعْبِ كذا وكذا؟".
قال الحارث: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه، فواللَّه ما أطلعكَ على ذلك إلا اللَّه. فأسلم، وأسلم ابنان له، وكثير من قومه، وأرسل بمن جاء بالبعيرين، ودفع بالإبل جميعًا إلى  النبي  صلى الله عليه وسلم  . فكانت -رضى الله عنها- سببًا في إسلام أهلها، ونالت بذلك ثواب هدايتهم، إنها أم المؤمنين السيدة جويرية بنت الحارث ابن أبى ضرار.
تقول جويرية -رضى الله عنها-: قال لى أبى وهو يبرر هزيمته أمام جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتانا ما لا قبل لنا به". فلما أسلمتُ وتزوجنى رسول الله صلى الله عليه وسلم :، ورجعنا إلى المدينة جعلت أنظر إلى المسلمين، فرأيتهم ليسوا كما سمعتُ.فعلمتُ أنه رعب من اللَّه يلقيه في قلوب المشركين.
اشتُهِرتْ جويرية بكثرة عبادتها وقنوتها للَّه، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندها بكرة حين صلى الصبح وهى في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهى جالسة، فقال: "مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟" قالت: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" [مسلم]. فكانت -رضى الله عنها- كثيرًا تردُّدها.
وقد كانت جويرية قبل أن تتزوج النبي صلى الله عليه وسلم متزوجة من رجل مشرك، هو ابن عمها مسامح بن صفوان، وقد قُتل في غزوة بنى المصطلق في السنة السادسة للهجرة، حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم لقتال يهود بنى المصطلق لما بلغه استعدادهم لقتال المسلمين بقيادة زعيمهم الحارث بن أبى ضرار، فقاتلهم، فنصر اللَّه رسوله وهزم الكفار وأُخِذت نساؤهم سبايا، ومنهن: جويرية (وكان اسمها قبل أن يتزوجها النبي "بَرّة" فغيره النبي إلى "جويرية"؛ لأنه كره أن يقال: خرج النبي من عند برة). تقول عائشة -رضى اللَّه عنها-: إنه لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بنى المصطلق، فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس، الذي عرض عليها أمر افتدائها بمقدار تسع أواق من الذهب، وهو واثق من أنها قادرة على دفعها له؛ لأنها بنت سيد بنى المصطلق ومن أغنياء اليهود. فكاتبتْه بهذا المبلغ؛ حتى يطلق سراحها، ولكنه أبَى إلا أن يتسلم أولا الفداء.
ولما كانت جويرية سبية ليس معها ما تفدى به نفسها -توجهت إلى رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وهو يومئذٍ عندى تسأله في كتابتها، ولما أذن لها الرسول بالدخول - قالت: يا رسول اللَّه، أنا برة بنت الحارث - سيّد قومه - وقد أصابنى من الأمر ما قد علمتَ، فأعِنِّى في كتابتي. فقال لها : "أولكِ خير من ذلك؟" فقالت: ماهو؟ فقال: "أؤدى عنك كتابك وأتزوجك" قالت: نعم يا رسول اللَّه. فقال: "قد فعلتُ". فخرج الخبر إلى الناس. فقالوا: أأصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسترقُّون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء بنى المصطلق، فبلغ عِتْقُهم مائةَ أهل بيت بزواجه إياها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على أهلها منها [ابن إسحاق]. وكانت السيدة جويرية -رضى الله عنها- في العشرين من عمرها حين تزوجها  النبي  صلى الله عليه وسلم  .
وعاشت جويرية في بيت  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وامتّد عمرها حتى عهد معاوية بن أبى سفيان -رضى الله عنه-.
وتوفيت -رضى الله عنها- عام 56 للهجرة، وصلَّى عليها مَرْوان بن الحكم- أمير المدينة، وقد بلغت سبعين سنة، وقيل توفيت سنة 50 للهجرة وعمرها 65 سنة.
وقد روت -رضى الله عنها- بعضًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .

******


سليلة الأنبياء (صفية بنت حيي)
نصر اللَّه المسلمين على اليهود في خيبر نصرًا كبيرًا، وكانت هي من بين السبايا، قال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "لم يزل أبوك من أشدّ اليهود لى عداوة حتى قتله اللَّه تعالي.. يا صفية، إن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقى بقومك". فقالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه يقول في كتابه: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[الزمر: 7 ]. وأنا قد هويتُ الإسلام وصدَّقْتُ بك قبل أن تدعونى حيث صِرْت إلى رَحْلِكْ، ومالى في اليهودية أرَبٌ، ومالى فيها والد ولا أخ، وخيّرتنى الكفر والإسلام، فاللَّه ورسوله أحبّ إلى من العتق وأن أرجع إلى قومي. [ابن سعد].
فلما همت صفية أن تركب البعير ثنى لها  النبي صلى الله عليه وسلم  ركبته لتركب، فأجَلَّتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع قدمها على فخذه ؛ فوضعت ركبتها على فخذه فركبت، ثم ركب  النبي صلى الله عليه وسلم  فألقى عليها الحجاب، ثم سارا مع المسلمين حتى إذا كانا على بُعد ستة أميال من خيبر نُزُلاً مع الجيش منزلاً للراحة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعرس بها فأبت صفية، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم منها في نفسه، فلما كانا بالصهباء على بعد ستة عشر ميلا من خيبر طاوعته، فقال لها: "ما حملك على إبائك حين أردت المنزل الأول؟" قالت: يا رسول اللَّه خشيت عليك قرب اليهود. فأكرمها النبي صلى الله عليه وسلم على موقفها ذاك وخوفها عليه من اليهود. [ابن سعد].
تقول السيدة صفية -رضى اللَّه عنها-: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغنى عن عائشة وحفصة قولهما: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، نحن أزواجه وبنات عمه، فذكرت له ذلك، فقال : "ألا قُلتِ: وكيف تكونان خيرًا مني؛ وزوجى مُحمد، وأبى هارون وعمى موسى" [الترمذي].
وتقول: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت معه ساعة، ثم قمت أنصرف، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معى يودعني، حتى إذا بلغت باب المسجد، عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول اللَّه فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم "على رِسلكما إنما هي صفية بنت حُيَي". فقالا: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! وكبر عليهما، فقال صلى الله عليه وسلم : "إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإنى خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا" [متفق عليه].
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي تُوفى فيه، قالت السيدة صفية - رضى الله عنها -: واللَّه يا نبى اللَّه ! لوددت أن الذي بكَ بي. فغمزها أزواجه، فأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مضمضن". قُلن: من أى شئ؟ قال: "من تغامزكن بها، واللَّه إنها لصادقة" [ابن سعد].
وكانت -رضى اللَّه عنها- سخية كريمة ؛ فقد أهدت إلى السيدة فاطمة الزهراء وبعض أمهات المؤمنين حلقات من ذهب، وتصدقت بثمن دارها قبل وفاتها.
ويروى أن جارية عندها أتت عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه- فقالت له: إن صفية تحب السبت وتصِل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإنى لم أحبه فقد أبدلنى اللَّه خيرًا منه وهو الجمعة، وأما اليهود فإن لى فيهم رحمًا لذلك أصلها. ثم قالت للجارية: ما حملكِ على هذا؟ قالت الجارية: الشيطان. فقالت لها السيدة صفية: اذهبى فأنت حرة.[ابن عبد البر]
هذه هي أم المؤمنين السيدة: صفية بنت حُيى بن أخطب من ذرية نبى اللَّه هارون. كانت أمها: برة بنت سَمَوأل من بنى قريظة، تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم وهى في السابعة عشر من عمرها؛ إلا أنها رغم صغر سنها؛ تزوجت قبل ذلك مرتين؛ الأولى من سلام بن مشكم القرظى فارس قومها وشاعرهم، والثانية من كنانة بن الربيع صاحب حصن القوص؛ أقوى حصن من حصون خيبر.
وتحكى صفية أنها لما تزوجت  النبي صلى الله عليه وسلم  رأى بوجهها أثر خُضرة قريبًا من عينها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "ما هذا؟".
قالت: يا رسول اللَّه. رأيت في المنام كأن قمرًا أقبل من يثرب حتى وقع في حجري، فذكرت ذلك لزوجى كنانة فضرب وجهى ولطمنى لطمًا شديدًا، وقال: أتحبين أن تكونى تحت هذا الملك الذي يأتى من المدينة (يقصد رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ). [ابن سعد].
وقد وقفت السيدة صفية بجانب الحق حين تعرض أمير المؤمنين عثمان بن عفان للحصار في منزله ؛ فوضعت خشبًا من منزلها إلى منزل عثمان تنقل عليه الماء والطعام له.
توفيت - رضى الله عنها - في رمضان سنة 50 من الهجرة - في خلافة معاوية بن أبى سفيان- ودفنت بالبقيع بجوار أمهات المؤمنين، رضوان اللَّه عليهن أجمعين.
******

أم المؤمنين التقية (أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان)

زارها أبوها، وهى في المدينة، فأبعدت عنه فراش  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، فقال لها: يا بنية أرغبتِ بهذا الفراش عنى أم بى عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول اللَّه وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحبَّ أن تجلس عليه.
قال: يا بنية لقد أصابك بعدى شر. قالت: لا، بل هدانى اللَّه للإسلام، وأنت يا أبة سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرًا لا يسمع ولا يبصر؟!
إنها أم المؤمنين أم حبيبة "رملة بنت أبى سفيان" ذات الحسب والنسب والمكانة؛ فأبوها هو "أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية" وأمها "صفية بنت أبى العاص"، وأخوها "معاوية بن أبى سفيان" وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت سببًا للمودة بين النبي صلى الله عليه وسلم وآل أبى سفيان. وفى هذا نزل قوله تعالي:(عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً) [الممتحنة: 7]. وعوضًا عن صبرها وإيمانها الكبير باللَّه تعالي.
كانت زوجة لعبيد اللَّه بن جحش، وكان قد تنصر في الجاهلية، ورفض عبادة الأصنام، فلما جاء الإسلام، أسرع هو وزوجته إلى الدخول فيه، لكنهما أمام جبروت قريش وقسوتها على الذين آمنوا، اضطرا إلى الفرار من مكة إلى الحبشة، وهناك أنجبا ابنتهما حبيبة، وبها كانت تُكنَّي، فيقال لها: أم حبيبة.
وفى الحبشة، ارتد عبيد اللَّه بن جحش عن الإسلام واعتنق النصرانية، وحاولت أم حبيبة وجميع من هاجروا إلى الحبشة إثناءه عن عزمه، فلم يفلحوا.
وتقص السيدة أم حبيبة تلك الواقعة، فتقول: رأيت في النوم عبيد اللَّه زوجى في أسوأ صورة وأشوهها، ففزعتُ وقلت: تغيرتْ واللَّه حاله، فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة، إنى نظرت في الدين فلم أر دينًا خيرًا من النصرانية، وكنت قد دِنتُ بها ثم دخلت في دين محمد، وقد رجعتُ. فأخبرتُهُ بالرؤيا فلم يحفل (يهتم) بها، وأكب على الخمر حتى مات.
وقد حاول عبيد اللَّه بن جحش أن يجر امرأته أم حبيبة إلى النصرانية، لكنها - رضوان اللَّه عليها - أبت عليه ذلك، واستمسكت بعقيدتها وظلت على دينها.. فنجاها اللَّه بصبرها على دينها، وأبدلها عن زوجها زوجًا خيرًا منه وهو رسول  الله صلى الله عليه وسلم  .
دخلت أبرهة خادمة النجاشى ملك الحبشة عليها، وقالت: ياأم حبيبة إن الملك (تقصد النجاشي) يقول لك إن رسول اللّه كتب إليه ليزوجك منه (. قالت أم حبيبة: بشَّركِ اللّه بخير يا أبرهة، خذى هذه منى هدية. وأعطتها سوارين من فضة وخلخالين.
فأرسلت أم حبيبة إلى خالد بن سعيد بن العاص ابن عمها لتوكله في أمر زواجها من رسول اللّه  .
ولما دنا الليل أمر النجاشى "جعفر بن أبى طالب" ومَنْ هناك مِن المسلمين فحضروا فخطب النجاشي، فقال :
الحمد للّه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لاإله إلا اللّه وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنه الذي بشّر به عيسى ابن مريم عليه السلام. أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان فأجابت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار. ثم سكب النجاشى الدنانير بين يدى القوم.
وتكلم "خالد بن سعيد" وقال: "الحمد للّه، أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون. أما بعد: أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوَّجتُه أم حبيبة فبارك اللّه لرسول اللّه. ثم دفع خالد الدنانير إلى أم حبيبة فقبضَتها. ثم أرادوا الخروج لكن النجاشى استوقفهم وقال: "اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يُؤْكل طعام على التزويج". ودعا بطعام فأكل الحاضرون ثم تفرقوا.
تقول أم حبيبة: فلما وصل إلى المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتنى فقلت لها: يا أبرهة! إنى كنت أعطيتك ما أعطيتُ يومئذٍ ولا مال عندى بيدي. فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستعينى بها. فأبت أبرهة، وأخرجتْ حُقّا فيه كلُّ ما كنتُ أعطيتُها فردّته علي، وقالتْ: عزم على الملك أن لا آخذ منكِ شيئًا وأن ا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعتُ دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت للّه -عز وجل-.
وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليكِ بكل ماعندهن من العطر. فلما كان الغد جاءتنى به. فقدمت بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يراه على وعندى فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: يا أم حبيبة حاجتى إليك أن تقرئى على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام منى وتُعلِميه أنى قد اتبعتُ دينه. ثم لطفت بى وكانت هي التي جَهَّزتني. وكانت كلما دخلت على تقول: لا تنسى حاجتى إليك.
فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخِطبة وما فعلت بى أبرهة، فتبسم وأقرأته منها السلام، فقال: "وعليها السلام ورحمة اللّه وبركاته" [ابن سعد].
وفى ليلة الزفاف أقام عثمان بن عفان -رضى اللَّه عنه- وليمة في عرس النبي صلى الله عليه وسلم وأم حبيبة -وهى ابنة عمة عثمان : صفية بنت أبى العاص- هذه الوليمة كانت غير تلك التي أقامها النجاشى في الحبشة عند عقد النكاح.
ولما بلغ أبا سفيان بن حرب خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته قال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه (أى الرجل الصالح الذي لا يُرد نكاحه). وقد أحبت أُمُّ حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حبّا شديدًا، وآثرت محبته على كل محبة أخري، حتى ولو كانت محبتها لأبيها أو أبنائها أو إخوانها أو عشيرتها.
وكانت أم حبيبة - رضى اللَّه عنها - تحرص دائمًا على مراقبة اللَّه - عز وجل - وابتغاء مرضاته، فقد روى عن السيدة عائشة - رضى اللَّه عنها - أنها قالت: دعتنى أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يحدث بيننا ما يكون من الضرائر، فغفر اللَّه لى ولك ما كان من ذلك. فقلت: غفر الله لكِ ذلك كله وتجاوز وحلَّك من ذلك كله. فقالت: سررتِنى سركِ الله، وأرسلتْ إلى أم سلمة - رضى اللَّه عنها - فقالت لها مثل ذلك.
هذا وقد أسلم أبوها أبو سفيان في فتح مكة، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمان لمن دخل داره.. ففرحت أم حبيبة بإسلام أبيها فرحة كبيرة، وامتد بأم حبيبة العمر حتى عَهْدِ أخيها معاوية بن أبى سفيان وتوفيت في سنة أربع وأربعين للهجرة فرضى اللَّه عنها وأرضاها.
وروت -رضى الله عنها- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وستين حديثًا، وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين -رضى الله عنهم أجمعين


******











صاحبة الأمنية (ميمونة بنت الحارث)
كانت آخر من تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعرفت بالعبادة واشتهرت بالزهد، قالت عنها أم المؤمنين السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها-: "إنها كانت من أتقانا للَّه وأوصلنا للرحم" [الحاكم وابن سعد].
جاهدت في سبيل اللَّه واشتركت في معركة تبوك تنقل إلى المجاهدين الماء والزاد، وتسعف الجرحى، وتداوى المرضي، وتضمد جراحهم، وقد أصابها يومئذٍ سهم من سهام الكفار، لكن عناية اللَّه حفظتها.
إنها أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، إحدى الأخوات الأربع اللائى سماهن نبى  الله صلى الله عليه وسلم   الأخوات المؤمنات، وهن: أم الفضل زوج العباس عم  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وأسماء بنت عُمَيْس زوج جعفر بن أبى طالب، وسَلْمَى بنت عُميس زوج حمزة بن عبد المطلب عم  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وميمونة بنت الحارث زوج  النبي  صلى الله عليه وسلم  . وكانت أمهن هند بنت عوف أكرم عجوز في الأرض أصهارًا، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيها: زينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث.
وقد تزوجت السيدة ميمونة -رضى الله عنها- مرتين قبل زواجها بالنبى (، فقد تزوجها مسعود بن عمرو بن عمر الثقفي، فلما توفى تزوجها أبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس، ولما توفى كانت زوجًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :.
وكانت السيدة ميمونة -رضى الله عنها- تعرف باسم "بَرَّة" فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، لأنه تزوجها في يوم مبارك -يوم عمرة القضاء-، وكان عمرها حينئذ ستّا وعشرين سنة. [الحاكم وابن سعد].
وكانت -رضى الله عنها- مؤمنة تحب الله ورسوله، وتتمنى أن تنال شرف الزواج برسول الله صلى الله عليه وسلم :، وتكون أمَّا للمؤمنين.
وفى السنة السابعة للهجرة -وبعد صلح الحديبية- كانت عمرة القضاء، فقد جاء النبي ومعه المسلمون لأداء العمرة في العام السابق فمنعهم المشركون، فوقَّعوا صلحًا، على أن يعودوا لأداء العمرة في العام المقبل، وأن تكون مدة العمرة ثلاثة أيام، ولما جاءوا لأداء العمرة -فى السنة السابعة من الهجرة المباركة- أخذت ميمونة تحدث شقيقتها أم الفضل -رضى الله عنها- عن أمنيتها في أن تكون زوجًا للنبى وأمَّا للمؤمنين، فاستبشرت أم الفضل خيرًا وحدّثت زوجها العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ،فذكرها العباسُ للنبى (، فوافق على زواجه منها، فكان ذلك إعزازًا وتقديرًا وشرفًا لها، وتعويضًا لها عن فقد عائلها، فأصدقها النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم، وكان قد بعث ابن عمه جعفرًا -زوج أختها أسماء- يخطبها، فلما جاءها الخاطب بالبشرى - وكانت على بعير- قالت: البعير وماعليه لرسول اللَّه، وجعلت العباس وليها في أمر الزواج.
وفى رواية أن ميمونة هي التي وهبت نفسها ل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل اللَّه تعالي: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)[الأحزاب: 50].
ولما قاربت مدة العمرة التي اتفقوا عليها -الأيام الثلاثة- طلب النبي صلى الله عليه وسلم من مشركى مكة أن يمهلوه وقتًا حتى يتم الزواج بميمونة، فقال لهم: "ما عليكم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعامًا فحضرتموه" [ابن سعد وابن عبد البر]. فرفضوا، ومع إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم بنصر اللَّه إلا أنه أبى إلا أن يفى بوعده معهم، وخرج ( حتى اقترب من مكان يسمى سَرف يبعد عن مكة بعشرة أميال، فأتمّ زواجه من ميمونة، وكان ذلك في شهر ذى القعدة سنة سبع من الهجرة.
عاشت ميمونة -بعد ذلك- مع النبي صلى الله عليه وسلم تحيا بين جنبات القرآن، وروت -رضى اللَّه عنها- ثلاثة عشر حديثًا.
ولما حانت منيتها في عام الحرة سنة ثلاث وستين، وكانت بمكة، وليس عندها أحد من بنى أخيها، قالت: أخرجونى من مكة، فإنى لا أموت بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَنى أنى لا أموت بمكة فحملوها حتى أتوا بها (سرف) - عند الشجرة التي بنى بها رسول اللَّه فتوفيت هناك، وعمرها حينئذ 81 سنة، وحضر جنازتها ابن عباس -رضى اللَّه عنهما- وغيره من الصحابة.


******


أم إبراهيم المصرية (مارية القبطية)

مؤمنة من أهل مصر، ارتبط اسمها بالسيدة هاجر، زوج خليل الله إبراهيم -عليه السلام-، تزوجت من نبي، وأنجبت له ولدًا، وقدمت إلى بلاد الحجاز؛ لتسكن يثرب. وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن له بمصر رحمًا؛ وأوصى أصحابه بالإحسان إلى أهلها عند فتحها، فقال صلى الله عليه وسلم : "إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا" (أى صهرًا) [مسلم].
إنها مارية بنت شمعون، أهداها المقوقس - عظيم القبط في مصر- للنبى ومعها أختها سيرين، وعبد خصى يُدْعَى مأبور، وأَلْف مثقال ذهب، وعشرون ثوبًا لينًا من نسيج مصر، وبغلة شهباء تُسمى دلدل، وبعض من عسل، وبعض المسك، وبعض أعواد البخور. وقد حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاطبُ بن أبى بلتعة رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس. وقد عرض حاطب الإسلام على مارية فأسلمت.
وُلدت مارية بقرية تدعى حَفن تقع على شرق النيل في صعيد مصر، وقضت فيها طفولتها، فلما شبت انتقلت مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس بالإسكندرية.
فلما وصلت هدية المقوقس إلى نبى اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم أنزل مارية وأختها سيرين على أم سليم الغميصاء بنت ملحان، ثم وهب سيرين إلى شاعره حسان بن ثابت، واحتفظ لنفسه بالسيدة مارية -رضى الله عنها-. أكرمها  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، ونزلت من قلبه منزلة عظيمة، وكانت -رضى الله عنها- جميلة، وأنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان الأنصاري، فكانت بجوار السيدة عائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقضى معظم الليل والنهار عندها، فحزنت لذلك السيدة عائشة، وغارت عليها فحولها  النبي صلى الله عليه وسلم  إلى العالية بضواحى المدينة وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبًا أنجبت مارية للنبى ابنه إبراهيم في ذى الحجة سنة ثمانِ من الهجرة. -ويقال: إن النبي بعدها أعتقها وتزوجها- وقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بابنه فرحًا كبيرًا؛ وسماه في اليوم السابع إبراهيم، وحلق شعره وتصدق بوزنه فضة، وعَقَّ عنه بكبش.
مرض "إبراهيم" ابن رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وخطفه الموت من أبويه في ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة بعد أن عاش في حجرهما سبعة عشر شهرًا، فوضعه النبي بين يديه وذرفت عيناه عليه، وقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" [متفق عليه]. ويروى أن مارية وأختها سيرين كانتا تبكيان على إبراهيم.
وتوفى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنه إبراهيم بسنة واحدة، ولم تعمِّر السيدة مارية -رضى الله عنها- بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا؛ حيث توفيت -رضى اللَّه عنها- سنة ست عشرة من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-، ودفنت بالبقيع بجانب أمهات المؤمنين.
وبعد فتح مصر سنة عشرين من الهجرة اهتم الصحابى الجليل عبادة بن الصامت بالبحث عن القرية التي ولدت بها السيدة مارية، وبنى بها مسجدًا، وتعرف الآن ببلدة الشيخ عبادة
==============
صاحبة القلادة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم
رجع أبو العاص بن الربيع من إحدى رحلاته إلى الشام، فوجد أخبار الدين الجديد تملأ جنبات مكة، فأسرع إلى بيته، فبادرتْه زوجته يحدوها الأمل قائلة: الإسلام يا أبا العاص. وهنا يلف الصمت أبا العاص ويشرد ذهنه بعيدًا. فقد خاف أن يقول عنه القوم: فارق دين آبائه إرضاءً لزوجه، ورغم أنه يحب  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، ويحب زوجه إلا أنه كره أن يخذل قومه، ويكفر بآلهة آبائه، وظل متمسكا بوثنيته، وهنا اغرورقت عينا الزوجة المخلصة بالدموع، لكن الأمل ظل حيَّا في نفسها عسى الله أن يهدى زوجها.
إنها السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها- ولدت قبل بعثة والدها ( بعشر سنوات. وكانت أول أولاده من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها-، وتزوجت من ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فأنجبت له عليَّا وأمامة، فمات على وهو صغير، وبقيت أمامة فتزوجها الإمام على بن أبى طالب -رضى الله عنه-.
وفى ذلك الحين بدأت ملحمة الصراع بين المسلمين وكفار قريش، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وهاجرت معه رقيَّة وفاطمة وأم كلثوم، وبقيتْ زينب وحيدة في مكة بجوار زوجها الذي ظل متمسكًا بوثنيته، ثم تطورت الأحداث فخرج المسلمون لاسترداد حقهم الذي تركوه بمكة فتعرَّضوا لقافلة أبى سفيان، فخرجت قريش برجالها، وبدأت الحرب بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى.
وانتصر المسلمون وانهزم الكفار والمشركون. فوقع أبو العاص أسيرًا عند المسلمين، فبعثت قريش لتفديه، وأرسلت "زينب" بأخى زوجها "عمرو بن الربيع" وأعطته قلادتها التي أهدتها لها أمها "خديجة" يوم زفافها، فلما وصل عمرو ومعه تلك القلادة التي أرسلتها لفداء زوجها الأسير، ورأى الصحابة القلادة أطرقوا مأخوذين بجلال الموقف، وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم والدموع حبيسة عينيه، وقال لهم في رقة رقّت لها أفئدة المسلمين: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". قالوا: نعم يارسول اللّه. فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها. [أبو داود وأحمد والحاكم].
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا العاص أن يترك زينب، وأن يرسلها إليه في المدينة، ففعل رغم حبه الشديد لها.
رجع أبو العاص وأرسل أخاه كنانة؛ ليقود بعير زينب وهى في طريقها إلى المدينة. لكن قريشًا تصدَّت لهما فأصاب هبار بن الأسود الأسدى بعيرها برمحه، فوقعت "زينب" على صخرة جعلتها تنزف دمًا وأسقطت على إثرها جنينها. فهدَّد كنانة بن الربيع قريشًا بالقتل بسهامه، إن لم يرجعوا ويتركوا زينب فرجع الكفار عنهما.
ورأى كنانة ألم زينب فحملها إلى بيت أخيه. وظلت هناك حتى بدأت تستعيد قواها بجانب أبى العاص زوجها الذي لا يكاد يفارقها لحظة... فخرج بها كنانة مرة أخري، حتى سلمها إلى زيد ابن حارثة، الذي صحبها حتى أتت بيت أبيها ( بالمدينة، فاستقبلها المسلمون استقبالا طيبًا حافلا.
ومرت الأيام، ووقع "أبو العاص" مرة أخرى في الأسر، حين هاجم المسلمون قافلته العائدة من الشام، وبعد صلاة الفجر دخلت زينب إلى أبيها، تطلب منه أن تجير "أبا العاص"، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين قائلا: "أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ؟" قالوا: نعم. قال: "فوالذى نفسى بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت" [الحاكم وابن سعد وابن هشام].
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب أن لا يقربها زوجها أبو العاص، لأنها لا تحل له مادام مشركًا.
ورحل أبو العاص بتجارته عائدًا إلى مكة وأعاد لكل ذى حق حقه، ثم أعلن إسلامه على الملأ ورجع مهاجرًا في سبيل اللّه إلى المدينة، وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة. فالتأم شمل زينب بزوجها مرة أخري.
لكن سرعان مانزلت مصيبة الموت بزينب فماتت متأثرة بالألم الذي أصابها بالنزف عند هجرتها إلى المدينة، وكانت وفاتها -رضى الله عنها- في السنة الثامنة للهجرة، فبكاها زوجها أبوالعاص بكاءً مرّا. وحزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حزنًا كبيرًا، ثم ودعها إلى وأقبرها.
وعاد زوجها أبو العاص إلى ولديها: على وأمامة دامع العين يقبل رأسيهما وفاءًا لزوجته الحبيبة "زينب" -رضى الله عنها-.
******
صاحبة الهجرتين رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم
كان نزول هذه الآيات:(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ . وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ . فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)[سورة المسد]؛ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيدًا ورحمةً، وعيد لأبى لهب وزوجتِه، ورحمة لرقيةَ وأمِّ كلثوم ابنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم :؛ إذ نجاهما الله من العيش في بيت الشرك والكفر .
ولدت السيدة رقية -رضى الله عنها- قبل الهجرة بعشرين عامًا، ونشأت في أحضان أبيها رسول الله(، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد-رضى الله عنها-. وكانت رقية -رضى الله عنها- ملازمة لأختها أم كلثوم لتقارب السن بينهما، ولم يفترقا حتى خطب عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) السيدة رقية لابنه عتبة، كما خطب السيدة أم كلثوم لابنه الآخر عتيبة.فلما بُعث رسول الله( وأنزل الله عز وجل: تبت يدا أبى لهب.
قال أبو لهب لابنه عتبة: رأسى من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته. ففارقها ولم يكن قد دخل بها، وأسلمت رقية -رضى الله عنها- حين أسلمت أمها السيدة خديجة، وبايعت  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، ثم تزوجها عثمان بن عفان بمكة فكان زواجها سعيدًا موفقًا متكافئًا.
ثم هاجرت رقية مع زوجها عثمان إلى أرض الحبشة، فكان عثمان أول من هاجر إليها، واستقر بهما المقام بالحبشة، وسارت بهما الأيام هادئة، حتى أشيع أن أهل مكة قد كفوا أيديهم عن تعذيب المسلمين والتنكيل بهم، فعادت السيدة رقية مع زوجها عثمان -رضى الله عنهما-، وبعض الصحابة إلى مكة، ولكنهم فوجئوا بأن أهل مكة مازالوا على عنادهم يسومون المستضعفين من المسلمين سوء العذاب، فانتظروا قدوم الليل، ثم دخلوا مكة متفرقين.
وعندما عادت السيدة رقية إلى مكة كانت أمها خديجة قد لقيت ربها، فحزنت عليها أشد الحزن ، ثم ما لبثت أن هاجرت إلى المدينة بعد أن هاجر زوجها عثمان من قبل.
ولدت رقية من عثمان ابنها عبد الله وبه كان يكني، ولما بلغ ست سنوات نَقَرَهُ ديكُ في وجهه، فطمر وجهه فمات، وكانت رقية قد أسقطت قبله سقطًا وقت هجرتها الأولي، ولم تلد بعد ذلك.
وتجهز المسلمون لأول معركة مع الكفر في بدر، وتمنى عثمان أن يكون مع المجاهدين، ولكن زوجته كانت تعالج سكرات الموت بعد مرض شديد -قيل إنه الحصبة- إثر حزنها الشديد على وفاة ولدها، ولذلك أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بالتخلف ليكون إلى جوارها يطببها، ولكنها ما لبثت أن لبت نداء ربها في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكانت أولى بنات النبي صلى الله عليه وسلم موتًا، وفى ذلك يقول ابن عباس: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحقى بسلفنا عثمان بن مظعون" [ابن سعد]. فبكت النساء عليها، فجعل عمر بن الخطاب يضربهن بسوطه، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: "دعهن يبكين" [ابن سعد]. ثم قال: "ابكين وإياكن ونعيق الشيطان، فإنه مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان" [ابن سعد]. فقعدت فاطمة الزهراء على شفير القبر بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وهى تبكى و رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدمع عن عينيها بطرف ثوبه وعيناه تدمعان [ابن سعد].
ودفنت - رضى الله عنها - بالبقيع ، رحمها الله .


******












ثانية النورين (أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم
"يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة" [ابن سعد].
فمَنْ تكون أفضل من حفصة أم المؤمنين؟
جاء عثمان بن عفان - رضى اللَّه عنه - إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليلتمس المواساة في زوجته رقية - رضى اللَّه عنها - بعد وفاتها، وجاء عمر بن الخطاب - رضى اللَّه عنه - يشكو للنبى  صلى الله عليه وسلم  أبا بكر، وعثمان حين عرض عليهما ابنته حفصة، بعد أن مات زوجها خُنيس بن حذافة السهمى -رضى اللَّه عنه- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة". وقد صدقت بشراه ( حيث تزوج هو من حفصة، وتزوج عثمان من أم كلثوم بنت النبي(.
ودخلت أم عياش -خادمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيدة أم كلثوم تدعوها للقاء النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ رأيها في أمر الزواج من عثمان ؛ فلما أطرقت صامتة حياءً من  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، عرف أنها ترى ما يراه ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان: "أزوجك أم كلثوم أُخت رقية، ولوكُنّ عشرًا لزوجتكهن" [ابن سعد]. فنال عثمان بن عفان بذلك الشرف لقب ذى النورين ؛ لزواجه من ابنتى رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، فكلتاهما نور بحق، وظلت أم كلثوم في بيت عثمان زوجة له لمدة ست سنوات لا يفارقها طيف أختها رقية.
ولدت السيدة أم كلثوم قبل بعثة  النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وشهدت ازدهار الإسلام وانتصاره على الكفر والشرك، وجاهدت مع باقى أسرتها، فشاركت أباها ( وأمها خديجة جهادهما، وعانت معهما وطأة الحصار الذي فرضه الكفار والمشركون على المسلمين في شِعْب أبى طالب، ثم هاجرت إلى المدينة المنورة مع أختها فاطمة بعد أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهن زيد بن حارثة ليصحبهن.
وشهدت فرحة انتصار المسلمين في بدر، وقد تشابهت ظروف أم كلثوم وأختها رقية -رضى اللَّه عنهما- حيث نشأتا سويّا في بيت النبوة، وخُطبا لشقيقين هما عتبة وعتيبة من أبناء أبى لهب وزوجته أم جميل، ولكن اللَّه أنقذهما وأكرمهما، فلم يبنيا بهما، وحرم ولدا أبى لهب من شرف زواجهما.
وفى السنة التاسعة من الهجرة، توفيت أم كلثوم دون أن تنجب؛ فأرخى النبي صلى الله عليه وسلم رأسها الشريف بجانب ما بقى من رفات أختها رقية في قبر واحد، مودعًا إياها بدموعه.



******


الريحانة (فاطمة الزهراء بنت  النبي  صلى الله عليه وسلم  )

كانت حبيبة النبي صلى الله عليه وسلم وريحانته وحافظة أسراره ؛ فقد جلست بجواره ( يومًا فأسرَّ إليها بنبأ جعلها تبكى وتبتسم، فسألتها السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- عن ذلك. فأجابتها: ما كان لى لأفشى سر رسول  الله صلى الله عليه وسلم  . فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: إن أبى قال لى في أول مرة: "إن جبريل كان يعارضنى القرآن الكريم في كل سنة مرة واحدة، وإنه عارضنى إياه مرتين هذا العام، وما أراه إلا قد حضر أجلي". فبكيت، ثم أردف بقوله: "وإنك أول أهلى لحوقًا بي، نعم السلف أنا لك" فتبسمت. [متفق عليه].
إنها السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم التي قالت فيها أم المؤمنين السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها-: "ما رأيت أحدًا من خلق اللَّه أشبه حديثًا ومشيًا برسول اللَّه من فاطمة" [الترمذي].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم  أنها سيدة نساء أهل الجنة [الترمذى والحاكم]. وأخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها واحدة من خير نساء العالمين. فقال: "خير نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" [ابن حجر في الإصابة]. وكان يقول عنها: "فاطمة بضعة مني، يؤذينى ما أذاها، ويريبنى ما رابها" [متفق عليه].
سُميت -رضى اللَّه عنها- فاطمة؛ لأن اللَّه تعالى قد فطمها وحفظها من النار، ولقبها النبي صلى الله عليه وسلم الزهراء ؛ فكانت ريحانته وأحب بناته إليه؛ لأنها أصغرهن وحافظة نسله صلى الله عليه وسلم  . وكان إذا دخل عليها النبي قامت له وقبلت يده وأجلسته مكانها، وإذا دخلت عليه ( أخذ بيدها وأجلسها بجواره، ورحب بها أيما ترحيب. وكان إذا قدم من غزو أو سفر يبدأ بالمسجد فيصلي، ثم يزور ابنته فاطمة الزهراء ثم يأتى أزواجه -رضوان اللَّه عليهن-.
ولدت الزَّهراء قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وعمره حينئذ خمس وثلاثون سنة، وذلك في يوم التحكيم عند إعادة بناء الكعبة، يوم أخمد النبي صلى الله عليه وسلم بحكمته وفطنتة نار الحرب بين قبائل قريش المتنازعة حول من يضع الحجر الأسود المقدس في مكانه ؛ فقد بسط رداءه، ووضع فيه ذلك الحجر وطلب من زعماء القبائل أن يمسك كل منهم بطرف الرداء ثم وضعه بيده الشريفة في مكانه.
وقد شهدت السيدة فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى يومًا بالكعبة وبعض سفهاء قريش جالسون، فانبعث شقى من أشقياء القوم فأتى بأحشاء جزور فألقاها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة فأزالت عنه الأذى. كما كانت أم جميل - امرأة أبى لهب- تلقى الأقذار أمام بيته فيزيلها في هدوء ومعه فاطمة تحاول أن تعيد إلى المكان نظافته وطهارته.
وقاست فاطمة -رضى الله عنها- عذاب الحصار الشديد الذي فرضه الكفار على المسلمين وبنى هاشم في شِعْب أبى طالب، وعانت من فراق أمها التي تركتها تعانى ألم الوحدة وحنين الذكريات بعد وفاتها.
وهاجرت الزهراء إلى المدينة وهى في الثامنة عشرة من عمرها وكانت معها أم كلثوم، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة. وفى السنة الثانية تقدم كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنهما- للنبى  صلى الله عليه وسلم  يطلبون الزواج من السيدة فاطمة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتذر لهم في رفق، ثم طلبها على بن أبى طالب -كرم اللَّه وجهه- فوافق  النبي  صلى الله عليه وسلم  .
وقد قَدَّمَ عَلِى مَهْرًا للسيدة فاطمة قدره أربعمائة وسبعون درهمًا، وكانت ثمنًا لدرع أهداها له الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر، واشتراها منه "عثمان بن عفان" -رضى اللَّه عنه- بهذا الثمن، وكان جهازها خميلة، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاء، وجرتين.
وفى يوم زواجها قدم النبي صلى الله عليه وسلم طبقًا مليئًا بالتمر لأصحابه وضيوفه الكرام، وفى ليلة البناء كان على قد وُفِّق إلى استئجار منزل خاص يستقبل فيه عروسه الزهراء بعد تجهيزها، وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف. وبعد صلاة العشاء توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت الزوجية الجديد ودعا بماء فتوضئوا منه ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهما بقوله: "اللهم بارك فيهما وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما، فتوضئوا" [ابن سعد].
وبعد عام سعيد مليء بالإيمان رزق اللَّه فاطمة -رضى اللَّه عنها- ابنها الحسن، فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم فيه خيرًا، ثم رُزقت من بعده ابنها الحسين، ثم ولد لهما محسن الذي توفى وهو صغير، ثم منَّ اللَّه على بيت النبوة بمولودتين جميلتين هما السيدة "زينب" والسيدة "أم كلثوم"، بنتا الإمام على والسيدة فاطمة -رضى اللَّه عنهم جميعًا-.
وكانت السيدة فاطمة، وزوجها علي، وابناها الحسن والحسين -رضى الله عنهم- أعز الناس وأقربهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد أنه لما نزل قول الله تعالي:(فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[آل عمران: 61]. دعا رسول الله عليّا وفاطمة والحسن والحسين وقال: "اللهم هؤلاء أهلي" [مسلم].
وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتى وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا" [الترمذي].
وكانت السيدة فاطمة -رضى الله عنها- تقوم على خدمة زوجها وأولادها، ورعاية البيت، فكان يصيبها التعب والمشقة، وقال عنها زوجها على بن أبى طالب: لقد تزوجتُ فاطمة وما لى ولها خادم غيرها، ولما زوجها رسول الله( أرسل معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين وسقاء وجرتين، فكانت تجرُّ بالرحاء حتى أثَّرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّرت القربة بنحرها، وكانت تنظف بيتها حتى تغبر ثيابها، وتوقد تحت القدر حتى دنست ثيابها. وكانت السيدة فاطمة -رضى اللَّه عنها- تشكو الضعف، وتشارك زوجها الفقر والتعب نتيجة للعمل الشاق الذي أثَّر في جسديهما. وعندما جاءت أباها لتطلب منه خادمة تساعدها في العمل لم تستطع أن تطلب ذلك استحياء منه، فتولى الإمام على عنها السؤال وهى مطرقة في استحياء. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهما في رفق وهو يقدر حالهما: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أوتيما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبِّرَا أربعًا وثلاثين، وسبِّحَا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم" [البخاري].
وبعد ستة أشهر من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انتقلت السيدة فاطمة إلى جوار ربها، ودفنت بالبقيع في ليلة الثلاثاء، الثالث من رمضان، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان عمرها ثمانية وعشرين عامًا.


******








المرضعة (حليمة السعدية)
أرضعتْ رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، وأتمتْ رضاعه حتى الفصال، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم لها ذلك الجميل؛ فعن أبى الطفيل قوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسِّم لحمًا بالجعرانة، فجاءته امرأة فبسط لها رداءه، فقلت: من هذه؟ فقالوا: أمه التي أرضعتْه. [الطبراني].
إنها السيدة حليمة بنت أبى ذؤيب عبد الله السعدية مرضعة  النبي صلى الله عليه وسلم  .
قدمت السيدة حليمة -رضى اللَّه عنها- مكة تلتمس طفلاً رضيعًا، وكانت تلك السنة مقحطة جافةً على قبيلتها -قبيلة بنى سعد- جعلت نساءها -ومنهن حليمة- يسعين وراء الرزق، فأتين مكة؛ حيث جرتْ العادة عند أهلها أن يدفعوا بصغارهم الرُّضَّع إلى من يكفلهم. وتروى لنا السيدة حليمة قصتها، فتقول: قدمتُ مكة فى نسوة من بنى سعد، نلتمس الرضعاء فى سنة شهباء (مجدبة) على أتان ضعيفة (أنثى الحمار) معى صبى وناقة مسنة. ووالله ما نمنا ليلتنا لشدة بكاء صبينا ذاك من ألم الجوع، ولا أجد فى ثديى ما يعينه، ولا فى ناقتنا ما يغذيه، فِسْرنا على ذلك حتى أتينا مكة، وكان الرَّكْبُ قد سبقنا إليها، فذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتُه، فما هو إلا أن أخذته فجئتُ به رحلي، حتى أقبل عَلى ثدياى بما شاء من لبن، وشرب أخوه حتى رَوِي، وقام زوجى إلى الناقة فوجدها حافلة باللبن؛ فحلب وشرب، ثم شربتُ حتى ارتوينا، فبتنا بخير ليلة، فقال لى زوجي: يا حليمة! واللَّه إنى لأراك قد أخذتِ نسمة مباركة، ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟!
كانت حليمة -رضى اللَّه عنها- أمينة على رسول  الله صلى الله عليه وسلم  ، حانية عليه، ما فرَّقت يومًا بينه وبين أولادها من زوجها، وما أحس عندها رسول اللَّ ه ( شيئًا من هذا.
وكان لها من زوجها الحارث بن عبد العزى أبناء، هم إخوة ل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وهم عبد اللَّه، وأنيسة، وحذافة (وهى الشيماء).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصِل حليمة، وُيْهِدى إليها، عِرْفانًا بحقها عليه؛ فقد عاش معها قرابة أربعة أعوام، تربى فيها على الأخلاق العربية، والمروءة، والشهامة، والصدق، والأمانة، ثم ردَّته إلى أمه السيدة آمنة بنت وهب، وعمره خمس سنوات وشهر واحد.
وقد أحبها النبي صلى الله عليه وسلم حُبّا كبيرًا؛ حتى إنه لما أخبرته إحدى النساء بوفاتها -بعد فتح مكة- ذرفت عيناه بالدموع عليها.

******



عمة  النبي  صلى الله عليه وسلم  صفية بنت عبد المطلب)
كانت -رضى الله عنها- صابرة محتسبة، راضية بقضاء الله، ترى كل مصيبة هينة -مهما عظمت- ما دامتْ فى سبيل الله.
ففى غزوة أحد أقبلت لتنظر إلى أخيها حمزة الذي استشهد، فلقيها ابنها الزبير بن العوام فقال: أى أمه، رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِمَ؟ وقد بلغنى أنه مُثِّل بأخي، وذلك فى اللَّه، فما أرضانا بما كان فى ذلك، لأصبرن وأحتسبن إن شاء اللَّه. فجاء الزبير فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خلِّ سبيلها". فأتتْ إلى حمزة، واستغفرت له، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنه.
وكانت - رضى اللَّه عنها - مقاتلة شجاعة.فلما خرج ( إلى غزوة الخندق، جعل نساءه فى بيت لحسان بن ثابت، فجاء أحد اليهود، فرَقَى فوق الحصن حتى أطل على النساء، فقامت إليه صفية -رضى اللَّه عنها- فضربته وقطعت رأسه، ثم أخذتها، فألقتها على اليهود وهم خارج البيت، فقالوا: قد علمنا أن هذا -أى  النبي  صلى الله عليه وسلم  - لم يكن ليترك أهله، ليس معهم أحد يحميهم، فتفرقوا.
إنها صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أمها بنت وهيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كُلاب، وهى أخت حمزة لأمه، تزوجها فى الجاهلية الحارث بن حرب بن أُمية، فولدت له ولدًا، ثم تزوجها "العوام بن خويلد" فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة، وأسلمت صفية، وبايعت  النبي صلى الله عليه وسلم  وهاجرت إلى المدينة، وكانت من أوائل المهاجرات إلى المدينة، أسلمت مع ولدها الزبير، وقيل: مع أخيها حمزة.
قالت عائشة: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين)[الشعراء:142]، قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بنى عبد المطلب، لا أملك لكم من اللَّه شيئًا، سلونى من مالى ما شئتم" [مسلم، والنسائي، والترمذي، وأحمد].
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم رثته صفية بقولها:
توفيت "صفية بنت عبد المطلب" سنة عشرين هجرية فى خلافة عمر بن الخطاب - رضى اللَّه عنه - وعندها بضع وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع فى فناء دار المغيرة بن شعبة، وقد روت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث، فرضى اللَّه عنها وأرضاها.
هذه نماذج من النساء تحقق فى بعضهن الكمال . وفيهن تكون قدوتكن .
وأرجوا ألا تضيقن عقولكن وتقلن يريد أرجاعنا للعصور الحجرية لا والله بل أريد لكم الحضارة والمدنية ولكن بعد أن تقتبسن منهن الأخلاق الزكية والفطر النقية وما يتحق هذا إلا بالوقوف على عتبات العبودية
وإمتثال أمر رب البرية خالق أناس العصور الحجرية وأناس المدنية والفضائية
ومن بأمتثال أمره يكون صلاح حال جميع البشرية
فهلا تفطمتم للأطروحة والقضية ؟

******


نموذجان امرأتان كافرتان وامرأتان مؤمنتان

القرآن الكريم  والسنة النبوية قدما لنا الكثير من الأمثلة على طهارة الفطر والإستجابة والأستقامة فيما يزكى فطرنا ومن هذه النماذج نسوق ....

( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ *10* وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *11* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ *12* )
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى
فى ظلاله .

نموذجان امرأتان كافرتان وامرأتان مؤمنتان
ثم تجيء الجولة الثالثة والأخيرة . وكأنها التكملة المباشرة للجولة الأولى . إذ تتحدث عن نساء كافرات في بيوت أنبياء . ونساء مؤمنات في وسط كفار:
(ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط , كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين , فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا , وقيل ادخلا النار مع الداخلين . . وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون , إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة , ونجني من فرعون وعمله , ونجني من القوم الظالمين . ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا , وصدقت بكلمات ربها وكتبه . وكانت من القانتين). .
والمأثور في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط , أنها كانت خيانة في الدعوة , وليست خيانة الفاحشة . امرأة نوح كانت تسخر منه مع الساخرين من قومه ; وامرأة لوط كانت تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه !
والمأثور كذلك عن امرأة فرعون أنها كانت مؤمنة في قصره - ولعلها كانت أسيوية من بقايا المؤمنين بدين سماوي قبل موسى . وقد ورد في التاريخ أن أم "أمنحوتب الرابع" الذي وحد الآلهة في مصر ورمز للإله الواحد بقرص الشمس , وسمى نفسه "إخناتون" . . كانت أسيوية على دين غير دين المصريين . . والله أعلم إن كانت هي المقصودة في هذه السورة أم أنها امرأة فرعون موسى . . وهو غير "أمنحوتب" هذا . .
ولا يعنينا هنا التحقيق التاريخي لشخص امرأة فرعون . فالإشارة القرآنية تعني حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص . والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة . .
إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا , بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار . كما يراد أن يقال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم  وأزواج المؤمنين كذلك:إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء . فهن مسؤولات عن ذواتهن , ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين !
وها هي ذي امرأة نوح . وكذلك امرأة لوط . (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما). (فلم يغنيا عنهما من الله شيئا). . (وقيل:ادخلا النار مع الداخلين). .
فلا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان . وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء !
وها هي ذي امرأة فرعون , لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه . . في قصر فرعون . . عن طلب النجاة وحدها . . وقد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتا في الجنة . وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه . وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به: (ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين(  وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم:
ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صورة . فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ . في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي . . ولكنها استعلت على هذا بالإيمان . ولم تعرض عن هذا العرض فحسب , بل اعتبرته شرا ودنسا وبلاء تستعيذ بالله منه . وتتفلت من عقابيله , وتطلب النجاة منه !
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية . . وهذا فضل آخر عظيم . فالمرأة - كما أسلفنا - أشد شعورا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته . ولكن هذه المرأة . . وحدها . . في وسط ضغط المجتمع , وضغط القصر , وضغط الملك , وضغط الحاشية , والمقام الملوكي . في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء . . وحدها . . في خضم هذا الكفر الطاغي !
وهي نموذج عال في التجرد لله من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر , وكل هذه المعوقات , وكل هذه الهواتف . ومن ثم استحقت هذه الإشارة في كتاب الله الخالد . الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى . .
(ومريم ابنة عمران). . إنها كذلك مثل للتجرد لله منذ نشأتها التي قصها الله في سور أخرى . ويذكر هنا تطهرها: (التي أحصنت فرجها). . يبرئها مما رمتها به يهود الفاجرة ! (فنفخنا فيه من روحنا). ومن هذه النفخة كان عيسى عليه السلام , كما هو مفصل في السورة المفصلة لهذا المولد "سورة مريم" فلا نستطرد معه هنا تمشيا مع ظل النص الحاضر , الذي يستهدف تصوير طهارة مريم وإيمانها الكامل وطاعتها: (وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين). .
وإفراد امرأة فرعون بالذكر هنا مع مريم ابنة عمران يدل على المكانة العالية التي جعلتها قرينة مريم في الذكر . بسبب ملابسات حياتها التي أشرنا إليها . وهما الاثنتان نموذجان للمرأة المتطهرة المؤمنة المصدقة القانتة يضربهما الله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم  بمناسبة الحادث الذي نزلت فيه آيات صدر السورة , ويضربهما للمؤمنات من بعد في كل جيل . .
مما سلف يتعين علينا فهم غاية عظيمة  , أن نقاء الفطر وسلامتها متوقف على إمتثال أوامر الله وعلى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك نحقق النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة .
وأنا إذا حدنا عن صراطه المستقيم يكون فى ذلك هلاكنا أجمعين .

هل التبرج  يعبر عن حرية ؟

وهاكم الأطروحة والقضية ولكن رقق قلبك بسماع كلام ربك سبحانه وتعالى .
وتدبر هذه الأيات فى سورة الأنعام .

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ{21} وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{22} ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ{23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24} وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ{25} وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{26} وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{27} بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{28} وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{29} وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{30} قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ{31} وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{32} قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ{33} وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ{34} وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ{35} إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{36} وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{37} وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ{38} وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{39} قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{40} بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ{41} وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{43} فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ{44} فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{45}

والأن وبعد أن هدأت منا النفوس وارعوت لنا القلوب واستيقظ منا العقل .
نبدأ متسائلين !!!
هل الحرية فى جلب الأوبئة ؟
لو قلتم متشدد أحاججكم بهذه يا مسوخ تجارب الغرب .
هذا هو العلم يا مدعى العلم .فأرعنى نظرك وسمعك
هذا مقال علمى  موثق يثبت أن التبرج أحد أسباب الأصابة بالسرطان .
فكم سرطان يسرى ويضحى ويروح ويغدوا فى أماكننا ؟


مرض يصيب المرأة المتبرجة

قال صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) رواه أبو داود . وقال أيضا - ( لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار ) رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه

لقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة أن تبرج المرأة وعريها يعد وبالا عليها حيث أشارت الإحصائيات الحالية إلى انتشار مرض السرطان الخبيث في الأجزاء العارية من أجساد النساء ولا سيما الفتيات اللآتى يلبسن الملابس القصيرة فلقد نشر في المجلة الطبية البريطانية : أن السرطان الخبيث الميلانوما الخبيثة والذي كان من أندر أنواع السرطان أصبح الآن في تزايد وأن عدد الإصابات في الفتيات في مقتبل العمر يتضاعف حاليا حيث يصبن به في أرجلهن وأن السبب الرئيسى لشيوع هذا السرطان الخبيث هو انتشار الأزياء القصيرة التي تعرض جسد النساء لأشعة الشمس فترات طويلة على مر السنة ولا تفيد الجوارب الشفافة أو النايلون في الوقاية منه .. وقد ناشدت المجلة أطباء الأوبئة أن يشاركوا في جمع المعلومات عن هذا المرض وكأنه يقترب من كونه وباء إن ذلك يذكرنا بقوله تعالى : (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) سورة الأنفال : 32 ولقد حل العذاب الأليم أو جزء منه في صورة السرطان الخبيث الذي هو أخبث أنواع السرطان وهذا المرض ينتج عن تعرض الجسم لأشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية فترات طويلة وهوما توفره الملابس القصيرة او ملابس البحر على الشوطئ ويلاحظ أنه يصيب كافة الأجساد وبنسب متفاوتة ويظهر أولا كبقعة صغيرة سوداء وقد تكون متناهية الصغر وغالبا في القدم او الساق وأحيانا بالعين ثم يبدأ بالانتشار في كل مكان واتجاه مع أنه يزيد وينمو في مكان ظهوره الأول فيهاجم العقد الليمفاوية بأعلى الفخذ ويغزو الدم ويستقر في الكبد ويدمرها .. وقد يستقر في كافة الأعضاء ومنها العظام والأحشاء بما فيها الكليتان ولربما يعقب غزو الكليتين البول الأسود نتيجة لتهتك الكلى بالسرطان الخبيث الغازى .. وقد ينتقل للجنين في بطن أمة ولا يمهل هذا المرض صاحبة طويلا كما لا يمثل العلاج بالجراحة فرصة للنجاة كباقى أنواع السرطان حيث لايستجيب هذا النوع من السرطان للعلاج بجلسات الأشعة من هنا تظهر حكمة التشريع الإسلامى في ارتداء المرأة للزى المحتشم الذي يستر جسدها جميعة بملابس واسعة غير ضيقة ولا شفافة مع السماح لها بكشف الوجه واليدين فلقد صار واضحا أن ثياب العفة والاحتشام هي خير وقاية من عذاب الدنيا المتمثل في هذا المرض فضلا عن عذاب الآخرة ثم هل بعد تأييد نظريات العلم الحديث لما سبق أن قرره الشرع الحكيم من حجج يحتج بها لسفور المرأة وتبرجها ؟؟
المصدر " الإعجاز العلمى في الإسلام والسنة النبوية " محمد كامل عبد الصمد
أنتهى الكلام ولله الحمد وفق مصدره
وسنتوالى وفضح عوار التبرج
ولكنى ....

لا أريد أن أجعل ساحتنا لتبيين فضيلة الستر فقد أفردنا فيه جمع طيب فى كتابنا (( إنك خلقت للأمومة ولن تثنيكِ أفواههم المسمومة ))
وبينا فيه مفهوم الحرية والمساواة. وأنه فيما تلاقت فيه المقدرات تساوى وفيما خصت به المرأة فلا تساوى والدلالات غاية فى القوة لا ينكرها إلا مسلوب العقل والسمع والنظر والإبصار . وأن الحجاب بظواهر مدلولآت الآى ووفق قواعد العربية معناه حجب الشئ أى تغطيته . وكذلك تحدثنا عن الختان وكيف أنه أختلف جمهور العلماء بين أنه واجب أو سنة مؤكدة فكيف يتسنى لمسلم تجريمه أو تقبيحة لأنى أقسم بالله أنه ما عنده ما يفيد كراهيته أو حرمته وإلا فليأتنا .... إنا لمنتظرون
وفى نفس كتابنا السالف بينا أن الأصل فى الزواج التعدد وهو الغالب الذى كان عليه جمهور السلف وأن هذا تشريع الخالق وهو أدرى بحاجات خلقه . وإلا فأوجدوا لنا حل عادل لما عليه حال الأمة الأن من نمو وزيادة النساء فى مقابل الرجل . حتى أن منبع عفونة تاريخكم أقرت بذلك عندما أعلنوها أنه لا حل للحد من جرائم الاغتصاب فى أمريكا وأوربا إلا بتعدد الزوجات .
(( أم تريدوا لنسائنا أن يستغنوا عن الرجال بالحيوانات كما فعلت ساقطات علمانيتك والتى أروع ما يفتخرون به الدعارة والقدرة الجنسية وسخف القول وقبيح الكلام . هل تتخيلوا يا مسلمين أن يرتفع علم أرض الحرمين ومهبط الوحى  من شعارات قنوات الفسق والدعارة !!! لهذه درجة بلغ بنا السقوط يا شباب الأمة ؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله )) على قنوات الفجور ؟ ألآ لعنة الله على أناس أخرستهم المادة .. ألآ فاستفيقوا يا مسؤلين...إلى متى العمى يا إعلاميين ؟ أأعماكم طمع الدنيا ولو على حساب الدين ؟ كلا والله كلا وإنا لنتبرأ منك يا قوى يا متين من فعال هؤلاء الإعلاميين .
 ألم أقل وباء وسرطان يسرى . وهل هذا إلا نتاج تفاعل الفيروس مع أنفس فى الأصل مريضة . الله أكبر فى نساء فجرن ورجال هبطوا للهاوية )) .
وكذا بينا أن أصل الفساد فى المرأة هو من شؤم مخالفة أمر حيوى وهام من أوامر الله نتج عنه كل هذا الخلل ألآ وهو .... {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33
والْزَمْنَ بيوتكن, ولا تخرجن منها إلا لحاجة, ولا تُظهرن محاسنكن, كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى في الأزمنة السابقة على الإسلام, وهو خطاب للنساء المؤمنات في كل عصر. وأدِّين - يا نساء النبي- الصلاة كاملة في أوقاتها, وأعطين الزكاة كما شرع الله, وأطعن الله ورسوله في أمرهما ونهيهما, إنما أوصاكن الله بهذا؛ ليزكيكنَّ, ويبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي -ومنهم زوجاته وذريته عليه الصلاة والسلام-, ويطهِّر نفوسكم غاية الطهارة. فهل من مقتفى للأثر يريد الطهر ؟
ويحتم علينا أن نسوق دليل جلى واضح على أن الحجاب هو تغطية الوجه وفى ذلك نورد .
قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}.
هذه الآية دلالتها محكمة على التغطية، يتبين ذلك بالأوجه التالية:
الوجه الأول: أن الجميع: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وبناته، ونساء المؤمنين: أمرن بأمر واحد. هو: إدناء الجلباب. فعرف من ذلك أن صفة الإدناء للجميع واحدة، ولما كان من المجمع عليه: أن صفة إدناء الأزواج رضوان الله عليهن هو: الحجاب الكامل مع التغطية. فينتج من ذلك: أن صفة الإدناء عند البقية (= البنات، ونساء المؤمنين) كصفته عند الأزواج.
الوجه الثاني: تفسير الإدناء بكشف الوجه، يلزم منه كشف الأزواج رضوان الله عليهن وجوههن، وهو باطل، ولا قائل به.
الوجه الثالث: أنه قال: {يدنين عليهن}، فالفعل عدي بـ"على"، وهو يستعمل لما يكون غطاؤه من أعلى إلى أسفل، فدل بذلك على أن الإدناء يكون من على الرأس، منسدلا، حتى ينزل على الوجه، وبهذا المعنى قال جمع من أهل اللغة:
كالزمخشري حيث قال في تفسير هذه الآية: "يرخينها عليهن، ويغطين وجوههن، وأعطافهن، يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك إلى وجهك".
وأبو حيان الأندلسي، حيث قال في تفسيرها: " {عليهن} شامل لجميع أجسادهن، أو {عليهن}، على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".
وإلى القول بدلالة الإدناء على التغطية ذهب كل منهم: ابن عباس، وعبيدة السلماني، ومحمد بن سيرين، وابن علية، وابن عون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة"، وسند هذه الرواية صحيحة عند الأئمة: أحمد، والبخاري، وابن حجر. ورواها ابن جرير في تفسير الآية.
كما تظاهر المفسرون على تفسير الإدناء بتغطية الوجه، متابعة لابن عباس، منهم: ابن جرير، والجصاص، وإلكيا الهراس، والزمخشري، والبغوي، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي الكلبي، وابن تيمية، وابن حيان، وأبو السعود، والسيوطي، والآلوسي، والشوكاني، والقاسمي، والشنقيطي، وجلال الدين المحلي، فكل هؤلاء وغيرهم ذهبوا إلى تفسير الإدناء في الآية بتغطية الوجه؛ وذلك أنهم اعتمدوا في تفسيرها على قول ابن عباس رضي الله عنهما الآنف. وهذا دليل واحد من أكثر من خمسين دليل أوردنا أكثرهم فى كتابنا السالف الذكر
ولله الحمد والفضل
******
وما التبرج وما أثره فى النفس ؟

للتعريف بوباء التبرج لآبد أن نعرج على أسلحتة التى يستعملها للفتك بالضحية
وهى تتوافق تماما مع ما أتى به صاحب الموسوعة الموسومة والمعروفة باسم ((موسوعة الأسرة المسلمة ))
الأستاذ / على بن نايف الشحود
جزاه الله كل الخير على ما قدم ونفع به .
إذ يقول ....
قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228].
المساواة بين الرجل والمرأة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات، قيمة سامية، وغاية نبيلة، يسعى إليها الجميع، ذكرًا أو أنثى، إلا أنها أصبحت سلاحًا ذا حدين، يستخدمه أعداء المرأة في الداخل والخارج حيث جعلوا منها أداة لخدمة أهدافهم غير النبيلة، فتعالت صيحاتهم مطالبة بـ:
1- تحرير المرأة من كل القيود الدينية والاجتماعية، وإطلاق حريتها لتفعل ما تشاء، متى تشاء، وكيفما تشاء! وما لهذا خلقت المرأة، وما هذا دورها في المجتمع!
2- تعليم المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في أي مجال ترغب فيه أو تهفو إليه نفسها، دون نظر إلى ما ينفعها بوصفها امرأة، لها رسالة خاصة في الحياة، ولها مهمة عظيمة يجب أن تعد لها.
3- أن تعمل المرأة مثل ما يعمل الرجل، تحت أي ظرف وفي أي مجال، دون النظر
-أيضا- لما يتناسب مع طبيعتها الأنثوية وتكوينها الجسمي والنفسي.
4- مساواة المرأة للرجل في الحقوق المالية، فطالبوا بأن يتساوى نصيبها في الميراث بنصيب الرجل، مع ما في ذلك من مخالفة صريحة لشرع الله، ودون نظر إلى تبعات الرجل المالية من نفقة وغيرها، مما يتناسب مع زيادة نصيبه في الإرث.
والأصل أن ننظر في الإرث بما قسم الله وقضى، لأنه -سبحانه- هو المشرع له، العالم بحكمته -سبحانه- فيما قضى وقدر، دون ظلم لأحد، ولم ينظر القائلون بالتسوية في ميراث الأخوة من أم، فميراث الذكر مثل ميراث الأنثى، وربما زاد نصيب المرأة أحيانًا عن نصيب الرجل.
هذه أمثلة من دعاواهم، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ؛ لأنهم لم يدركوا معني المساواة التي يطالبون بها، وما تجره آراؤهم على المرأة من ويلات هي في غِنًى عنها، كما لم يدركوا ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق وامتيازات، فجهلوا أو تجاهلوا وضع المرأة قبل الإسلام في مختلف المذاهب والحضارات، وما آل إليه وضعها في ظلال الإسلام.



وضع المرأة في اليونان:
فإذا ألقينا نظرة على بلاد اليونان القديمة، نجد أنه بالرغم من الثقافة والعلوم، فإن وضع المرأة لم يكن أكثر من كونها خادمة، وعلى أحسن تقدير: مديرة للبيت، بل إن اليونانيين -أصحاب تاج الفلسفة- كانوا يسكنون زوجاتهم في حجرات تقل فيها النوافذ، مع حرمانهن من الخروج إلى السوق أو غيره..
ورغم نظرية أفلاطون الفلسفية المتعلقة بواجبات المرأة العسكرية والسياسية، فإن النساء ظللن معزولات عن الحياة العامة؛ بحكم العرف والقانون اليوناني.
لقد كان المبدأ السائد في التصور اليوناني: (أن قيد المرأة لا ينبغي أن يُنْزَع) ولذلك علت الأصوات بعد انهيار الحضارة اليونانية تطالب بالتحرر من الجسد ونجاسة المرأة التي كانت سببًا في الفساد، وأُمْطرَتِ المرأة اليونانية بوابل من اللعنات والتهم الشنيعة.
وضع المرأة في الهند:
وفي الهند، كان يحــكم على المـــرأة بالإحراق حــية مع تابـوت زوجها الــمتوفى. أى ظــلم يفوق هأأذا؟,وأى تشريع يقر بهذا ؟!





وضع المرأة في اليهودية:
أما في اليهودية؛ فكان اليهود يقرون أن المرأة خطر، وشر يفوق شر الثعابين، وكانوا ينظرون للمرأة نظرة إذلال وتحقير، وكانوا يعدّون البنات في منزلة الخادمات، وكانت هناك بعض التقاليد التي تحرم زواج البنت ؛ لتظل في خدمة أسرتها، مع حق وليها في بيعها بيع الإماء.
وضع المرأة عند بعض المذاهب المسيحية:
والمرأة عند بعض المذاهب المسيحية؛ هي جسد خال من الروح، ولا استثناء لامرأة إلا مريم العذراء.حتى أنهم عقدوا مجمع كنسى فى ذات مرة حتى يجمعوا هل المرأة روح شيطانية أسست الغواية فى النفس البشرية ؟
وضع المرأة في الجاهلية العربية:
وفي الجاهلية العربية كانت المرأة جزءًا من الثروة، فكانت تعد ميراثًا لابن الموروث.
وكانت النظرة الجاهلية للبنات تقوم على التشاؤم، ولذلك ظهرت عادتهم الرذيلة في وأد البنات، أي قتلهن وهُنَّ على قيد الحياة.أى جاهلية تعدل هذا السفه يا منصفين ؟
وحاملى لواء حقوق المرأة!!!





وضع المرأة في الإسلام:
وأمام هذا التاريخ المظلم جاء الإسلام ووضع المرأة في مكانها الطبيعي، وأعاد إليها حقوقها ومكانتها التي سُلِبَتْ منها، تحت ظلام الجهل وفساد العادات والتقاليد.
فأكد الإسلام على وحدة الأصل والنشأة بين الذكر والأنثى، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].
ورفض الإسلام موقف المشركين وتبلد مشاعرهم، وعدم تفهمهم لدور المرأة في الحياة، وكونها أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر، بل هي المستقر له، فهي أشد أصالة لبقاء الأسرة، ولذلك نظر إليها الإسلام على أنها هدية من الله، وقدم القرآن ذكرها على الذكور، قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 49-50].
لقد وضع الإسلام المرأة على بساط الاحترام والتكريم والمودة، بما يهيئ المجتمع نفسيًّا ليستقبل كل وليدة بصدر مطمئن ونفس راضية واثقة في عون الله، قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31].
كما كرم الإسلام المرأة وهي في مرحلة الشباب، فمنحها أهلية التعبير عن إرادتها في أخص شؤون حياتها، وهو تكوين بيتها واختيار زوجها، قال صلى الله عليه وسلم : (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: (أن تسكت) [مسلم].
وجعل الإسلام للمرأة كيانًا متفردًا، ومنحها العديد من الحقوق كحرية التملك على قدم المساواة مع الرجل، قال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا}
[النساء: 7].
واحترم الإسلام هذه الملكية وعززها بمنح المرأة حرية التصرف فيها، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4].
وساوى القرآن بينها وبين الرجل أمام القانون في الحقوق والواجبات؛ كحق إبرام العقود وتحمل الالتزامات، وحق الدفاع عن حقوقها أمام القضاء. فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
افتراءات وردود:
وأما ما يقال عن أن بعض أحكام الإسلام فيها مساس بالمرأة كالميراث ؛ حيث يكون نصيبها نصف نصيب الرجل، وكالشهادة؛ فشهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وكالطلاق، وتعدد الزوجات، فهذه الأمور هي في جوهرها تكريم للمرأة، وصون لمكانتها، فالفرق في هذه الأمور جاء حفاظًا على كرامة المرأة، واحترامًا لطبيعة تكوينها:
- فأما عن الميراث وكونه نصف ميراث الرجل في بعض الحالات، فقد قابل الإسلام هذا الأمر بما يعادله في حق الرجل، فقد ألزم الشرع الكريم الرجل بالإنفاق على المرأة، في كل طور من أطوار حياتها، فالبنت في مسؤولية أبيها أو أخيها أو من يقوم مقامهما، والزوجة نفقتها على زوجها، ولا نفقة عليها، وقد قرر الله -تعالى- ذلك بقوله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34]. وفي بعض الحالات قد يفوق ميراث المرأة ميراث الرجل بحسب القرابة، فليس الأمر دائمًا أن يكون ميراثها نصف ميراث الرجل.
- وأما بالنسبة للشهادة؛ فقد راعى الشارع الكريم في ذلك الخصائص النفسية للمرأة، فالمرأة عاطفية بحكم تكوينها النفسي، وقد تغلب عاطفتها؛ ولذا قال تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].
كما أن المرأة بطبيعة حركتها الاجتماعية لا تشاهد ما يشاهده الرجل، ولا تشترك فيما يكسبها الخبرة وما يؤهلها لعدم الخديعة ببعض المظاهر الكاذبة، وقد يوقعها ذلك في المحظور من حيث لا تشعر، ومع ذلك فقد أعطى الشرع الحنيف للمرأة حق الشهادة فيما تختص هي بممارسته، كالشهادة في الإطلاع على المولود عند الولادة ونحو ذلك؛ وذلك لأن الشهادة تتفاوت بحسب موضوعاتها، وقد تقبل شهادة المرأة منفردة، كما قدم شهادة المرأة فيما يخص أمور النساء كالولادة وغيرها.
- وأما عن الطلاق؛ فعاطفة المرأة غلابة، وغضبها قريب، ولذا أعطى الله للرجل سلطة التطليق المباشر لما يميزه من تريث وتحكيم للعقل قبل العاطفة، ولما يستشعره من عواقب الأمور، وفي الوقت نفسه لم يحرم الإسلام المرأة من طلب الطلاق، إذا وقع عليها من الضرر مالا تحتمله، أو ضاقت سبل العيش بينها وبين زوجها، وأصبح من المستحيل استمرار الحياة، وفي كلتا الحالتين يأخذ كل من الزوج والزوجة حقه.
- وبالنسبة لتعدد الزوجات؛ فهو علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل العاقر التي لا تنجب ويرغب زوجها في الولد ولا يريد فراقها، وكذلك زيادة عدد النساء عن الرجال في بعض الظروف مثل الحروب.
كما أن المرأة هي وعاء النسل ومحضنه، ولا يعقل أن تطلب حق تعدد الأزواج لتختلط الأنساب وتضيع الأعراض، ومقابل ذلك شرط الإسلام العدالة عند التعدد والقسمة العادلة بين الزوجات.
شقائق الرجال:
لقد جاء في الحديث الشريف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما النساء شقائق الرجال) [أبو داود والترمذي]، فالرجل والمرأة سواء أمام الله، ورُبَّ امرأة تقية أكرم عند الله من ألف الرجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، فالجنة ليست وقفًا على الرجال دون النساء.
ولقد ضرب القرآن الكريم المثل في الصلاح بالمرأة، وكما أسلفنا , فقال تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 11- 12].
لقد جاء الإسلام بقيم ومبادئ ترفع من مكانة المرأة وتصون لها كرامتها، ولكن ظهر الخطر وصوبت السهام ضد الإسلام والمسلمين، فهل تنتصر المسلمة لدينها وتصد كيد الطامعين؟! قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32].


******
ولكن أعداء المرأة المسلمة . وعميان العصبية الغربية , غفلوا عن هذا
وسنوا للمرأة شرائع جديدة يكمن بين طياتها سنن الهلاك للحرث والنسل
لو طبقت وفق مطالبهم ولم تنضبط بضابط شريعتنا الغراء ,
ومن أمثلة ذلك ..
الحب :
الحب من أسمى العواطف الإنسانية، وأرقى الغرائز التي جبلت عليها الفطرة البشرية، وهو إحساس وشعور نفسي ووجداني، ينجذب به القلب تجاه المحبوب بحماسة وعاطفة جياشة.
درجات الحب :
والحب درجات، أسماها حب الله ورسوله، ثم حب الأهل وخاصة الوالدين والأقارب والأصدقاء، ثم الحب بين الرجل والمرأة. والحب بين الرجل والمرأة منه الحلال، وهو الذي يربط بين الزوج وزوجته، ومنه الحرام كالانحرافات والشذوذ والعلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة.
والحب الحلال ينشأ في ظل الله ورضاه، ويترعرع تحت أعين الناس وبمباركتهم، أما الحب الحرام فينبت في تربة سوء يرعاها الشيطان، ويرويها بالغواية والضلال، ويزينها بالهوى. والحب الحلال يباركه الله، ويغبطه الناس، أما الحب الحرام فلا يرضى عنه الله ويرفضه المجتمع.
والمرأة بحكم تكوينها النفسي، أكثر عاطفة، وأرهف إحساسًا من الرجل، فحبها أعمق وشعورها أقوى، ولكن الحب -في كثير من حالاته- أصبح مشكلة خطيرة تضر بالمجتمع وأفراده، فقد طغت الصور المحرمة منه على الصور الحلال، وانتشر الفساد، وتفككت الأسر، وخُرِّبت البيوت، وانتهكت الحرمات، كل هذا تحت شعار الحب.
أسباب المشكلة:
ولمشكلة الحب الحرام أسباب عديدة منها:
انتشار كثير من المفاهيم والأفكار الخاطئة لدى الشباب عن ضرورة ممارسة الحب، وتجربته، ومعايشته، مما ينتج عنه من سوء الخلق المتفشي في أيامنا هذه، والاختلاط الفاسد دون رقابة أو حدود في البيت بين الأقارب وغير الأقارب، وفي الشارع، وفي وسائل المواصلات، وفي المدارس والجامعات، وفي الأندية والمنتزهات، فكان سبيلاً للفساد ونشر الفتن والشرور، فبه تسهل الرذيلة ويعمل الشيطان عمله.
قال الشاعر :


نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
فالنظرة سهم من سهام إبليس، فمن أطلق لها العنان لم يجن إلا الهلاك.
يقول الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر

وسائل الإعلام بصورها العديدة، وما تبثه من أفكار، وما تعرضه من أفلام ومسلسلات، تصور الحب الحرام في صور تجعل منه عنوان التضحية والوفاء، فتمسخ بذلك قيم وأخلاق الشباب، وتدفعهم إلى التجربة دفعًا حتى يكون لهم نصيب من هذه التضحية والفناء في سبيل الحب!!
نتائج المشكلة:
فكان نتيجة هذه الأسباب أن انتشرت الفتن وغلبت الشهوات، فكم من زوجة خانت زوجها، وكم من زوج خان زوجته، وكم من فتاة فقدت عنوان شرفها، وكم من فتى عاث فسادًا، وكم من مقدسات انتهكت، وحرمات أبيحت، كل هذا تحت دعوى الحب!!





دور المرأة:
وهنا يأتي دور المرأة أو الفتاة، والتي إذا فرطت في كرامتها وانساقت مع تيار هواها، كانت سبيلاً للفتنة والفساد، فهي الزوجة التي بحبها لزوجها وكونها السكن والأمان له تصون بيتها وتحفظ مجتمعها، وهي الأم التي بتربيتها لأبنائها وفق المبادئ والقيم السامية تمد المجتمع بالسواعد القادرة على بنائه والنهوض به، فعلى المسلمة الالتزام بالضوابط التي وضعها الإسلام لما فيه صلاح الأفراد وخير المجتمع...

ضوابط إسلامية:
ويجب مراعاة بعض الضوابط التي وضعها الإسلام لصيانة الفرد وحماية المجتمع مثل:
1- الأمر بغض البصر والنهي عن النظر الحرام، قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 30-31]، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال، قال صلى الله عليه وسلم : (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أتاه إيمانًا يجد حلاوته في قلبه) [الحاكم].
2- عدم الاختلاط إلا لضرورة تهدف لخير الإسلام والمسلمين، وتجنب الاختلاط الفاسد للهو والعبث.
3- الاهتمام بالزواج، والترغيب فيه، وتيسير سبله، وجعله الوسيلة الشرعية لتحقيق الحب والسكن، قال تعالى : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم: 21]، وقال صلى الله عليه وسلم : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)
[متفق عليه].
4- حث المرأة على الحفاظ على زوجها، وعلى حيوية الحب بينهما من خلال أعمال بسيطة كتبادل الهدايا، والنظرات الحانية الدافئة، والمشاركة يدًا بيد في أعماله ونشاطاته، فالحب كالزرع ينمو بالرعاية، ويذبل بالإهمال.
5- الدعوة إلى التمسك بالفضائل، ونهي النفس عن الهوى، قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى}
[النازعات: 40-41].
6- بيان أن كل أمور الدنيا ما هي إلا وسائل نحو الغاية السامية، وهي الوصول لأسمى درجات الإيمان ممثلة في حب الله ورسوله، فهو غاية الفرد التي إليها يسعى، وبها ينال الفوز والسعادة قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًّا لله} [البقرة: 165]، وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31].
7- دعوة المسؤولين عن وسائل الإعلام أن يتقوا الله في ما يبثونه من مادة إعلامية على شباب وفتيات، ونساء ورجال هذه الأمة، ولا يتخذوا من هذه الأجهزة أبواقًا ينفث منها الشيطان سمومه، بل عليهم أن يقوموا بدورهم -من خلال هذه الأجهزة- في نشر القيم والفضائل السامية، التي بها يزدهر المجتمع ويسعد أفراده.
إن الإسلام لا يعادي المشاعر الإنسانية، ولكنه يسد أبواب الفواحش فالحب حلاله حلال، وحرامه حرام.
ولكن هل الذى يقدم فى إعلامنا يعبر عن الحب ؟ وهل يصون المرأة ويحميها ؟
الإجابة تحتاج صفحات وصفحات .


******











الجنس
لقد اتخذ أعداء الإسلام من الجنس سلاحًا لتحطيم الأمة المحمدية، واعتبروا قوته وتأثيره يفعلان أكثر مما يفعله ألف مدفع، فانهالوا علينا بوابل من الفتن، وأغرقونا في بحار الغريزة.
وانتهوا إلى القول: إنكم أعددتم نشئًا في ديار المسلمين، لا يعرف الصلة بالله، وبالتالي جاء النشء طبقًا لما أردنا؛ لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همته إلا في الشهوات، فإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات. هكذا أرادوا وهكذا وجدوا في الجنس ضالتهم لإبادتنا بعد أن عجزت ويلات الحروب عن كل ذلك.
الجنس أصبح بضاعتهم الرائجة لنا، وقد عرف أعداؤنا أنه لا سبيل لهدم أمتنا إلا بمحاربة ذلك الدين الداعي إلى العفة والطهارة والحياء، لذا انهالت التهم والأراجيف المستهزئة بالإسلام وكتابه وآياته، وقالوا: إنه يدعو للكبت والجمود ويحارب العواطف.
أقوى الغرائز:
إن غريزة الجنس أقوي الغرائز التي أودعها الله في الإنسان، وجعل الزواج سبيلاً شرعيًّا لإشباعها. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة} [الروم: 21].
فالجنس غريزة في الطبيعة الإنسانية، أودعها الله -تعالى- في الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- من أجل التكاثر والتناسل، وقد وضع الإسلام لتلك الغريزة ضوابط وحدودًا وأحكامًا؛ حتى لا يصير النسل البشري فوضى، وليحفظ الإسلام الأنساب من الضياع، وليحمي الإنسان من الشيطان وفتنه.
النظر إلى الجنس:
وتختلف نظرة الرجل والمرأة إلى الجنس باختلاف مراحل حياته، فالفتاة والشاب -مع ما فيهما من براءة وشفافية وقلة خبرة- يصبح للجنس مكانًا مميزًا في حياتهما، لاسيما وهما ينتقلان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والمراهقة ثم الرجولة والأنوثة الكاملة، فهما يستشعران أمورًا كثيرةً يجهلان حقيقتها، ويريدان معرفتها، واستكشاف تلك المناطق المجهولة التي يخوضها الكبار، ويريد كل منهما تحديد علاقات مع الجنس الآخر.
وهنا يغزو موضوع الجنس جلَّ تفكيرهما، ويداعب خاطرهما، وقد تنجم مشكلات عديدة إذا لم يتولَّ الآباء والأمهات مهمة تبصيرهم وتهيئتهم للدور الاجتماعي الجديد الذي ينبغي عليهم مراعاته، وللأمهات والآباء أن يمدّونهما بالكتب العلمية والدينية التي تساعد على تثقيفهما وتوعيتهما بهذا الموضوع، وعليهم أن يحسنوا الظن بهما.
علاج هذه الشهوة:
وعلى الشباب والفتيات الالتزام بمبادئ الإسلام وتعاليمه، فترتدي الفتاة الزي الشرعي، وتكون عفيفة طاهرة تتجنب المخالطة الفاسدة للرجال، ولا تشيع الفتنة، ولا تبدي مفاتنها كي لا يطمع الذي في قلبه مرض.
ويجب على الشباب أن يراقب الله -تعالى- فلا ينظر إلى ما حرم الله، وأن يبتعد عن الاختلاط، فلا يشاهد ما يثير الغريزة: كالأفلام الخليعة، وصور المجلات الرخيصة أو غيرها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة، إذا ما خالفت تلك الوسائل شرع الله.
وقد عالج الإسلام تصريف تلك الشهوة بالإسراع بالزواج عند الاستطاعة وبتصبير النفس في الطاعة والصيام لمن لا يستطيع الزواج.
وتختلف النظرة إلى الجنس بعد الزواج ؛ إذ يجعل الزواج الجنس حقًّا مشروعًا، يمارسه الزوجان بالشكل الذي يرضي عنه الله -عز وجل-، فلا شذوذ ولا انحراف.
آداب للزوجين:
وقد وضع الشرع العديد من الآداب للزوجين، والتي يجب مراعاتها عند الجماع من أجل أن تتحقق الغاية المنشودة منه.
ومن هذه الآداب: الذكر قبل الجماع كقوله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله. اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا) [متفق عليه]، كما حرص الإسلام على حسن معاشرة الزوجين، وإظهار العاطفة الجياشة بينهما، والرفق والحرص على استمتاع كل منها بالآخر، لتحقيق العفة لهما وإشباع شهوة الرجل وأنوثة المرأة.
وقد حثَّ الإسلام على التطهر والنظافة، والتزين والتطيب من الزوجة لزوجها، ومن الزوج لزوجته، ونبَّه إلى الستر عند الجماع، ودعا إلى السرية وكتمان ما يقع بينهما.
إن الإسلام لا ينظر للجنس باحتقار -كما يظن البعض- ولا يدعو إلى التنزه عنه، فلا رهبانية في الإسلام، بل يعتبره غريزة فطرية وطبيعة بشرية، لكنه يضع له الحدود والآداب بما يحفظ طهره وتماسكه ليظل مجتمع الرسالة والدعوة طاهرًا ونظيفًا.


******












تحرير المرأة
الحرية كلمة عذبة تتوق إليها النفوس البشرية، وقيمة سامية تؤكد إنسانية الإنسان، لذلك فلا غرو أن يسعى إليها كل الأفراد، ويبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، ويؤيدوا كل من يحمل لواءها ويذود عنها.
وقد جاء الإسلام حاميًا للحرية مدافعًا عنها، فحرر المرأة من الذل والخزي والهوان الذي كانت تعيش فيه أيام الجاهلية وأخذ بها إلى حمى العزة والكرامة والشرف؛ سواء أكانت هذه المرأة ابنة، أو أختًا، أو أمًّا، أو زوجة.
دعوات تحرير المرأة:
وقد ظهرت في بلاد المسلمين دعوات لتحرير المرأة، وهي في حقيقة أمرها دعوات للانحلال والتسيب الاجتماعي والخلقي، بدأت بدعوة النساء إلى نبذ الحجاب الشرعي الساتر لها، الحافظ لعفتها وكرامتها، والخروج من البيت بحجج شتي كالعمل والمساواة مع الرجل والاختلاط بالرجال اختلاطًا فاحشًا دون ضابط من خلق أو دين، وهذا الذي أدى إلى ضعف الحياء وفقدان العفة والسقوط في مهاوي الرذيلة، مما يسبب الإضرار بالبيت والأسرة والمجتمع.
ولم توازن هذه الحركات في دعوتها إلى تحرير المرأة بين واجباتها داخل بيتها، وبين مسؤولياتها خارجه فأثر ذلك على بناء الأسرة، وحرم الأطفال من الحياة الأسرية الهادئة، وخلا البيت ممن يقوم على شؤونه.
ودعاوى تحرير المرأة برفعها شعار المساواة والحرية تُنَفِّر من قوامة الرجل؛ مما يؤدي إلى التمرد عليه وعلى التقاليد الإسلامية والروابط الأسرية، وفي كلٍّ ضياع للأسرة ثم للمجتمع كله، يشهد على صدقه الواقع.
ومن المحزن أن الكثير من المسلمات انبهرن ببريق هذه الدعوات، وظنن أنها تحقق ما يردن من سعادة ونعيم، وهذا يرجع لأسباب سوء أحوال المرأة في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وجعل بعض العادات والتقاليد غير الشرعية ملصقة بالإسلام؛ كتسلط الرجل على المرأة بدعوى القوامة وسلبها حقوقها، أو عدم إشراكها معه في التفكير والرأي بدعوى نقصان العقل.
وجهل المرأة بتعاليم الإسلام، وعدم تعليمها ما ينفعها، وإغراقها في الأفكار المدمرة لعقلها وبيتها كدعوى التحرر.
ومن هذه الأسباب أيضًا: الحركة الاستعمارية المسلطة على العالم الإسلامي. ومحاولات التدمير الفكري والاجتماعي من قبل أعداء الإسلام وهو ما يعرف بالغزو الفكري.

الإسلام وتحرير المرأة:
وعلى كل من ابتليت بهذه الدعوى وصدَّقتها وانجرفت في تيارها أن تعلم أن الإسلام قد حرر المرأة، فحفظ لها حقوقها بما يضمن عدم إساءة الرجل لها، وأتاح مجالات تنمية كفاءتها ومواهبها الفطرية.
لقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها الاقتصادية فجعل لها من الميراث نصيبًا بعد أن كانت محرومة منه، بل وساواها في بعض حالات الميراث بالرجل، ودافع عن حقوقها الاجتماعية فأعطاها حرية اختيار الزوج، بل وحرية طلب الطلاق في حالة تعثر الحياة الزوجية، وجعل لها حق حضانة الأطفال، وحافظ على عفتها وشرفها وكرامتها فأمرها بالحجاب والتستر، وكلف الرجل بالإنفاق عليها حتى ولو كانت ثرية، حتى لا تضطر للخروج من أجل العمل، فإن اضطرت للخروج فلا غبار عليها.

أدلة تكريم الإسلام للمرأة:
وأدلة القرآن والسنة كثيرة في بيان تكريم المرأة. قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرًا}
[النساء: 124]، وقال تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32]، وقال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( : (إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة) [ابن ماجه].
وقال ( : (من اْبتُلِي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار) [مسلم].


أكاذيب وأباطيل:
وعلى الرغم مما حققه الإسلام للمرأة من حقوق نجد من ينادي بتحرير المرأة المسلمة، ويزعم -كذبا وبهتانًا- أن الإسلام يقيد حركتها ويجعلها حبيسة بيتها وأسيرة زوجها وهيكلا متحركًا خلف أسوار حجابها إلى غير ذلك من الأكاذيب؛ مما يعد هجومًا على الإسلام وخداعًا للمسلمة، ليمكن استخدامها حربًا على دينها ومجتمعها.
وكل ذلك ليس إلا شعارات براقة خادعة يُبتغى من ورائها إفساد المرأة بحجة تحريرها وإخراجها من بيتها وطبيعتها التي خلقها الله وفطرها عليها. وبهذا الشعار الماكر يخربون البيوت، ولقد كان هذا السهم الغادر موجهًا إلى صدر المجتمعات الإسلامية للنيل من أبنائه وبناته، وسهمًا لمحاربة العفة والطهارة.
دور الاحتلال ( الاستعمار ):
وقد تزامنت هذه الدعاوى الماكرة -التي ظهرت في القرن التاسع عشر- مع الاحتلال الاستعمأرى لمعظم الأقطار الإسلامية، وكان الهدف منها طمس الهوية الإسلامية وإذابة اعتزاز المسلمة بدينها وخلقها وإفساد رسالة المرأة السامية في تربية النشء تربية إسلامية، وفي هذا يقول زعيم المبشرين القس (زويمر): ليس غرض التبشير التنصير فقط... ولكن تفريغ القلب المسلم من الإيمان... وإن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة إلى مدارسنا بكل الوسائل الممكنة، لأنها هي التي تتولى عنا مهمة تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه عن مقومات دينه.

نتيجة التحرر:
ثم جاء الخطر الجسيم من المنادين بهذه الحركة والحاملين للوائها ممن ينتسبون للإسلام. وكانت نتيجة من اندفعن مع هذا التيار أن دفعن الثمن، ففقدت المرأة سعادتها وكرامتها كابنة وأم، وزوجة ذات رسالة في تربية النشء.
وخسرت الأسرة بذلك مقومات صلاحها وبقائها، بوصفها وحدة أولى ولبنة أساسية في المجتمع، بحكم ما أصاب الأسرة من طبيعة الصراع بين عنصريها الرجل والمرأة، فلم تعد السكن الهادي ولا المنزل السعيد، والمسلمة الواعية تستشعر هذا الخطر المحدق بها، وتحرص على تجنبه وعدم الانزلاق فيه.


******







الموضة
إن السعي لملاحقة الموضة قضية اجتماعية خطيرة تواجه المجتمعات الإسلامية، في ظل ظروفها الاقتصادية والاجتماعية المتردية، والنفس البشرية تتوق دائمًا للجمال وتعجب به، فالجمال هبة من الله يهبها لمن يشاء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الجمال من صفات الله -عز وجل- فقال: (إن الله جميل يحب الجمال) [مسلم]. بكل ما تحمل كلمة جمال من معنى.
وقد أمر الله -عز وجل- عباده بالتزين والتجمل في غير إسراف، مع التأكيد على أن لباس التقوى هو الساتر الحقيقي للإنسان، قال تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} [الأعراف: 26] .
الزينة المباحة:
والمسلم يعمل على الاهتمام بمظهره الخارجي كل حسب طاقته وقدرته، وكل هذا مباح ولا غبار عليه مادام لا يتعدى حدود الشريعة الآمرة بستر العورة للرجال والنساء على السواء، قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32].
فالتجمل والاعتدال فيه والانضباط أمر حسن ومحمود، أما الإسراف فيه والتقليد الأعمى لكل ما يبتدع على أيدي أعداء الإسلام فهو المذموم الذي لا يحبه الله
-عز وجل- ولا يرضاه لعباده. ومما يؤسف له أن نرى من المسلمات من يلهثن وراء خطوط الموضة كما يسمونها، ويعدُّون هذا تحضرًا وتقدمًا.
منبع الموضة:
وينبغي بداية أن نعلم أنَّ الموضة من صادرات الغرب الصليبي إلى بلاد المسلمين، فالموضة هي مجموعة أذواق وأهواء ضالة، تصور للناس السُّذَّج على أنها الحضارة بعينها، وأن من لا يفعل ذلك فهو غير متحضر ولا يجأرى العصر.
الدائرة المفرغة:
والعجب كل العجب أن هذه الموضة تتغير بتغير الزمان والمكان والفصول والشهور، والطول والقصر، والسمنة والنحافة، وكبر السن، وصغره، مما يؤدي بمن تتتبعها أن تدور في دائرة مفرغة لا ينتهي بها الدوران حتى تقضي عليها.
وقبل الحديث عن الموضة ينبغي للمسلم أن يضع في حسبانه بعض المبادئ الشرعية، حتى يفهم كيف يتعامل مع الموضة، فقد أمر الله -عز وجل- المؤمنين بعدم اتباع أهواء القوم الضالين، قال تعالى: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء [البخاري].



موضة النساء:
ونحن نرى أن المرأة -خاصة- في مجتمعاتنا الإسلامية قد انجرفت في تيار الموضة، فإذا أمر الغرب بإطالة الثوب سَمِعَتْ لأمره، وإذا أمر بتقصيره أو لبس الثياب اللاصقة بالجسد كانت أول من يسمع ويطيع. فالمتبعة للموضة تبدو وكأنها إنسانة خاوية من داخلها لا تملك إلا أن تسلِّم وتستسلم لأصحاب الأهواء، فإذا أمرها الغرب بارتداء (البنطلون) بدعوى أنه يسهل حركتها ويساعدها على ممارسة الرياضة والذهاب إلى العمل، سمعت وأطاعت بدون وعي ولا تدبر.
وكذلك اختيار الإكسسوارات وألوان الماكياج التي يجب أن تتفق مع لون الفستان. أو البشرة، والدقة في اختيار قَصَّة الشَّعْر وتسريحته، بحيث يتماشى مع أحدث القَصَّات العالمية.. إلى غير ذلك.
موضة الرجال:
وإن كانت الموضة توجه أكثر النساء، فإن أعداء الإسلام لم يتركوا الرجال، فظهر في الشباب تقليد الغربيين وغيرهم من فساق هذه الأمة، فتراهم يقصون شعرهم كما يقصه أحد المغنيين أو أحد الرياضيين، كما يلبسون السلاسل الذهبية في أعناقهم، ويرتدون ملابس معينة، تشبهًا بقوم هم -لما فيهم من فسوق- لا يساوون عند الله جناح بعوضة.



المستفيد الأول:
والمستفيد الأول من الموضة الشركات التي تتاجر في المنتجات الخادمة لهذه الموضات، كالشركات المنتجة لأدوات التجميل، وكذلك وسائل الإعلام المروِّجة لهذه المنتجات التي تجعل همَّ الإنسان الأكبر متابعة الموضة وملاحقة كل ما ينشر عنها في وسائل الإعلام بما يكفي لصرفه عن الغاية الأساسية التي خُلِقَ من أجلها وهي عبادة الله وتعمير الكون بالعمل الصالح، قال تعالى: (وما خلقت الجنَ والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56].
الآثار الخطيرة للموضة:
- كَشْفُ المرأة لمفاتنها بين الناس فيه إثارة الغرائز، مما يؤدي إلى الفساد والانحلال الخلقي، وهذا بدوره كفيل بانهيار المجتمع وضياع الروابط والعلاقات الصالحة بين الناس.
- انتشار الكبر والتفاخر بين الناس، حيث إن كل من الرجل والمرأة يتباهى ويتفاخر بثيابه على الآخرين ويهتم بأناقته أمام المجتمع، وقد حرم الإسلام أن يلبس المسلم لباس شهرة.
- انشغال وسائل الإعلام بخدمة هذه الموضة، حيث إنها الوسيلة الأولى لنشر خطوط الموضة وتعريف الناس بها، سواء أكانت وسائل إعلام مرئية أم مسموعة، أم في صورة كتب ومجلات خليعة، فوسائل الإعلام تسعى وراء المكاسب المادية فلا تراعي القيم الخلقية في سبيل مكاسبها. وبدلاً من أن يكون الإعلام أداة وعي يصبح أداة لصرف الناس عن رعاية شئون الأمة الإسلامية والاهتمام بالمصالح الشريعة.
- انتشار العديد من الأمراض وبخاصة الجلدية بين النساء؛ نتيجة استخدام بعض أنواع الكِرِيم والشامبو ووسائل التجميل الأخرى، وانتشار العديد من الأمراض النفسية وخاصة بين النساء، كالحسد والحقد والإحباط حيث إن بعض النساء لا يجدن ما يسايرن به الموضة.
- خروج المرأة للعمل سعيًا وراء المال الذي يحقق لها أهدافها لشراء أحدث الأزياء، بدلا من أن تتحمل مع زوجها نفقات الحياة المتزايدة يومًا بعد يوم، فإنها تنفق ما تحصل عليه من مال لإشباع رغباتها، وفي هذا إثارة لمشاعر الزوج تجاهها، وبداية لتفتت الأسرة، وقد يضطر الزوج مع كثرة إنفاق زوجته أن ينزلق في مهاوٍ خطيرة كالسرقة أو الرشوة أو الاختلاس.
دور الإسلام:
وأمام هذه الآثار الخطيرة المدمرة يقف الإسلام حاميًا ومدافعًا عن المسلمين حتى لا يسقطوا في الهاوية، فالإسلام أَمَرَ بالتزين والتجمل، ولكنه حث على الاعتدال والوسطية، قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأْعراف: 31] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) [البخاري وأحمد]، ولقد نهى الإسلام عن التكبر فقال صلى الله عليه وسلم : (بينما رجل يمشي قد أعجبته جُمَّتُهُ وبُرْداَه إذ خُسِفَ به الأرضُ، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة)[متفق عليه].
وقد صان الإسلام المرأة ووضع لها من الضوابط ما يصونها من العبث والامتهان. ونذكر المرأة المسلمة -خاصة- لوقوعها في أخطار الموضة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) [مسلم].
فأي الطريقين أحق أن يتبع، وأيهما عنوان الحضارة والتقدم؟! وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 152]. إن الإسلام يحرص على الهوية الإسلامية لأتباعه، وأن تكون لهم شخصية استقلالية فلا يجرون وراء كل لاهث، ولا يسمعون لكل ناعق، فمنهجهم يحفظ لهم شخصيتهم وتمييزهم عن بقية الأمم.

التبرج والحجاب :
لا يخفى على أحد ما عمت به البلوى في كثير من البلدان الإسلامية، من تبرج كثير من النساء وسفورهن وعدم احتجابهن عن الرجال، وإبداء زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة التي تحل بها العقوبات وتنزل النقمات، ويترتب عليها ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
إن معصية التبرج لها ثقل كبير في ميزان الآثام، وبها تسقط المرأة في براثن الشيطان؛ لتصبح شيطانة ظاهرة للعيون، تفوق في فسادها وإفسادها ما يفعله الشيطان بأتباعه.



ما هو التبرج؟:
والتبرج هو أن تُظْهِر المرأة للرجال الأجانب ما يوجب الشرع أن تستره من زينتها ومحاسنها؛ كأن تبدي لهم مفاتن جسدها، أو أن تفتنهم بمشيها وتمايلها وتبخترها.
والتبرج معصية ليست فردية، بل هي معصية اجتماعية، تشترك فيها المتبرجة مع ولي أمرها الذي يسمح لها بذلك ولا يمنعها، ويشارك فيها أفراد المجتمع الذين لا يبالون بزجر المتبرجة وردها عن غيها؛ لذلك استحقت المتبرجة اللعن والحرمان من الجنة بل من تنسم ريحها.
حكم التبرج:
والتبرج محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما تفعله أكثر نساء هذا الزمان من التبرج والزينة ما هو إلا مجاهرة بالعصيان وتشبه بالكافرات وإثارة للفتنة، قال تعالى: {وقرن في بيوتكم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33]، وقال صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما.. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا
وكذا) [مسلم].




أسباب التبرج:
وللتبرج أسباب كثيرة منها:
1-ضعف الإيمان في النفوس، فتستحسن القبيح، وتستقبح الحسن ويصير المعروف عندها منكرًا، والمنكر معروفًا.
2- التقاعس عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- قلة العلم، وظهور الجهل، وقلة العلماء العاملين بعلمهم، الذين يحملون القدوة لمجتمعاتهم.
4- سوء التربية والتوجيه والتعليم من جهة الآباء ومن جهة منشآت التعليم،
5- وسائل الإعلام ودورها الخطير في تشجيع التبرج والسفور والاختلاط،
6- تقليد الأوربيين والأمريكيين، واتخاذهم قدوة ومثلاً أعلى في الحضارة والتقدم.
آثار التبرج:
آثار التبرج كثيرة، منها:
شيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات، وحلول الرذيلة، وفساد الأسر، وتفشي الطلاق، والإساءة إلى المرأة في عفافها وعرضها، ثم يأتي بعد ذلك الانهيار الأخلاقي الشامل.





الحجاب حرية:
وقد أمر الله تعالى بالحجاب، وهو أن ترتدي المرأة ما يستر جسمها وزينتها عن أنظار الرجال غير المحارم، والمرأة التي تعتقد أن الله تعالى يضيق عليها بفرضه الحجاب، هي امرأة لم تتشبع روحها بالإيمان، ولم يتشرب قلبها حقيقة الإسلام، وإلا لفهمت أن حريتها تكمن في ستر جسدها من عيون الفساق.
والإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع عفيف، لا تهيج فيه الغرائز والشهوات، ولا تستثار، حتى لا تنتهي إلى سعار شهواني لا يرتوي. فلا مكان في المجتمع المسلم للنظرة الخائنة والحركة المثيرة والجسم العاري، من أجل ذلك كله فرض الله الحجاب على المرأة حفظًا لها من الأذى، ومنعًا للرجال من الوقوع في الفتنة.
حكمة الحجاب:
والحجاب أو الزي الشرعي واجب على المرأة المسلمة وجوبًا عينيًّا لا يسعها تركه، وقد تعددت النصوص الواردة في ذلك، ومثاله قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 59].
وقوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمَّا لا يحلُّ لهن من العورات، ويحفظن فروجهن عمَّا حَرَّم الله، ولا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ولا يُظْهِرْنَ الزينة الخفية إلا لأزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما لا يرى غيرهم. وبعضها، كالوجه، والعنق، واليدين، والساعدين يباح رؤيته لآبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات دون الكافرات, أو ما ملكن مِنَ العبيد، أو التابعين من الرجال الذين لا غرض ولا حاجة لهم في النساء، مثل البُلْه الذين يتبعون غيرهم للطعام والشراب فحسب، أو الأطفال الصغار الذين ليس لهم علم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد، ولا يضرب النساء عند سَيْرهن بأرجلهن ليُسْمِعْن صوت ما خفي من زينتهن كالخلخال ونحوه، وارجعوا- أيها المؤمنون- إلى طاعة الله فيما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة..



شروط الحجاب:
ويشترط في الزي الشرعي بعض الشروط، منها:
-أن يكون ساترًا لجميع البدن: على رأي جميع الفقهاء، لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59]، والجلباب: هو الثوب السابغ الذي يستر البدن، ومعني الإدناء : الإرخاء والسدل.
-أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف: لأن الغرض من الحجاب الستر.
-ألا يكون زينة في نفسه أو ذا ألوان جذابة تلفت الأنظار؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31]. أي بدون قصد أو تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه ؛ لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب.
-أن يكون واسعًا غير ضيق: لا يصف البدن بضيقه، ولا يجسِّم العورة، ولا يظهر مواضع الفتنة.
-أن لا يكون معطرًا: حتى لا يثير الرجال، ويجذب اهتمامهم، قال صلى الله عليه وسلم : (كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس، فهي كذا وكذا) يعني زانية [الترمذي].
- أن لا يشبه زي الرجال: لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبْسةَ المرأة، والمرأة تلبس لبْسَة الرجل.[أبو داود].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) [البخاري]، يعني المتشبهات بالرجال في أزيائهن، كبعض نساء هذا الزمان.
أهمية الحجاب:
الحجاب من أنفع الوسائل وأقواها في منع الفاحشة، وهو الذي يجنب المرأة والرجل مسالك الفتنة والوقوع في المعصية. وتقوم فلسفة الضوابط الشرعية لزي المرأة في الرؤية الإسلامية على تحييد أنوثتها في حركتها الاجتماعية، والتركيز على البُعد الإنساني والإيماني في تعاملها مع الأجانب عنها، وليس بُعد الأنوثة، وذلك في كل ما يرتبط بحركتها خارج بيتها.
النظرة الغربية:
وهذه الضوابط الشرعية قد خالفتها النظرة الغربية للمرأة تمامًا، فأصبحت سلعة تخضع للعرض والطلب، وتعرض للإهانة، بل وشيوع مضايقتها جنسيًّا، وتفشي الاعتداء عليها واغتصابها. وحتى أنهم أدعوا أن الحجاب شعار (( تعرف به المسلمة وتميز )) ولا والله هم ما عرفوا ما عرفت وتعاموا فى بحوثهم عما ضيعت أنت من أيات جليات واضحات بينات محكمات بينت أن الحجاب شعيرة وارتداءه قربة إلى الله أنت تؤجرين على فعلها , فإلى كم هذا الجفاء والشح بينك وبين خالقك .
أتراك لو ما عظمت رباك تطمعى فى تعظيم الناس وتقديرهم لك .
أيؤمن لكِ وأنت لا ولاء لك مع من خلقك وصورك ؟!!!
أيؤمن لك يا من أردت ربك لتحقيق غرضك وشهوات نفسك ؟
هيهات هيهات
أحدى ساقطات العفن الإعلامي تقول (( إنى ما صعدت خشبة المسرح إلا بعد أن أقرأ فى كتاب تفسير ابن كثير !!!
وتبخير خشبة المسرح بالبخور ... الله أكبر ... أستمع وهى تكمل حديثها وتقول : وأدعوا الله أن يكرمنى وأنال جائزة ... الله أكبر  ... ,, عن ماذا سيجيزك ربك ؟ أعن الدعارة والمجون والخلاعة ؟ أى إله تعبدين أنتِ حتى تسخرى منه بهذه السخرية .. إن هو إلا هواك تعبدين وإياه ظننتى تمتعين ولن يلحقك إلا البلاء المبين
يا من بربك تسخرين . أنذرك الرحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وقال لكِ : لن تشمى رائحة الجنة .
الشرع الحكيم:
ما أحكم الشرع الإسلامي الذي فرض على المرأة الحجاب رمز الطهر والنقاء والعفاف، وصدق الشاعر إذ يقول :
صوني جمالك إن أردتِ كرامةً  ... كي لا يصولَ عليك أدني ضَيْغَم
لا تعرضي عن هَدْي ربك ساعةً ... عَضِّي عليه مدي الحياةِ لتَغْنمي
ما كان ربك جائرًا في شرعه  ... فاستمسكي بِعُراهُ حتى تَسْلَمِي


******



الزينة
عني الإسلام كثيرًا بأمر الزينة، وأمر بها نصًّا في كتابه الكريم، فقال جل شأنه: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
والزينة اسم جامع لكل ما يُتزَيَّن به، ويدخل فيه التحلي بالحلي واستعمال الكحل والحناء، وغير ذلك من الأشياء المباحة.
الزينة المباحة:
- لبس الذهب والفضة وغيرهما من اللؤلؤ والياقوت والزمرد والزبرجد، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عمليًّا عندما أخذ ذهبًا فجعله بيمينه، وحريرًا جعله بشماله، ثم قال قولته المشهورة : (إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لنسائهم) [ابن ماجه].
- الخضاب (صبغ الشعر): وهو تغيير لون شيب الرأس بالحناء والصفرة والكَتَم، وتجنب السواد؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم) [أبو داود والترمذي والنسائي]، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (غَيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد) [أبو داود، وأحمد].
أما تجميل الوجه وتزيينه بالمساحيق، والتجمل بالأصباغ، وما شابه ذلك فلا يوجد نصوص تمنع من ذلك، وليس هو تغييرًا لخلق الله؛ لأنه تغيير مؤقت، يزول بالغسل بالماء، فهو مباح لها في بيتها، ولزوجها فقط، ولا يصح أن تخرج به.
- الحناء: فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده، وقال: (ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟)، قالت : بل يد امرأة، قال : (لو كنت امرأة لغيرت أظفارك) (يعني بالحناء) [أبو داود، والنسائي].
- التطيب: عند عدم وجود أي رجل أجنبي؛ قال صلى الله عليه وسلم : (من عُرِض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف الْمَحْمَل طيب الريح) [مسلم، وأبو داود]. ويباح لها كذلك الكحل، ويباح لها -أيضًا- ترجيل الشعر ودهنه وتنظيفه، قال صلى الله عليه وسلم : (من كان له شعر فليكرمه) [أبو داود].
الزينة المحرمة:
- التبرج: قال الله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} [الأحزاب: 33]، وقال تعالى: {إن يدعون من دونه
إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطان مريدًا. لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبًا مفروضًا. ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليًّا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا} [النساء: 117- 119] .
إن من أخلاق المرأة التي قيدت أنوثتها بقيود الشريعة: الاحتشام، والعفاف، والحياء. أما المرأة التي تحللت من قيود الشريعة وتعدَّت حدودها، فخلقها: التبرج والإغراء. ولقد اتسعت مظاهر التبرج في العصر الحديث، فشملت خروج النساء عاريات مع إظهار زينتهن الخلقية والمكتسبة التي فيها تغيير لخلق الله.
- وصل الشعر: فعن أسماء -رضي الله عنها- أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمرق شعرها (تقصف وسقط)، وإني زوجتها، أفأصل فيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (لعن الله الواصلة والمستوصلة) [متفق عليه].
والواصلة مَنْ تصل شعر المرأة بشعر أخرى، والمستوصلة من تطلب وصل شعرها، واللعن أقوى الدلالات على التحريم، والوصل تغيير لخلقة الله بإضافة شعر خارجي للمرأة. ولقد تطور الوصل في العصر الحديث -عن طريق استخدام ما يسمونه (باروكة) أو (بوستيجيه)- ويكون الشعر المستخدم لذلك إما من شعر المرأة الأصلي
الذي سبق قصه، أو من شعر طبيعي لامرأة أخرى، أو من شعر حيوان، أو من شعر صناعي، ويكون في حكم الوصل ما تستخدمه بعض النساء من رموش صناعية، وخلاصة الأمر أنه يحرم على المرأة وصل شعرها بشعر آخر في حالة الصحة أو في المرض، وسواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وسواء كان ذلك بإذن زوجها وعلمه أو بدونهما، فكل ذلك حرام.
- الوشم: قال صلى الله عليه وسلم  : (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) [متفق عليه].
والوشم هو غرز إبرة -أو نحوها- في الجلد حتى يسيل الدم، ثم يحشى بالكحل أو بمادة أخري حتى يخضر. وللوشم أسماء مختلفة تختلف باختلاف البلاد، ومنها (الدق). ويقوم الواشم أو الواشمة برسم أشكال مختلفة على الجلد في مناطق الوجه واليدين والذراعين غالبًا، وتظل الرسوم ثابتة لا تزول، وهذا تغيير لخلق الله؛ لذا فهو حرام، والمستوشمة هي التي تسأل وتطلب أن يُفعَل بها ذلك.
- النمَاص: النمص يراد به ترقيق شعر الحاجبين على الخصوص. والنامصة هي التي تأخذ من شعر حاجب غيرها، وترققه، والمتنمصة هي التي يُفعل بها ذلك، وهو حرام؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) [مسلم].
وقال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها، بزيادة أو نقص، التماسًا للحسن لا لزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما. ويقول الإمام النووي : ويستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب، فلا يحرم عليها إزالتها، بل يُستَحب.
- التفلج: قال صلى الله عليه وسلم  : (لعن الله... والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله...) [مسلم].
والمتفلجة هي التي تَبرُد من أسنانها؛ ليتباعد بعضها عن بعض قليلاً، ويُسمَّى أيضًا الوشر، وهو حرام.
- الخروج بالطيب: قال صلى الله عليه وسلم : (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية). [أبو داود والترمذي والنسائي]؛ لما في ذلك من الفتنة. أما تعطر المرأة أمام زوجها وفي بيتها فهذا أمر مباح لها، بل واجب عليها إذا طلبه زوجها منها إعفافًا لنفسه، وإبقاء على المودة بينهما.
- التزين بما فيه تشبه بغير المسلمات: لقوله صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم) [أبوداود، وأحمد]، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال [البخاري].
لمن تظهر المرأة زينتها؟
قال تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملك أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31]. استثنى الله-تعالى- اثني عشر صنفًا من الناس يجوز للمرأة أن تبدي زينتها لهم، وما عدا ذلك فليس لها أن تبدي شيئًا من زينتها لهم.
زينة المرأة لزوجها: يجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وذلك بالتعطر والتكحل واللباس الحسن؛ حتى تسره وتضاعف من رغبته فيها، كما أنه أدعى إلى دوام المحبة والمودة بينهما. ولا يجيز لها الإسلام أن تتزين بمحرم أو بما فيه مادة محرمة، حتى ولو أمرها زوجها؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وينبغي ألا تقصد بزينتها أحدًا غير زوجها.



الكوافير:
و من العادات السيئة التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين، ذهاب النساء إلى ما يُسمَّى بالكوافير أو الصالونات لتصفيف شعورهن أو للتجمل، ولا يخفى على أحد ما يحدث في تلك الأماكن من المخالفات الشرعية، وعلى المسلمة ألا تقع في هذه الأمور، مع حرصها على التجمُّل لزوجها، ولا مانع أن يكون لديها أدوات تستعملها في بيتها كالكريمات والمساحيق، وأدوات تصفيف الشعر.
الرؤية الإسلامية:
إن الإسلام أعطى المرأة مكانة متميزة، واحترم فيها عقلها، وقدر فيها إيمانها وتقواها وإنسانيتها، ويريدها إذا ظهرت في المجتمع أن تعامل وفق إيمانها وتقواها وسلوكها القويم، وليس وفق مظهرها وجاذبيتها وفتنتها.
فالرؤية الإسلامية لزينة المرأة خارج بيتها رؤية واضحة، فهي تحرم أن تبدو المرأة خارج بيتها بوصفها أنثى، تتزين بما تراه جاذبًا لأنظار من حولها؛ لأن ذلك يحيلها إلى سلعة للفتنة وبضاعة للهو والعبث، ويفقدها أهم ما تعتز به من الدين والخلق والعقل، بل والإنسانية.



******

الاختلاط

الاختلاط باب من أبواب الشر، يبدأ بالنظرات، ثم الابتسامات والسلامات والكلمات، وينتهي باللقاءات، ثم المصائب والفضائح والنكبات، والاختلاط حبل من حبائل الشيطان يزين به47 للناس الشر، ويلبس عليهم بأنه شيء صغير حقير، فيندفع أصحاب الهوى إليه غافلين عن شرره، ومعظم النار من مستصغر الشرر. وقد حذرنا الله -تعالى- فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} [النور: 21].
معنى الاختلاط:
الاختلاط الفاسد هو اجتماع النساء والرجال الذين ليسوا بمحارم لهن في مكان واحد دون التزام للضوابط الشرعية، من غض البصر وقول المعروف وعدم الخضوع بالقول وتجنب إبداء زينة المرأة وغير ذلك من الآداب الشرعية وهذا الاختلاط الفاسد يمكنهم فيه الاتصال بالنظر أو الإشارة، أو بالكلام، أو بالملامسة، مما يوقع في الريبة والفساد.





الاختلاط عادة جاهلية:
والاختلاط بهذا المعنى الذميم عادة جاهلية قديمة، جاء الإسلام فوضع له الحدود والضوابط، وظل المسلمون محافظين على حدود الحشمة وآداب العفة، وصيانة الحرمات والأعراض، حتى غزت أوربا بلاد المسلمين فأشاعوا فكرة الاختلاط الفاسد من جديد. وقد أرادوا أن يمحوا الروح الإسلامية السائدة في المجتمع الإسلامي.
وقد اتخذ أعداء الأمة من بعض المثقفين الذين سافروا إلى أوربا، وحصَّلوا العلم هناك ناصرًا لمآربهم ومعينًا لتحقيق أهدافهم، حيث نادوا بالاختلاط الذميم وادعوا أنه ضرورة نفسية واجتماعية، وحجتهم في ذلك أنه يمنع العقد، والشعور بالخجل تجاه الجنس الآخر، وأن منعه حرمان خطير، فهو يؤدي إلى الإشباع العاطفي، ويعلم الذوق، وفن التعامل الراقي!!
ومن ثم ذم هؤلاء وأتباعهم التحجب، واستقرار المرأة في بيتها، وقد ظهر هذا في تعليمات مدارس التبشير التي أنشئت خصيصًا لهذه الغاية، والتي تستند في إعادة تشكيل المرأة المسلمة على النمط الغربي الذي تتلاشى فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة، ومن ثم الدين والعقيدة والأخلاق.
وعمدوا إلى القرآن والسنة، يحاولون لي أعناق النصوص حتى تتمشى مع أهوائهم حتى يخدعوا عوام الناس، فضلوا وأضلوا، وهكذا نمت بذرة السفور والاختلاط المحرم في المجتمع المسلم، وأصبح مجتمعًا ممسوخًا يمثل نسخة باهتة من المجتمع الغربي {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143].

آثار الاختلاط:
والاختلاط الفاسد شرٌّ كله، فهو يبدد طاقات الشباب، ويقتل ملكاتهم، ويصيبهم باليأس والإحباط، بالإضافة إلى التفكك والضياع وانتشار الجرائم والفساد وسقوط المجتمع فريسة للرذيلة والانهيار، وهذه كلها أمور من الطبيعي أن تحدث في مجتمع عمد إلى الاختلاط فاتخذه سبيلاً! فهل رأيت إنسانًا قفز في البحر ثم خرج منه دون أن يبتل؟! وهل يلقي أحدنا بنفسه في النار دون أن يحترق؟!
العلاج الأمثل:
وفي العودة إلى الإسلام ومبادئه السامية العلاج الأمثل لهذه الأخطار، حيث يوضح الإسلام أن خير حجاب للمرأة بيتها، ولم يبح الاختلاط بدون ضوابط.
وقد حرص المسلمون الأُول على آداب الاختلاط، حتى إنهم كانوا إذا انتهوا من صلاتهم مكثوا قليلا حتى تخرج النساء قبلهم، خوفًا من الوقوع فيما حرمه الله من النظر غير المباح أو الملامسة غير المشروعة أو نحو ذلك، وذلك أدعى لجلب المصالح، ودرء المفاسد، وغلق منافذ الشيطان.





موقف الإسلام:
وقد يتساءل البعض هل نحجر على المرأة ونحبسها في بيتها، ونجعلها أسيرة جدرانه باسم الإسلام؟
والحقيقة أن الالتزام بالدين ليس حجرًا على المرأة، وليس قيدًا عليها، فلقد شهدت عصور الإسلام الزاهرة ما يخالف هذا الرأي الجائر، فقد كانت النساء تشهد الجماعة والجمعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتسمع الخطبة والعلم، حتى إن أم هشام بنت حارثة حفظت سورة (ق) من فم الرسول صلى الله عليه وسلم من كثرة ما سمعتها من فوق منبر الجمعة [مسلم].
وفي رواية لأم عطية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج العواتق (اللائي لم يتزوجن)، وذوات الخدور (الزوجات)، والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى) [متفق عليه] تعني بذلك خروج النساء لشهود صلاة العيد.
وكانت النساء يحضرن دروس العلم وتسألن عن أمور دينهن، وامتد هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في خدمة الجيش والمجاهدين، فعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى. [ابن ماجه].
بل صح عن نساء بعض الصحابة أنهن شاركن في بعض الغزوات والمعارك الإسلامية بحمل السلاح، عندما أتيحت لهن الفرصة، ومن ذلك ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم أحد حتى أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بما قامت به من أعمال. [الذهبي في سير أعلام النبلاء]، وكذلك اتخذت أم سليم خنجرًا يوم أحد تبقر به بطن من يقترب منها.
ضوابط الاختلاط:
إن اللقاء بين الرجال والنساء جائز إذا كان الهدف هو المشاركة في غاية كريمة تتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ولكن في إطار الحدود التي رسمها الإسلام وبينها لعباده لما فيه صلاحهم وسعادتهم ومن ذلك:
(1) وجود الضرورة أو السبب النبيل الموافق للشرع، وحبذا لو وجد محرم للمرأة معها.
(2) عدم الإسراف أو التوسع في خروج المرأة إلا لسبب جائز.
(3) الالتزام بغض البصر، قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 30-31].
(4) التزام المسلمة بالزي الشرعي الذي يصون كرامتها ويحفظ حياءها، ويكون عنوانًا لوقارها.
(5) أن تتجنب الزينة التي تقود لارتكاب الفواحش والمنكرات.
(6) الالتزام بآداب الإسلام في حركاتها وسكناتها، وفي وقوفها ومشيها، وفي كلامها وصمتها.
وهكذا يصون الإسلام كرامة المرأة، وعفتها، ويحقق لها طهرها ونقاءها، ويرفع من قدرها ومكانتها، في مقابل زيف نداءات العصرية والمدنية والحرية المزعومة التي أشاعت الفساد على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات.
وأعلموا أخوتى أن هذا الوباء ما تفاعل مع جمهور المسلمين إلا من خلال التداخل مع خلايا واهية ضعيفة فى داخل جسد الأمة ويتلون بها وبنفث سمومه من خلالها .
وذاك عبر تسخيره لدجالين فجرة يخلطوا بين الحقائق والترهات
ويخرجوا علينا بافتراءاتهم وشبهاتهم ومنها ...

الشبهة الأولى: الحجاب تزمّت والدين يسر:
يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأنّ الحجاب تزمّت في الدين، والدين يسر لا تزمّتَ فيه ولا تشدّد، وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا.
الجواب:
1- إن تعاليم الدين الإسلامي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر لا عسرَ فيها، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:232]. فهذه الآيات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على الناس في أحكام الشرع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا)) ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا)).
فالشارع لا يقصد أبدًا إعنات المكلَّفين أو تكليفهم بما لا تطيقه أنفسهم، فكلّ ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخلٌ في مقدورهم وطاقتهم.
2- ثم لا بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب مراعاتها وهي:
أ- أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكلّ ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة، ولا شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد.
ب- أن لا تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح، فلا تعارض القرآن الكريم؛ لأن معرفة المقاصد الشرعية إنما تمّ استنادًا إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلّها راجعة إلى الكتاب، فلو عارضت المصلحة كتابَ الله لاستلزم ذلك أن يعارض المدلولُ دليله، وهو باطل. وكذلك بالنسبة للسنة، فإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمومًا. ولا يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة.
ج- أن لا تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح.
د- أن لا تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أهمّ منها أو مساوية لها.
3- قاعدة: "المشقّة تجلب التيسير" معناها: أنّ المشقة التي قد يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي أن لا تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع الضوابط السابقة للمصلحة، فلا بد للتخفيف أن لا يكون مخالفًا لكتابٍ ولا سنّة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
ومن المصالح ما نصّ على حُكمة الكتاب والسنة كالعبادات والعقود والمعاملات، وهذا القسم لم يقتصر نصّ الشارع فيه على العزائم فقط، بل ما من حكم من أحكام العبادات والمعاملات إلا وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه. فالصلاة مثلا شرِعت أركانها وأحكامها الأساسية، وشرع إلى جانبها أحكام ميسّرة لأدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلاة من جلوس. والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الأساسية رخصةُ الفطر بالسفر والمرض. والطهارة من النجاسات في الصلاة شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الاحتراز منه. وأوجب الله سبحانه وتعالى الحجابَ على المرأة، ثم نهى عن النظر إلى الأجنبية، ورخّص في كشف الوجه والنظر إليه عند الخِطبة والعلاج، والتقاضي والإشهاد.
إذًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في مقابلة عزائم أحكامه ما يخلّ بالوفاق مع ضوابط المصلحة، ومعلومٌ أنه لا يجوز الاستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، كأن يقال: إنّ مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلاة عنهم، أو يقال: إن مشقة التحرّز عن الربا في هذا العصر تقتضي جوازَ التعامل به، أو يقال: إنّ مشقة التزام الحجاب في بعض المجتمعات تقتضي أن يباحَ للمرأة التبرّج بدعوى عموم البلوى به.





الشبهة الثانية: الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية:
قالوا: إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية، لأنّ العرب طبِعوا على حماية الشّرف، ووأدوا البنات خوفًا من العار، فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام بذمّها وإبطالها، حتى إنّه أبطل الحجاب، فالالتزام بالحجاب رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم.
الجواب:
1- إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ الله تعالى تبرّج نساء الجاهلية، فوجه نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى لا يتشبهن بنساء الجاهلية، فقال جلّ شأنه: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الأولَى?} [الأحزاب:33].
كما أن الأحاديث الحافلة بذمّ تغيير خلق الله أوضحت أنّ وصلَ الشعر والتنمّص كان شائعًا في نساء اليهود قبل الإسلام، ومن المعروف أنه مما تستخدمه المتبرّجات.
صحيح أن الإسلام أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقرّها الإسلام فلم يبطلها، كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك.
وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرّجات كاشفات الوجوه والأعناق، باديات الزينة، ففرض الله الحجاب على المرأة بعد الإسلام ليرتقي بها ويصونَ كرامتها، ويمنع عنها أذى الفسّاق والمغرضين .
2- إذا كانت النساء المسلمات راضياتٍ بلباسهن الذي لا يجعلهن في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في ذلك؟! وإذا كنّ يلبسن الحجاب ولا يتأفّفن منه فما الذي حشر التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن تسمع منهم الدعوةَ إلى الحرية الشخصية وتقديسها، فلا يجوز أن يمسّها أحد، ثم هم يتدخّلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا من الثياب .
3- إنّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على متخلّف عن مستوى الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدّم والحضارة متعلّقَين بلباس الإنسان؟! إنّ الحضارة والتقدم والتطور كان نتيجةَ أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره .
الشبهة الثالثة: الحجاب وسيلة لإخفاء الشخصية:
يقول بعضهم: إنّ الحجابَ يسهّل عملية إخفاء الشخصية، فقد يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش .
الجواب:
1- يشرع للمرأة في الإسلام أن تستر وجهها لأن ذلك أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات. وكل عاقل يفهم من سلوك المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها لا تبدي وجهًا ولا كفا ـ فضلاً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الاستعفاف والصيانة، وكل عاقل يعلم أيضًا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها وقلة حيائها وهوانها على نفسها، ومن ثم فهي الأَولى أن يُساء بها الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرِض زينتها كالسلعة، فتجرّ على نفسها وصمة خُبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب البشرية .
2- إنّ من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا الزمان تذوق الويلات من الأجهزة الحكومية والإدارات الجامعية والحملات الإعلامية والسفاهات من المنافقين في كل مكان، ثم هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة، فإذا حاولت فاسقة مستهترة ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن الأعين بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذًا؟!
إن الاستثناء يؤيد القاعدة ولا ينقضها كما هو معلوم لكلّ ذي عقل، مع أنّ نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الأراجيف قد بلغت من الانحدار والتردّي في مهاوي التبرّج والفسوق والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر، ولا يحوِجهنّ إلى التواري عن الأعين.
وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأنّ في هذا خطرًا على ما يسمّونه الأمن فليبينوا كيف يهتزّ الأمن ويختلّ بسبب المتحجبات المتسترات، مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات والمتبرجات!! .
3- لو أن رجلاً انتحل شخصية قائد عسكري كبير، وارتدى بزته، وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبررًا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز للعسكريين مثلاً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!
وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس الفتوّ، وزيّ الرياضة، فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل: إنّ على الأمة أن تحارب شعارَ العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب: "لا" فلماذا يقف أعداء الإسلام من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟! .
4- إن الإسلام كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات خلق ودين، إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الجلباب، ويقول لها: {َلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }الأعراف26 ، حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر والاحتجاب، فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الآخر تكون كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد.
إن التصدي لهؤلاء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلال الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الأهواء، فمثل هذا التشديد جائز شرعًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس ووقاية العرض، وجعلتهما فوق كل اعتبار، وإذا كان التخوف من سوء استغلال الحجاب مخطرة محتملة إلا أن المخطرة في التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل عاقل .



الشبهة الرابعة: عفة المرأة في ذاتها لا في حجابها:
يقول البعض: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس كاشفة المفاتن لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها ولا إلى سلوكها .
الجواب:
إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة، ولا أن تمنحه استقامة معدومة، وربَّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟! ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، وليس حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها فقط، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان إلا أن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة: إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغرياتِ النساء وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى حلّ، فكان في شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحلّ الإلهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا، ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم .
الشبهة الخامسة: دعوى أن الحجاب من وضع الإسلام:
زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية .
الجواب:
1- إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: "إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد .
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
2- وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت .
3- وأما في الجاهلية فنجد أن الأخبار الواردة في تستّر المرأة العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها، وانتهاكُ سترها كان سببًا في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الأول؛ إذ إن شبابًا من قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في سوق عكاظ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة العربية، يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسرورًا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه ...يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترًا... فاليوم حين برزن للنظار

فالحالة العامّة لديهم أن النساء كن محجبات إلا في مثل هذه الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها، لأن الفجيعة قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة .
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها:
الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله لا أَمْنَحُها شِرارَهَا ... ولو هَلَكْتُ مَزَّقَتْ خِمَارَهَا
وجَعَلَتْ من شَعَرٍ صِدَارَهَا

ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند .
النقاب: قال أبو عبيد: "النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستورة" .
الوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق، وأنشد ابن بري لشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصًا

البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء العرب، قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها

الشبهة السادسة: الاحتجاج بقاعدة: "تبدل الأحكام بتبدّل الزمان":
فهم أعداء الحجاب من قاعدة: "تبدل الأحكام بتبدل الزمان" وقاعدة: "العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر الأزمان فلا بدّ أن تكون الأحكام الشرعية كذلك .
الجواب:
لا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولاً على ظاهره لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم لا يخلو من حالات:
1- إما أن يكون هو بعينه حكمًا شرعيًا أيضًا بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده، مثال ذلك: الطهارة من النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص والحدود وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعدّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها العقاب، سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيّدًا ومحسّنًا له كحكم القسامة والديه والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك، وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة وتطورت العادات والأحوال؛ لأنها بحدّ ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء: "العادة محكَّمة".
2- وإما أن لا يكون حكمًا شرعيًا، ولكن تعلّق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلّة بالمروءة والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير ذلك.
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية ولكنها متعلَّق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء: "العادة محكمة"، فالأحكام المبنيّة على العرف والعادة هي التي تتغيّر بتغيّر العادة، وهنا فقط يصحّ أن يقال: "لا ينكر تبدّل الأحكام بتبدل الزمان"، وهذا لا يعدّ نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره. يوضّحه أنّ العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو أن الحكم الأصلي باق، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه . الشبهة السابعة: نساء خيِّرات كنّ سافرات:
احتجّ أعداء الحجاب بأن في شهيرات النساء المسلمات على اختلاف طبقاتهن كثيرًا ممن لم يرتدين الحجاب ولم يتجنّبن الاختلاط بالرجال.
وعمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها وينقبون فيها بحثًا عن مثل هؤلاء النساء حتى ظفروا بضالتهم المنشودة ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين ـ فيما نقلته الأخبار عنهن ـ أن يظهرن سافرات أمام الرجال، وأن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج .
الجواب:
1- من المعلوم والمتقرر شرعا أن الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فضمن أيّ مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأنّ أغلبها وقع بعد من التشريع وانقطاع الوحي؟! .
2- وإذا عٌلِم أن أحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قياس صحيح عليهما أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم لم يصحّ حينئذ الاستدلال بالتصرّفات الفردية من آحاد الناس أو ما يسمّيه الأصوليون بـ"وقائع الأحوال"، فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلاً شرعيًا لأيّ حكم شرعيّ حتى لو كان أصحابها من الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم فكيف بمن دونهم؟!
بل المقطوع به عند المسلمين جميعًا أن تصرفاتهم هي التي توزن ـ صحة وبطلانًا ـ بميزان الحكم الإسلامي، وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، وصدق القائل: لا تعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله .
3- ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلاً قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرّضين للخطأ والعصيان، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فحقَّ عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء))، وإلاّ فما بالنا لا نقول مثلاً: يحل شرب الخمر فقد وجِد فيمن سلف في القرون الخيِّرة من شربها؟!.
4- وما بال هؤلاء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلاء النسوة من شتى الطبقات والعصور، وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد عظيم وجمع غفير من النساء المتحجّبات الساترات لزينتهن عن الأجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة ولم يجعلها حجة بدلاً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!
يقول الغزالي: "لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"، ويقول ابن رسلان: "اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات".
ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلاً راسخًا من أصول البنية الاجتماعية؟!.
الشبهة الثامنة: الحجاب كبت للطاقة الجنسية:
قالوا: إنّ الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة الضغط يولّد الانفجار، وحجاب المرأة يغطّي جمالها، وبالتالي فإنّ الشباب يظلون في كتب جنسيّ يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث الاغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقلّ طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب الكبت والاختناق.
الجواب:
أى تزييف هذا ؟
وعلى من ينطلى مكركم هذا ؟
1- لو كان هذا الكلام صحيحًا لكانت أمريكا والدول الأوربية وما شاكلها هي أقلّ الدول في العالم في حوادث الاغتصاب والتحرّش في النساء وما شاكلها من الجرائم الأخلاقية، ذلك لأن أمريكا والدول الأوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا بحجة الحرية الشخصية، فماذا كانت النتائج التي ترتبت على الانفلات والإباحية؟ هل قلّت حوادث الاغتصاب؟ هل حدث التشبّع الذي يتحدّثون عنه؟ وهل حُميت المرأة من هذه الخطورة؟
جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا": إنه تتم جريمة اغتصاب بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا. ويعني بالقوة: أي تحت تأثير السلاح.
وقد بلغ عدد حالات الاغتصاب في أمريكا عام 1978م إلى مائة وسبعة وأربعين ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين حالة، لتصل في عام 1987م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين حالة. فهذه الإحصائيات تكذّب هذه الدعوى.
2- إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء، وهي سرّ أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة لحِكَم كثيرة، منها استمرار النسل. ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذه الغريزة، ثم يطلب من الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعرّي دونما اعتبار لوجود تلك الغريزة.
3- إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة مناظر التبرّج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم الشهوات والعورات البادية من فئة المخصيّين، فانقطعت شهوتهم، فما عادوا يشعرون بشيء من ذلك الأمر.
الثانية: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم العورات الظاهرة من الذين أصابهم مرض البرود الجنسي.
فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟!.
الشبهة التاسعة: الحجاب يعطل نصف المجتمع:
قالوا: إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع، إذ إن الإسلام يأمرها أن تبقى في بيتها.
الجواب:
1- إن الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ?لْجَـاهِلِيَّةِ الأولَى} [الأحزاب:33]. ولا يعني هذا الأمر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها، بل هو التوظيف الأمثل لطاقاتها.
2- وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من الواجبات، وما يُسمح لها به من الأعمال، ولا يحول بينها وبين اكتساب المعارف والعلوم، بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع المحافظة على حجابها وتجنبها الاختلاط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللاتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن عن مخالطة الطلاب قد أحرزن قصب السبق في مضمار الامتحان، وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين والطلاب.
3- بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها الأعمال التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف المجتمع، بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد وانتشار الجرائم وانفكاك الأسَر، لأن مهمة رعاية النشء وتربيتهم والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ أضحت بلا عائل ولا رقيب.
تخليوا لو مليون امرأة عاملة تخلت اليوم عن العمل القائمة عليه وتركته للرجل وعادت إلى وظيفتها الحقيقية وهى الأمومة , كم سيدث هذا من أنفراجة فى بلد تعانى البطالة كمصر ؟
كم سيعود بالترابط على مليون أسرة عانت ويلات غياب الأم فى عملها مما ترتب عليه انحراف للأسرة
بأكملها , المرأة تعانى من تسلط الرجل على مالها , تنتج مشاكل جمة عن هذا ,
كما سيجد حديث التخرج عمل يساعده على أن يتعرف على موقعه الحقيقى من الحياة , وإستشعار المسؤلية ؟
إن هى إلا خيالات ولكن ما أجمل لو خالطت الحقيقة , لأن ما عند الله خير وأبقى
من صراع ولهث والنهاية المكوث فى حفرة
أغلبنا يقول :
ربِ لا تقم الساعة ...
من هول ما يخشى ملاقاته
أسأل الله السلامة
الشبهة العاشرة: التبرج أمر عادي لا يلفت النظر:
يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية لا يثير انتباه الرجال، بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة متحجبة حجابًا كاملاً يستر جسدها كله، فيريدون التعرّف على شخصيتها ومتابعتها؛ لأنّ كلَّ ممنوع مرغوب.
الجواب:
1- ما دام التبرج أمر عادي لا يلفت الأنظار ولا يستهوي القلوب فلماذا تبرّجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تحمّلت أدوات التجميل وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟!.
2- وكيف يكون التبرج أمرًا عاديًا ونرى أن الأزواج ـ مثلاً ـ تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزينّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقًا متنوعًا جميلاً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ الطعم؟!.
3- إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية، لا تتغير مدى الدهر، وهي شيء يجري في عروقهما، وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها، بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر؛ ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلاقها وأفكارها وميولها، كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان، ولن تتغير حتى تقوم الساعة.
4- أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سرًّا من أسراره، وحكمة من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف الطب ـ مرض يستوجب العلاج والتداوي.
5- إن أعلى نسبة من الفجور والإباحية والشذوذ الجنسي وضياع الأعراض واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء متبرجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إن أعلى نسبة من الأمراض الجنسية ـ كالأيدز وغيره ـ في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى، بالإضافة إلى الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب والفتيات للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الأخلاق.
6- أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ولا تتابع المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا، لا تعلم محتوياته وعدد صفحات وما يحمله من أفكار، فطالما كان الأمر كذلك، فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم محتوياته، ولن نعرفها، بل ولن نتأثر بها، وبما تحمله من أفكار، وهكذا المتحجبة غلافها حجابها، ومحتوياتها مجهولة بداخله، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة، لم تظفر بِشَر ولانقير ولا بأقلّ القليل. بل نظراته هذه لهى أكبر دليل على إصابته بكبوت كل المعانى النبيلة فى حياته , حتى أنه ما أستكفى عفافها فى حلال الله ولّو عّدّد للأربعة .
بل هذه هى البهيمية بعينها والانحطاط والسفه
فهل هذا مرادكم فينا ؟ ... ناظر ..و.. منظور وكأنا على خشب مسارح عرائسكم .
أى عقول نخاطب فى الدجل والغش والخداع ؟
أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتوحًا تتصفّحه الأيدي، وتتداوله الأعين سطرًا سطرًا، وصفحة صفحة، وتتأثّر بمحتوياته العقول، فلا يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه، فتثنت بل تمزق بعضها، إنه يصبح كتابًا قديمًا لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة، فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟!.
الشبهة الحادية عشرة: السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم:
زعموا أن السفور حقّ للمرأة، سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت، ويرون أن الحجاب ظلم لها وسلب لحقها.
الجواب:
1- لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وَضعُ القضية في أوربا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون لها الخيرة في الأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ?للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ?لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ?لاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36].
2- إن الحجابَ في ذاته لا يشكل قضية، فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفذ في عهد، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه، لأنه كان قائمًا في خير القرون على الإطلاق، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله.
الشبهة الثانية عشرة: الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي والتطرف الديني:
زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف والغلو، وعلامة من علامات التنطع والتشدد، مما يسبب تنافرا في المجتمع وتصادما بين الفئتين، وهذا قد يؤول إلى الإخلال بالأمن والاستقرار.
الجواب:
1- هذه الدعوى مرفوضة من أساسها، فالحجاب ليس رمزا لتلك الأمور، بل ولا رمزا من الرموز بحال، لأن الرمز ما ليس له وظيفة إلا التعبير عن الانتماء الديني لصاحبه، مثل الصليب على صدر المسيحي أو المسيحية، والقلنسوة الصغيرة على رأس اليهودي، فلا وظيفة لهما إلا الإعلان عن الهوية. أما الحجاب فإن له وظيفة معروفة وحِكَما نبيلة، هي الستر والحشمة والطهر والعفاف، ولا يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن نفسها وعن دينها، لكنها تطيع أمر ربها، فهو شعيرة دينية، وليس رمزا للتطرف والتنطع.
ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا: إن حجابَ اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز الطائفي؟! لماذا لم يقولوا: إن تعليق الصليب رمز من رموز التطرف الديني وهو الذي جرّ ويلات الحروب الصليبية؟! لماذا لم يقولوا: إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر والإرهاب في فلسطين المحتلة؟!
2- إن هذه الفرية يكذّبها التاريخ والواقع، فأين هذه المفاسد المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
3- إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية، فهي لم تلزَم بالحجاب بقوة الحديد والنار، ولم تدعُ غيرها إلى الحجاب إلا بالحكمة والحجج الشرعية والعقلية، بل عكس القضية هو الصحيح، وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها وجعل ذلك قانونا وشريعة لازمة هو رمز التعصب والتطرف اللاديني، وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الأفعال السيئة، لأنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
نقلاً من (( موسوعة الأسرة المسلمة )) بتصرف
وبعد الذى ذكرنا.... لنا هذه الوقفة للتدبر
يقول الحق تبارك وتعالى :

{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53
هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن, وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق, ونصحوا لنا, فهل لنا من أصدقاء وشفعاء, فيشفعوا لنا عند ربنا, أو نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا؟ قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها, وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله, ويفترونه في الدنيا مما يَعِدُهم به الشيطان.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }يونس45
ويوم يَحشر الله هؤلاء المشركين يوم البعث والحساب, كأنهم قبل ذلك لم يمكثوا في الحياة الدنيا إلا قدر ساعة من النهار, يعرف بعضهم بعضًا كحالهم في الدنيا, ثم انقطعت تلك المعرفة وانقضت تلك الساعة. قد خسر الذين كفروا وكذَّبوا بلقاء الله وثوابه وعقابه, وما كانوا موفَّقين لإصابة الرشد فيما فعلوا.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الحج11
ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردده، كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته، ويربط إيمانه بدنياه, فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته, وإن حصل له ابتلاء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه, فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة، فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ لا يغيِّر كفرُه ما قُدِّر له في دنياه, وخسر الآخرة بدخوله النار، وذلك خسران بيِّن واضح.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لطاعته
وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته
اللهم آمين
المرأة..قبل وبعد الإسلام
وهاكم أحد البحوث التى صادفتها عبر تصفح بعض المننتديات
وصاحبه مجهول عندى .. ولكن أسأل الله أن يجزيه الخير عن جميل ما قدم
ويقول حفظه الله تعالى ...
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. أما بعد
اخوتي الأعزاء : لقد كلفني هذا البحث وقتاً لا يستهان به ، وكلي رجاء أن ينال حظ القراءة منكم ، حتى يتم لي مناي المتمثل في تعميم الفائدة ، وعند الله كرم الأجر ، وجزيل الثواب
• حقــــــــــــائــــــــــــق *
الحق أن هذه المرأة عانت معاناة كثيرة ، بل كانت ضحية كل نظام ، وحسرة كل زمان ، صفحات الحرمان ، ومنابع الأحزان ، ظلمت ظلماً ، وهضمت هضماً ، لم تشهد البشرية مثله أبداً
• صفحــــات من العـــــار *
إن من صفحات العار على البشرية ، أن تعامل المرأة على أنها ليست من البشر ، لم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ، إلا وسقت هذه المرأة ألوان العذاب ، وأصناف الظلم والقهر
فعند الإغريق قالوا عنها :شجرة مسمومة ، وقالوا هي رجس من عمل الشيطان ، وتباع كأي سلعة متاع.
وعند الرومان قالوا عنها :ليس لها روح ، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار ، وتسحب بالخيول حتى الموت .
وعند الصينيين قالوا عنها :مياه مؤلمة تغسل السعادة ، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية ، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها .
وعند الهنود قالوا عنها :ليس الموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعي ، والنار ، أسوأ من المرأة ، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ، بل يجب أن تحرق معه .
وعند الفرس أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء ، ويجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت .
وعند اليهود  قالوا عنها : لعنة لأنها سبب الغواية ، ونجسة في حال حيضها ، ويجوز لأبيها بيعها
وعند النصارى عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً" قرروا أنَّها إنسان ، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب". وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل(المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة .
وعند العرب قبل الإسلام تبغض بغض الموت ، بل يؤدي الحال إلى وأدها ، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة .
* تحــــــــرير المـــــــــرأة *
ثم جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً ..
جاء الإسلام ليقول (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْــــــــــــــــــــــرُوف ))
جاء الإسلام ليقول ((ٍ وَعَاشِــــــــــــــــرُوهُــنَّ بِالْمَعْــــــــــــــــــــرُوفِ))
جاء الإسلام ليقول (( فَـــلا تَعْضُــــــــــلـُـــــــــــــــــوهُــــــــــــــنَّ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَـدَرُهُ))
جاء الإسلام ليقول (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْــثُ سَكَنْتُـــــــمْ مِنْ وُجْدِكُــــمْ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلا تُضَــــــــارُّوهُنَّ لِتُضـــــَيِّقُــوا عَلَيْهِــــــــــــنَّ ))
جاء الإسلام ليقول (( فَآتُـــوهُنَّ أُجُـــــورَهُنَّ فَــرِيضَـــــــــــــــــــــــة ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلِلنِّسَـــــاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُــونَ ))
جاء الإسلام ليقول(( وَلِلنِّسَـــــــــــاءِ نَصِيــــــبٌ مِمَّا اكْتَسَبْــــــــــــنَ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَآتُوهُـــــمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُــــــــــــــــــم ))
جاء الإسلام ليقول (( وَأَنْتُـــــــــــــــــمْ لِبَــــــــــــــــاسٌ لَهُـــــــــــــنّ ))
جاء الإسلام ليقول (( هَـــــؤُلاءِ بَنَـــــاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُــــــــــــــــــــمْ ))
جاء الإسلام ليقول (( فَلا تَبْغُـــــــــوا عَلَيْهِــــنَّ سَبِيـــــــــــــــــــــــلاً ))
جاء الإسلام ليقول (( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهــــــــــــــــــــاً ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُـــــــــن ))
جاء الإسلام ليقول ((ِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـــــــــــــانٍ ))
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال : " عائشة " ..وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول : " اذهبوا بها على فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة " .
وهو القائل : (( استوصــــــــــــــوا بالنســــــــــــاء خيـــــــــــــــــراً ))
وهو القائل : (( لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخـر ))
وهو القائل : (( إنما النـســــــــــــــاء شقـــــــــــائق الرجــــــــــــــــال ))
وهو القائل : (( خيركم خيركم لأهـــــــــــــــله وأنا خيركم لأهــــــــــلي ))
وهو القائل : (( ولهن عليـــــــــكم رزقهن وكسوتهـــــن بالمعـــــــــروف ))
وهو القائل : (( أعظمها أجرا الدينـار الذي تنفقــــــه على أهـــــــــــلك ))
وهو القائل : (( من سعــــــــــادة بن آدم المــــــــــرأة الصـــــالحــــــــة ))
ومن هديه : ((عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ))
وهو القائل : (( وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك ))
ومن مشكاته : (( أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى زوجك ))
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على أن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ، وحتى يُعلم هذا الأمر بصورة أو ضح ، سأبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام وهي جنين في بطن أمها إلى أن تنزل قبرها
*بيانـــــــــات وآيــــــــات *
1.حفظ الإسلام حق المرأة :- وهي في بطن أمها ، فإن طُلقت أمها وهي حامل بها ، أوجب الإسلام على الأب أن ينفق على الأم فترة الحمل بها (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن))
2. حفظ الإسلام حق المرأة :- بحيث لا يُقام على أمها الحد ، حتى لا تتأثر وهي في بطن أمها (( ولما جاءت الغامدية وقالت يا رسول الله طهرني فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ))
3. حفظ الإسلام حق المرأة :- راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية ولدها ، وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم (( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ))
4. حفظ الإسلام حق المرأة :- مولودة من حيث النفقة والكسوة (( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف ))
5. حفظ الإسلام حق المرأة:- في فترة الحضانة التي تمتد إلى بضع سنين ، وأوجب على الأب النفقة عليها في هذه الفترة لعموم أدلة النفقة على الأبناء
6. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الميراث عموماً ، صغيرة كانت أو كبيرة قال الله تعالي (( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ))
7. حفظ الإسلام حق المرأة :- في اختيار الزوج المناسب ، ولها أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيباً لقوله عليه الصلاة والسلام (( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ))
8. حفظ الإسلام حق المرأةحفظ الإسلام حق المرأة :- إذا كانت بكراً فلا تزوج إلا بإذنها لقوله عليه الصلاة والسلام (( ولا تنكح البكر حتى تستأذن ))
9. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صداقها ، وأوجب لها المهر (( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ))
10.حفظ الإسلام حق المرأة :- مختلعة ، إذا بدَّ لها عدم الرغبة في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلاة والسلام (( أقبل الحديقة وطلقها ))
11. حفظ الإسلام حق المرأة:- مطلقة ، (( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ))
12. حفظ الإسلام حق المرأة :- أرملة ، وجعل لها حقاً في تركة زوجها ، قال الله تعالي (( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ))
13. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الطلاق قبل الدخول ، وذلك في عدم العدة ، قال الله تعالي (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ))
14. حفظ الإسلام حق المرأة :- يتيمة ، وجعل لها من المغانم نصيباً ، قال الله تعالي(( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )) وجعل لها من بيت المال نصيباً قال الله تعالي (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)) وجعل لها في القسمة نصيباً (( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )) وجعل لها في النفقة نصيباً (( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى ))
15. حفظ الإسلام حق المرأة :- في حياتها الاجتماعية ، وحافظ على سلامة صدرها ، ووحدة صفها مع أقاربها ، فحرم الجمع بينها وبين أختها ، وعمتها ، وخالتها ، كما في الآية ، والحديث المتواتر
16. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صيانة عرضها ، فحرم النظر إليها (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ))
17. حفظ الإسلام حق المرأة :- في معاقبة من رماها بالفاحشة ، من غير بينة بالجلد (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ))
18. حفظ الإسلام حق المرأة :- إذا كانت أماً ، أوجب لها الإحسان ، والبر ، وحذر من كلمة أف في حقها
19. حفظ الإسلام حق المرأة :- مُرضِعة ، فجعل لها أجراً ، وهو حق مشترك بين الراضعة والمرضعة (( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ))
20. حفظ الإسلام حق المرأة:- حاملاً ، وهو حق مشترك بينها وبين المحمول (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ))
21. حفظ الإسلام حق المرأة :- في السكنى (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ))
22. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صحتها فأسقط عنها الصيام إذا كانت مرضع أو حبلى
23. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الوصية ، فلها أن توصي لِما بعد موتها قال الله تعالي(( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ))
24. حفظ الإسلام حق المرأة:- في جسدها بعد موتها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (( كسر عظم الميت ككسره حيا ))
25. حفظ الإسلام حق المرأة :- وهي في قبرها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر ))
والحق أنني لا أستطيع أن أجمل حقوق المرأة في الإسلام فضلاً عن تفصيلها




*الحضــــارة الغربيــــــة *
والسؤال هنا لأي شيءٍ دعت الحضارة المدنية اليوم ؟ وماهي الحقوق التي ضمنتها للمرأة ؟
1. أجمل لك القول أن الحضارة الغربية اليوم هي : ضمان لممارسة قتل هوية المرأة ، وهضم لأدنى حقوقها .
2. المرأة الغربية حياتها منذ الصغر نظر إلى مستقبل في صورة شبح قاتل ، لا تقوى على صراعه ، فهي منذ أن تبلغ السادسة عشرة تطرد من بيتها ، لتُسلِم أُنوثتها مخالب الشهوات الباطشة ، وأنياب الاستغلال العابثة ، أوساط الرجال .
3. فما إن تدخل زحمة الأوهام الحضارية ، وإذا بأعين الناس تطاردها بمعاول النظر التي تحبل منها العذارى .
4. تتوجه نحوها الكلمات الفاسدة ، وكأنها لكمات قاتلات ، تبلد من الحياء ، وتفقدها أغلى صفة ميزها الله بها ، هي : " حلاوة أنوثتها " التي هي أخص خصائصها ، ورمز هويتها .
5. تُستغل أحوالها المادية ، فتدعى لكل رذيلة ، حتى تصبح كأي سلعة ، تداولها أيدي تجار الأخلاق ، وبأبخس الأثمان ، فإذا فقدت شرفها ، وهان الإثم عندها ، هان عليها ممارسته .
6. يخلق النظام الأخلاقي الغربي اليوم في المجتمعات ثمرات سامة لكل مقومات الحياة ، أولها الحكم على هوية المرأة بالإعدام السريع ، على بوابة شهوات العالم الليبرالي ، الديمقراطي ، والرأسمالي .
7. فالمرأة اليوم أسوأ حالاً مما مضى ، كانوا من قبل يقتلون المرأة ، فاليوم يجعلون المرأة هي التي تقوم بقتل نفسها.
• شهـــــادات الغرب *
شهد القوم على فساد نهجهم ..
• تقول " هيليسيان ستانسيري "" امنعوا الاختلاط ، وقيِّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا ، وأمريكا ."
• وتقول " بيرية الفرنسية " وهي تخاطب بنات الإسلام " لا تأخذنَّ من العائلة الأوربية مثالاً لكُنَّ ، لأن عائلاتها هي أُنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى .
• وتقول الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" التي كتبت قبيل انتحارها نصيحة لبنات جنسها تقول فيها : " إحذري المجد …إحذري من كل من يخدعك بالأضواء …إنى أتعس امرأة على هذه الأرض… لم أستطع أن أكون أما … إني امرأة أفضل البيت … الحياة العائلية الشريفة على كل شيء … إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية " وتقول في النهاية " لقد ظلمني كل الناس … وأن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة "
• وتقول وتقول الكاتبة " اللادى كوك " أيضا : " إن الاختلاط يألفه الرجال ، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها ، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ، ولا يخفى ما فى هذا من البلاء العظيم عن المرأة ، فيه أيها الآباء لا يغرونكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن فى المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا فعلموهن الابتعاد عن الرجال ، إذا دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء . ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات فى المعامل ومن الخادمات فى البيوت ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار .. ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف مما نرى الآن ، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره فى الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات فى بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة ، أعنى عندها أولاد من الزنا ، فينتفع بشغلهم وهذا غاية الهبوط فى المدينة ، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة .
• وتقول . تقول الكاتبة الإنجليزية " أنى رود " عن ذلك : " إذا اشتغلت بناتنا فى البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن فى المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ... أياليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة أولاد رب البيت ولا يمس عرضهما بسوء . نعم إنه عار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثل للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها
• نشرت صحيفة الأخبار المصرية ( في عددها الصادر في 20/10/1972م ، ص 4) : أنه قد أقيمت في هذا الأسبوع الحفلة السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على اختلاف مهنهن .. وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في حضور الأميرة ( آن ) البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب المرأة .. وحصلت على تأييد الاجتماع الشامل فتاة عمرها 17 عاماً رفضت رفضاً باتاً حركة التحرير النسائية وقالت أنها تريد أن تظل لها أنوثتها ولا تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي الرجل . وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجلاً . وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الأميرة ( آن ) ( كتاب المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟! ص 50 ) .
• ومن هذا صرح الدكتور " جون كيشلر " أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو ( أن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي وأن 40% من الرجال مصابون بالعقم ، وقال الدكتور أن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي . ومن شاء المزيد فليرجع الى تقرير لجنة الكونجرس الأمريكية لتحقيق جرائم الأحداث في أمريكا تحت عنوان ( أخلاق المجتمع الأمريكي المنهارة ) . ( المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ، ص 11) .
يتضح لنا جلياً مما مضى أن الَّذين يدعون لتحرير المرأة من تعاليم الإسلام ينقسمون إلى ثلاثة أقسام
1- إما أن يكونوا أعداءً للإسلام وأهله ، ممَّن لم يدينوا بالملة السمحة ، ولزموا الكفر ، وهنا ليس بعد الكفر ذنب كما يقال .
2- وإما أن يكونوا تحت مسمى الإسلام من المنافقين ، والعلمانيين ، لكنهم عملاء يتاجرون بالديانة ، ولا يرقبون في مخلوقٍ إلاً ولا ذمة .
3- أن يكون مسلماً لكنه جاهل لا يعرف الإسلام ولا أحكامه ولا يعرف معنى الحضارة القائمة اليوم ملبس عليه .
ولكن كيف يصل هذا البيان إلى نساء أهل الإسلام ، ليعلمنَ أنهنَ أضاعنَ جوهرة الحياة ، ودرة الوجود ، ومنبع السعادة ، وروح السرور ، ونكهة اللذائذ ، عندما تركنَ تعاليم هذا الدين
ومن يخبر المسلمة ان الكافرات يتمنين أن يعشنَ حياتهنَ على منهج أهل الإسلام ؟‍
من يقنع المسلمات اليوم أن الحضارة الغربية هي :- الحكم السريع بالإعدام على هوية المرأة ..

يقول فضيلة الشيخ أبو الحسن الندوى عليه رحمة الله تعالى :
ظهر المسلمون وتزعموا العالم وعزلوا الأمم المريضة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها ، وساروا بالإنسانية سيراً حثيثاً متزناً عادلاً ، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم ، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلهم وتحت قيادتهم .
أولاً : أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية ، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم ، لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم ، ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خبط عشواء ، قد جعل الله لهم نوراً مشون به في الناس ، وجعل لهم شريعة يحكمون بها بين الناس {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } وقد قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
ثانياً : أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس ، بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر ، بل مكثوا زمناً طويلاً تحت تربية محمد صلى الله عليه وسلم وإشرافه الدقيق يزكيهم ويؤدبهم ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار على النفس وخشية الله وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها . يقول : ((إنا والله لا نُولي هذا العمل أحداً سأله ، أو أحداً حرص عليه))، ولا يزال يقرع سمعهم : {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب تهافت الفراش على الضوء ، بل كانوا يتدافعون في قبولها ويتحرجون من تقلدها ، فضلاً عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة ويزكوا أنفسهم وينشروا دعاية لها وينفقوا الأموال سعياً وراءها ، فإذا تولوا شيئاً من أمور الناس لم يعدوه مغنماً أو طعمة أو ثمناً لما أنفقوا من مال أو جهد ، بل عدوه أمانة في عنقهم وامتحاناً من الله ، ويعلمون أنهم موقوفون عند ربهم ومسئولون عن الدقيق والجليل ، وتذكروا دائماً قول الله تعالى :
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } وقوله : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ }.
ثالثاً : أنهم لم يكونوا خدمة جنس ، ورسل شعب أو وطن ، يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان ، لم يخلقوا إلا ليكونوا حكاماً ، ولم تخلق إلا لتكون محكومة لهم ، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ، ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكم أنفسهم . إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً وإلى عبادة الله وحده ، كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد : (( الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام )) فالأمم عندهم سواء والناس عندهم سواء ، الناس كلهم من آدم ، وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .
وقد قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص عامل مصر- وقد ضرب ابنه مصرياً ، وافتخر بآبائه قائلاً : خذها من ابن الأكرمين ، فاقتص منه عمر- : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. فلم يبخل هؤلاء بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد ، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً ، بل كانوا سحابة انتظمت البلاد وعمت العباد ، وغوادي مزنة أثنى عليها السهل والوعر  وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها(175) .
في ظل هؤلاء وتحت حكمهم استطاعت الأمم والشعوب – حتى المضطهدة منها في القديم- أن تنال نصيبها من الدين والعلم والتهذيب والحكومة ، أن تساهم العرب في بناء العالم الجديد بل إن كثيراً من أفرادها فاقوا العرب في بعض الفضائل ، وكان منهم أئمة هم تيجان مفارق العرب وسادة المسلمين من الأئمة والفقهاء والمحدثين ، حتى قال ابن خلدون : (( من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم ، لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية، إلا في القليل النادر ، وإن كان منهم العربي في نسبته ، فهو عجمي في لغته ، ومرباه ومشيخته ، مع أن الملة عربية ، وصاحب شريعتها عربي )) . ونبغ من هذه الأمم في عصور الإسلام قادة وملوك ووزراء وفضلاء ، هم نجوم الأرض ونجباء الإنسانية ، وحسنات العالم ، فضيلة ومروءة وعبقرية وديناً وعملاً ، لا يحصيهم إلا الله .
رابعاً :  أن الإنسان جسم وروح ، وهو قلب وعقل وعواطف وجوارح ، لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رُقياً متزناً عادلاً حتى تنمو فيه هذه القوى كلها نمواً متناسباً لائقاً بها ، ويتغذى غذاء صالحاً ، ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة البتة إلا إذا ساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني ، وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بيد الذين يؤمنون بالروح والمادة ، ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية ، وأصحاب عقول سليمة راجحة ، وعلوم صحيحة نافعة ، فإذا كان فيهم نقص في عقيدتهم أو في تربيتهم عاد ذلك النقص في مدنيتهم ، وتضخم وظهر في مظاهر كثيرة ، وفي أشكال متنوعة ، فإذا تغلبت جماعة لا تعبد إلا المادة وما إليها من لذة ومنفعة محسوسة ، ولا تؤمن إلا بهذه الحياة ، ولا تؤمن بما وراء الحس أثرت طبيعتها ومبادئها وميولها في وضع المدنية وشكلها ، وطبعتها بطابعها ، وصاغتها في قالبها ، فكملت نواح للإنسانية واختلت نواح أُخرى أهم منها . عاشت هذه المدنية وازدهرت في الجصِّ والآجر ، وفي الورق والقماش ، وفي الحديد والرصاص ، وأخصبت في ميادين الحروب وساحات القتال ، وأوساط المحاكم ومجالس اللهو ومجامع الفجور ، وماتت وأجدبت في القلوب والأرواح وفي علاقة المرأة بزوجها ، والولد بوالده والوالد بولده ، والأخ بأخيه والرجل بصديقه ، وأصبحت المدنية كجسم ضخم متورم يملأ العين مهابة ورواء ، ويشكو في قلبه آلاماً وأوجاعاً ، وفي صحته انحرافاً واضطراباً .
وإذا تغلبت جماعة تجحد المادة أو تهمل ناحيتها ولا تهتم إلا بالروح وما وراء الحس والطبيعة ، وتعادي هذه الحياة وتعاندها ، ذبلت زهرة المدنية وهزلت القوى الإنسانية وبدأ الناس- بتأثير هذه القيادة – يؤثرون الفرار إلى الصحارى والخلوات على المدن ، والعزوبة على الحياة الزوجية ، ويعذبون الأجسام حتى يضعف سلطانها فتتطهر الروح ويؤثرون الموت على الحياة ، لينتقلوا من مملكة المادة إلى إقليم الروح ويستوفوا كمالهم هنالك ، لأن الكمال في عقيدتهم لا يحصل في العالم المادي ، ونتيجة ذلك أن تحتضر الحضارة وتخرب المدن ويختل نظام الحياة ولما كان هذا مضاداً للفطرة لا تلبث أن تثور عليه ، وتنتقم منه بمادية حيوانية ليس فيها تسامح لروحانية وأخلاق ، وهكذا تنتكس الإنسانية وتخلفها البهيمية والسبعية الإنسانية الممسوخة ، أو تهجم على هذه الجماعة الراهبة جماعة مادية قوية فتعجز عن المقاومة لضعفها الطبعي ، وتستسلم وتخضع لها ، أو تسبق هي- بما يعتريها من الصعوبات في معالجة أمور الدنيا- فتمد يد الاستعانة إلى المادية ورجالها وتسند إليهم أمور السياسة وتكتفي هي بالعبادات والتقاليد الدينية ، ويحدث فصل بين الدين والسياسة فتضمحل الروحانية والأخلاق ويتقلص ظلها وتفقد سلطانها على المجتمع البشري والحياة العملية حتى تصير شبحاً وخيالاً أو نظرية علمية لا تأثير لها في الحياة وتؤول الحياة مادية محضة وقلما خلت جماعة من الجماعات التي تولت قيادة بني جنسها من هذا النقص ، لذلك لم تزل المدنية متأرجحة بين مادية بهيمية وروحانية ورهبانية ولم تزل في اضطراب .
يمتاز أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا جامعين بين الديانة والأخلاق والقوة والسياسة ، وكانت تتمثل فيهم الإنسانية بجميع نواحيها وشعبها ومحاسنها المتفرقة في قادة العالم ، وكان يمكن لهم – بفضل تربيتهم الخلقية والروحية السامية واعتدالهم الغريب الذي قلما اتفق للإنسان ، وجمعهم بين مصالح الروح والبدن واستعدادهم المادي الكامل وعقلهم الواسع – أن يسيروا بالأمم الإنسانية إلى غايتها المثلى الروحية والخلقية والمادية .
ومن خلال ما أسلفنا نستشعر أن الأرض أنبتت وأنارت وإستنارت العقول لمقدم المتوكل والذى ليس بفظ ولا سخاب ففتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً
ولم يقبضه حتى أنار بهديه العقول
صلى الله عليه وآله وسلم
وتعلمت البشرية جميعها الحضارة وسمو الأخلاق
من هديه وهدى صحبه
وهدى خلفاءه ونوابه من الدعاة المخلصين
على مر العصور
فعن أى حضارة يتحدثون ربائب العصور المظلمة
والأحقاب المقمحلة
وهل عرفوا المدنية والتطور إلا على أيدى أصحاب الرسالات وأتباع خاتم الرسالات  !!
هل عرفت البشرية من الروم إلا المصارعات
والأقتتال حتى الممات ؟
والحيف والدعة والمجون
هل فى أتباع محمد من قال بزواج المحرمات
هل تولى أمر أمة محمد بحق الله داعر همته المسكرات ؟
أين عصر النور من عصر الظلمات
أين الثرى من الثريا
أنها العفة أخوتاه التى رسخ أُسسها
الحبيب محمد
صلاة ربى عليه وعلى آله وصحبه
ومعها حديثنا الأن .
العفة .. العفة
سؤل عفيف ...ما كنت تفعل لوظفرت بمن تهوى? قال: كنت أطيع الحبّ في لثامها، وأعصي الشّيطان في آثامها، ولا أفسد بضع عشرة سنين فيما يبقى ذميماً عاره، وينشر قبيح أخباره في ساعةٍ تفقد لذّتها. إنّي إذاً لئيمٌ، ولم يلدني كريمٌ.
الحبّ ما لا يغضب الرّب
وقيل لآخر: ما أنت صانعٌ إن ظفرت بمن تحب? قال: أحلل ما يشتمل عليه الخمار وأحرّم ما كتمه الإزار، وأزجر الحبّ عمّا يغضب الرّب.
وقيل لليلى هذا قيسٌ مات لما به من عشقك. قالت: ولقد خفت والله أن أموت بذلك منه. قيل لها: فما عندك حيلةٌ تخفّف ما به? قالت: صبري، وصبره، أو يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
قال العتبي: قال أعرابيٌّ: إن لم يكن العشق ضرباً من السّحر إنّه لسعةٌ من الجّنون.
وسئلت أعرابيّةٌ عن الهوى، فقالت: هو الهوان غلطٌ باسمه، وإنّما يعرف ما نقول من أبكته المعارف والطّلول.
وسئلت أعرابيّةٌ عن صفة الهوى، فقالت:
الحـبّ أوّلـه مـيلٌ تـهـيم بـه ... نفس المحبّ فيلقى الموت كاللعب
يكون مبدؤه من نظرةٍ عـرضـت ... أو مزحةٍ أشعلت في القلب كاللهب
كالنّار مبدؤها مـن قـدحةٍ، فـإذا ... تضرّمت أحرقت مستجمع الحطب

وأنشد لأبي جعفر الطّربخيّ:
ليس خطب الهوى بخطبٍ يسيرٍ ... لاينبّئك عنه مـثـل خـبـير
ليس أمر الهوى يدبّر بـالـرّأ...ي ولا بالقياس والتّـفـكـير
إنّما الحبّ والهوى خـطـراتٍ...محدثات الأمور بعد الأمـور

وقال أعرابيٌّ: إنّ الصّبر على الهوى أشدّ من الصّبر على البلاء، كما أنّ الصّبر على المحبوب أشدّ من الصّبر على المكروه.
وليم بعض الحكماء على الهوى، فقال: لو كان لذي هوىً اختيارٌ لاختار أن لا هوىً. وأنشد لمجنون ليلى:
أصلّي فلا أدري إذا ما ذكرتـهـا أثنتين صلّيت الضّحى أم ثمـانـيا
أراني إذا صلّيت أقبلت نحـوهـا بوجهي وإن كان المصلّـى ورائيا
وما بي إشراكٌ ولكـنّ حـبّـهـا وعظم الجوى أعيا الطّبيب المداويا
أنظروا كيف أضر الهوى بدين الرجل !!!
وأنشد لأبي العتاهية:
لا بارك الله فيمن كان يخبرني... أنّ المحبّين في لهـوٍ ولـذّات
لموتةٌ تأخذ الإنـسـان واحـدةً... خيرٌ له من لقاء الموت مرّات

وأنشد لأعرابيٍّ:
وللحبّ أغصانٌ تراها نضيرةً... وفي طعمها للعاشقين زعاف
رأيت المنايا في عيون أوانسٍ... تقتّلن أرواحاً وهنّ ضعـاف
أسأل الله أن يسلمنا من الهوى .


ويقول صاحب سلسلة فى إصلاح الأسرة والمجتمع
وهى غاية فى الفائدة والروعة
فجزى الله مؤلفها الأستاذ : حسام الدين سليم الكيلانى
خيرى الدنيا والأخرة
واسمعوا لما قاله حفظه الله تعالى :
الحمد لله على كل حال, الحمد لله الذي كفانا وآوانا وهدانا , الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى, القائل : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } [ سورة المؤمنون : 1-5 ].
اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا, اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا, اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا, ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا, اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت نعوذ بك من شر أنفسنا ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه .
والصلاة والسلام على خير خلق الله إمام المتقين, وقائد الغر المحجلين الذي كان يقول في دعائه: (( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى وفي رواية ثانية : وَالْعِفَّةَ))[أخرجه الإمام مسلم برقم : 2721], والذي كان يسأل ربه أن يزكي نفسه فكان يقول: (( عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا قَالَ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَاهُنَّ وَنَحْنُ نُعَلِّمُكُمُوهُنَّ ))[أخرجه الإمام أحمد برقم : 18821].
ثم أما بعد
أولاً ــ تعريف العفة والعفاف :
قال في النهاية في غريب الحديث مادة : عفف ،و فيه «مَن يَسْتعْفِف يُعفّه الله» الاسْتِعْفافُ: طلبُ العَفَاف والتعَفُّف، وهو الكَفُّ عن الحَرَام والسُّؤالِ من الناس: أي مَن طَلَب العِفَّة وتكلَّفها أعْطاه الله إيَّاها. وقيل الاسْتِعْفافُ: الصَّبْر والنَّزاهَةُ عن الشيء، يقال: عَفَّ يَعِفُّ عِفَّةً فهو عَفِيفٌ.
وفي لسان العرب مادة عفف : العِفّة: الكَفُّ عما لا يَحِلّ ويَجْمُلُ. عَفَّ عن الـمـحارِم والأَطْماع الدَّنِـية يَعِفُّ عِفَّةً و عَفّاً و عَفافاً و عَفافة، فهو عَفِـيفٌ و عَفٌّ، أَي كَفَّ و تعَفَّفَ و اسْتَعْفَفَ و أَعفَّه الله. وفـي التنزيل: {و لْـيَسْتَعْفِف الذين لا يَجِدون نكاحاً}؛ فسَّره ثعلب فقال: لـيَضْبِطْ نفسه بمثل الصوم فإِنه وِجاء. وفـي الـحديث: (( من يَسْتَعْفِفْ يُعِفّه الله )) .
الاسْتِعْفاف: طلَبُ العَفافِ وهو الكَفُّ عن الـحرام والسؤال من الناس، أَي من طلب العِفّة وتكلَّفها أَعطاه الله إِياها، وقـيل: الاستعفاف الصبْر والنَّزاهة عن الشيء؛ ومنه الـحديث: اللهم إِنـي أَسأَلك العِفّة والغِنى، والـحديث الآخر: فإِنهم ما علـمت أَعِفّة صُبُر؛ جمع عَفِـيف. ورجل عَفٌّ و عَفِـيف، والأُنثى بالهاء، وجمع العَفِـيف أَعِفّة و أَعِفّاء، ولـم يُكَسِّروا العَفَّ .
وقـيل: العَفِـيفة من النساء السيدة الـخَيْرةُ. وامرأَة عَفِـيفة: عَفّة الفَرج، ونسوة عَفائف، ورجل عَفِـيف و عَفٌّ عن الـمسأَلة والـحِرْصِ، والـجمع كالـجمع؛ قال ووصف قوماً: أَعِفَّة الفَقْرِ أَي إِذا افتقروا لـم يغْشَوُا الـمسأَلة القبـيحة. وقد عَفَّ يَعِفّ عِفَّة و استعَفَّ أَي عَفَّ. وفـي التنزيل: {ومن كان غنـيّاً فلـيَستَعْفِفْ}؛ وكذلك تَعَفَّفَ، و تَعَفَّفَ أَي تكلَّف العِفَّة ، ومنه الحديث (( اللهم إني أسأَلُكَ العِفَّة والغِنَى )) ، والحديث الآخر «فإنَّهم ـ ما علمت ـ أعفَّةٌ صُبُر» جمع عَفيفٍ. وقد تكرر في الحديث .
ومن خلال التعريف اللغوي نخلص إلى تعريف العفيف وهو : ((التقي الذي إذا خلا بالحسناء خاف الله عز وجل وحصن فرجه )) وهذا التعريف هو لابن عباس رضي الله عنه ، وقد نظر إلى سلفنا الصالح الذين كانوا حقيقة مطبقين لهذا التعريف .
ولهذا أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة نفر آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة ففرج الله عز وجل عنهم هذه الصخرة بصالح أعمالهم, وكان من بين هؤلاء رجل كان يحب ابنة عم له كأحب ما يحب الرجال النساء, فلما تمكن منها وجلس بين فخذيها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه, فتركها ـ وهو قادر على الفاحشة ـ لله رب العالمين, فإذا بالصخرة انفرجت بنصيبه هذا من الإخلاص ، ورواية الإمام البخاري كالتالي برقم ( 2215 ) : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ .



ثانياً ــ الجنة محفوفة بالمكاره :
أخرج الإمام الترمذي حديثاً حسناً صحيحاً برقم (2560 ) فقال: ((حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)).
الجنة سلعة الله الغالية لا تُنال إلا بأن تتجاوز المكاره التي حفها الله عز وجل بها, وإذا أردنا النصر من الله رب العالمين ينبغي أن تكون النفوس طاهرة, ولن تكون النفوس طاهرة إلا بالاستقامة ولن تكون هناك استقامة وثبات على الاستقامة إلا بالمجاهدة, إلا بمجاهدة النفس.
فإلى الذين يريدون النجاة من النار والفوز بالجنة عليهم أن يرجعوا إلى أنفسهم فيزكوها, وإلى قلوبهم فيحيوها, أي ينظروا إلى أبدانهم فيشغلوها بطاعة الله, وإلى عقولهم فيخضعوها لعبودية الله رب العالمين, عندها ينال العزة في الدنيا والجوار.. جوار النبيين والصحابة والصديقين رضوان الله عليهم أجمعين في جنات النعيم.
وإن مما ينبغي للشباب أن يجاهدوا فيه ويصرفوا عقولهم عنه مصارعة شهوة الفرج ، هذه الشهوة تحتاج إلى مجاهدة وتحتاج إلى عفة وتحتاج إلى استعفاف,وقد حض صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج لأنه مجال العفة والاستعفاف ،ففيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم(5065): ((أنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)).
وما أشرفها من خصلة وما أكرمه من خلق, خلق العفة التي قال الله عز وجل عنها: { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله } [النور : 33] ،ليستعفف: ليطلب العفة كل من كان غير قادر على الزواج إما لقصور نفقة وإما لأي سبب آخر, والعفة كما هي مطلوبة من غير المتزوج فهي في حق المتزوج آكد لذلك كانت العقوبة أشد على المتزوج, فلقد أخرج الإمام البخاري برقم ( 6878 ) في صحيحه فقال : ((حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ)) .
والعفاف هذه الخصلة إذا كان الإنسان متمتعًا بها فإنه إذا دخل حياة الزوجية فإنه يدخلها في سعادة وتستمر حياته في كرامة وفي طمأنينة, أمّا من دنس حياته بالرذيلة وارتكب الفواحش والموبقات فإنه قد لا يدخل هذه الحياة أبدًا, وهذه نعمة قد حرمها من دخلها وقد تلوث بهذه الموبقات فإنه يدخلها وهو يعاني فيها ما يعاني.

ثالثاً ــ العفة و أنواع النفس الإنسانية :
قال الله تعالى : { ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها }[الشمس : 7-9], ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "النفس منها ما يدعوك إلى الطاعة, ومنها ما يدعوك إلى المعصية, والقلب بين ذلك, تارة يكون إلى هذا, وتارة يكون إلى ذلك, سيد الأعضاء ملك الأعضاء تارة يكون إلى النفس المطمئنة, وتارة يكون إلى النفس الأمارة بالسوء.
والله عز وجل وصف نفس الإنسان الواحدة بثلاثة صفات في القرآن الكريم هي :
1 ـ النفس المطمئنة:
وهذه النفس المطمئنة هي التي ينادى صاحبها عند الوفاة, قال الله تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي ، وادخلي جنتي }[الفجر: 27 - 30] ، يناديها ملك الموت نداء تشريف وتكريم .




2 ـ النفس الأمارة بالسوء :
وهي ضد النفس المطمئنة التي سكنت واستقرت بذكر الله وطاعته, أما الأمارة فهي التي تأمر صاحبها بمعصية الله وتأمره بترك الطاعات, والقرآن ما سمّاها آمرة وإنما سمّاها أمّارة فهي لا تكتفي بأمر أو أمرين في معصية الله بل هي مداومة على الأمر بالمعصية, قال سبحانه وتعالى ـ حكاية عن امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه ـ: { وما أبري نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} [يوسف : 53] إن النفس لأمارة بالسوء, أي تأمر بالسوء والفحشاء, إلا ما رحم ربي, إلا من عصم الله عز وجل.
3 ــ النفس اللوامة:
هي النفس التي أقسم الله بها في سورة القيامة فقال: -
َلا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ{1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ{2}
[القيامة 1-2] اختلف فيها, فقيل: هي المترددة بين المعصية والطاعة, وقيل: هي التي تلوم صاحبها, وهذا هو الأرجح, وفي هذا يقول ابن عباس: " ما من نفس إلا وتلوم نفسها يوم القيامة؛ فإن كانت طائعة فإنها تلوم نفسها على قلة الطاعة, وإن كانت عاصية فإنها تلوم نفسها على المعصية".
ويقول الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ "ما يزال المؤمن بخير مادام له واعظ من قلبه", المؤمن مازال بخير مادام هناك واعظ في قلبه يعظه إذا كان قد فعل طاعة استقصر هذه الطاعة وذكر التفريط فيها, وإن فعل معصية حدثته هذه النفس أنه قد أذنب فينبغي عليه أن يتوب إلى الله رب العالمين.
العفة من صفات النفس اللوامة والمطمئنة :
العفة.. العفة تكون في النفس المطمئنة ويثبتها النفس اللوامة.., النفس اللوامة هي التي تثبتك على العفة وعلى الاستعفاف.
الحب والعشق و النفس الأمارة بالسوء :
هذا المظهر( مظهر الحب الحرام والعشق الحرام ) استشرى في مجتمعنا فترى الشباب الذين ليسوا متمسكين بالدين ( ليسوا بملتزمين ) نرى حديثهم ما هو؟ عن الحب, أنت من تحب؟ والفتاة تقول أيضًا لصاحبتها أنتِ من تحبين ؟ من هو حبيبك ؟ من تراسلين ؟ الحب والخنا العشق من أين جاء هذا ؟ جاء من وسائل الإعلام المدمّرة التي قلّ أن تكون هناك مسلسلات أو تمثيليات إلا وفيها دور للعشق والحب, كانت الأسرة في الماضي لا تعرف الغزل الحرام وأيضًا كان الأبوان لا يحبان أن ينظر أولادهما إلى غزل أو أن يتلفظا بكلمات حب أو عشق أو خنا وأصبحت ترى الأسرة بكاملها بينهما الأب والأم والفتاة والفتى يجلسون على شاشة التلفاز وأمامهم تمثيلية أو مسلسل, وفي هذه التمثيليات أو المسلسلات رجل يقول لفتاة: أحبك وأنا بموت فيك ...إلخ, وفتاة تقول لرجل: أحبك ، وأنا بموت فيك كمان .... إلخ , واسمع إلى تلك الكلمات التي تخرج منهما, والأب والأم ينظران والفتى والفتاة ينظران فأصبح المنكر معتادًا بسبب ماذا؟
بسبب أن القلوب استشربت هذه المناظر فأصبحت النظرة إلى الحرام غير منكرة, تمر على بعض الأسواق وتمر على بعض البضاعات فترى صورًا للنساء المتبرجات فتقول لصاحب المحل ما هذا؟ أزل هذه المنكرات., فيقول: وأي منكر في هذا! هذه دعاية تجارية, هذه دعاية حتى يأتي الزبون إليها.
أصبح النظر إلى الحرام من وسائل التجارة, من وسائل ترويج البضاعات والله سبحانه يقول: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } [النور : 30] لن يكون هناك حفظ للفروج إلا بعد غض الأبصار, هل سيكون هناك حفظ للفروج والأبصار تتطلع إلى الحرام؟ وكذلك الغناء حدث عنه ولا حرج, كلمات الهوى, كم تسمع من كلمات تتداول بين الشباب في الأغاني من كلمات الهوى, الهوى ذمه الله في القرآن فقال: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } [الفرقان : 43]هؤلاء يمدحون الهوى ويمدحون الليل الذي تكون فيه المعصية.
إذن الأغاني والمسلسلات والروايات الساقطة التي فيها كذلك العشق والغرام أدى كل هذا إلى أن تخترم العفة, وإلى أن تكون العفة في كثير من الأسر نادرة, فأصبح الإنسان الذي يريد أن يتزوج من أسرة ما يتخوف من أن تكون هذه الفتاة تراسل رجلاً ويراسلها, أو تحدث رجلاً في التليفون, أصبح الرجل يخاف بسبب ماذا؟ بسبب ندرة العفة والاستعفاف, هذا مظهر من مظاهر الانهزام لمجتمعاتنا أمام النفس الآمارة بالسوء.
مظهر العشق والهوى والغرام, وإن الذي يقع في هذه الحفرة ـ حفرة الحب والغرام ـ لا يكاد يرى دينًا, وكذلك لا يكاد يصلح دينًا, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الإنسان لا يحصل على حلاوة الإيمان إلا إذا حصل على ثلاثة شروط هي :
الأول: أن يكون الله والرسول أحب إليه مما سواه .
الثاني : أن يحب المرء لا يحبه إلا لله .
الثالث : وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
ويقول الله تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله }[البقرة : 165] .

رابعاً ــ نماذج من العفة في القرآن والسيرة :
1 ــ عفة يوسف عليه السلام :
وهو نموذج رائع يتحدث فيه الله عن ذلك النبي الشَّاب الذي امتلأ شبابًا وفتوة ، هذا الشاب غلقت الأبواب دونه وجاءت امرأة جميلة ذات منصب تغريه وتطلب منه أن يقع في الفاحشة, هذا النموذج مُسطّر في سورة يوسف, يقول الله عز وجل: { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك } ـ وعلى قراءة { قالت هئت لك }, أي تهيأت لك ـ { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون، ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } [يوسف : 23-24] هذا النموذج الرائع يضربه الله تعالى لنا حتى نتعظ ونعتبر وحتى يعلم الناس أجمعين أن العفة لا تكون هكذا بمجرد الخاطرة وإنما لابد لها من همة وإرادة .




2 ــ عفة عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه :
تروي لنا أم سلمة رضي الله تعالى عنها قصة الرجل الصالح العفيف الذي هاجر معها أيامًا متتالية لا أحد معهما ، ويضرب مثالاً عاليًا للعفة والاستعفاف,تقول:
لمّا فرق قومي بيني وبين ابني, وهاجر زوجي إلى المدينة مكثت أيامًا أبكي أخرج إلى خارج داري ثم أعود إليه, فقام رجل من بني المغيرة رآني على حالي فرق لي, وقام إلى قومي وقال: ألا تخرجوا هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وابنها, قالت: فتركوني أهاجر إلى المدينة وأعطتني بنو أسد ـ قوم زوجها ـ ابني, فأخذت ابني فوضعته على حجري وركبت بعيري وسرت وليس معي أحد إلا الله, حتى إذا أتيت إلى التنعيم ـ موضع قريب من مكة تجاه المدينة ـ لقيني عثمان بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار, فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ فقلت: أريد المدينة, فقال: أو ما معك أحد؟ فقلت: لا, قال: مالك من مترك؟ مالك من مترك ـ أي كيف أتركك تسافرين وحدك ـ فأخذ بخطام بعيرها فسار معها, قالت أم سلمة: فما رأيت قط رجل أكرم في العرب من عثمان بن طلحة, كان إذا جئت إلى مستراح أوقف بعيري وتأخر عني فإذا نزلت عن بعيري أخذ ببعيري وتأخر بالبعير فربطه في الشجرة واضطجع تحت الشجرة, فإذا حان موعد الرحيل جاءني بالبعير فترك البعير وتأخر عنّي, فإذا ركبت البعير جاء وأخذ البعير وسار بي على ذلك أيامًا متتالية حتى قرب من المدينة فرأى قرية عمرو بن أبي عوف فقال: يا ابنة أبي أمية, زوجك في هذه القرية, فقالت: فدخلت القرية فوجدت أبا سلمة, قالت أم سلمة ـ تحفظ الجميل لهذا الرجل ـ: فما رأيت رجلاً أكرم من عثمان بن طلحة قط في العرب.
هذا نموذج رائع في سلفنا الصالح في العفة والاستعفاف, الرجل لا ينظر إلى المرأة, ولا يبالغ في الحديث معها, بل يكلمها على قدر الحاجة, اركبي, انزلي, جاء البعير... على هذا النحو لا يبالغ معها في الحديث, هذه هي الرجولة حقًا, هذه هي العفة حقًا, لا أن تخضع المرأة بالحديث للرجل وأن يتكسر الرجل كذلك في الحديث مع المرأة. أهذه من العفة؟ لا, ليست هذه من العفة, وإن لكم فيهم لعبرة, وإن لكم فيهم لعظة.

خامساً ــ كيف تكون عفيفاً في هذه الأيام ؟؟
هناك الأسس الأربعة التي لابد أن ينتبه المرء إليها إذا أراد أن يكون عفيفًا, هذه الأسس لابد لها من شرط هام, هذا الشرط هو العزيمة والإرادة على التنفيذ؛ لأن هذه الأسس بغير عزيمة وبغير إرادة على التنفيذ تصبح وبالاً علينا ويسألنا الله عز وجل عنها:
1 ــ التربية الإيمانية:
أن تربي نفسك تربية إيمانية, أن تقوي صلتك بالله رب العالمين, أن تعلم أن الله تعالى يراك في السر وفي العلن, يقول تعالى: { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } [الأنعام : 3 ] ،ويقول تعالى: { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } [غافر : 19 ] ،قال ابن عباس في قوله تعالى: { يعلم خائنة الأعين } قال: "هو الرجل يكون بين الرجال فتمر المرأة فيتظاهر بأنه يغض بصره, فإذا وجد فرصة نظر إلى المرأة والله إنه ليحب أن ينظر إلى عورتها"
بعض الوسائل التي تقوي الإيمان والتي تحد من الشهوة ؟
وهذه الوسائل هي :
أــ الصيام, قال صلى الله عليه وسلم: ((فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[سبق تخريجه].
ب ــ أن يحول معتقده الإسلامي في ذات الله وأسمائه وصفاته وكذلك في وجود الجنة والنار إلى معاني محسوسة في نفسه, أن يعلم أن معنى السميع أن الله تعالى يسمع كلماته, أن يعلم أن البصير هو أن الله عز وجل يُبصر حركاته, أن يعلم أن الله شديد العقاب بأنه يعاقب على المعصية, فهذه الأسماء والصفات لكي تتربى بها.
يقول الربيع بين خثيم ـ وهو من التابعين ـ: "إذا تكلمت فاذكر سمع الله لك, وإذا هممت فاذكر علم الله بك, وإذا نظرت فاذكر نظره إليك, وإذا تفكرت فانظر إطلاعه عليك, فإن الله يقول: { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً } [الإسراء : 36 ].
ج ــ الإكثار من ذكر الله, ليحصل لك الوجل من الله قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم }[الأنفال : 2] يحصل لك الاطمئنان, قال تعالى: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب }[الرعد : 28 ] .





2 ــ التربية الأخلاقية :
يقول صلى الله عليه وسلم : ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا, وخياركم خياركم لنسائكم)) أخرجه الترمذي بإسناد صحيح.
وإذا نظرنا في العفة وجدنا كتلة من الأخلاق الرفيعة العالية, فتجد فيها الصبر, ألا يصبر الإنسان على حر الشهوة؟ يقول الله عز وجل: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }[الزمر : 10]ألا ترى فيه الخوف من العقوبة, جلس بين يدي المرأة
3 ــ تجنب المثيرات الجنسية:
أن يتجنب الإنسان المثيرات, لا ينبغي للإنسان أن يوقع نفسه في أوساط المثيرات الجنسية وهذا يتأتى كما أسلفت بغض البصر والابتعاد عن مواطن كثرة النساء, واختلاط الرجال بهن كالأسواق مثلاً, لا ينبغي عليك أخي الشاب في هذه الأيام أن تذهب للأسواق لمجرد بضاعة لا خير فيها أو منفعتها زهيدة بل ينبغي عليك أن تتورع عن أن تكون في هذه الأسواق؛ لأنها والله موئل للشيطان وما أكثر الفساد فيها فإن الفساد تراه بأم عينك ولا تستطيع ـ للأسف الشديد ـ أن تغيّره, فينبغي عليك أن تبتعد عن هذه المواطن, الأسواق, ومواطن اللهو التي فيها الاختلاط, فيتجنب المثيرات ؟




4 ــ الصحبة الصالحة :
فإن الصحبة الصالحة تعينه على أن يحفظ بصره وعلى أن يحفظ فرجه وإن لم يستحي من الله فإنه سيستحي من الصحبة الصالحة الذين هم حوله والذين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا تذكر.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
كما أسأل الله تعالى أن يقينا الزلات وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه,
والمرأة فتنة ليس أضر على الرجال منها، فكما ثبت في الصحيح وما رواه الإمام مسلم برقم : ( 1403 ) فقال عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ )) وتجرد المرأة من ملابسها وتبرجها وإبداء مفاتنها يسلبها أخص خصائصها من الحياء والشرف ويهبط عن مستواها الإنساني إلى المستوى الحيواني الشهواني .
وسبب هذه الانحراف هو الجهل والتقليد الأعمى لأزياء السافرات الساقطات فأصبح من المعتاد أن يرى المسلم المرأة المسلمة متبذلة، عارضة مفاتنها، خارجة في زينتها، كاشفة عن وجهها ونحرها وذراعها وساقها ولا تجد أي غضاضة في ذلك بل تجد من الضروري وضع الأصباغ والمساحيق والتطيب بالطيب واختيار الملابس المغرية وللمجلات مجال واسع في تشجيع هذه السخافات والتغرير بالمرأة للوصول إلى المستوى المتدني الرخيص .


أولاً ــ معنى التبرج :
1 ــ في اللغة :
وقد أورد ابن منظور معاني التبرج لغة فقال في لسان العرب ( ج2 ص 212 ) :
التبرج إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال و تبرجت المرأة أظهرت وجهها وإذا أبدت المرأة محاسن جيدها ووجهها قيل تبرجت وترى مع ذلك في عينيها حسن نظر كقول ابن عرس في الجنيد بن عبد الرحمن يهجوه يبغض من عينيك تبريجها وصورة في جسد فاسد .
وقيل : هو إبداء المرأة زينتها وإظهار وجهها ومحاسن جسدها للرجال تستدعي به شهوتهم.
وقيل التبرج: التكشف والظهور للعيون ومنه بروج مشيده وبروج السماء والأسوار أي لا حائل دونها يسترها.
وفي قرى الضيف :ج 4 ص 348 : ( من تبرج بره تأرج ذكره ) . أي ظهرت محاسنه .

2 ــ في الشرع:
هو كل زينة أو تجمل تقصد المرأة بإظهاره أن تحلو في أعين الأجانب حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن كان من الألوان البراقة والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين فهو من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى.
ففي هذه الآية(( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) ينهى الله عز وجل المؤمنات عن التبرج بعد أن أمرهن بالقرار في البيوت، ولكن إن خرجن لحاجة فلا يجوز لهن أن يتبرجن أو يبدين شيئا من زينتهن أو أي شيء من محاسنهن للرجال الأجانب وذكر الله عز وجل النهي عن تبرج الجاهلية الأولى، فما هو تبرج الجاهلية الأولى؟
قال مجاهد: كانت المرأة تخرج بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية الأولى.
وقال قتادة: كانت لهن مشية تكسّر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشدّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها فذلك هو تبرج الجاهلية الذي نهى الله عز وجل النساء المؤمنات أن يفعلنه.
* وقوله تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى قال كانت المرأة تتمشى بين أيدي القوم فذلك تبرج الجاهلية وقال سعيد عن قتادة ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) يعني إذا خرجتن من بيوتكن قال كانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهاهن الله عن ذلك وقيل هو إظهار المحاسن للرجال وقيل في الجاهلية الأولى ما قبل الإسلام والجاهلية الثانية حال من عمل في الإسلام بعمل أولئك  [أحكام القرآن للجصاص 2 ج: 5 ص: 230 ] .





ثانياً ــ التبرج هو مؤامرة أعداء الإسلام على المرأة المسلمة :
التبرج من سنن اليهود والنصارى وقد ذكر اليهود في بروتوكولاتهم أنه يجب أن تخضع لنا جميع شعوب العالم عن طريق حرب الأخلاق وتقويض نظام الأسرة بشتى الوسائل الممكنة، ووجدوا أن الأسباب المدمرة للأسرة تتركز في كل ألوان الإغراء بالفواحش وإثارة الشهوات، وبثوا سمومهم عن طريق الأفلام وعرض الأزياء الصهيونية وكذا المجلات والقصص وغيرها.
ولليهود باع كبير في هذا المجال، عرفوا به في كل عصرٍ ومصرٍ.

ثالثاً ــ تبرج الجاهلية المعاصرة أشد من تبرج الجاهلية القديمة :
كلما عظم الخطر عظمت المسؤولية وكلما كثرت أسباب الفتنة وجبت قوة الملاحظة وإننا في عصر عظم فيه الخطر وكثرت فيه أسباب الفتنة بما فتح علينا من زهرة الدنيا واتصالنا بالعالم الخارجي مباشرة أو بواسطة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وبسبب ضعف كثير من الرجال وتهاونهم للقيام بمسؤولياتهم تجاه نسائهم وترك الحبل لهن على الغارب حتى إنك لترى المرأة الشابة تذهب من بيتها إلى أي مكان تريد دون أن تسأل إلى أين؟ وتتكلم بالهاتف الساعات الطوال دون أن يعلم ولي أمرها من تكلم؟ وترى بعض النساء يخرجن إلى الأسواق بلا رقيب تطوف بها ليلا ونهارا صبحا ومساءا وما ذهابها إلى السوق من أجل شراء شيء تريده وإنما من أجل التسلي والتسكع ومن أجل تضييع الوقت ومن أجل أن تفتن الرجال بها ومن أجل البحث عن الجديد من الأزياء أو المكياج حتى تكون الزينة لها هدفا لذاته، حتى إن بعضهن يلبسن ألبسة مغرية مزركشة شفافة يظهر لون جلدها ووجهها وقسماته من خلاله وبعضهن ينتقبن بنقاب ملفت للنظر وتبدو مكحلة العينين ملونة الوجنتين تزاحم الرجال وتكلمهم وربما تمازحهم إذا اشتد فسقها وقوي تمردها وقل حياؤها هذا إذا لم ترمِ له رقم التلفون أو تركب معه؟! هذا غيض من فيض مما يفعله بعض النساء من أسباب الفتنة والخطر العظيم والسلوك الشاذ الخارج عن توجيهات الإسلام وطريق أمة الإسلام.
فبالله عليكم لو أننا قارنا الجاهلية الأولى بالجاهلية المعاصرة فأي الجاهليتين أحق بالتحريم والتأثيم عند الله، إنها ولا ريب الجاهلية التي نعيشها اليوم بكل صورها إننا نعيش اليوم في فترة جاهلية عمياء، غليظة الحس، حيوانية التصور، هابطة في درك الحيوانية للحضيض المهين ،جاهلية لا ترى للحشمة والعفاف مكانا وإنما همّها جمال اللحم العاري البعيد عن الشرف والفضيلة والعفاف .
إن من الملاحظ في هذه الأيام أنه قد توسع كثير من النساء في التبرج والسفور وإلقاء الحجاب والحشمة جانبا كأنه ليس عليهن رقيب من أحد وباتت المرأة تتشبه بالنساء الساقطات السافرات اللواتي خلعن برقع الحياء وانسللن من دينهن بدعوة تقولها الواحدة منهن أنها حرة ( ووالله ليس فعلها هذا من فعل الأحرار والأشراف ).




رابعاً ــ مخاطر ومثالب التبرج :
وفيما يلي أوضح لكم مثالب التبرج وخطره على الدين والأسرة والمجتمع :

1 ــ التبرج معصية لله ورسوله :
ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا وكما في الحديث قال صلى الله عليه وسلم : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، فقالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)) رواه البخاري.

2 ــ التبرج كبيرة من كبائر الذنوب الموبقة:
فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح، أن أميمة بنت رقيقة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: ((أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى))، فتأملوا كيف قرن النبي صلى الله عليه وسلم التبرج الجاهلي بأكبر الكبائر المهلكة كالشرك والزنا وغيره.


3 ــ التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله تعالى :
فقد أخرج الحاكم في مستدركه برقم [ 8346 ] عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف إلعنوهن فإنهن ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم فقلت لأبي وما المياثر قال سروجا عظاما ) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

4 ــ التبرج من صفات أهل النار:
وروى مسلم برقم ( 2128 ) فقال : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) .




5 ــ التبرج نفاق وسواد وظلمة يوم القيامة :
وروى البيهقي برقم [ 13256 ] عن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ) وروي بإسناد صحيح عن سليمان بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إلى قوله إذا اتقين الله .

6 ــ التبرج تهتك وفضيحة في الأسرة والمجتمع :
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه فمات عاصيا، وأمة أو عبدا أبق من سيده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، وقد كفاها مؤنة الدنيا، فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم)) رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح .
وفي هذا الحديث أن هذه المرأة الخائنة احتاجت إلى غياب زوجها فتبرجت للآخرين ولم تكن تتزين لزوجها، فما عسانا أن نقول في نساء اليوم اللآئي لا يحتجن إلى ذلك، بل يرتكبن أقبح أنواع التبرج وأفحشه على مرآى ومسمع بل وإقرار ورضى من أزواجهن وأولياء أمورهن فإلى الله المشتكى.


7 ــ التبرج سنة إبليس :
وكما أن الحشمة والحجاب سنة نبوية فالتبرج والسفور سنة إبليسية فإبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات وهو مؤسس الدعوة إلى التبرج بدرجاته المتفاوتة بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس الجن الداعين إلى سفور المرأة وخروجها من قيد الستر والصيانة والعفاف، وهو كما وصفه الله في قوله: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ{16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{17} قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ{18}.
و قصة آدم وحواء مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عدو الله على كشف السوءات وهتك الأستار وإشاعة الفاحشة وأن هذا هدف مقصود له ثم حذرنا الله من هذه الفتنة خاصة فقال جل وعلا: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأعراف27 .




8 ــ التبرج مقدمة لفسق المرأة ثم الزنا :
إن من نتائج هذا الانحراف أن كثر الفسق وانتشر الزنا وابتعد الناس عن الزواج، وانهدم كيان الأسرة، وأهملت الواجبات الدينية وانعدمت الغيرة واضمحل الحياء، وتركت العناية بالأطفال، وأصبح الحرام أيسر حصولا من الحلال، وكثرت الجرائم، وفسدت أخلاق الرجال خاصة الشباب المراهقين، وأصبحت المتاجرة بالمرأة كوسيلة دعاية أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها، وكثرت الأمراض التي لم تكن في السابق قال صلى الله عليه وسلم : ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح.

9 ــ التبرج مقدمة لإنزال العقوبة الإلهية :
ومن أعظم العقوبات التي هي قطعا أخطر من القنابل الذرية وغيرها، هي استحقاق نزول العقاب الإلهي  {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }الإسراء16
وإذا أردنا إهلاك أهل قرية لظلمهم أَمَرْنا مترفيهم بطاعة الله وتوحيده وتصديق رسله، وغيرهم تبع لهم، فعصَوا أمر ربهم وكذَّبوا رسله، فحقَّ عليهم القول بالعذاب الذي لا مردَّ له، فاستأصلناهم بالهلاك التام.
وعن أبي بكر الصديق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان .
وأكبر دليل على هذا ما نسمع ونشاهد من الزلازل والكوارث الطبيعية التي تجتاح الدول بالجملة، فقد أدى هذا التهتك إلى انحلال الأخلاق وتدمير الآداب التي اصطلح عليها الناس في جميع المذاهب والشرائع وقد بلغ هذا الانحراف حدا لم يكن يخطر على بال مسلم، فاتقوا الله أيها المسلمون وتوبوا إليه واستغفروه  {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الزمر15
 فاعبدوا أنتم- أيها المشركون- ما شئتم من دون الله من الأوثان والأصنام وغير ذلك من مخلوقاته, فلا يضرني ذلك شيئًا. وهذا تهديد ووعيد لمن عبد غير الله, وأشرك معه غيره. قل -أيها الرسول-: إن الخاسرين- حقًا- هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وذلك بإغوائهم في الدنيا وإضلالهم عن الإيمان. ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو الخسران البيِّن الواضح..
َاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{15} لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ{16} وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18} أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ{19} لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ{20}

وبعد هذا كله ، وما عرفناه من مثالب التبرج وأخطاره فهل يخرج أحد منا زوجته وابنته أو أخته وهي متبرجة سافرة كاشفة الوجه واليدين بادية الساقين ... إلخ ؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }ق37 ، (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63، ومتى عرف الرجل مسؤوليته أمام أهله وخاف مقام ربه وحرص كل الحرص على إصلاح عائلته ومجتمعه يوفق حينئذ لمبتغاه قال تعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق3
 وييسِّر له أسباب الرزق من حيث لا يخطر على باله, ولا يكون في حسبانه. ومن يتوكل على الله فهو كافيه ما أهمَّه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره, لا يفوته شيء, ولا يعجزه مطلوب, قد جعل الله لكل شيء أجلا ينتهي إليه, وتقديرًا لا يجاوزه.
وإن ترك الحبل على الغارب للنساء وإطلاق الأمر لهن يخرجن متى شئن وعلى أية كيفية أردن بدون مبالاة ولا حياء من الله ومراقبة له إنه لمن أكبر أسباب الشر والفساد وسقوط المروءة والأخلاق والسمعة السيئة وحلول العذاب والعقاب قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }الإسراء16، وقال أيضا: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال25
واحذروا -أيها المؤمنون- اختبارًا ومحنة يُعَمُّ بها المسيء وغيره لا يُخَص بها أهل المعاعي ولا مَن باشر الذنب, بل تصيب الصالحين معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم ينكروه, واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ونهيه..
فاتقوا الله أيها الأخوة ولا تنخدعوا بما يقدّمه لكم أعداؤكم من الموضات والأزياء لفتنة نساءكم وهدم أخلاقهن ومساعدتهن وترغيبهن على السقوط في شراك الرذيلة والحركات المشينة والتبرج الفاضح الذي تصبح به المرأة المسلمة مشابهة للكافرة ولابد، فإنكم اليوم على مفترق طرق فتحت عليكم الدنيا وانهال عليكم الأعداء من كل جانب وعبر قناة البث المباشر ليفسدوا عليكم نساءكم وشبابكم، فإما أن يكون في دينكم صلابة تتحطم عليها مكائد الأعداء وفيكم قوة الشخصية الإسلامية فلا تقتدون بهم ولا تغترون بهم وتتمسكون بما كان عليه أسلافكم الصالحون وإما أن يكون الأمر بالعكس لينٌ في الدين وضعف في الشخصية وانهيار أمام المثيرات فتبوؤون بالصفقة الخاسرة : {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ }الشورى45
وترى -أيها الرسول- هؤلاء الظالمين يُعْرَضون على النار خاضعين متذللين ينظرون إلى النار مِن طرْف ذليل ضعيف من الخوف والهوان. وقال الذين آمنوا بالله ورسوله في الجنة, لما عاينوا ما حلَّ بالكفار من خسران: إن الخاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخول النار. ألا إن الظالمين- يوم القيامة- في عذاب دائم, لا ينقطع عنهم, ولا يزول..
والله أسأل أن يعيذنا وإياكم من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن .

تزداد الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام يوماً بعد يوم ، وذلك من اجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الآخرين منه . ولا يعدو الأمر أن يكون محاولة لإبعاد الإسلام والمسلمين عن الحياة العملية ، لان الإسلام دين مؤثر عملياً ، وسبق أن حكم به المسلمون الدنيا فترة طويلة ، ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى  هل هذا وعد إلهي لا محالة محقق .

تتركز المحاولات بشراسة من اجل محاولة النفاذ إلى الإسلام من خلال المرأة ؛ فالمرأة مقتل لأية أمة يمكن الوصول إليها من خلالها ، وذلك لِما للمرأة من أدوار فعالة لا تقوم الحياة بدونها . كما أن أعداد النساء الداخلات في الإسلام في ازدياد لا سيما في بلاد الغرب ، مما يشجع على تصويب السهام تجاه الأفكار الخاصة بالمرأة . لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن الإسلام ينتقص منه ، وعلى الحجاب ، وعلى التعدد ، وغير ذلك من الأفكار الإسلامية .
يسلط الإسلام النظر في العلاقة ما بين المرأة والرجل على التكاثر وبناء الأسرة السعيدة ، في علاقة متكاملة ما بين الفرد والجماعة ؛ فتراه يُسهل كل ما يؤدي إلى ذلك ، ويحد من كل ما يعيق تحقيق هذه المهمة . وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي تجعل من الجنس هدفاً ، فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف ، في حين أن الإسلام يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود ، وانه يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف .


فالإسلام يحصر العلاقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه ، ويحث على تكثير النسل . كما انه يمنع الاختلاط لغير سبب ، ويمنع التبرج والخلوة ، ويدعو إلى ستر العورات ، كما انه يمنع شيوع الأفكار الجنسية والمثيرة من قصص وكتابات وأفلام ومسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل شيوع الفاحشة والدعوة إليها .

كما أن الإسلام يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من المرأة والرجل من الناحية الإنسانية ، ويراعى الفروق بينهما . فهو لا يُغفل أمر الغرائز في الإنسان ، ولا يطلق لها العنان ولا يكبتها كل الكبت ، بل يراعي العوامل المؤثرة فيها ، ويضبطها بضوابط تكفل لها السير الحسن ، ويهذبها ويسيرها في اتجاه السعادة . ويجعل التعاون أساسا للعلاقة ما بين الرجل والمرأة من اجل أن يتحقق الهدف المنشود ، ويدعو إلى عدم النظر إلى الآخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه . كما انه يجعل للعقل سلطاناً ليدرك به صاحبه عاقبة الأمور ولينظر فيما يضمن تحقيق الهدف . وبغير ذلك تستوي الأمور بين الإنسان والبهائم ، لأن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها ، والإنسان له عقل يميز به الأشياء ويدرك به عاقبة الأمور .

وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لأجل الزوجية أي التكاثر ، والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل تكون نظرتها لأجل ذلك أيضا . ولا بد من غض البصر على مبدأ أن النظرة الأولى لك والثانية عليك ، فلا ينظر أي منهما للآخر نظرة شهوة إلا على أساس من الحلال الذي هدفه التكاثر . وبناء عليه فان للرجل أن يطلب اكثر من امرأة للزواج إلى الحد الأقصى وهو أربع نسوة ، في حين أن المرأة لا يمكنها أن تعدد لان ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه . فالرجل يمكنه أن ينجب من اكثر من واحدة ، أما المرأة فلا يمكنها أن تنجب إلا من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها .

لماذا لا يتحجب الرجل؟
الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات وأماكن العمل ، فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم تدْعُ صاحبته إلى ذلك ، أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا الزي الذي ترتديه . فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي كاف لإثارة أعداء الإسلام والعمل على محاربته . وقد تنوعت أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه ، ومنها المناداة بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة . وبما انهم يعلمون تماما انه لا حجاب على الرجل في الإسلام ، فانهم اتخذوا ذلك منفذا للتخفيف من حجاب المرأة . والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل ، فلا بد أن يتساوى الاثنان في اللباس . فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك ، فلا اقل أن يُسمح للمرأة بذلك .

لكن الإسلام يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة ، على اختلاف في المذاهب على مستوى الستر ؛ فيتراوح عند المرأة ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين ، وما بين السرة والركبة عند الرجل . كما يُشترط في اللباس ألا يصف ، ولا يشف ما تحته ، ولا يكون مثيراً أو ملفتاً للنظر ، مع مطالبة الطرفين بغض البصر . فهل يعني الاختلاف في اللباس ما بين المرأة والرجل وجود اختلاف أيضا في طبيعة الإثارة وطبيعة الجسد عند كل منهما؟ هذا مع العلم أن كلا من المرأة والرجل إنسان بالدرجة الأولى ، وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك ، فأين الفرق؟
المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة ، لذلك جاء التركيز على لباسها لمنع الإثارة والأذى . فالمرأة مطلوبة ، وذلك على الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره ، لكن الاختلاف يكمن في المستوى ونقطة البدء . فإذا كان الرجل مُثاراً ومهيئاً أي تغلب عليه الشهوة لأي سبب فانه يطلب المرأة ، وقد يلجا إلى العنف ، وإذا لم يكن هناك ما يردعه فسيقضي شهوته منها رغماً عنها . لكن لننظر إلى العكس ، لو أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته ، فانه يلزمها في هذه الحالة أن تثيره أولاً ، ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها . أما إذا لم يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا ، ومن هنا كانت الإثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة .
ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للأذى ، ما يحصل في الحروب وفي حالات الاغتصاب ؛ فنرى كيف ينقض الجنود المحتلون على النساء مثل الكلاب المسعورة . أما ما يقال من أن الاغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح ، بل هو دليل على شدة طلب الرجل للمرأة ، وانه يحصل على ما يريد منها بالقوة لأنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى .
شبهات أخرى
• الحجاب لا يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة لا في الحرب ولا في السلم ، والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالات الاغتصاب للمحجبات وغيرهن . نقول أن هذا لا يمنعه البتة ولكنه يخففه ، كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم لا ، لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة .
• المرأة تتحجب خوفا من الرجال . الحجاب فرض من الله ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته . لأنه إذا كان اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب ، وهذا غير صحيح ، بل لان الله فرضه وهذا دائم . ولباس المرأة فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث ، وسواء تعرضت لاعتداء الرجال أم لا ، وسواء فتنت الرجال أم لا ، وسواء افتتن بها الرجال أم لا .
• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية ، وان المقصود هو حماية الرجل . وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها غريزة الجنس وان الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل منهما وليس لواحد على حساب الآخر ، لكننا بيّنا أن المرأة لها وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته ، فهي المطلوبة وهي العرضة للأذى في النهاية . والوضع إجمالا هو حماية لكل منهما على حد سواء ، لان الحياة لا تستقيم والشهوات مثارة ، فمصير ذلك القلق الدائم .

هل لنا أن نتساءل؟
هناك من يتساءل : إذا كان الإسلام دين الله فكيف يستطيع هؤلاء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو الأخرى؟ وبدلاً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به ، أو عزو الأمر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك ، لا بد من إظهار الجانب الفكري في الموضوع . فنقول إن الذي يسهل مهاجمة أفكار الإسلام هو النظر إليه مجزءاً وغير مُطبَّق ؛ فالإسلام بطبيعته متكامل وينبع من أصول لا بد من مراعاتها في النظر إلى أحكامه . وهذه الأحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة ، لذلك من الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل . أضف إلى ذلك أن كثيراً من الاجتهادات ليست عملية ، ولم تجرِ مراجعتها على مر الزمن ، كما أن هناك الكثير من الأحكام التي يجهل المسلمون واقعها والحِكَم المستفادة منها ، لا سيما ما يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر .

المرأة بلا حجاب أو عفاف !!!

إن ديننا الإسلامي الحنيف دين شامل كامل ، اهتم بجميع قضاياه المتعلقة به ، وأسبغ على المنتمين إليه صبغةً تميزهم عن الآخرين من أفرادِ الديانات الأخرى ، هو أجلُّ نعمةٍ أنعم بها الله تعالى على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " هو الدين الذي لن يقبل الله سواه من العباد ، تعاليمه معروفة ، وشرائعه معلومة ، جاء باليسر ولا يرضى العسير قال الله تعالى :- " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " وقال : " يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، هو الدين الخاتم الذي أفلح تابعوه بخيريتهم على جميع الأمم ، وهم موعودون من الله تعالى بأن يكونوا أسبق الأمم إلي الجنة " إن الله لا يخلف الميعاد "

ومما عَنِيَ به دنيننا واهتم به أشد الاهتمام " المرأة المسلمة " تلكمُ التي أوجب على الجميع الحفاظ عليها ، وصَوْنِها من كل أذىً وشر ، وذلك لأنها مصنع الأجيال الواعدة ، ومنطلق الخير كله ، ولأنها نصف الأمة كلها وهي من يأتي بالنصف الآخر فهي أمة كاملة ، كُرمِّت لأنها أهلٌ لذلك التكريم ولتلك المزايا ، ولقد كان حبيبكم عليه الصلاة السلام يتألم أشد الألم حينما تهان المرأة ، أو يخدش في عرضها قال المعرور بن سويد لقيت أبا ذر بالربذة ، وعليه حُلُّةٌ وعلى غلامه حله فسألته عن ذلك فقال إني ساببت رجلاً ، فعيرته بأمه قلت له : يا بن السوداء , فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرْوَءُ فيك جاهلية .... الحديث .
ولقد كان عليه الصلاة والسلام رفيقاً لينا مع نساء المؤمنين ، يجيب على أسئلتهن ، ويرعي حقوقهن ، بايعهن عليه الصلاة والسلام فيما استطعن وأطعن له حتى قلن " الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا " ، وأنظر أيضاً إلى موقفه عليه الصلاة والسلام من المرأة الحائض في حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فِيّ " ، وسأله عليه الصلاة والسلام عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن مؤاكلة الحائض ؟ فقال : " واكلها " .

إن كرامة المرأة في الإسلام يتجلى في جميع شئون حياتها ، في حضورها وغيابها ، ولقد كان لاسمها الفخُر والسؤددُ ولا يزال , فهي لا بد أن تكون بعيداً عن نابي القول ، وزلاّت اللسان ، فالمرأة لوالديها الحب والرحمة ، وهي لزوجها المودة والسكن ، وهي لأبنائها الملاذ الحقيقي والمدرسة الصادقة .
تلكم هي أمنا وأختنا وزوجاتنا وبناتنا في ديننا ، وذلكم الَقدْرُ الذي حُُبين به من ربهن جلا وعلا ، وتلكم العناية التي وجدنها من الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .

ولكي تعرف تلك الأهمية والمنزلة للمرأة في الإسلام بجلاءٍ أكثر ، وفهم واضح , فإني انقل لك ماهّية المرأة وشأنها ومكانتها في الأديان الأخرى ، وعند أقوام آخرون . وإني والله جازم بأنك أخي المسلم ستعلم كيف أنت مقُصِّر عند هذا الكيان النقي في ديننا الطاهر .

المرأة عند الإغريق :-
كانت عندهم محتقرة مهانة ، حتى سموها رجساً من عمل الشيطان ، وكانت عندهم كسقط المتاع ، تباع وتشترى في الأسواق ، مسلوبة الحقوق ، محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال يقول فيلسوفهم " سقراط " [ إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم ، إن المرأة تشبه شجرة مسمومة حيث يكون ظاهرها جميل ، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً " أ .هـ , ولقد عُدّ عندهم أن تكون المرأة عاهراً وأن يكون لها عشاق .

المرأة عند الرومان :-
فقد كانت تلاقي أشد العذاب تحت شعارٍ اتخذوه وأسموه " ليس للمرأة روح " , ومن ذلك تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها ، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ، ويُسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت .

المرأة عند الصينيين القدماء :-
شبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال ، وللصيني الحق في أن يبيع زوجته كالجارية ، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كثروة وتُورث ، وللصيني الحق في أن يدفن زوجته حية .

المرأة عند الهنود :-
فليس للمرأة الحق في الحياة بعد وفاة زوجها بل يجب أن تموت يوم موت زوجها ، وأن تحرق معه وهي حية على مَوْقِدٍ واحد . وكانت المرأة العَزَبُ والأَيّم التي فقدت زوجها من المنبوذين في المجتمع الهندي ، والمنبوذ عندهم في رتبة الحيوانات .

المرأة عند الفرس :-
فلقد أبيح الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وكانت تنفى الأنثى في فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة وكانت المرأة تحت سلطة الرجل المطلقة يحق له أن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة .

المرأة عند اليهود : -
فلقد كانوا يعتبرونها لعنة لأنها أغوت آدم ، وكانوا عندما يصيبها الحيض لا يجالسونها ولا يؤاكلونها ، ولا تلمس وعاءً حتى لا يتنجس ، وكان بعضهم ينصب للحائض خيمة ويضع أمامها خبزاً وماءاً ، ويجعلها في هذه الخيمة حتى تطهر .

المرأة عند النصارى :-
فيكفي أن أذكر لكم ما قاله أَحَدُ رِجَال كنيستهم إذ قال : " إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا بشرياً بل ولا كائنا وحشياً إنما الذي ترونه هو الشيطان بذاته والذي تسمعون به هو صفير الثعبان " .



المرأة عند العرب في الجاهلية : ـ
فلم يكن لها حق الإرث ، وإذا مات الرجل ورثه ابنه حتى في زوجته ولم يكن للمرأة في الجاهلية حق على زوجها وليس للطلاق عدد محدود ولا لتعدد الزوجات عدد معين ، وكانت المرأة في الجاهلية تُكره على فعل الزنا طلباً في الأجر المادي وكان من مأكولاتهم هو خالص للذكور ومحرم على الإناث ولقد كن البنات يؤدن ويدفن تحت التراب وهن أحياء خشية العار والفقر .

تلكم هي المرأة في الأديان الأخرى المختلفة وعند الأقوام الآخرون ولقد سمعتم وقرأتم مالقيته هذه المخلوقة من أصناف التعذيب والإهانة الجسدية والمعنوية ، حتى أشرقت شمس الإسلام عليها فلقيت كل خير وتكريم وحظيت بكل رعاية واهتمام .

إن المرأة المسلمة على الرغم من المكانة المرموقة ، والاهتمام البالغ النظير من هذا الدين العظيم لها ، ومن عباد الله الصالحين إلا إنها لازالت تجد حرباً شعواء من أعداء كثر ، وكل منهم له غاية يريد الوصول إليها من خلال محاربته للمرأة المسلمة ، فمن أعرابي جاهل لا يعترف إلا برأيه ولا يؤمن إلا بسطوته فيحرم قريباته من ميراث مستحق لهن ويمنعهن من تصرفهن في أموالهن ، بل إنه يتجرأ بكل سذاجة وعشوائية فيستحل تلك الأموال غير آبه بمآل تصرفه ذلك .
إلى علماني قذر يدعو إلى حرية المرأة ، وضرورة أن تقاسم الرجل في القوامة والنفقة وغيرها ، يفرح حينما يظهر للمرأة نداء أو صوت في غير محلهما ، ويغضب حينما تلزم بيتها وتعتني بأبنائها وما ذاك إلا لرغبته في أن ينتشر الفساد ، ويعم البلاء .
إلى غربي وشرقي كافر همّه أن ينتشر الزنا والبغاء في بلاد المسلمين وأن يحاول بكل ما يستطيع أن يدخل بلاد المسلمين وأن يستحلها وهو قد عرف أن الأمة أصبحت تبعاً لشهواتها وملذاتها من خلال تدمير ذلك الحصن الحصين .
وهذه أربعة أمانى لأربعة نسوة أوربيات  ذكرها الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم فى بحث له , إذ يقول حفظه الله تعالى :
الأولى بريطانية
وكتبت أمنيتها قبل مائة عام !
قالت الكاتبـة الشهيرة آتي رود - في مقالـة نـُشِرت عام 1901م - :
لأن يشتغـل بناتنـا في البيوت خوادم أو كالخوادم ، خير وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث تـُصبح البنت ملوثـة بأدرانٍ تذهب برونق حياتها إلى الأبد .
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، فيهـا الحِشمة والعفاف والطهارة … نعم إنه لَعَـارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعـل بناتَهـا مثَلاً للرذائل بكثرة مخالطـة الرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء مـا يجعل البنت تعمل بمـا يُوافـق فطرتها الطبيعيـة من القيـام في البيت ، وتـرك أعمال الرجال للرجال سلامةً لِشَرَفِها .

والثانية ألمانية
قالت : إنني أرغب البقاء في منزلي ، ولكن طالما أن أعجوبة الاقتصاد الألماني الحديث لم يشمل كل طبقات الشعب ، فإن أمراً كهذا ( العودة للمنزل ) مستحيل ويا للأســــــــف !
نقلت ذلك مجلة الأسبوع الألمانية .
والثالثة إيطالية
قالت وهي تـُخاطب الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – :
إنني أغبط المرأة المسلمة ، وأتمنى أن لو كنت مولودة في بلادكم .
والرابعة فرنسية
وحدثني بأمنيتها طبيب مسلم يقيم في فرنسا ، وقد حدثني بذلك في شهر رمضان من العام الماضي 1421هـ
حيث سأَلـَـتـْـه زميلته في العمل - وهي طبيبة فرنسية نصرانية - سألته عن وضع زوجته المسلمة المحجّبة !
وكيف تقضي يومها في البيت ؟
وما هو برنامجها اليومي ؟
فأجـاب : عندما تستيقظ في الصبـاح يتم ترتيب ما يحتاجـه الأولاد للمـدارس ، ثم تنام حتى التاسعـة أو العاشـرة ، ثم تنهض لاستكمال ما يحتاجـه البيت من ترتيب وتنظيف ، ثم تـُـعنى بشـؤون البيت المطبخ وتجهيز الطعام .
فَسَألَـتْهُ : ومَن يُنفق عليها ، وهي لا تعمل ؟!
قال الطبيب : أنا .
قالت : ومَن يشتري لها حاجيّاتها ؟
قال : أنا أشتري لها كلّ ما تـُـريد .
فـَـسَأَلَتْ بدهشة واستغراب :
تشتري لزوجتك كل شيء ؟
قال : نعم
قالت : حتى الذّهَب ؟!!! ( يعني تشتريه لزوجتك )
قال : نعم .
قالت : إن زوجــــتـك مَـــلِــــكــــــة !!
وأَقْسَمَ ذلك الطبيب بالله أنهـا عَرَضَتْ عليه أن تـُطلـِّـق زوجها !! وتنفصل عنه ، بشرط أن يتزوّجهـا ، وتترك مهنة الطّب !! وتجلس في بيتها كما تجلس المرأة المسلمة !
وليس ذلك فحسب ، بل ترضى أن تكون الزوجة الثانية لرجل مسلم بشرط أن تـقـرّ في البيت .
هذه بعض الأمنيات لبعض الغربيات وفضـّـلت أن أنقل أمنية أكثر من امرأة من جنسيات مختلفة ، وما هذه إلا نماذج .
ومن عجبٍ أننا نرى بعض المسلمات – أو من ينتسبن للإسلام – يُحاولن السير على خـُطى الغربيات وتقليدهن في كل شيء .
وأحيانا أخرى يُراد ذلك لهنّ ، وأن يدخلن جحر الضب الذي يُمثـّـل شِدّة الانحدار مع الالتواء والتـّـعرّج ، وهذا السرّ في تخصيص جحر الضب .
فمهما كان سبيل اليهود والنصارى ( الغرب ) منحدرا نحو الهاوية وملتويا ومتعرّجا فإن فئاماً من هذه سيتبعون أثره ويقتفون خطوه
وهنا قد يرد السؤال :
هل هذا القول صحيح ؟
وهل يُمكن أن يكون في بلاد الحضارة المادية ؟
فأقول إنه نداء الفطرة التي فطر الله الناس عليها
فالمرأة مهما بلغت فهي امرأة .
لها عواطفها وحاجاتها الأنثوية
لها عاطفة الأمومة
فهي امرأة وإن استرجلت !!!
وإن قادت الطائرة ...
وإن ركبت أمواج البحر ...
وإن لعبت كرة السلة !!! أو كرة المضرب الأرضي !!! أو صارت سبّاحة ماهرة !!!
وإن ... وإن ...
فهي امرأة ... امرأة ... امرأة
وكما لا يصلح للجمل أن يستنوق ، فلا يليق بالرجل أن يتخنـّث .
فهو رجل ... رجل ... رجل .
ولذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء
والمتشبهات من النساء بالرجال .
وأمر بإخراج المخنـّـثين من البيوت .
أختاه هل وعَيتِ ماذا يـُــراد بك ؟؟
يُريدون تحريرك !
نعــــــــــــــــــــم !
ولكــــــــــــــــن :
من كل فضيلـــــــة
ومن كل حــــــــياء
ومن كل خلقٍ كريم
وها هى إشراقات أخرى نقدمها بين يديكم وهى  ...
مقتطفات من كتاب: لكي لا يتناثر العِقد!!
تأليف عبدالرزاق المبارك
 وهو يناديكِ  ....
أختاه.. ألم يخطر لك ببال أيّ امرأة أنتِ ؟ وأيّ دين تنـتسبين إليه ؟!!

ألم تسمعي عن تلك النصرانية التي أروي لك قصتَها من تجرِبتي في الغربة دون واسطة وقد كنا في رحلة دعوية وترفيهية في مدينة سياتل، وما إن غربتْ شمس ذلك اليوم إلا وقد جاءت البشائر بإسلامها وانشراح صدرها لدين الإسلام وارتدائها للحجاب.
وعندما سُئلتْ كيف تم ذلك؟ قالت: إن سبب اعتناقها للإسلام هو ما رأته من مظاهر الحشمة وخلق الحياء بين المسلمات ومِن تَركهن للاختلاط والتبرج الذي دمر قيم الأسرة والمجتمع في بلادهم وما رأت في ذلك من البهاء والجمال، وكيف انجذبت إلى نداء الروح الذي تحرك في سويدائها حين اصطف المسلمون للصلاة خاشعين متذللين لله على الجانب الآخر في مشهد هو غايةٌ في التأثير..
أما الشيء المثير حقا في هذه الحادثة، أن أولئك النسوة اللائي كُنّ سببا لهدايتها،كنّ كلهنّ من الأمريكيات اللاتي اخترن الإسلام على ما سواه من الأديان وتعبدن لله لا سواه وعضضن بالنواجذ على مقتضى لا إله إلا الله.. واقتدينَ بإمهات المؤمنين، فلبسنَ الحجاب الكامل دون أن يُرى من إحداهن شيء !!
بل ألم تسمعي عن تلك المرأة النصرانية الأخرى التي رأت فتيات مسلمات يمشين في الطريق مُتوجاتٍ بوقار الحشمة والحجاب ؛ فحرك مرآهنّ في نفسها ساكنا! وبعد أن سَألتْ عن خبرهن وقيل لها إنهن يَدِنَّ بالإسلام، اتجهت إلى دراسة هذا الدين حتى انتهي بها المطاف إلى اعتناقها للإسلام!! إن هذا المشهد الذي قد يظنه البعض عاديا وغير مؤثر، قد كان له الدور الأول في إنقاذ نفس إنسان من النار وجريان مثل أجر هذه الأخت المهتدية لهاتيك الفتيات المحجبات وهن غافلات لا يدرين عن أمرها شيئا.

وأما مشاعر أولئك المسلمات الجديدات بعد ذلك وسعادتهن وراحتهن فلا تسألي!! هذه مجموعة من الغربيات اللاتي ذقن طعم الإيمان ولذة الاستقامة على هذا الدين يقلن واحدة تلو الأخرى :
ـ زادني الحجاب جمالاً.
ـ الحجاب إعلان عام بالالتزام.
ـ الحجاب شعار تحرر.
ـ الحجاب يوفر لي مزيداً من الحماية.
ـ عندما أسلمتُ أصررتُ على ارتداء الحجاب بالكامل .. من الرأس إلى القدم.
ـ الحجاب جزء مني، من كياني، فقد ارتديته قبيل إسلامي لإحساسي أنني أحترم نفسي وأنا أرتديه.

وأخريات منهن يهتفنَ تباعا:
ـ شعرتُ أنني كنت دائماً مسلمة.
ـ اكتسبتُ من الإسلام القوة لمواجهة الناس.
ـ أجاب الإسلام عن جميع تساؤلاتي.
ـ وجدت في الإسلام ضالتي وعلاج أزمتي.
ـ قبل إسلامي كنتُ لا شيء، والأجدر باسمي - قبل إسلامي - أن يكون "لاشيء".
ـ أصبح هدفي الأسمى الدفاع عن هذا الدين.
ـ صارت الصلاةُ ملاذي والسجود راحتي وسكينتي.
ـ فرحتي لا تُوصف.
ـ شدتني العلاقة المباشرة بين العبد وربه.
ـ المرأة الغربية ليست متحررة كما قد تتوهم المسلمة.
ـ المرأة الغربية لا تعرف ماذا تريد.
ـ أُحسُّ في قلبي رقة لم أعهدها قبل إسلامي.
ـ تعرفتُ على وحدانية الله فبكيت.
ـ نطقتُ بالشهادتين فسرتْ في عروقي قوة خارقة.
ـ الإسلام هو الذي أعطاني الأمان.
ـ اكتشفت كنوزاً كنتُ أجهلها.
ـ حياتي بـدأتْ عندمـا أسلمت، وسنواتُ عمري الماضية لا قيمة لها.

ومن الكلمات التي تعبر عن الفرح الغامر الذي يستنطق الدمعة من الجفن، ومن هذا الذي تفيض به قلوب الداخلات في دين الله كلمات اليونانية "تيريز" تصرخ حتى إن صوتها ليكاد أن يصل إلى نجوم السماء الزهر: "لا أريد أن أتحدث، ففرحي بالإسلام لا يوصف أبداً، ولو كتبتم كتباً ومجلدات لن تكفي لوصف شعوري وسعادتي، أنا مسلمة، مسلمة، مسلمة، قولوا لكل الناس إنني مسلمة وسعيدة بإسلامي، قولوا لهم عَبْر وسائل الإعلام كلها: "تيريز اليونانية أصبحت خديجة: بدينها، بلباسها، بأعمالها، بأفكارها".
شمس الله تُشرق على الغرب
ويطيب لي هنا أن أُثَـلثَ بثالثة الأثافي، قصة العالمة الألمانية زيغريد هونكة صاحبة الكتاب الشهير "شمس العرب تسطع على الغرب" والذي بينتْ فيه، كما هو معلوم، فضل حضارة المسلمين وتمدنهم على الغرب ونهضته الأخيرة بعد عصور الظلام التي غطتْ أوروبا في غطيطها قرونا طويلة .. زيغريد هونكة التي تَمَلّك حبُّ العرب وثقافتِهم ومجدِهم شَغاف قلبها بما لا يكاد أن يكون له مثيل بين الأوربيين وأحبتْ الإسلام لحبها لهم ولعلمها بأنه هو الذي أخرجهم بين الأمم خير أمة أخرجت للناس، وقد حدثني بخبرها الدكتور علي الدفاّع عالم الرياضيات المعروف في جامعة البترول بالظهران بنفسه مشافهة قال:
كنت في أحد المؤتمرات العلمية في أوربا وقد تحدثتُ إلى الدكتورة هونكة وكنت مطلعا على كتاباتها وإنصافها لعقيدتنا وحضارتنا ورأيتُها وقد كبِرتْ سِنُّها قلت لها: إن لي حلما جميلا أرجو له أن يتحقق!! فقالت لي: وما هذا الحلم.. قال فأجبتُها: بأن حياتك العلمية والثقافية الطويلة في الدفاع عن مآثر العرب والمسلمين وتاريخهم أرجو أن يكون لهذه الحياة الحافلة وهذه السيرة العلمية المميزة تكملة جميلة وأن تختم بأحسن ختام وذاك بأن تدخلي في الإسلام!! قال محدثي: وقد رأيتُ عينيها اغرورقتا بالدموع ثم قالت لي بالعربية الفصيحة: "بيني وبين ذلك قاب قوسين أو أدنى" قال فما مر عام أو أكثر حتى سمعتُ خبر اعتناقها للإسلام وسمعتُ خبر وفاتها بعد ذلك بمدة رحمها الله.. اهـ.
وعندما سُئلتْ في أحد المؤتمرات الإسلامية ما نصيحتها للمرأة العربية التي تريد طي الماضي وخلع الحجاب، قالت زيغريد هونكة: ".. لا ينبغي لها أن تتخذ المرأة الأوربية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها، أو أن تهتدي بفكر عقدي مهما كان مصدره، لأن في ذلك تمكينا جديدا للفكر الدخيل المؤدي إلى فقدها مقومات شخصيتها، وإنما ينبغي عليها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح، اللاتي عشنه منطلقات من قانون الفطرة التي فُطرنَ عليها، وأن تلتمس العربيةُ لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقا لها، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة الممثلة في كونها أم جيل الغد العربي، الذي يجب أن ينشأ عصاميا يعتمد على نفسه" .

ومثلها قالت الكاتبة الأمريكية هيلسيان ستانسبري بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عددا من الأسابيع. وعندما عادت إلى بلادها لم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها وتمحض النصح حيث تقول: "إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول. وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا" .


وشرقيات لايبغينَ بالإسلام بدلا!!
جاءها زوجها بوجه غير الذي خرج به، وهي الكورية وزوجها أيضا واسمه جون وله صديق مسلم من الباكستان تحدثا حول الإسلام..
ولقد بدأ جون يفكر بعقل حر هذه المرة بعد أن حصل على أرقى الشهادات من جامعات بلده! ثم يطلب جون من صديقه أن يتحدث له حول تفسير سورة "الإخلاص"، فقد شعر في قرارة نفسه أن لهذه السورة -على قصرها- خاصية عجيبة في النفاذ إلى قلبه وتحطيم الصورة الوثنية التي عرفها طوال عمره عن للإله.
إنها تمجد الإله وتعظمه..
إنها تنـزه الخالق عن كل نقيصة، عن الولد والوالد والشريك والصاحب وعن الزوجة وعن كل أحد.
يقول بعد سماعه لسورة الإخلاص: تلك الليلة لا أنساها طوال حياتي، ففيها كانت نقطة البداية للتحول الحقيقي في حياتي من الشك إلى الهداية، إلى الإيمان ودين الحق ليس لي وحدي، ولكن لأسرتي كلها.
كانت تلك هي ملامح البداية في هذه القصة.. وهذه الرحلة إلى عالم النور.
لقد جاء إلى زوجته وعرض عليها ما سمع من معاني سورة الإخلاص وسرعان ما أنار الله قلبها وشرح صدرها، فعرفت الطريق إلى ربها.
فأسلما وصار اسم زوجها إبراهيم أما هي فخديجة. ولكن الشيء العجيب أنها عندما سُئلت عما كان اسمها قبل الإسلام رفضت أن تجيب عن ذلك بشدة!! لماذا ترفض الافصاح عن اسمها الأول؟
لقد رفضت ذِكر اسمها قبل اعتناقها لدين الإسلام، لأنها أهملت اسمها قبل معرفة الطريق إلى ربها، لأنها تعتبر أن مولدها الحقيقي يوم دخولها الإسلام، ونطقها بالشهادتين!!
والآن كيف تفكر خديجة هذه التي بدأت تسير على خطى خديجة تلك، وما هي همومها وطموحاتها؟؟
تعلق قلبي ببيت الله الحرام وأحببتُ زيارته والصلاة فيه مما قصه علينا صديق زوجي.. ورغبتُ أن أرى المكان الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبعث وجاهد..
وكان هناك حنين قوي يشدني إلى زيارة هذا البلد الكريم، وينتابني إحساس وشعور غريب كلما قرعت حروفه مسامعي.
وتحققتُ الأمنية، وصلت خديجة من سيؤول إلى البد الأمين، وطافت حول الكعبة، وصلت بالبيت العتيق، وسعتْ بين الصفا والمروة كما فعلت أمّنا هاجر من قبل!!
تتحدث عن الروعة التي انتابتها يوم الموقف في عرفات، فتقول بعينين تلألأتا بالدموع وكلمات مملوءة بالخشوع والخضوع : "الله أكبر" كلمة عظيمة نابعة من القلب، بكيتُ وأنا أسمعها في عرفات.
وبعد أن تحولت بناتها الثلاث إلى الإسلام، جميلة وعائشة وزهرة، وابنها الأصغر عثمان.. ماذا قدمت خديجة لدينها الجديد وماذا تريد أن تقدم؟
كان لها شقيق يعمل مهندسا في إحدى شركات المقاولات في أمريكا. أرسلتْ له بنبأ إسلامها وبدأت تحدثه عن الإسلام ونوره، وكثرتْ الخطابات إليه من شقيقته حتى هداه الله إلى النور المبين ودخل في الإسلام العظيم.
وزار الشقيق أخته خديجة وأعلن إسلامه في يوم مشهود وسمى نفسه "وهيب".
ثم تتحدث عن طموحاتها المستقبلية فتقول أنها تعزم على بناء مسجد في الحي الذي كانت تسكن فيه سيئول، عاصمة كوريا الجنوبية، وتعزم على دعوة أهل الحي إلى الدين الحنيف!! ..
هذا همّها، فأين همي وهمك؟؟

ماذا فعل الأنحلال فى مجتمعات الأباحية والتبرج ؟

لكل باحث وباحثة عن المهانة
والعبودية للنفس والجسد والغريزة
أقدم فصلى هذا ....
إن من أعظم النعم التي كرم اللَّه بها عباده المؤمنين أن شرع الله لهم شريعة قويمة وملة حنيفية، تنظم الإنسان والكون والحياة، تخاطب القلب والعقل والروح، وتحقق رغبات البدن دون تمادي إلى شهوانية حيوانية، أو دون حرمان الرهبانية كما تمارسه النصرانية والنيرفا الهندوكية، وهذا الدين هو دين الفطرة، قال تعالى: (( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )) (الروم: 30) .
وقال سبحانه: (( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) (الأنعام: 153) .
ومن محاسن هذه الشريعة القويمة تكريم المرأة وحمايتها والإحسان إليها، خلاف ما عليه الجاهلية الأولى من وأد البنات، وحرمان النساء من الميراث، واعتبارهن من سقط المتاع، فجاء هذا الدين حاكماً بأن (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) (البقرة: 228 ).
و النبى صلى الله عليه وسلم أوصانا ..
قائلاً: (( النساء شقائق الرجال )) [1]، آمراً (( استوصوا بالنساء خيراً)).
حاثاً (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)).
ولا غرو في ذلك لأن هذه المرأة هي أساس المجتمع، حيث هي الأم الحنون، والزوجة الصالحة، والأخت الفاضلة، فمن مدارسهن الحقيقية يتخرج الأبطال، وتتربى الأجيال، فهي المحور الحقيقي التي عليها صلاح المجتمع أو فساده.
من هنا كانت برامج وخطط المفسدين عبر قرون من السنين موجهة إلى هذا الكيان القوي الطاهر لتحطيمه وزعزعته، والقضاء على معاني الفضيلة فيه، ومن تأمل جهود أولئك في عدد من البلاد الإسلامية المجاورة رأى عملية التدرج في إفساد المرأة وخلطها بالرجل، ونبذها لحجاب الظاهر والباطن، وكانت في يوم من الأيام مضرب المثل في الحشمة والعفة والستر والحياء.
وهكذا خطوات الشيطان وعملائه في البلاد الإسلامية، ولا يسلم من هؤلاء بلد أو مكان، سنة اللَّه تعالى في التدافع والصراع بين الحق والباطل، ولم نسلم في هذه البلاد الطيبة ممن هم من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب، يتباكون على وضع المرأة عندنا وظلمها، وعزلها عن شؤون الحياة، ومنعها من العمل، نعم الظلم والاحتقار وأكل الأموال وحقوق المرأة ممنوع شرعاً، ومرفوض طبعاً، ولكن ليس هذا حقيقة مطلبهم وغايتهم، ولكنهم يريدون أن يرسخوا في المجتمع أنموذج أسيادهم من الغربيين في إزالة الفوارق والفواصل والاعتبارات مطلقاً بين الرجل والمرأة،
وكم ظلت مؤتمرات المرأة والإسكان في الأعوام الماضية تركز على ذلك، وتطالب المجتمع الدولي بأسره بذلك، ولكن كيف نسي هؤلاء خصوصية هذا البلد، وتناسوا احتكام الجميع هنا إلى شريعة رب العالمين، التي جاءت بالهدى وهم يريدونها ميلاً وهوى، (( وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) (النساء: 27)
والتفريق ببين المتماثلين، هم يريدون الجمع بين المتباينين، هم من نصيب الشيطان المفروض الذي تعهد أن يضلهم ويمنيهم، ويأمرهم بتغيير خلق اللَّه، أما المؤمنون فهم عباد اللَّه، (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً )) (الإسراء: 65).
إن من نعمة اللَّه علينا أن هيأ لنسائنا وبناتنا أجواء تربوية، وميادين تعليمية بمناهج مميزة، تحوطها الفضيلة، وتحرسها تعاليم الشريعة، على مسمع ومرأى من أهل العلم والغيرة، منذ عقود من السنين على شيء من النقص والانحسار، ولكنه على أية حال أنموذج فريد، وتجربة نوعية تفردت بها هذه البلدة في استقلال تعليم المرأة، وكانت محط إعجاب وإكبار للكثير من الشعوب الإسلامية، ولا ينكر ذلك إلاَّ جاهل أو حاسد أو صاحب هوى.
ومنذ زمن بعيد وتعليم المرأة عندنا يواجه حملة شعواء من أهل الصحافة ودعاة التحرير، الذين أعملوا أقلامهم، وأنشبوا مخالبهم بذلك الكيان التعليمي الرائد .
يقول الأستاذ الداعية محمد قطب: في كتابه تحرير المرأة: وهو يصور لنا حالة إحدى البلاد الإسلامية في التبرج والسفور، ومن أين كانت بدايته، وتلك البلاد أصبحت أسوة في التغريب والانحلال لكثير من بلاد المسلمين اليوم.
يقول: ( وأصبح من المناظر المألوفة أن ترى الأمهات متحجبات والبنات سافرات، وكانت الأداة العظمى في عملية التحويل هذه هي التعليم من جهة، والصحافة من جهة أخرى ..) .
ثم يقول: ( فأما التعليم فقد اقتضى معركة طويلة حتى تقرر على المستوى الابتدائي أولاً، ثم المستوى الثانوي، ثم المرحلة الجامعية).
ويقول: ( وسقط الحجاب تدريجياً عن طريق بنات المدارس، ولو خرجن عن تقاليد المجتمع المسلم دفعة واحدة ومن أول لحظة، هل كان يمكن أن يقبل أحد من أولياء الأمور أن يرسل ابنته إلى المدرسة لتتعلم ؟ كلاَّ بالطبع، ولتكن الخطة على الأسلوب المتبع في عملية التحويل كلها بطيء ولكنه أكيد المفعول منعاً لإثارة الشكوك ).
إن المنادين بتحرير المرأة لم يفقهوا بل لم يسمعوا صيحات النساء في الغرب، وفي اليابان اللواتي يطالبن بالعزل التام عن الرجال، والعودة إلى عش الزوجية، كما نشر في عدد من وسائل الإعلام كما في جريدة الجزيرة، العدد (7056 ، 7057).
أين هؤلاء من تجنيد الشباب للعمل؟ وتوفير فرص العمل لهم؟. وتحريرهم من رق البطالة والضياع ؟ ومن أولى بالعمل عند تزاحم الفرص وندرتها النساء أم الرجال ؟! .
إن أولئك الكتاب المستغربين لا يتكلمون بلسان المجتمع ولا يعبرون عن آرائه، لأنه مجتمع مسلم محافظ، رضي باللَّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى اللَّه عليه وسلم رسولاً، رضي بالعلماء والغيورين أن يكونوا حماة للفضيلة، حراساً لقواعد المجتمع من المعلمات والمتعلمات، وحينما جربت الدول الأخرى، ووضعت ثقتها وزمام أمرها بغير أهل الصلاح والغيرة، وصل أمرها وحالها إلى ما هي عليه الآن، فهل يرضى مسلم بذلك ؟ !.
إن نظام تعليم الفتاة في هذا البلد الطيب ظل مضرب المثل بحمد اللَّه، وذلك نعمة كبرى، حيث الخصوصية والحشمة، والآداب الشرعية والنظم المرعية، فهل يصح أن نهدر هذه النعمة، ونلغي تلك الخصوصية، التي لها ما بعدها من الآثار التي علمتنا الأحداث تدرجها ومرحليتها، كاختلاط الجنسين من البنين والبنات، بدءاً بالمراحل الابتدائية الأولى، وكذلك التقارب في أنشطة الجنسين، وإقحام الفتاة في مناشط وأندية وبرامج تتنافى مع جبلتها وطبيعتها، وكذلك الدعوة إلى تغيير المناهج وتوحيدها، وكذلك وهو الأهم تهميش دور العلماء في الإشراف على تعليم المرأة.
وهذا ما يؤكد علينا جميعاً الاستمرار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نناصح من ولاه الله أمرنا، قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
(( ثلاث لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم: ومنها مناصحة من ولاه اللَّه أمركم )) .
فالواجب هو دفع منكرات الإعلام كل بما يستطيع، بالحوار الهادئ، والمناصحة المشفقة، والكتابة المؤصلة، والردود العلمية، ومن لا يستطيع هذا ولا ذاك فليبتعد عن الشر وأهله، ومواطنه المقروءة والمرئية لئلا يغتر وينجر فيضل ويضل، واللَّه وحده الهادي إلى سواء السبيل.
ولا ننسى أهمية التربية على الفضيلة في البيوت والمدارس، هي واجبات كل مسلم وكل مسؤول، خاصة في مثل هذا العصر الذي يحارب فيه الإسلام باسم الحرب على الإرهاب، ويطالب الغرب النصراني بتغيير المناهج وطمس هويتها، فهل في هذه المرحلة يحلوا لبعضنا الاسترخاء والتكاسل، وعدم الجدية أو عدم الشعور بخطورة المرحلة التي نعيشها، فلا ترى منه حسن قوامة ولا حسن رعاية للمرأة والأسرة كافة، إن اليهود يربون صغارهم على كره المسلمين والاستعداد لقتالهم وإخراجهم من فلسطين، فماذا نحن وهمومنا مع صغارنا وكبارنا من البنين والبنات؟
فحين يكون الانتماء لهذا الدين، وحينما يكون الحجاب والفضيلة عقيدة راسخة، فإن ذلك لا يسقط مهما سلط عليه من أدوات التحطيم والتحجيم والتغريب، إن الذين سقط عندهم الحجاب، هم أولئك الذين اعتبروه من العادات والتقاليد، حينها لم يصمدوا أمام رياح التغيير، لأن التقاليد الخاوية من الروح عرضة للسقوط إذا اشتد عليها الضغط، فهل مدافعتنا الآن عن مكتسباتنا التربوية والتعليمية والأخلاقية، دفاع عن عادات وتقاليد، حينها سنخسر الرهان، ونهزم في معركة المبادئ كما خسر غيرنا.
أم أننا ننطلق من ثوابت شرعية، ونعطي القضية أبعاداً دينية وقيمية، حينها نعمل ولا نكل ونسعى ولا نمل.
فالعقيدة الحية المتمكنة من القلوب لا تقهر، ولا يتخلى عنها أصحابها مهما وقع عليهم من الضغوط، وإن الاستعلاء بالإيمان والعلم الشرعي يقي الناس من الذوبان في عدوهم، ولو انهزموا أمامه في المعارك الميدانية، والغنى النفسي الذي يحدثه الإيمان الحق باللَّه تعالى يجعل المسلم فرداً ومجتمعاً ودولة، يشعر بالاكتفاء الذاتي، بعيداً عن الابتذال والتسول من عالم القيم المنحطة، وما كان الغزو الفكري يتسرب إلى نفوس المسلمين لو كانوا على إسلام صحيح، ولما جرنا الغرب إلى أمركة الحياة والمجتمع، واعتبار ذلك حتمية حقيقية كما يصوره اليهود للبشرية، ليدفعوها في المسار الذي أغرقوها به، وحين انجرفت أوربا في تيار التطوير اليهودي فذلك لخوائها من العقيدة الصحيحة التي تصلح للحياة .
أما نحن المسلمين فنحن قادرين وجديرين أن نصمد ولا نهزم في معارك القيم والأخلاق، وهذا هو ما سجله التاريخ عن أمة الإسلام في سالف عصورها، فهل نبقى على تلك الصفة ليتحقق لنا ذلك المجد، نعم يتحقق لنا ذلك بإذن اللَّه إذا وفينا بالشرط الرباني، قال تعـــالى: (( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))
( آل عمران: 120).
ولا تكتفوا بالدعاء وحده وتدعوا العمل، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ )) ( الحج : 77) .
ونسأل الله أن يرد كيد الكائدين في نحورهم.
وهاكم نماذج لصفوة مجتمعهم

تعتبر المذيعة الأمريكية oprah winfrey إحدى أشهر الشخصيات الإعلامية في العالم ولها برنامج مشهور يذاع عبر العديد من القنوات والدول ويحظى بمتابعة واسعة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.

وفي إحدى حلقات برنامجها مؤخرا قامت باستضافة رانيا الباز المذيعة في تلفزيون MBC لتتحدث فيها عن ما حصل لها من تعد وضرب من زوجها واشتملت الحلقة على صور لها وهي مشوهة الشكل مما حدا oprah winfrey إلى التطاول على المرأة في المملكة وتعييرها بعدم حصولها على حقوقها وختمت ذلك اللقاء بأن دعت النساء الأمريكيات إلى الافتخار بكونهن نشأن في أمريكا حيث تحفظ حقوقهن ولا يحصل لهن كما حصل ويحصل للمرأة في المملكة.

ورغبة من " شبكة القلم الفكرية " في كشف بعض الحقائق المهمة عن المذيعة oprah winfrey وكذلك عن دور قناة MBC فإننا نقدم لكم هذا العرض المختصر عنهما.

ولدت oprah winfrey في عام 1954 م وعاشت طفولة كئيبة وبائسة للغاية.

عاشت بداية طفولتها مع والدتها وبعد بلوغها سن السادسة وحتى الثالث عشرة تعرضت للعديد من محاولات التحرش الجنسي كان منها محاولة تحرش من قبل عمها وأخرى من قبل صديق أمها إلى أن جاء ابن عمها وقام باغتصابها بالقوة والعنف.

بعد ذلك قررت الهرب من بيت أمها لتذهب إلى أحد دور الرعاية الخاصة بالقصر ولكنها لم تجد فيه مكانا شاغرا فقررت العودة إلى أبيها لتجد في بيت أبيها قسوة رهيبة ونظاما شديدا إلى حد استخدام العنف بالضرب ونحوه.

وقد تنقلت في كبرها للعمل كإعلامية في العديد من المجالات حتى استقرت للعمل في برنامجها الشهير والذي يحمل اسمها وبعد مرور عشرين سنة على برنامجها توجت ذلك بحصولها على ثروة هائلة تقدر بما يزيد عن مليار وثلاثمائة مليون دولار ودخل سنوي لا يقل عن ثلاثمائة مليون دولار وتم وضعها ضمن أكثر مئة شخصية تأثيرا في القرن كما في مجلة التايم الأمريكية إضافة إلى أنها تعتبر أشهر امرأة في العالم.

يذاع برنامجها في 211 محطة تلفزيونية تشمل ما يزيد عن 111 دولة ويشاهدها في الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثون مليون شخص وتعتبر من أغنى النساء في العالم وأكثرهن شهرة.

وهي عزباء لم يسبق لها الزواج ولا تريد أن تتزوج ولكنها تعيش مع صديق لها.

وبالنظر إلى سيرتها في حال الطفولة فإننا نجد أن ما مرت به من حالات الاغتصاب والعنف الأسري هو بعينه ما تعانيه أغلب الأسر في الولايات المتحدة الأمريكية وليست حالة خاصة بها.

وتشير التقديرات إلى أن 18% من مجموع النساء في الولايات المتحدة الأمريكية تعرضن للاغتصاب وأن 1900 فتاة يوميا يتم اغتصابهن وهذه النسبة تشكل رقما كبيراً خاصة إذا نظرنا إلى أن نسبة العلاقات غير الشرعية مرتفعة جدا وأن أكثر من 5% من الزوجات يخن أزواجهن من باب المعاملة بالمثل.

علاوة على ذلك فإن 2% من حالات الاغتصاب المذكورة تكون من الأب أو أحد أفراد الأسرة.

وتشير مصادر أخرى إلى ارتفاع هذه النسبة إلى 22% من مجموع النساء في الولايات المتحدة الأمريكية اللائي يتعرضن لحوادث الاغتصاب وهذا يجعل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى في العالم من حيث معدلات الاغتصاب الواقعة على النساء.

ونشير هنا أيضاً إلى أن ما مجموعه 47% من حالات الاغتصاب المذكورة كان يصاحبها اعتداء جسدي شرس وعنيف بالضرب ونحوه كما نشرت ذلك صحيفة اليو إس توداي.

وهذه النسب المذكورة لا تشكل إلا ما تم الإبلاغ عنه من جرائم الاغتصاب وأما ما لم يتم تسجيله أو الإبلاغ عنه فإنه أكبر بكثير من الرقم المذكور وتشكل هذه الجرائم أكثر من عشرين ضعفا من مثيلاتها في كل من اليابان وإنجلترا وأسبانيا مع مراعاة أن الدول السابقة دول شعوبها غير متدينة بعكس الولايات المتحدة الأمريكية فإن شعبها متدين وبنسبة كبيرة.

وقد نشرت مجلة الطب النفسي الأمريكية تقارير تفيد بأن ما نسبته 42% من النساء العاملات في الولايات المتحدة الأمريكية يتعرضن للمضايقات والاعتداء الجنسي ومن أشهر القصص في هذا المجال قصة أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي عندما قامت إحدى العاملات معه بشكايته لأنه قام بالتحرش بها جنسيا وبعد اشتهار أمره تقدمت أكثر 26 امرأة بشكاوى تفيد أنه مارس معهن التحرش.

كما نشرت منظمة التحالف الوطني المنزلي في أمريكا تقارير تفيد بأن أكثر من سبعة ملايين امرأة يتعرضن للضرب من قبل الأزواج ولا يقمن بإبلاغ الشرطة ويدخل مئات الآلاف منهن سنويا إلى المستشفيات لتلقي العلاج من آثار الضرب وهي حالات مختلفة بعضها خفيف وبعضها قوي جدا قد يصل إلى القتل.

وتشير تقارير ودراسات أخرى إلى أن 95% من ضحايا العنف العائلي هم من النساء وأن من بين كل أربعة حالات اعتداء على المرأة يكون الزوج هو المعتدي في ثلاثة حالات منها.

وأما معدلات ضرب الأولاد فهي مرتفعة كذلك وتبلغ ستة ملايين حالة ضرب سنويا منها ما يؤدي بالطفل إلى الوفاة فضلا عن إدخاله للمستشفى وتلقيه للعلاج.

ولا ننسى كذلك الإشارة إلى حجم سوق البغاء والدعارة وتجارة الرقيق في الولايات المتحدة الأمريكية إذ تعد أمريكا مركزا مهما لتجارة الرقيق الأبيض خاصة النساء القادمات من أوروبا الشرقية وآسيا والمكسيك وقد سبق لتلفزيون CNN أن قام بإعداد تقرير مفصل عن هذه التجارة ودور الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك.

ونكرر الإشارة مرة أخرى إلى أن جميع هذه النسب والإحصائيات والأرقام إنما هو لما تم قيده وتسجيله والإبلاغ عنه وأما ما لم يبلغ عنه أو يسجل رسميا فإنه أضعاف هذه الأرقام وهذا يؤكد عمق الانحلال والتفكك الأخلاقي والأسري والمجتمعي في الولايات المتحدة الأمريكية خلافا لما أرادت أن تظهره عليه المذيعة oprah winfrey .

أما مجموعة قنوات MBC فقد جعلت من قناتيها MBC2 و MBC4 مشروعا أمريكيا بغرض الدعاية للولايات المتحدة والتبشير بالحياة الأمريكية الاجتماعية ونشر قيمها في الدول الإسلامية وعلى رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية وقد نشرت تقارير كثيرة تفيد بأن هاتين القناتين قناتان مدفوعتا الثمن بالكامل من قبل الإدارة الأمريكية ليتمكنوا من خلالها بنشر ما يريدونه بعد فشل مشاريعها الإعلامية أخرى من أمثال قناة الحرة وإذاعة سوا ومجلة hi.

وقد قامت المذيعة oprah winfrey في أحد حلقات برنامجها بتحية خاصة للمشاهدين المتابعين لها على قناة MBC مع أن دخل oprah winfrey السنوي يفوق تكلفة تشغيل مجموعة قنوات MBC وهذا يؤكد للمتابع أن هذه القنوات تقع ضمن المشروع الأمريكي المدعوم والموجه لتغريب المنطقة وتفعيل العولمة على المنهج الأمريكي بنقل النمط الغربي للحياة وتحسين صورة الغرب عموما.

ويقع ضمن المشروع الأمريكي كذلك قناة العربية وهي قناة تخدم الأهداف الأمريكية السياسية وتثبيت مشاريعها الاستعمارية التوسعية بضرب واحتلال الدول المناوئة والمعارضة لها وقد مكنت مؤخرا لمجموعة من التغريبيين ووضعتهم في مناصب قيادية في القناة كان على رأسهم عبد الرحمن الراشد بعد انتقل من جريدة الشرق الأوسط كرئيس للتحرير إلى مدير لقناة العربية وشهدت القناة حين وصوله مديرا لها تغييرات جذرية.

وبعد هذا العرض السريع يظهر للقارئ حقيقة الدعوى التي أطلقتها المذيعة oprah winfrey حين تبجحت بحال المرأة الأمريكية وهو ما تكذبه الوقائع والأرقام الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز الدراسات الموجودة بها.
ولاحظوا معي أنَّ هذه الأحداثَ تحصلُ في بلدٍ يوصفُ شعبهُ بأنّهُ متديّنٌ ! ، ويقوده حفنةٌ من الصليبيينَ الأصوليينَ الحاقدينَ .

يعني على مين تلعبينها يا oprah winfrey !! ، وعلى رأي المثلِ المصريِّ الشعبيِّ : تبيعين الموية في حارة السقا ! ، تتظاهرينَ بالصلاحِ وأنتِ وبناتُ جنسكِ الأمريكياتُ غارقاتٌ في العنفِ والتحرشِ والرذيلةِ والتفكّكِ الأسريِّ والضياعِ الاجتماعيِّ ! .

في تلكَ الفترةِ أيضاً كانتْ oprah winfrey وإخوانها من زنوجِ وسودِ أمريكا يمنعونَ من التصويتِ ولا يُسمحُ لهم بدخولِ المطاعمِ ولا الحماماتِ التي يرتادُها البيضُ ، وقد كانتْ توضعُ لوحاتٌ على المطاعمِ يُكتبُ عليها : يمنعُ دخولُ السودِ والكلابِ ! ، وحتّى في سيّاراتِ النقلِ كانوا يوضعونَ في أقسامٍ مُحدّدةٍ يُمنعُ عليهم تجاوزُها .

وذكرَ صاحبُ كتابِ " الحقيقة القذرة " – كما نقلَ أستاذُنا الأحمريُّ - أنَّ أغلبَ السودِ القادةِ الذين حقّقوا نجاحاتٍ في أمريكا انتهوا في آخرِ حياتِهم إلى السجنِ ، أو النفي ، أو الاختفاءِ المُفاجئِ ، أو تمَّ قتلُهم وتصفيتُهم بقوّةٍ قانونيّةٍ ! ويتمُّ كلُّ ذلكَ بتجاهلٍ تامٍّ من وسائلِ الإعلامِ الأمريكيّةِ .

إذا كانَ ما مضى هو حالُ أشهرِ امرأةٍ في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ ، وهذا هو حالُها البائسُ ، فكيفَ ببقيّةِ النساءِ في أمريكا ! ، وإذا كانَ من أبسطِ حقوقِ المرأةِ أن تُحافظَ على شرفِها وعفّتها ونزاهتِها ، وهذا لا يوجدُ في أمريكا كما هو واقعُ الأرقامِ السابقةِ والصادرةِ من مؤسّساتِهم ومراكزِ بحثِهم ، فهل يحقُّ لمن كانتْ على تلكَ الصفةِ ، وتنقّلتْ بين حاناتِ البغاءِ ودورِ القوادةِ ، أن تتحدّثَ عن حقوقِ المرأةِ ، وهي التي تبذلُ فرجها لمن يدفعُ أكثرَ ، وتتركُ الزواجَ لتعيشَ من الأصدقاءِ ، كما هو حالُ الآنسةِ oprah winfrey !! .

الشعبُ الأمريكيُّ شعبٌ لا يُقيمُ للعفّةِ والطهارةِ والسموِّ الجنسيِّ وزناً ، ولا يعرفُ الغيرةَ والحِفاظَ على المحارمِ والزوجاتِ ، والأخلاقُ عندهم نفعيّةٌ فحسب ولا يعتبرونها مقصودةً لذاتِها كما يأمرُنا بهِ دينُنا ، ومع ذلك ينتشرُ فيهم هذا العنفُ الأسريُّ والضربُ بكثرةٍ للنساءِ والأطفالِ ، وهذا إن دلَّ فإنّما يدلُّ على تجذّرِ الجريمةِ والانحرافِ السلوكيِّ في نفوسِ الأمريكانِ ، على أنَّ من شابهَ أبهُ فما ظلمَ ، فماضيهم وماضي أجدادهم معروفٌ بالقتلِ والسرقةِ والإبادةِ البشريةِ الجماعيّةِ وتشكيلِ عِصاباتِ الإجرامِ ، وما حاضرهم عن ذلك ببعيدٍ ، وهذه أفغانستانُ والعراقُ شاهداتٌ على الأخلاقِ الأمريكيّةِ .

الحمدُ للهِ أنَّ النساءَ في بلادي لم ينشأنَ في الولاياتِ المُتحدةِ الأمريكيّةِ ، وإلا صرنَ ضحيّةَ للاغتصابِ والضربِ والقتلِ ، ولأصبحَ جسدهنَّ الطّاهرُ مسرحاً للآباءِ والأعمامِ وبقيّةِ المحارمِ ، يُمارسونَ فيهِ الاغتصابَ والجنسَ بلا رقيبٍ ولا حسيبٍ ، كما حصلَ مع oprah winfrey ، ويحصلُ للملايينَ سنويّاً من النساءِ في أمريكا .

والحمدُ للهِ أنَّ المرأةَ في بلادي ترفعُ حجابها بشرفٍ وعزّةٍ لتبصقَ في وجهٍ من أرادَ التحرّشَ بها أو أذيّتَها ، وتجدُ أيضاً من رجالِ الحسبةِ وأهلِ الشرفِ والنّخوةِ – وهم أكثرُ الشعبِ – كلَّ مُعاونةٍ وتقديرٍ ، بينما تُصبحُ المرأةُ في الولاياتِ المتحدةِ سلعةً يُثامنُ عليها ، ويكفي هناكَ كلمةُ hi وابتسامةٌ في نادٍ ليليٍّ لتقودَ معكَ من تشاءُ من النساءِ إلى الرذيلةِ والفاحشةِ ، حيثُ تنتهي الحضارةُ الأمريكيّةُ المزعومةُ في وعاءِ الدّعارةِ .

اللهمَّ احفظْ علينا ديننا وأمننا وعفّتنا ، واحمِ نسائنا من دعواتِ التغريبِ ونارِ التحريرِ ، واقمعْ أهلَ الزيغِ والفسادِ ، وردَّ كيدهم وكيدَ مؤامراتِهم في نحورِهم .


أرقام تؤكد الذل والمهانة.. نار المرأة العربية .. أفضل من جنة المرأة الغربية!

في سياق رؤيتنا الحضارية لواقع المرأة الغربية من الداخل. سنترك دائما أصحاب الشأن يتكلمون وسنترك الأرقام تفصح عن الحقيقة, فربما ننشئ حوار حضارات حقيقيًا، ليس فقط بين فكرين أو منهجين وإنما أيضًا بين واقعين.
سنتوقف عند العنف الأسري ضد المرأة في الغرب، حيث سيظهر هذا الدراسة أن المرأة المهانة ليست امرأة أفغانستان ذات البرقع، ولا امرأة جزيرة العرب التي تعيش في حيز من الصون والحرمة يدعو كل المجتمع ليقدم لها التوقير والاحترام، وإنما الابتذال الحقيقي هو في جعل المرأة سلعة كما جميع السلع. والعدوان عليها بشتى أشكال التعسف والاضطهاد الذي ستقدمه لنا الأرقام التالية:

أولاً: المرأة في أمريكا:
في عام 1981 أشار 'شتراوس' إلى أن حوادث العنف الزوجي منتشرة في 50: 60% من العلاقات الزوجية في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين قدر 'راسل' عام 1982 هذه النسبة بـ21%، وقدرت 'باغلو' النسبة بأنها تترواح بين 25 و 35% كما بين 'أبلتون' في بحثه الذي أجراه عام 1980 على620 امرأة أمريكية أن 35% منهن تعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل من قِبل أزواجهن، ومن جهتها أشارت 'والكر' استنادًا إلى بحثها عام 1984 إلى خبرة المرأة الأمريكية الواسعة بالعنف الجسدي، فبينت أن 41% من النساء أفدن أنهن كن ضحايا العنف الجسدي من جهة أمهاتهن، و44% من جهة آبائهن، كما بينت أن 44% منهن كن شاهدات لحوادث الاعتداء الجسدي لآبائهن على أمهاتهن.
في عام 1985 قتل 2928 شخصًا على يد احد أفراد عائلته، وإذا أردنا معرفة ضحايا القتل من الإناث وحدهن لوجدنا أن ثلثهن لقين حتفهن على يد زوج أو شريك حياة، وكان الأزواج مسئولين عن قتل 1984،في حين أن القتلة كانوا من رفاقهن الذكور في 10% من الحالات.
أما إحصاءات مرتكبي الاعتداءات ضد النساء في أمريكا: ثلاثة من بين أربعة معتدين هم من الأزواج, 9% أزواجًا سابقين، 45% أصدقاء، و 32% أصدقاء سابقين. إحصائية أخرى تدرس نسبة المعتدين، تبين أن الأزواج المطلقين أو المنفصلين عن زوجاتهم ارتكبوا 69% من الاعتداءات بينما ارتكب الأزواج 21%.
وقد ثبت أن ضرب المرأة من قبل شريك لها، هو المصدر الوحيد، والأكثر انتشارًا الذي يؤدي إلى جروح للمرأة، وهذا أكثر انتشارًا، من حوادث السيارات والسلب والاغتصاب كلها مجتمعة.
وفي دراسة أخرى تبين أن امرأة واحدة من بين أربعة نساء، يطلبن العناية الصحية من قبل طبيب العائلة، يبلغن عن التعرض للاعتداء الجسماني من قبل شركائهن.
تم توزيع بيانات على مستوى الولايات شملت 6000 عائلة أمريكية ونتج عنها 50% من الرجال الذين يعتدون بشكل مستمر على زوجاتهم يعتدون أيضًا وبشكل مستمر على أطفالهم.
واتضح أن الأطفال الذين شهدوا عنف آبائهم معرضون ليكونوا عنيفين ومعتدين على زوجاتهم، بنسبة ثلاثة أضعاف، من الذين لم يشهدوا العنف في طفولتهم، أما أولياء الأمور العنيفون جدًا فأطفالهم معرضون ألف ضعف ليكونوا معتدين على زوجاتهم في المستقبل.

ثانيًا: المرأة في بريطانيا:
أما في بريطانيا فإن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك. وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992، كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن. وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويًا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات، علمًا بأن الكثير منهن لا يبلغن الشرطة إلا بعد تكرار الاعتداءات عليهن عشرات المرات. وتشير 'جين لويس' إلى أن ما بين ثلث إلى ثلثي حالات الطلاق تعزى إلى العنف في البيت، وبصورة رئيسة إلى تعاطي المسكرات وهبوط المستوى الأخلاقي.
وقد أظهر استطلاع نشرت نتائجه في بريطانيا تزايد العنف ضد النساء. ففي استطلاع شاركت فيه سبعة آلاف امرأة قالت 28% من المشاركات: إنهن تعرضن لهجوم من أزواجهن, ويفيد تقرير بريطاني آخر أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك سبب يبرر الضرب ويشكل هذا 77% من عمليات الضرب. ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف سنة منذ بداية زواجها، وقالت: لو قلت له شيئًا إثر ضربي لعاد ثانية لذا أبقى صامتة، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطمات واللكمات والركلات والرفسات، وضرب الرأس بعرض الحائط ولا يبالي إن وقعت ضرباته في مواقع حساسة من الجسد.
وأحيانًا قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر على جسدها، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال ساعات طويلة.
تسعى المنظمات النسوية لتوفير الملاجئ والمساعدات المالية والمعنوية للضحايا، وتقود 'جوان جونكلر' حملة من هذا النوع، فخلال اثني عشر عامًا مضت، قامت بتقديم المساعدة لآلاف الأشخاص من الذين تعرضوا لحوادث اعتداء في البيت، وقد جمعت تبرعات بقيمة 70 ألف جنيه إسترليني لإدارة هذه الملاجئ وقد أنشئ أول هذه المراكز في مانشستر عام 1971، ثم عمت جميع بريطانيا حتى بلغ عددها 150 مركزًا.

المصدر مفكرة الإسلام







وهذه شهادتهم على أنفسهم بالخور والعجز التربوى والفكرى
أسأل الله السلامة لأمة الإسلام
يقول الباحث المجد : أبو سارة
حفظه الله وأيده .
 (1) الحقيقة أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها..
والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء، بالنسبة لجهازها العصبي.
(2) على النساء أن ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة..
(3) أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفسيولوجية والعقلية؟..
يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل على الحمل فقط، بل أيضا على رعاية صغارها..
(4) ينبغي أن تتلقى النساء تعليما أعلى لا لكي يصبحن طبيبات أو محاميات أو أستاذات، ولكن لكي يربين أولادهن حتى يكونوا قوما نافعين...
(5) إن أهمية وظيفة الحمل والوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتى الآن إلى درجة كافية، مع أن هذه الوظيفة لازمة لاكتمال نمو المرأة.. ومن ثم فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة، ولذا يجب ألا تلقن الفتيات التدريب العقلي والمادي، ولا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان وتبث فيهم..
شهادة غربية=((خطر المساواة بين الذكور والإناث في مناهج التعليم))
عندما انتقد الدكتور كارل الحضارة المادية الغربية، في كتابه:
"الإنسان ذلك المجهول"..
لم يفته – بطبيعة الحال – أن يذكر ما جنته الأسر الغربية من تلك الحضارة، إنه لا يتردد في الحكم عليها بالانهيار..
نعم يذكر ذلك بصراحة، لأنه واقع ملموس شهده:
" قد انحلت روابط الأسر، ولم يعد للألفة والمودة وجود" ص27، هكذا يقول..
وما السبب في ذلك؟..
السبب:
مساواة الأنثى بالذكر في كل شيء:
- من حيث تلقي الفتاة التعليم ذاته الذي يتلقاه الفتى.
- ومن حيث إقحامها في أعمال الرجال..
وتبعا لذلك تأخير الزواج، واحتقار الأمومة، والانصراف عن تربية الأبناء..
ابتدأ المؤلف بذكر الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، وخلص منها إلى خطأ المساواة بينهما في الوظائف والمهام، منبها النساء أنهن بوصف الأنوثة يلعبن دورا أسمى مما لو كن مقلدات للرجال، ، يقول:
" إن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخارجي للأعضاء التناسلية، ومن وجود الرحم والحمل، أو من طريقة التعليم، إذ أنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك..
إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيمائية محددة يفرزها المبيض.
ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليما واحدا، وأن يمنحا قوى واحدة ومسئوليات متشابهة..
والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها..
والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء، بالنسبة لجهازها العصبي.
فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للين مثل قوانين العالم الكوكبي.
فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي.
فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة". ص109.
نفهم من كلامه وما يسوقه من أدلة، أنه يريد التأكيد على أهمية أمومة المرأة، وأنها الوظيفة الأولى والأهم في حياتها، حتى إنه ليؤكد أن التأخر عنها ينعكس على قدراتها العقلية سلبا، يقول:
" وعلى أي حال، يبدو أن النساء، من بين الثدييات، هن فقط اللائي يصلن إلى نموهن الكامل بعد حمل أو اثنين.. كما أن النساء اللائي لم يلدن لسن متزنات توازنا كاملا، كالوالدات، فضلا عن أنهن يصبحن أكثر عصبية منهن.." ص110
إنه لا يدعو إلى أهمية الأمومة فحسب، بل يدعو ويظهر فضل الأمومة المبكرة، أي يدعو إلى الزواج المبكر، يقول:
" من الواضح أن الأفراد الذين ينتمون لأربعة أجيال متعاقبة يكونون بعيدين جدا عن التجانس، فالكهل وحفيده إن هما إلا شخصان غريبان تماما..
وكلما قصرت المسافة الزمنية التي تفصل بين جيلين كلما كان تأثير الكبار الأدبي على الصغار أكثر قوة، ومن ثم يجب أن تكون النساء أمهات في سن صغيرة، حتى لا تفصلهن عن أطفالهن ثغرة كبيرة لا يمكن سدها، حتى بالحب".. ص215
وفي أثناء حديثه لا يفوته أن ينكر انقلاب المفاهيم وتغيرها في بلاده، من حيث نظرة الناس إلى الأمومة، وانصراف الأمهات عن تربية أبنائهن بالعمل واللهو..
إن الطفل يتعلم أحسن العلم ويتربى أحسن التربية حينما يلقى الرعاية من والديه، فالمدرسة لا تصلح بديلا للبيت، وصحبة القرناء لا تكون ثقافة ولا تمنح ذكاء، ومن المهم أن تتضمن مناهج تعليم الفتيات دراسة مستفيضة عن الطفل ليكن مهيئات للتربية، يقول:
" يكاد المجتمع الحديث أن يهمل الإحساس الأدبي إهمالا تاما.. بل لقد كبتنا مظاهره فعلا..
فقد أشربنا جميعا الرغبة في التخلص من المسئولية، أما أولئك الذين يميزون الخير من الشر ويعملون ويتحفظون فإنهم يظلون فقراء وينظر إليهم بضيق وتأفف..
والمرأة التي أنجبت عدة أطفال، وأوقفت نفسها على تعليمهم بدلا من الاهتمام بمستقبلها الخاص ضعيفة العقل".. ص176
" لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالا تاما..
ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن، أو مطامعهن الاجتماعية، أو مباذلهن، أو هوايتهن الأدبية أو الفنية أو اللعب البريدج، أو ارتياد دور السينما، وهكذا يضعن أوقاتهن في الكسل.. إنهن مسئولات عن اختفاء وحدة الأسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار فيتعلم منهم أمورا كثيرة..
إن الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع جراء من نفس عمرها في حظيرة واحدة لا تنمو نموا مكتملا كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمضي في إثر والديها، والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذين يعيشون وسط جمهرة من الأطفال الآخرين، وأولئك الذين يعيشون بصحبة راشدين أذكياء، لأن الطفل يشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقا للقوالب الموجودة في محيطه..
إذ إنه لا يتعلم إلا قليلا من الأطفال الذين في مثل سنه، وحينما يكون وحده فقط في المدرسة فإنه يظل غير مكتمل، ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة فإنه يحتاج إلى عزلة نسبية واهتمام جماعة اجتماعية محددة تتكون من الأسرة". ص306
" يجب علينا أن نعيد إنشاء الإنسان – في تمام شخصيته – الذي أضعفته الحياة العصرية ومقاييسها الموضوعة، كذلك يجب أن يحدد الجنسان مرة أخرى، فيجب أن يكون كل فرد إما ذكرا أو أنثى، فلا يظهر مطلقا صفات الجنس الآخر العقلية وميوله الجنسية وطموحه…
وتجديد التعليم يحتاج إلى بصفة خاصة إلى قلب الأهمية النسبية المنسوبة إلى الأبوين والمدرسين في تكوين الطفل..إننا نعلم أنه من المستحيل أن ننشيء أفرادا بالجملة، وأنه لا يمكن اعتبار المدرسة بديلا من التعليم الفردي..
إن المدرسين غالبا ما يؤدون عملهم التهذيبي كما يجب، ولكن النشاط العاطفي والجمالي والديني يحتاج إلى أن ينمى – فيجب أن يدرك الوالدان بوضوح أن دورهما حيوي، ويجب أن يعدا لتأديته..
أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفسيولوجية والعقلية؟..
يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل على الحمل فقط، بل أيضا على رعاية صغارها". ص353
ثم إنه يطالب بالزواج طويل الأمد، لأجل مصلحة الأطفال، حيث إن الطلاق المبكر في بلاده في ازدياد، والعلاقات خارج نطاق الزوجية كثيرة، وهي تنتهي سريعا، ويدعو إلى تحديد نوعية تعليم الفتاة بحيث يكون مناسبا لأمومتها، يقول:
" يجب أن يحصل كل فرد على الأمن والاستقرار اللازمين لإنشاء الأسرة، ومن ثم ينبغي ألا يكون الزواج بعد الآن اتحادا مؤقتا فقط، فاتحاد الرجل والمرأة يجب أن يستمر على الأقل إلى أن يصبح الصغار غير محتاجين إلى الحماية، كما يجب أن تحسب قوانين التعليم، وبخاصة تلك التي تتعلق بالبنات، والزواج، والطلاق، حساب مصلحة الأطفال قبل كل شيء..
وينبغي أن تتلقى النساء تعليما أعلى لا لكي يصبحن طبيبات أو محاميات أو أستاذات، ولكن لكي يربين أولادهن حتى يكونوا قوما نافعين".. ص339
ثم يبين خلاصة رأيه في وضع المرأة، ، فيقول:
"صفوة القول:
أن وجود الجنين، الذي تختلف أنسجته اختلافا كبيرا عن أنسجة الأم، بسبب صغرها، ولأنها جزئيا من أنسجة زوجها تحدث أثرا كبيرا في المرأة..
إن أهمية وظيفة الحمل والوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتى الآن إلى درجة كافية، مع أن هذه الوظيفة لازمة لاكتمال نمو المرأة.. ومن ثم فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة، ولذا يجب ألا تلقن الفتيات التدريب العقلي والمادي، ولا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان وتبث فيهم..
يجب أن يبذل المربون اهتماما شديدا للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، وكذا لوظائفها الطبيعية، فهناك اختلافات لا تنقض بين الجنسين..
ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدين".. ص110-111
تلك هي نظرته إلى المرأة والأسرة والطفل…
وكما رأينا إنه يدعو، بعد أن درس طبيعة المرأة في تكوينها الجسدي والعقلي والعاطفي، وبعد أن لمس الآثار السيئة لخروج المرأة إلى سوق الرجل، يدعو إلى الرجوع إلى الفطرة، إلى الأسرة، التي لا تقوم إلا بالمرأة، التي تتفرغ من أجل صغارها، هي المحضن الفعلي والصحيح لتربية الأطفال، فالمدرسة لا يمكن أن تقوم بدور الأسرة، والأحسن للمرأة أن تتزوج في سن مبكر، كي يعظم أثرها في أبنائها..
يستنكر أن تتلقى الفتاة نفس تعليم الفتى..
يستنكر خلو مناهج تعليم الفتيات من مواد تختص بالأمومة والتربية..
ويعلن صراحة أنه ليس مهما أن تصبح الفتاة طبيبة أو أستاذة أو محامية أو غير ذلك..
إنما المهم أن تتعلم ما يعينها على تربية أبنائها.
وبعد:
فهل ترون فرقا بين ما يدعو إليه دعاة الحق، وبين ما دعا إليه الدكتور كارل فيما سبق؟..
لا فرق..
ما دعا إليه هو بالضبط ما يعلنه المصلحون من الدعاء والعلماء الذين يقفون في وجه مدمري الأسر والمرأة..
فكيف اتفق المؤمن والكافر؟..
كيف اتحدت فكرة دعاة الإيمان والدكتور النصراني كارل في قضية المرأة ؟..
إنها الفطرة والتجرد..
معلوم أن كل إنسان مهما كان دينه، فهو لا يخلو من عقل..
فهذا الدكتور له عقل يفكر به، وقد نظر في علم الطب وفهم حقيقة الفرق بين الرجل والمرأة، ورأى الواقع الصعب الذي آلت الأسر في الغرب، عندما أخذت بمبدأ المساواة التامة بين المرأة والرجل، مخالفة بذلك الفطرة وحقيقة الحياة..
فرجع إلى فطرته وما تعلمه من علم صحيح فوجد الحل في أن تمارس المرأة عملها الرئيس، الأمومة والتربية، وأنه يجب أن تهيء لهذا العمل منذ البداية، وأن من تعاليم الحضارة السيئة إخراج المرأة من بيتها للعمل مع الرجال، وتعليمها نفس تعليم الذكور..
ها قد شهد شاهد من أهلها..
ما أحسن الاعتبار، والسعيد من وعظ بغيره.. لكننا نرى قومنا يرفضون الاعتبار..
قلنا لهم: إن الله تعالى فرض على المرأة القرار في البيت، بقوله:
{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
وهذا حكم عام في حق جميع النساء، ليس مختصا بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، كما يزعم بعضهم، فالأحاديث في المعنى كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم:
( إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها) صحيح رواه ابن خزيمة 3/93،
وهذا لا شك عام..
قالوا: تريدون حبس المرأة ؟..
أليس كانت تخرج تعمل، تبتاع وتشتري، وتمرض الجرحى، وتطوف وتسعى؟..
قلنا: نحن لم نحبسها، إن كنتم ترون قرارها في البيت حبسا، فالله تعالى هو الذي حبسها، مع أنا لا نسمي قرارها في البيت حبسا، فالمحبوس مذنب لا يخرج إلا بعد انتهاء مدة العقوبة، أما المرأة فلها أن تخرج متى شاءت إذا كانت ثمة ضرورة، إذن ليست مذنبة، وليست محبوسة..
أما أن المرأة كانت تخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لتعمل وتبتاع وتشتري ونحو ذلك..
نعم كان ذلك..
لكن هل خروجها في ذلك الزمان كالخروج الذي يطالب به دعاة تحرير المرأة اليوم؟..
لا.. كان الأصل أن تقر في بيتها، ولا تخرج إلا للضرورة، لكن هؤلاء يريدون الأصل فيها أن تكون داخلة خارجة، كالرجل تماما.. وشتان بين الأمرين..
ثم إن العادة في ذلك العهد هو خروج الكبار المتزوجات، أما المخدرات الأبكار فلم يكن يخرجن إلا نادرا..
ولذا احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يحث ويأمر المسلمين بإخراجهن إلى العيد، كما في حديث أم عطية: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نخرج العواتق وذوات الخدور) مسلم 2/605..
لكن هؤلاء ينادون بخروج المرأة عموما، وبخاصة الأبكار وصغيرات السن، اللاتي هن محل الفتنة.. فهم لا يبالون بالنساء اللاتي فوق الأربعين..
إنما غرضهم الفتيات ما دون ذلك خاصة ما حول العشرين..
ودعاة تحرر المرأة يسعون اليوم حثيثا إلى المساواة التامة بين الذكر والأنثى، في التعليم والعمل.. ومقصودهم هو رفع الحجاب وبث الاختلاط..
وبدون ذلك لن تتحقق المساواة في نظرهم..
وهم دوما يستشهدون بالغرب في هذا المجال يقولون: لما نبذ الغرب تلك العادات البالية – الفصل بين الجنسين – تقدموا وفاقوا العالم.. ونحن لازلنا متأخرين لإصرارنا على الفصل بين الجنسين..
فما عساهم أن يقولوا إذا سمعوا شهادات علماء الغرب ومفكريهم في التأكيد الشديد على أن المساواة التامة بين الجنسين، واقتحام المرأة أعمال الرجال، وتركها لوظيفة الأمومة، هو الخطر الكبير على حضارتهم؟..
إن الذين عاشوا تجربة إخراج المرأة من بيتها يعلنون بصراحة أنها كانت فاشلة، تسببت في محو الأسر، وتشرد الأطفال، ونشوئهم محرومين من الحنان والعاطفة والتربية، وما يتبع ذلك من الانحراف، وهم الآن يحاولون إرجاع المرأة إلى بيتها:
فبعض الدول الأوربية تعطي جوائز لأحسن أم، وكثير من النساء اللاتي بلغن مناصب عالية في شركات كبيرة يستقلن ويعلن أن المكان الصحيح لهن هو البيت والأمومة، وكثير من الكليات والمدارس في أمريكا وأروبا نسائية مائة بالمئة..
وأمام كل هذه الأدلة، الشرعية منها والواقعية، لا ندري لم يصر دعاة حقوق المرأة من بني جلدتنا على الترويج لإخراج المرأة من بيتها، والزج بها في أعمال الرجال والاختلاط بهم؟!!!!!
إن أرادوا نصوصا شرعية تحرم الاختلاط، وتوجب قرار المرأة في بيتها، والحجاب، فهي كثيرة رددناها مرارا وتكرار..
وإن زعموا أن تطور الغرب كان نتيجة خروج المرأة إلى العمل، فالغرب نفسه منذ ستين سنة وإلى اليوم يعلن عكس ذلك..
إذن كل الأدلة لا تقف مع دعاة خروج المرأة للعمل، بل هي ضدهم، لكنهم مع لا يؤمنون، فإما أنهم لا يفهمون، أو أنهم من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..
وهم يربطون بين حضارة الغرب وخروج المرأة لغرض في نفوسهم، فإذا ما جوبهوا بالحقيقة، واعترافات مفكري وعلماء الغرب بعكس ذلك، لاذوا بالصمت..
لكن الأهم من هذا عموم الناس، الذين ليسوا من المصلحين ولا من المفسدين، بل هم من المتفرجين..
هؤلاء للأسف الشديد، بعضهم لأجل حفنة مال لا يمانع أن يخدم ابنته في عمل بين الرجال، يحطم أنوثتها ومستقبلها، وهو يزعم أنه يريد أن يحفظ مستقبلها، متناسيا خطر وجود الفتاة بين الرجال، فلهذا نقول:
إذا كنت ضعيف الإيمان بكلام الله تعالى، ولا تجد في نفسك خضوعا لأوامره، فلا أقل من أن تتعظ بتجربة الغرب في هذا المجال، وشهادات العقلاء منهم بخطر إخراج المرأة عن وظيفتها والزج بها بين الرجال..
فلعل ذلك يكون منبها لك أن تحذر المهالك في حق من وليت أمرهم..

ولكى يستبين المقلدين
من قردة وببغاوات
خسارتهم للصفقة نقدم لكم هذه السطور .
وهى من جمع الأستاذ الدكتور : عماد الدين خليل
حفظه الله وأيد بالحق أركانه وجننانه .
ويقول ...
تعود "قضية" المرأة في العقدين الأخيرين لكي تحتل موقعاً متقدماًً في ساحة الصراع الفكري، وتكون واحدة من أكثر المواضيع سخونة في العالم.
قبلها كان الغربيون هم الذين "يغزوننا" بأفكارهم ومعطياتهم وتقاليدهم بخصوص المرأة والأسرة، وكل المفردات المرتبطة بهذين القطبين الأساسيين في الحياة الاجتماعية .. كنا نستورد، وكانوا يصدرون .. وكانت تجارة رائدة أن يظهر في ديارنا مقاولون أو متعهدون كبار يمارسون مهمة الاستيراد هذا بحساب الجملة.. وكانت الصفقات تتم دون معاينة جادة للبضاعة، فكانت تحمل وهي تتدفق على موانئنا الكثير من المزيف والمغشوش الذي سرعان ما انتشر في أسواقنا، وملأها بالبضائع المدسوسة التي ضاعت في غبشها المرأة المسلمة، وتعرّضت الأسرة للاهتزاز والدمار بكل ما تنطوي عليه هذه المؤسسة من قيم تربوية تصنع مجد الأمم والشعوب، أو تقودها إلى البوار.
كانت المرأة والأسرة هناك في ديار الغرب تعانيان من ألف مشكلة ومشكلة فنُقلت إلينا كما لو كانت هي الحل، فكانت خسارتنا مضاعفة على كل المستويات وبكل المقاييس. استبدلنا الأعلى بالأدنى، بمعيار معكوس كان يصور للمتعاملين على أنه هو المقياس المطلوب والضروري في القرن العشرين.
وكانت تغذي المحاولة المعكوسة هذه، وتحرسها، وتمضي بها إلى نهاية الشوط شبكة من السماسرة في عالم الفكر والإعلام والاجتماع، قد يختصمون على كل شيء إلا في هذه.. وكانت الأصوات " المعارضة" التي ترتفع لكي تدين السمسرة الماكرة، تُكبت أو تُعزل، وأحياناً يغيب أصحابها بهذه الحجة أو تلك.
صوت الطهر والنظافة والاستقرار والأمن والتوحد كاد يضيع قبالة أصوات المهرجين الذين أريد لهم أن يدخلوا المضمار، وأن يحظوا بالفوز بأي ثمن.
كانوا يصدرون مشاكلهم عبر موانئ الفكر المفتوحة على مصراعيها، ومن خلال شبكة المستوردين والسماسرة، مخيّلين للمسلمين أن المرأة المسلمة هي التي تعاني من المشاكل والأزمات، وأن الأسرة المسلمة بحاجة إلى تعديل الوقفة الجانحة من أجل كرامة المرأة وحقها الإنساني المشروع في الحياة الحرة الشريفة!! وبهدف تجاوز الهضم والإجحاف والتحقير التي عانت منها عبر القرون.
الاستقرار النفسي، والأمن الأسري، والطهارة الخلقية، والطفولة الآمنة المتوحدة.. أصبحت مآخذ على الحياة الإسلامية، سعى السماسرة إلى استيراد الحلول المناسبة لتداركها .. والحلول كانت سموماً مركزة أطاحت بالاستقرار والأمن والطهارة، ودست في شرايين الحياة الإسلامية: الفساد والعهر والشذوذ والتفكك والخوف والدمار.
ومنذ بدايات القرن الماضي حدثنا المتحدثون والكتاب عن حدث يحمل دلالاته العميقة في هذا المجال. لقد كانت (اسطنبول) عاصمة الخلافة الإسلامية واحدة من أنظف مدن
العالم في مجالات العلاقة بين الرجل والمرأة، فلما دخلها الغربيون تحت مظلة الإصلاح والتحديث .. لمّا غزتها قوانين (بونابرت) الوضعيّة وأبعدت مفردات الشريعة الإسلامية شيئاً فشيئاً.. لما أخذ الطلبة الأتراك يذهبون إلى عواصم الغرب ويرجعون بالشهادات
أو بدونها .. بدأ الطفح الأحمر يظهر على جلد (اسطنبول) .. والزهري والسيلان وكل السموم الجنسية المدمرة تتسرب في شرايينها. ويذكر (شمتز دوملان) في كتابه (الإسلام) أنه " عندما (غادر الدكتور مافرو كور داتو) الأستانة سنة 1927 م إلى برلين لدراسة الطب لم يكن في العاصمة العثمانية كلها بيت واحد للدعارة. كما لم يُعرف فيها داء الزهري وهو السفلس المعروف في الشرق بالمرض الافرنكي، فلما عاد الدكتور بعد أربع سنين تبدّلت الحال غير الحال. وفي ذلك يقول الصدر الأعظم (رشيد باشا) في حسرة موجعة: إننا نرسل أبناءنا إلى أوروبا ليتعلموا المدنية الافرنكية فيعودون إلينا بمرض الداء الافرنكي".

كانت الخطوة الأولى .. الخطوة الضرورية.. وأعقبتها بقية الخطوات .. صار العملاق العثماني الذي دق أبواب فينا، رجلاً مريضاً، وراحت السكاكين تعمل في جسده الممزق، حتى انتهى الأمر إلى قتله تماماً على يد واحد من المحسوبين على جغرافية الإسلام.. وجاء من بعده عشرات القادة لكي يواصلوا المهمة. ومن قبلهم ومعهم، وربما بعدهم، استمرت شبكة السماسرة في دوائر الفكر والثقافة والإعلام والاجتماع تمارس مهمتها المعكوسة، فترفع شعار تحرير المرأة لكي تصل بها في نهاية الأمر إلى التعهير!
عدد ليس بالقليل من النساء الغربيات أنفسهن، كما سنرى، كن يجدن في الحياة الإسلامية.. في جمال المرأة والأسرة والطفولة المثل الأعلى والصيغة المرتجاة للأمن والاستقرار والعطاء والسعادة.. وكن يتُقْن إلى التمتع بعشر معشار ما تتمتع به المرأة
المسلمة. وأغلب الظن أن عدداً من القراء والمتابعين لا يزالون يذكرون، من بين وقائع كثيرة، ذلك المؤتمر النسائي الحاشد الذي نظمته وزيرات المرأة والأسرة في الحكومات الألمانية الإقليمية عام 1991 م والذي كان بمثابة تظاهرة نسائية رسمية ضخمة استهدفت تأكيد دور المرأة في المجتمع الألماني، وقد طالبت النساء في المؤتمر بالحقوق التي تتمتع بها المرأة المسلمة منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وخاصة بالنسبة لاحتفاظ المرأة الألمانية باسم والدها بدلاً من إجبارها على حمل اسم زوجها. وحيّت النساء المحتشدات قرار المحكمة الدستورية في ألمانيا (الاتحادية) الذي أقرت فيه بعدم حتمية قيام المرأة بحمل اسم زوجها، وأنه لها الحق في الاحتفاظ باسم والدها إن أرادت ذلك.
قبل ذلك بحوالي العقدين من الزمن كانت الساحة الإيطالية قد شهدت هجوماً مضاداً آخر في مواجهة الميل بالمرأة والأسرة عما أراده لها الله سبحانه .. تلك الضغوط المتواصلة في البرلمان الإيطالي .. على بعد خطوات من الفاتيكان زعيمة الكاثوليكية في العالم .. والتي تزعمها أشد البرلمانيين ليبرالية، من أجل إقرار حق الطلاق للرجل الإيطالي، بعد حجبه القرون الطوال.
بل إن بعض النسوة الغربيات انتمين إلى الإسلام من أجل أن يذُقْن التجربة ويبعدن عن مواطن التفكك والرذيلة والعفن والقلق والسعار الذي يحكم حياة المرأة الغربية، حتى لم تعد الكثيرات منهن يأمن على أزواجهن من المعاشرة اللاشرعية، ولم يعد الأزواج أنفسهم يأمنون على الذراري والأبناء، ويضمنون انحدارهم من الأصلاب!
هذا كله يتسرب بدعاوى السماسرة الذين أطلقوا على أنفسهم دعاة تحرير المرأة.. يتسرب إلى حياتنا فيستبدل الذهب بالتراب، ويكون هذا الذي كان ..
وليس ثمة أمة كهذه الأمة المسماة تجوّزاً " بالإسلامية " تجهل كل فن مجدٍ في صيرورة الحياة وتناميها، ولكنها تحذق فن هدر الطاقة، والتفريط بعناصر التميّز والتفوّق، واستبدال الغالي بالرخيص.
في سياقات عديدة تمّت الصفقات الخاسرة في التاريخ الحديث والمعاصر لهذه الأمة .. في مجال الاقتصاد والسياسة والحرب والعلم و الأخلاق.. وهاهنا في سياق المرأة والأسرة، كان القانون نفسه يعمل عمله بوساطة جيش من السماسرة وأدعية التقدّميّة والتحرر، لكي يفرط بواحدة من أكثر الحلقات في الحياة الإسلامية تميّزاً وتفوقاً، ويحلّ محلها: التفكك والعفن والرذيلة والخراب والشذوذ والزهري والسيلان.. وأخيراً الإيدز الذي بدأ يدق الأبواب.
هذا كله كان، ولا يزال قائماً حتى اللحظات الراهنة في ديارنا، رغم أنه حوصر إلى حد كبير بقوة معطيات الصحوة الإسلامية ومطالب الفطرة البشرية التي تميل إلى الطهر والعفاف والنظافة والاستقرار، والتي لن تحظى بتحققها المأمول إلا في إطار هذا الدين.
ألا أن المفاجأة التي حدثت، فيما لم يكن أحد يحسب له أيما حساب، إن المكر السيئ حاق بأهله، وتلك هي واحدة من سنن الله سبحانه في خلقه. وليس المقصود هنا حشود السماسرة الذين مرّروا العملية؛ فهؤلاء ليسوا بأكثر من أدوات أو آلات للتوصيل.. وإنما الحياة الغربية نفسها التي أخذت تتلقى الهجوم المضاد في قضية المرأة.. في عقر دارها.. عبر العقدين الأخيرين على وجه الخصوص. وأصبح هذا "الغزو" إذا صح التعبير، أو الهجوم المضاد، يمثل بمرور الوقت هاجساً ملحاً في دوائر الحياة الغربية على مستوى السلطة والمجتمع، وأخذ يتصاعد حتى كاد يدفع بعض القيادات الغربية إلى تجاوز ما يُسمى هناك بالثوابت الديموقراطية من أجل وقف الظاهرة التي أخذت تهدّد الحياة الغربية، على ما تصوّروه هم بحكم التقاليد الفكرية والسلوكية وضغط الأعراف والمسلمات الخاطئة القادمة من عمق الزمن الأوروبي.
أمامي الآن مقال للمفكر الفرنسي (برنارسيشير) بعنوان "الحجاب العرب .. ونحن" ينطوي على بعض المعطيات المهمة، وهي تمس كما يبدو من العنوان، إحدى الحلقات المهمة في موضوع المرأة المسلمة، ولا أقول قضيتها، ألا وهو (الحجاب).. فها هو الحجاب يقتحم العري الفرنسي.. التهتك الباريسي المعروف، ويفرض حضوره في قلب المجتمع.. فكيف كانت رؤية الفرنسيين أنفسهم للظاهرة؟ كيف كانت ردود الأفعال؟
حين تحجّبت بعض الفتيات في (الليسيه) يقول (سيشير)، تحركت الطبقة السياسية، وراح يدلي كل بدلوه حول الاحترام الواجب تجاه بلد الضيافة، وهو يقصد ضرورة احترام التقاليد الفرنسية من قبل أولئك الغرباء الذين قبلتهم فرنسا ضيوفاً عليها، بغض النظر عن القيم الأخلاقية لهذه التقاليد، حتى إن أحد الوزراء هدّد باتخاذ موقف، واجتمعت أخيراً الهيئة الدستورية، في حين كاد يعلن بعض المثقفين - جهاراً - أن الوطن العلماني في خطر!
ويمضي (سيشير) إلى القول بأنه مهما بلغت قدرة عملاء العروض المشهدية على التلاعب والتأثير - وهم لم يترددوا في ممارستها بوقاحتهم المألوفة - فإن حادثاً كهذا لا يكتسب مثل هذه الأهمية ولا يثير مثل هذه الأصداء، إلا إذا كان يمس الطبقات العميقة من الوعي الاجتماعي. وبما أن من تحرّك هذه المرة ليس من أتباع (الساسة الفاسدين)، وإنما من المفكرين اللامعين الذين اجتاحتهم فجأة موجة من الغضب المفرط.. فيجب أن نبحث عن الدوافع البعيدة.. إنها أعراض (بواتييه) المرضية!
إذن فإن تراكمات التأريخ والعمق الصليبي للمثقف الفرنسي الذي لا يزال يتذكر محاولة الاقتحام الإسلامي للأرض الفرنسية وهزيمته عند (بواتييه)، هي التي تستفز في تحليل (سيشير) العقل الغربي لمجابهة ظاهرة الحجاب الإسلامي، حتى لو أدّى الأمر إلى
خرق الثوابت الديموقراطية وضرورات "التسامح وجمال الاختلاط العرقي" التي يدّعيها الفرنسيون. ويبدو لي - يقول سيشير -: إن أعراض (بواتييه) المرضية إنما تشهد على جهلنا العميق بحقائق الإسلام كما تشهد في الوقت نفسه على عودة غريبة للمكبوت تجعل
العربي (المسلم بالأخص) يحل وقتياً محل اليهودي في الاستيهام العنصري والمتوتر لغيريّة AL teroite )) قوية تنذر وتهدّد.
إنه "النسيان المذهل" و "النفي المجنون" كما يعبر (سيشير)، لأفضال الحضارة الإسلامية على الغرب"، وإذا كان العرب قد بهروا ذاكرتنا القديمة وأربكوها إلى هذا الحد ، فذلك لأنهم كشفوا عن قدرتهم على ابتكار الحضارة الأكثر ألقاً وغنى‎، عندما كنا لا نزال نحن في طور التخلف، وقد لعبت الكنيسة المسيحية، في إطار هذا الكبت الكبير، دوراً لا تُحسد عليه أبداً، وآن الأوان لكي تعترف بذلك خصوصاً وأن مذهبها ما كان ليتكون لولا أن سلبت الكنز النفيس الذي وصلها من الفكر الإسلامي، ثم عملت على طمس معالمه المدهشة ".
إن الفرنسيين، والغربيين عموماً هم ضحايا التعصب - كما يقرر سيشير - ضحايا تشويه تجعلهم يتصورون أن تأريخهم هو التاريخ الوحيد الممكن، ويجعلهم يسقطون من خلال هذه الأفكار (وعسكرياً من خلال الأفعال) تحديدهم للسياسة على وقائع تاريخية وثقافية تبدو لهم متطرفة لدرجة أنهم يمضون وقتهم في ترسيخ سوء التفاهم.
وبوصفي مدرساً - يقول سيشير - فإنني أتساءل كيف لا ترون أن المشكلة الملحة ليست الحجاب، وإنما الانهيار العام لثقافة لا تعني رجال السياسة عندنا؟" وتقولون: إنكم تريدون حماية هُويّة؟ وأية هُويّة؟ ولأن الجواب لن يكون سهلاً فمن الأفضل فتح باب المناقشة والانحياز إلى الفكر وليس إلى الخوف!
" لقد أحالتنا الحيوية الدينية الإسلامية فجأة، إلى وعي مخيف، ولقد عبّر عنها بعض المثقفين المستنيرين من خلال ردود فعل مرعبة وتشنّجات غير عقلانية"
هذا بعض ما يخلص إليه (سيشير) وهو يعالج ردود الفعل الفرنسية تجاه ظاهرة الحجاب في سياق الموقف المسيحي العام من خلال الظاهرة الإسلامية ببعدها الديني وعمقها التاريخي، وهو موقف لا يعكس فكر أو عاطفة الشرائح الدنيا في المجتمع، أو حتى الساسة (الفاسدين)، ولكن المثقفين والمفكرين اللامعين!
وفى الختام إخوتى .
ليتفهم كل فرد فينا ما المراد منا ؟
ما هو مراد الله فينا ؟
أليس سكنى الجنان ومرافقة النبى العدنان
إذ نحن أمتثلنا أمره وأنتهينا عن نهيه ؟
وماذا ينقمون منا وعلينا نحن أمة التوحيد ذات المنهجية الربانية
لا العبودية الذاتية الشهوانية
والتى تنزلنا منازل الحيوانات
إن نحن أقامنا مناهجهم فى نفوسنا .
يقول ناعقيهم
ممن لبسوا لباسنا ونطقوا بألسنتنا
أنت مصاب كأمثالك بعقدة المؤامرة !!!
نعم تالله إنها المؤامرة الكبرى
أصبت بها منذ نعومة أظافرى
أشربتها لما وعى سمعى قول الحق جل فى علاه
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120
ولن ترضى عنك -أيها الرسول- اليهود ولا النصارى إلا إذا تركت دينك واتبعتَ دينهم. قل لهم: إن دين الإسلام هو الدين الصحيح. ولئن اتبعت أهواء هؤلاء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله مِن وليٍّ ينفعك, ولا نصير ينصرك. هذا موجه إلى الأمّة عامة وإن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم.

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً }الكهف20
أليس الله يقول أنهم يتآمرون علينا يا متعفنى العقول والأفهام والأسماع ؟
أم أنك بهذه الترهات الفكرية تريدون أن تثنونا عن تدبر
قول الحق الذى فيه تمترون
أخزاكم الله من دعاة مجون
والله لديننا المحفوظ المصون
مهما عاداه العادون
أو قال عنه المتفيهقون .
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }البقرة145
ولئن جئت -أيها الرسول- الذين أُعطوا التوراة والإنجيل بكل حجة وبرهان على أن توجُّهك إلى الكعبة في الصلاة هو الحق من عند الله, ما تبعوا قبلتك عنادًا واستكبارًا, وما أنت بتابع قبلتهم مرة أخرى, وما بعضهم بتابع قبلة بعض. ولئن اتبعت أهواءهم في شأن القبلة وغيرها بعد ما جاءك من العلم بأنك على الحق وهم على الباطل, إنك حينئذ لمن الظالمين لأنفسهم. وهذا خطاب لجميع الأمة وهو تهديد ووعيد لمن يتبع أهواء المخالفين لشريعة الإسلام.
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48
وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن, وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله, وأنها من عند الله, مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها, فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن, ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه, فقد جعلنا لكل أمة شريعة, وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة, ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم, فيظهر المطيع من العاصي, فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن, فإن مصيركم إلى الله, فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون, ويجزي كلا بعمله.
{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }المائدة49
واحكم -أيها الرسول- بين اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن, ولا تتبع أهواء الذين يحتكمون إليك, واحذرهم أن يصدُّوك عن بعض ما أنزل الله إليك فتترك العمل به, فإن أعرض هؤلاء عمَّا تحكم به فاعلم أن الله يريد أن يصرفهم عن الهدى بسبب ذنوبٍ اكتسبوها من قبل. وإن كثيرًا من الناس لَخارجون عن طاعة ربهم.
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ }الأنعام56
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن الله عز وجل نهاني أن أعبد الأوثان التي تعبدونها من دونه, وقل لهم: لا أتبع أهواءكم قد ضللت عن الصراط المستقيم إن اتبعت أهواءَكم, وما أنا من المهتدين.

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }الرعد37
وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسانهم أنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن بلغة العرب; لتحكم به, ولئن اتبعت أهواء المشركين في عبادة غير الله -بعد الحق الذي جاءك من الله- ليس لك ناصر ينصرك ويمنعك من عذابه.
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ }المؤمنون71
ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومَن فيهن، بل أتيناهم بما فيه عزهم وشرفهم، وهو القرآن، فهم عنه معرضون.
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50
فإن لم يستجيبوا لك بالإتيان بالكتاب, ولم تبق لهم حجة, فاعلم أنما يتبعون أهواءهم, ولا أحد أكثر ضلالا ممن اتبع هواه بغير هدى من الله. إن الله لا يوفِّق لإصابة الحق القوم الظالمين الذين خالفوا أمر الله, وتجاوزوا حدوده.
اللهم يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض
أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا
وباسمك الطيب الطاهر
وباسمك الأعظم
الذى إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت
أن تنزل هدايتك علينا وعلى جميع المسلمين
وأن تنزل رحماتك على جميع موتى المسلمين
ممن شهدوا لك بالوحدانية
ولنبيك بالرسالة
أسألك ربى الهداية لى وأن تستعملنى على الوجه الذى يرضيك عنى
اللهم علمنى وأولادى التأويل وارزقنا فقهاً فى الدين
إنك يا مولانا سميع مجيب
وفقنا يا ربنا لأحب الأعمال وأرضاها عندك
يا ربِ نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
نسألك يا ربنا أن تستر عوراتنا
وأن تأمن روعاتنا
وأن تستر نساءنا
وبناتنا
اللهم أستجب لدعائنا يا كريم
ولا يفوتنى أخوتى أن أن أخصص تلكم الكلمات النيرات
أخاطب بهن نسوتنا الآئى هن فى طريق الطاعة
راغبات
وعن كل رذيلة هن مبتعدات
أسمعن وأنصتن
إن كنتن مجيبات

*******


سلام على الجوهرة المصونة، إليها أهدى هذه الكلمات، إليك يا أختنا الغالية، إلى من جعلت القرآن ربيع قلبها، والحجاب حياتها وعفافها، إلى من جعلت العفة تاجها ولباسها، إليك أيتها الجوهرية المصونة.



أختاه..أوصيك أختاه بالتقوى، فإن بها طعم السعادة، فيا أم الأجيال، ويا حفيدة الأبطال، أختاه فلتقبلي مني هذه الرسالة غالية الثمن، مهرها الآيات البينات، والحكم الواضحات، والأبيات الجميلات برًا منّا لها؛ لأن في طاعتها رضا لرب الأرض والسماوات.

*******

إنها الأم صاحبة القلب الحنون حبيبة البنات والبنون، فلها نقول:

أمنا الغالية يا من شهدت الساعات الطوال، وما نامت الليالي في خدمة الأبناء أنت في أعيننا جميعًا أغلى والله  من الجواهر،  ولا تقدرين عندنا بثمن، كيف لا وحقك بحق الله مقرون، وبرك أقرب طريق للجنة التي فيها ما لم تره العيون، حسبك أنك أحق الناس بالصحبة على لسان النبي الميمون، ألم تسمعي أن النفوس المؤمنة تشتاق إلى الجهاد في سبيل الله، ومع ذلك تمنع إذا كان ذلك يتعارض مع البر بك، وحاجتك للأبناء ليقوموا بحقك، بل من أراد رضا الله منهم فليحرص على رضاك، وليعلموا أن من أسخطك فبدأ بسخط الله.

*******

أيتها الأم: إن الإسلام قد أعطاك حقوقًا وطلب منك أُخَر، [كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ]رواه البخاري ومسلم. فأنت راعية ومسئولة عمن ولاك الله أمرهم من البنين والبنات، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً...[6]}[سورة التحريم] فكيف تقين هذه الأسرة، وكيف تحمين هذه المملكة الصغيرة.

فأين أنت من فلذة الكبد، البنت.. يوم سلك الكثيرات منهن طريق العار والدمار، فأصبحن وقودًا للنار، أغلت فانحرفت، وإلى ملذات الفتن انجرفت، تسللت إلى مخالب الذئاب حتى افترسها الكلاب.. وأنت أيتها الأم لا تشعرين، وبملذات الحياة تنعمين، فمن كانت هذه حالها مع ابنتها، فلتعلم أنها موجودة ومع ابنتها مفقودة.

*******

أيتها الأم: إليك هذه القصة:

اتصلت بي إحدى الفتيات تبكي وتصيح عبر الهاتف، فإذا ببنت من البنات تبكي بصوت عالٍ وتصيح: أنقذني، قلت: ما الذي أصابك؟ قالت: إنني فتاة من الفتيات تعرفت على شاب عبر الهاتف، ثم جلست أحادثه أيامًا حتى قلت له كلامًا، وقال لي كلامًا يستحي والله أن يقوله الزوج لزوجته، فكان يحاول مرارًا أن يراني وأراه لكن فطرتي وحبي للخير منعتني أن أقابله، فقام مع إلحاح منه وغيبة من والدي ووالدتي، نعم..غيبة من الوالد والوالدة وافقت أن أقابله، فخرجت له، فإذا به ينتابني بسياره، ثم ركبت معه حاول أن أذهب معه إلى منزله، فرفضت، لكنه قال إن جلوسنا في الشارع قد يلفت أنظار الناس لنا، فلنذهب إلى أحد البيوت، فتقول: وافقت فذهبت معه وجلست معه في بيت، ففوجئت أني دخلت في إحدى الغرف، فإذا بها سبعة من الشباب غيره.

قالت: فحاول حتى فعل بي الزنا بعد تهديد مرارًا، ثم ليته اكتفى بذلك ذلك المجرم لكنه مكن الأصدقاء الذين كانوا معه بالبيت بأن يفعلوا بي، فقام بتصويري، ثم ها هو يضعني عند البيت، والله إني أحدثك والحادثة لم يتم عليها أكثر من نصف الساعة، وما ذاك إلا لغياب أمي عني، وابتعاد أبي عن شعوري وعن حالي.

******

أيتها الأم: ها هي البنت فلذة الكبد تلوح لواح الثكلى، وتأن أنين اليتيم، وتصيح صياح الأرامل، وتناجيك لعلها تجد بين أحضانك دفء الكلمة الصالحة، وعذوبة التلذذ بالهداية، لعلها أن تجد لها نصيحة تظهر لها طريق الحياة، وموعظة تنقذها من جحيم الهلاك.. تنادي بأعلى صوتها: أماه .. أماه هل تسمعينني؟ هل تنصتين إليّ؟ هل تسمعين صراخي؟ آه .. آه إذا كنت لا تسمعيني؟ آه كيف لا تسمعينني وأنا بين يديك؟ آه كيف لا تسمعين وقلبي معلق براحتيك؟ فافتحي صدرك إلى وقربيني إليك لأرتمي بين أحضانك، وأبث شكواي لك، فكفكفي حزني، وامسحي دمعي، وكبليني بقيودك فلا قيد أطيق اليوم سوى قيدك الحنون، خذي .

******

يا أماه.. استري عليّ أجفانك واحميني من الثعالب الماكرة، والذئاب الغادرة، فصدرك برد وسلام، وحضنك دفء ووئام ونصحك نور أستضيء به مدى الأيام.. لا تدعيني إليهم بين أدراج الحياة أتخبط في جحيم العصاة، وأكون أسيرة بين أيديهم يفعلون بي ما يشاءون، يبيعونني في أي سوق ويشترون، فأنا أصبحت كالسلعة التي بها يسومون، وعلى بضائعها ينادون.

*******





أماه.. أنقذيني..أجيبي أيتها الأم.. أجيبي ابنتك بعد أن بح صوتها، وارحمي دمعتها، قولي لها: أفديك يا شمعة تبكي ذوائبها، أفديك بنتاه بدمي إن كنت لؤلوة فالقلب محار.. قولي لها: مازال دمعك مرسوم بذاكرتي.. وأيم الله ما زال دمع الفتاة التي تبكي عبر الهاتف مرسوم بذاكرتي يوم البكاء.

*******

أيتها الأم.. كوني لها ولسائر أخوتها المربية الصالحة، والأم النافعة، تقتدي بالسابقات الصالحات من النساء المؤمنات، وإياك أن تقتليها من غير سكين، وتضعيها في درب الردى وأنت لا تشعرين.

*******


أما سمعت بنماذج بعض الصالحات في العالمين:

فخذي مثلا في الخنساء يوم كانت مثلًا صالحًا في تربية الأبناء، حضرت مع أولادها في حرب القادسية، فقالت لهم:' يا بَني أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله إنكم أبناء رجل واحد، وأم واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وأنت تعلمون ما أعد الله للمؤمنين المجاهدين من الثواب العظيم، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستنصرين بالله على أعدائه، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وأبرمت لظى على سياقها، وجعلت نارًا على رواقها، فتيموا وطيسها'. حتى استشهدوا جميعًا فبلغها الخبر، ويا لأم يبلغها الخبر بوفاة ولد من أولادها، فكيف بأم تفجع وتخبر بمقتلهم جميعًا، فلتقتدي بالصابرة حينما بلغها الخبر قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في جنات النعيم.. تلك والله الأم .

*******

عذرًا أيتها الجوهرة الأم. لم نوفك حقًا، وإنما تلميحات تغني عن التصريحات، وأن من جد وجد، ومن زرع حصد، فمن سار على الدرب وصل .

وإن كنت قد حسرت الستار عن بعض الجواهر، فهناك الكثير، فالجواهر كثر، والدر أكثر، والحديث عنك ذو شجون، فالبنات عندنا جواهر، والأخوات درر، ألا يكفيهن أن القرآن شن على أصحاب العقائد المنحرفة كالذين يبغضون الأنثى ويستنكفون عند ولادتها، يقول الله عنهم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[سورة النحل]. إنه حكم جائر، وتصرف وحشي، فمن يمد يده على تلك الطفلة البريئة يواريها التراب بعد أن اغتيلت عاطفة الأبوة الجياشة، والرحمة الفطرية.

*******

ألست تشعرين أيتها البنت والأخت بل وسائر الأخوات المؤمنات أنكن جوهرة مصونة، ودرة مكنونة، إذًا: فاسمعي يوم رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليك، يوم دوت تلك الكلمات في الآذان دويًا، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ] رواه الترمذي.

*******

أيتها الجوهرة.. ألا تشعرين أن الإسلام قعّد لك حقوقًا لا تحتاج إلى زيادة، وهي بعيدة عن النقصان، إذًا فاحذري دعاة الفساد، وأعداء المرأة الأوغاد، الذين يخططون بخطى عاتية في إفساد المرأة وإخراجها عن وصفها المستقيم، فجعلوها قضية تزعجهم.

*******

ومن هنا يحرص أولئك أن يجدونك قضية تحتاج إلى نقاش، وتستدعي الدفاع عنها؛ ولذلك يكثرون الطنطنة عبر وسائل الإعلام المختلفة على هذا الوطر بأن المرأة في مجتمعنا تعاني، وأنها مظلومة، وأنها شق معطل، وأنها رئة مهملة لا تنال حقوقها كاملة، وإن الرجل قد استأثر دونها بكل شيء، وأن المرأة الغربية فاقتها بكل شيء.. وكذبوا وخابوا وخسروا.
*******
اسمعي أيتها الجوهرة شيئاً من حقائق ومآسي المرأة الغربية التي جعلوها في نظرهم قدوة، فأصبحوا لها ينادون، وعلى طريقتها يدعون:

لست أرضى العيش عيش الهمجية ... سابقي خيل العنان واركبي أغلى مطية
زادك الإيمـان تمضين بقصد وروية ... لا تبالي بالدعـاوي والأباطيل الدعية

*******

اسمعي لمأساة المرأة الغربية، وتأملي معي في بعض صور حياتها الموثقة بالتقارير والأرقام والنِسَب وأكتفي هنا بسرد بعضها باختصار للاعتبار والعظة:

*******

هذه صورة قالها أحد الدعاة: أن امرأة غربية وابنها الصغير رآها في أحد الدول تفترش الرصيف تنام عليه لا مأوى لها، فأين أنتم يا دعاة التحرير؟ أين أنتم عن هذه الغربية التي نامت في الشارع لا مأوى لها؟‍

وصورة أخرى: لأم تعرض طفلتها للسعات الفئران حتى تموت.

وصورة: تحكي أن أما تضرب ابنها الذي لم يتجاوز العام حتى فارق الحياة.. فسبحان الله ! أين حقوق الإنسان؟!

وصورة نقلتها مجلة المجتمع:أن مائة وخمسين ألف طفل أمريكي يقتلون بالإجهاض.

وصورة أخرى ذكرتها مجلة الأسرة: أن خمس عشرة طفلة يقتلون يوميا في أمريكا.

ومن الصور: أن الأب يعتدي على طفلته جنسيًا في بريطانيا، ويفعل بها الفاحشة، والعياذ بالله .

وهناك حوالي عشرة آلاف امرأة في الولايات المتحدة يلدن سفاحًا.

وصورة أخرى: تنقلها الدراسات في أمريكا توضح أن في كل 6 دقائق تقع حادثة اغتصاب لفتاة، وحالة ايدز في أمريكا في كل 10 دقائق.

*******

ومن المآسي ما ذكرته الدراسات: أن أكثر من 50% من المراهقات يلدن بدون علاقات زوجية، وأكثر من 5 مليون رجل متزوج له علاقة غير شرعية خارج عش الزوجية..أين دعاة التحرير؟ أين الذين ينادون المرأة الشرقية كما يزعمون.
وهذه عن دراسة ذكرتها مجلة الأسرة قالت: في أمريكا حالات الاغتصاب والضرب بلغت ثلاث آلاف أمريكية يقتلن على يدي شركائهم في العيش أزواجًا كانوا أو عشقاء، وإن 4 مليون أمريكية يضربن كل سنة بمعدل امرأة واحدة كل خمس عشر ثانية تضرب، وفي فرنسا خمسة ملايين امرأة متزوجة على علاقة جنسية بغير زوجها، كما تشير الإحصاءات إلى أن عشرة آلاف أنثى دون الثامنة عشر اغتصبن في العاصمة واشنطن وإحدى عشر ولاية، وأن ثلاثة آلاف وثماني مائة من هؤلاء كن دون الثانية عشر.

ويزداد رعب الأرقام ورعب المأساة عندما نقرأ: أن عشرين في المائة من الفتيات دون الثانية عشر اغتصبهن آباؤهن، 26% اغتصبهن أقارب لهن، وأن 50% اغتصبهن أصدقاء ومعارف  لهم.
*******

أعرفت أيتها الجوهرة حال المرأة الغربية وصور مآسيها، وخذي هذه الزيادة: قال أحد الذين كانوا يدرسون اللغة في إحدى الدول الغربية وكان يسكن عند إحدى العائلات، يقول دخلت ذات مرة إلى البيت الذي أسكن فيه، فإذا بنت صاحب المنزل تبكي بكاء حارًا وأبوها يرفع صوته عليها، كان عمرها 15 عامًا يقول: فلما سألتها ما سبب البكاء؟ فقالت: أن أبي يطلب مني إيجار الغرفة أسبوعيًا، ولم أستطع إلا أن أدفع إلا جزء هذا الأسبوع، فرفض الأب إلا أن أدفع له كامل المبلغ، وإلا مآلي إلى الطرد ومصيري إلى الشارع. فلذلك تسعى أغلب الفتيات هناك للتعرف على الرجال لإيجاد مأوى لهن.

فأين المساواة يا من تدعون المساواة، ويا من غررتم المرأة بأنكم تنادون بحريتها؟!

لقد مر على قيام المنظمات والمؤتمرات أكثر من 50 عامًا فأين هم؟ إنها المآسي .

*******
أيتها الجوهرة ومن المآسي: ما ذكره الدكتور محمد عبد الرزاق وهو ما رآه في مدينة لاسكو قائلًا: بينما كنا ننتظر وصول الحافلة والناس مصطنعين وأنا بامرأة وقعت عينها على فتاة فسلمت عليها سلامًا حارًا وسألتها كم مضى عليك هنا؟ قالت: خمس سنوات، فقالت العجوز: ألا تعرفين أنني أعيش وأسكن في هذه المدينة نفسها أجابت الفتاة بلا أعلم.

فقالت العجوز بصوت حزين. لماذا لا تزورينني قالت الفتاة المشاغل كثيرة والوقت ضيق، فنظرت لها العجوز قائلة أنسيت الأيام والسنين كيف لا تزورينني وأنا أمك يا بنتاه؟! أرأيت أيتها الجوهرة.
*******

أما في مدينة في انجلترا فتسكن عجوز في بيت مستقر وقد تركها الزوج والأبناء، فما كان منها إلا أن اهتمت بتربية القطط فاتخذت نحو عشر قطط قامت بتربيتها، وكان باعة الحليب على عادتهم في بريطانيا يجيئون في الصباح لمن اشترك في شراء الحليب، ثم يضعون الحليب في زجاج عند الأبواب، وهكذا في سائر الأيام، فجاء في اليوم الثاني فوجد لبن حليب الأمس عند باب العجوز لم تؤخذ فاتصل هذا البائع بالشرطة، فوجدوا أن العجوز قد ماتت، والقطط أكلت رجلها وأنفها وأذنيها، فحققت الشرطة في هويتها، فوجدت أن ابنًا من أبناء هذه العجوز يسكن في نفس الشارع التي تسكن فيه العجوز على مسير بضع دقائق، فقالوا له: منذ متى لم تشاهد هذه المرأة- وهي أمه-. فقال: منذ خمسة أشهر، وهو يسكن معها في نفس الشارع !

*******

أرأيت أيتها الجوهرية تلك الحياة المضطربة التي نزعت منها كل خصائص الحياة الاجتماعية والأسرية فضلًا عن الحياة الدينية.

*******

وأخيرًا من الصور والمآسي: ما ذكرته مجلة النور في عددها '127' في محاولات الانتحار بين الشباب والشابات الفرنسيين وأنه بمعدل 12 ألف ينتحرون كل عام، حتى وصل الأمر فيهم لدرجة انتشار كتب عن الانتحار بعناوين شتى منها كتاب 'كيف تتخلص من حياتك بسهولة' والغريب أن هذه الكتب تجد رواجًا عجيبًا. فيباع منها الآلاف في وقت قصير.

*******
أرأيت أيتها الجوهرة كيف تعيش المرأة الغربية، أرأيت تلك الصور والمآسي هي من صور أولئك اللاتي تعجب بهن البعض من نساءنا اللاتي تأثرن بالمظهر ودعاة الحرية والاستقلال، وليست والله لا حرية ولا استقلال إنما هي الذلة والنكال.

أما نحن معشر الرجال فلم نرخي الذمام، ولن نطلق قيادنا مهما بلغ بنا الأمر، ولو قدمنا رقابنا دفاعًا عن محارمنا، و عن نساءنا.

*******

ونحن اليوم نشكو من جاهلية هذا القرن إذ وئدت المرأة وأدًا أشد من الجاهلية، فالمؤودة في الجاهلية في الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أما المؤودة في هذا القرن فهي التي وأدت نفسها، وباعت عفتها، وهدرت حيائها، فلا تجد  الجنة -وربي- كاسية عارية مائلة مميلة أصغت بأذنها إلى الدعاة على أبواب جهنم، فشقيت وخسرت في دنياها وأخراها.

*******

فلتحذر المتبرجة يوم تركت حجابها، عجبًا لتلك الشريفة العفيفة كيف تقبل أن تعرض جمالها في السوق، وأن تكون سلعة رخيصة تتداولها الأعين، وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة وشهوة في نفس رجل يراها، بل وكيف تطيق الشعور بأن يصبو إليها ويتمناها، وأين هي من قول ربها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ... } [سورة الأحزاب].

أيتها الجوهرة.. إنك تفقدين عفافك عندما تخلعين الحجاب، فتخلعين الحياء والوقار، إن الحجاب شعار التقوى والإسلام، وبرهان الحياء والاحتشام، وأعظم دليل على أدبك وكمالك، فصونيه أيتها الشريفة. صوني جسمك الطاهر من اعتداء الأعين الزانية وحسنيه بالاحتشام تزودي عنه السهام الغازية .

لا خير في حسن الفتاة وعلمها ...إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها وإنمـ  ... ـا للناس منها دينها وحياؤها.


*******

أيتها الجوهرة : إن أهل الباطل يريدون منك أن تكون فاجرة عاهرة كافرة، يريدون أن تكون بهيمة في مسخ بشر. حاشاك يا ابنة الإسلام، وأنت المقتدية بقول عائشة رضي الله عنها:' أقلوا من الذنوب فإنكم لن تلقوا الله بشيء أفضل من قلة الذنوب'. فإن الذنب أخرج الأبوين من الجنة، وأخرج إبليس من ملكوت السماوات وطرده الله ولعنه. وبالذنب سلطت الريح على قوم عاد، وأرسل على قوم ثمود الصيحة، ورفعت قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، وخسف بقارون داره وماله وأهله، أفأمنت مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ[16]أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ[17]} [سورة الملك].

*******

أيتها الجوهرة: إنهم يتحدثون ويقولون ماتت فلانة وفلانة، فهل تدري متى يقولون متى أنتِ؟ هل تذكرت حالك إذا غُسّلتِ بسدر وحنوط وكفنت بخمسة أثواب؟ يا ترى كيف سيكون حالك عند الموت؟ هل تريدي أن تموتي وأنت تنتقلين من قناة إلى قناة، أو وأنت ممسكة بسماعة الهاتف، أو تفكرين بالزنا، أو تاركة للصلاة؟!

*******
إن آمالنا بك يا أيتها الجوهرة الكبيرة أن تعودي إلى الله قبل فوات الأوان، لأن الدقائق تؤذن بالرحيل،  فالوصية للجواهر والدرر أن يرجعن لكتاب الله، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، التوبة التوبة قوليها واعملي بها؛ لأنها كلمة سهلة على اللسان، ولكن أين الذين يطبقونها، واتقي الله أن يكون أهون الناظرين إليك، وإياكي أن تبغي بالصحة والعافية والمأكل والمشرب، فرب مسرور مغبون بأكل وبشرب ويضحك وقد كتب أنه من وفود النار، احذري جليسة السوء وكل جليسة لا تستفيدين منها خيرًا فاجتنبيها، وتذكري أن الحساب غدًا شديد، والاحصاء دقيق، واحذري الغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية، احذري أن تطلقي العنان للسان، واعلمي أنه لا يجوز كشف الزينة والوجه للرجال الأجانب وأخص منهم الحمو أخو الزوج لأنه الموت كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

*******






احذري الطبيب والسائق والخياط والبائع؛ فإن الحساب عسير، والعقاب شديد وإياك واللباس الفاضح كالبنطال والخفيف والضيق والشفاف واحذري أن تكون قطعة قماش كهذه سبب دخولك إلى النار وعليك بالستر والحشمة.

*******

يا أمة الله.. العباءة ليست رداءً تلبسينه ولباسًا تتزينين به، بل هو طاعة لأمر الله، فأرى الله منك خيرًا بالاحتشام والستر والعفاف، واعلمي أن حجابك هو السور الذي يسترك ويحفظك من لصوص النظر والإغراء والمدينة تبقى أمينة ما دامت الأسوار فيها منيعة بأعمدة متينة.
*******





واحذري من شراء المجلات الهابطة، واحذري أن تفسدي جيبك بالشراء، وعقلك بالشبه وعينك بالنظر إلى ما حرم الله. بل تصدقي بقيمة هذه المجلة تؤجري في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، واحذري الخلوة مع الرجل الأجنبي، وإياك وكثرة الخروج من بيتك من غير حاجة، وخصوصًا إلى شر البقاع الأسواق.

*******

أيتها الجوهرة.. إن المرأة عورة إذا خرجت استشرفها الشيطان أي زينها للرجال والحديث رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم، احذري التطيب عند الخروج والذهاب واستحضري قول النبي صلى الله عليه وسلم: [أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ]رواه الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجة وأحمد .

*******




أيتها الجوهرة.. سارعي إلى التزود من الطاعات، فهي طريق الخير والمنافسات، وقربة لله من رب الأرض والسماوات.
*******

اقرئي القرآن، حافظي على السنة والرواتب، كوني حريصة على الوقت والاستفادة منه فالوقت المفقود لا يعود ولا يشتري بالنقود. صلاتك صلاتك حافظي عليها تغنمي. أديها في أوقاتها

*******








أيتها الجوهرة.. أخيرًا: لا تنسي أنك تعودين إلى نساء خالدات عطرن التاريخ بطيب ذكرهن، وأضفين على صفحاته كرم العطاء ونبل التضحية، وصنعوا لدينهن أجيالًا من الأبطال، فكن مصانع الرجال، وتذكري يوم تبلى السرائر، ويوم تكشف الضمائر، يوم الحاقة، القارعة، يوم الزلزلة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، يوم يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله.. حفظ الله نساء المسلمين وهداهن بالتوفيق والسداد.
من محاضرة بعنوان :' الجوهرة المصونة' للشيخ / بدر بن نادر المشاري
حفظه الله تعالى وأرضاه










هذا ما وفقنى الله تعالى لجمعه حول ما يحاك لأمة محمد
والله أسأل أن يجعل فيه الفائدة وأن يتجاوز عن تقصيرى
فما كان من صواب فهو من توفيق من لا حول ولا قوة إلا به
الله الذى خلقنى وخلقك .
وما كان من خطأ فهو من نفسى والشيطان
والله ورسوله منه براء ونسأله تعالى
الإخلاص والقبول لجميع الأقوال والأعمال .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير خلق الله والمبعوث رحمة مهداه وعلى الآل والصحب ومن أبرز النهج وأقتفى أثره وهداه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
...
جامعه
عبد الله الفقير لعفوه ورحمته
سبط الإمام ابن دقيق العيد
أبو كفاح الدين أحمد بن محمد السعيد العزيزى

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire